( مسألة ) قال ( و يتقلد بالسيف عند الضرورة ) و جملة ذلك أن المحرم إذا احتاج إلى تقلد السيف فله ذلك و بهذا قال مالك و أباح عطاء و الشافعي و ابن المنذر تقلده و كرهه الحسن و الاول أولى لما روى أبو داود باسناده عن البراء قال لما صالح رسول الله صلى الله عليه و آله أهل الحديبية صالحهم على أن لا يدخلوها الا بجلبان السلاح ( القراب بما فيه ) و هذا ظاهر في إباحة حمله عند الحاجة لانهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن ينقضوا العهد و يخفروا الذمة و اشترطوا حمل السلاح في قرابه .فأما من خوف فان أحمد قال لا الا من ضرورة .و انما منع منه لان ابن عمر قال لا يحمل المحرم السلاح في الحرم و القياس إباحته لان ذلك ليس هو في معنى الملبوس المنصوص على تحريمه و لذلك لو حمل قربة في عنقه لا يحرم عليه ذلك و لا فدية عليه فيه .و سئل احمد عن المحرم يلقي جرابه في رقبته كهيئة القربة قال ارجو أن لا يكون به بأس
(281)
( مسألة ) قال ( و ان طرح على كتفيه القباء و الدواج فلا يدخل يديه في الكمين ) ظاهر هذا اللفظ إباحة لبس القباء ما لم يدخل يديه في كميه و هو قول الحسن و عطاء و إبراهيم و به قال أبو حنيفة .و قال القاضي و أبو الخطاب إذا أدخل كتفيه في القباء فعليه الفدية و ان لم يدخل يديه في كميه و هو مذهب مالك و الشافعي لانه مخيط لبسه المحرم على العادة في لبسه فلزمته الفدية إذا كان عامدا كالقميص و روي ابن المنذر أن النبي صلى الله عليه و آله نهى عن لبس الاقبية .و وجه قول الخرقي ما تقدم من حديث عبد الرحمن بن عوف في مسألة : ان لم يجد ازارا لبس السراويل ، و ان لم يجد نعلين لبس الخفين .و لان القباء لا يحيط بالبدن فلم تلزمه الفدية بوضعه على كتفيه إذا لم يدخل يديه
(282)
في كميه كالقميص يتشح به .و قياسهم منقوض بالرداء الموصل ، و الخبر محمول على لبسه مع إدخال يديه في كميه ( مسألة ) ( قال و لا يظلل على رأسه في المحمل فان فعل فعليه دم ) كره احمد في الاستظلال في المحمل خاصة ، و ما كان في معناه كالهودج و العمارية و الكبيسة و نحو ذلك على البعير و كره ذلك ابن عمر و مالك و عبد الرحمن بن مهدي و أهل المدينة و كان سفيان بن عيينة يقول لا يستظل البتة و رخص فيه ربيعة و الثوري و الشافعي و روي ذلك عن عثمان و عطاء لما روت أم الحصين قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه و آله حجة الوداع فرأيت أسامة و بلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه و آله و الآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة وراه مسلم و غيره ، و لانه يباح له التظلل في البيت و الخباء فجاز في حال الركوب كالحلال ، و لان ماحل للحلال حل للمحرم إلا ما قام
(283)
على تحريمه دليل و احتج احمد بقول ابن عمر روى عطاء قال رأى أبن عمر على رحل عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة عودا يستره من الشمس فنهاه ، و عن نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا محرما على رحل قد رفع ثوبا على عود يستتر به من الشمس فقال اضح لمن أحرمت له ( أي أبرز للشمس ) رواهما الاثرم و لانه ستر بما يقصد به الترفه أشبه ما لو غطاه و الحديث ذهب اليه احمد فلم يكره أن يستتر بثوب و نحوه فان ذلك لا يقصد للاستدامة ، و الهودج بخلافه ، و الخيمة و البيت يراد ان لجمع الرحل و حفظه لا للترفه و ظاهر كلام أحمد أنه انما كره ذلك كراهة تنزيه لوقوع الخلاف فيه و قول ابن عمر ، و لم ير ذلك حراما و لا موجبا لفدية .قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يستظل على المحمل ؟ قال لا و ذكر حديث ابن عمر : اضح لمن أحرمت له ، قيل له فان فعل يهريق دما ؟ قال أما الدم فلا ، قيل فان أهل المدينة يقولون عليه دم ، قال نعم أهل المدينة يغلطون فيه و قد روي ذلك عن أحمد و هو اختيار
(284)
الخرقي لانه ستر رأسه بما يستدام و يلازمه غالبا فأشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه ، و يروي عن الرياشي قال : رأيت احمد بن المعذل في الموقف في يوم حر شديد و قد ضحي للشمس فقلت له يا أبا الفضل هذا أمر قد اختلف فيه فلو أخذت بالتوسعة فانشأ يقول : ضحيت له كي أستظل بظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا فوا أسفا إن كان سعيك باطلا و يا حسرتا ان كان حجك ناقصا
(285)
( فصل ) و لا بأس أن يستظل بالسقف و الحائط و الشجرة و الخباء ، و إن نزل تحت شجرة فلا بأس بان يطرح عليها ثوبا و يستظل به عند جميع أهل العلم و قد صح به النقل فان جابرا قال في حديث حجة النبي صلى الله عليه و آله و أمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فأتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس .رواه مسلم و ابن ماجة و غيرهما ، و لا بأس أيضا أن ينصب حياله ثوبا يقيه الشمس و البرد ، إما أن يمسكه إنسان أو يرفعه على عود على نحو ما روي في حديث أم الحصين ان بلالا أو أسامة كان رافعا ثوبا يستر به النبي صلى الله عليه و آله من الحر ، و لان ذلك لا يقصد به الاستدامة فلم يكن به بأس كالاستظلال بحائط
(286)
( مسألة ) قال ( و لا يقتل الصيد و لا يصيده و لا يشير إليه و لا يدل عليه حلالا و لا حراما ) لا خلاف بين أهل العلم في تحريم قتل الصيد و اصطياده على المحرم و قد نص الله تعالى عليه في كتابه فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم ) و قال تعالى ( و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) و تحرم عليه الاشارة إلى الصيد و الدلالة عليه فان في حديث أبي قتادة لما صاد الحمار الوحشي و أصحابه محرمون قال النبي صلى الله عليه و آله لاصحابه " هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ " و في لفظ متفق عليه " فأبصروا حمارا وحشيا و أنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني و أحبوا لو أني أبصرته " و هذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الدلالة عليه و سؤال النبي صلى الله عليه و آله لهم " هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ " يدل على تعلق التحريم بذلك لو وجد منهم ، و لانه تسبب إلى محرم عليه فحرم كنصبه الاحبولة ( فصل ) و لا تحل له الاعانة على الصيد بشيء فان في حديث أبي قتادة المتفق عليه : ثم ركبت و نسيت السوط و الرمح فقلت لهم ناولوني السوط و الرمح قالوا و الله لا نعينك عليه ، و في رواية فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني .و هذا يدل على انهم اعتقدوا تحريم الاعانة و النبي صلى الله عليه و آله أقرهم على ذلك و لانه أعانة على محرم فحرم الاعانة على قتل الآدمي ( فصل ) و يضمن الصيد بالدلالة فإذا دل المحرم على الصيد فأتلفه فالجزاء كله على المحرم .روي ذلك عن علي و ابن عباس و عطاء و مجاهد و بكر المزني و إسحاق و أصحاب الرأي ، و قال مالك