المغني تأليف الشيخ الامام العلامة و الحبر المدقق الفهامة شيخ الاسلام موفق الدين ( أبي محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة ) المتوفى سنة 620 على مختصر ( أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن احمد الخرقي ) ويليه .
على مذهب امام الائمة و محي السنة الامام ( أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه و عنهم و جزاهم عن أنفسهم و عن المسلمين أفضل الجزاء الجزء الثالث .
دار الكتاب العربي للنشر و التوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم ( كتاب الصيام ) الصيام في اللغة الامساك يقال صام النهار إذا وقف سير الشمس قال الله تعالى إخبارا عن مريم ( اني نذرت للرحمن صوما ) أي صمتا لانه إمساك عن الكلام و قال الشاعر : خيل صيام و خيل صائمة تحت العجاج و أخرى تعلك اللجما يعني بالصائمة الممسكة عن الصهيل ، و الصوم في الشرع عبارة عن الامساك عن أشياء مخصوصة في وقت مخصوص يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، وصوم رمضان واجب و الاصل في وجوبه الكتاب و السنة و الاجماع .
اما الكتاب فقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب علكيم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصه ) .
و أما السنة فقول النبي صلى الله عليه و آله " بني الاسلام على خمس " ذكر منها صوم رمضان ، و عن طلحة بن عبيد الله أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله ثائر الرأس فقال يا رسول الله أ خبري ماذا فرض الله علي من الصيام ؟ قال " شهر رمضان " قال هل علي غيره ؟ قال لا
الا أن تطوع شيئا " قال فاخبرني ماذا فرض الله علي من الزكاة ؟ فاخبره رسول الله صلى الله عليه و آله بشرائع الاسلام قال و الذي اكرمك لا أ تطوع شيئا و لا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال النبي صلى الله عليه و آله " أفلح ان صدق أو دخل الجنة إن صدق " متفق عليها و أجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان ( فصل ) روي عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة " متفق عليه و روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال " لا تقولوا جاء رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله تعالى " ( 1 ) فيتعين حمل هذا على أنه لا يقال ذلك مقترن بما يدل على إرادة الشهر لئلا يخالف الاحاديث الصحيحة و المستحب مع ذلك أن يقول شهر رمضان كما قال الله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) و اختلف في المعنى الذي لاجله سمي رمضان فروى أنس عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال " إنما سمي رمضان لانه يحرق الذنوب " ( 2 ) فيحتمل أنه أراد أنه شرع صومه دون غيره ليوافق اسمه معناه ، و قيل هو اسم موضوع لغير معنى كسائر الشهور و قيل ذلك ( فصل ) و الصوم المشروع هو الامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس و روي معنى ذلك عن عمر و ابن عباس و به قال عطاء و عوام أهل العلم ( 3 ) و روي عن علي رضي الله عنه أنه لما صلى الفجر قال الآن حين تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود ، و عن ابن مسعود نحوه و قال مسروق لم يكونوا يعدون الفجر فجركم انما كانوا يعدون الفجر الذي يملا البيوت و الطرق و هذا قول الاعمش
و لنا قول الله تعالى ( حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ) يعنى بياض النهار من سواد الليل و هذا يحصل بطلوع الفجر قال ابن عبد الله في قول النبي صلى الله عليه و آله " ان بلالا يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتى يؤذن اين أم مكتوم ) دليل على أن الخيط الابيض هو الصباح و أن السحور لا يكون الا قبل الفجر و هذا إجماع لم يخالف فيه الا الاعمش وحده فشذ و لم يعرج أحد على قوله ، و النهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، قال هذا قول جماعة علماء المسلمين ( مسألة ) قال أبو القاسم رحمه الله ( و إذا مضى من شعبان تسعة و عشرون يوما طلبوا الهلال فان كانت السماء مصحية لو يصوموا ذلك اليوم ) و جملة ذلك أنه يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان و تطلبه ليحتاطوا بذلك لصيامهم و يسلموا من الاختلاف ، و قد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و آله قال " احصوا هلال شعبان لرمضان " فإذا رأوه وجب عليهم الصيام إجماعا و ان لم يروه و كانت السماء مصحية لم يكن لهم صيام ذلك اليوم الا أن يوافق صوما كانوا يصومونه مثل من عادته صوم يوم و إفطار يوم أو صوم يوم الخميس أو صوم آخر يوم من الشهر و شبه ذلك إذا وافق صومه أو من صام قبل ذلك بأيام فلا بأس بصومه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و آله قال " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين الا أن يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه " متفق عليه و قال عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و آله قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح و كره أهل العلم صوم يوم الشك و استقبال رمضان باليوم و اليومين لنهي النبي صلى الله عليه و آله عنه و حكي عن القاسم بن محمد أنه سئل عن صيام آخر
يوم من شعبان هل يكره ؟ قال لا الا أن يغمى الهلال و اتباع قول رسول الله صلى الله عليه و آله أولى فأما استقبال الشهر بأكثر من يومين فغير مكروه فان مفهوم حديث أبي هريرة أنه مكروه لتخصيصه النهي باليوم و اليومين و قد روي العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و آله قال " إذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح الا أن أحمد قال ليس هو بمحفوظ قال و سألنا عنه عبد الرحمن بن مهدي فلم يصححه و لم يحدثني به و كان يتوقاه قال احمد و العلاء ثقة لا ينكر من حديثه الا هذا لانه خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنه كان يصل شعبان برمضان و يحمل هذا الحديث على نفي استحباب الصيام في حق من لم يصم قبل نصف الشهر و حديث عائشة في صلة شعبان برمضان في حق من صام الشهر كله فانه قد جاء ذلك في سياق الخبر فلا تعارض بين الخبرين إذا .
و هذا أولى من حملهما على التعارض ورد أحدهما بصاحبه و الله أعلم و في كلام الخرقي فيه اختصار و تقديره طلبوا الهلال فان رأوه صاموا و ان لم يروه و كانت السما مصحية لم يصوموا فحذف بعض الكلام للعلم به اختصارا ( فصل ) و يستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما روى ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا
رأى الهلال قال " الله اكبر أللهم أهله علينا بالامن و الايمان و السلامة و الاسلام و التوفيق لما تحب و ترضى ربي و ربك الله " رواه الاثرم