و الاسود بن يزيد ، و عن أبي طلحة انه كان لا يفطر إلا يومي العيدين ، و الظاهر ان هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول الله صلى الله عليه و آله عن صيامها و لو بلغهم لم يعدوه إلى غيره ، و قد روى أبو مرة مولى أم هانئ انه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص فقرب إليهما طعاما فقال كل ، فقال أني صائم ، فقال : عمرو : كل فهذه الايام التي كان رسول الله يأمر بافطارها و ينهى عن صيامها ، و الظاهر أن عبد الله بن عمرو أفطر لما بلغه نهي رسول الله صلى الله عليه و آله ، و أما صومها للفرض ففيه روايتان ( احداهما ) لا يجوز لانه منهى عن صومها فأشبهت يومي العيدين ( و الثانية ) يصح صومها للفرض لما روي عن ابن عمرو و عائشة انهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يضمن الا لمن لم يجد الهدي اي المتمتع إذا عدم الهدي و هو حديث صحيح رواه البخاري و يقاس عليه كل مفروض ( 1 ) ( فصل ) و يكره افراد يوم الجمعة بالصوم الا ان يوافق ذلك صوما كان يصومه مثل من يصوم يوما و يفطر يوما فيوافق صومه يوم الجمعة ، و من عادته صوم أول يوم من الشهر أو آخره أو يوم نصفه و نحو ذلك نص عليه احمد في رواية الاثرم ، قال قيل لابي عبد الله صيام يوم الجمعة ، فذكر حديث النهي ان يفرد ثم قال الا ان يكون في صيام كان يصومه و أما ان يفرد فلا ، قال قلت رجل كان يصوم يوما و يفطر يوما فوقع فطره يوم الخميس و صومه يوم الجمعة و فطره يوم السبت فصام الجمعة مفردا ، فقال هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة إنما كره ان يتعمد الجمعة ، و قال أبو حنيفة و مالك لا يكره افراد الجمعة لانه يوم فاشبه سائر الايام و لنا ما روى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة الا يوما قبله أو بعده " و قال محمد بن عباد سألت جابرا أنهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن صوم يوم الجمعة ؟ قال نعم ، متفق عليهما ، و عن جويرية بنت الحارث ان النبي صلى الله عليه و آله دخل عليها يوم الجمعة و هي صائمة فقال " اصمت أمس ؟ " قالت لا قال " أ تريدين ان تصومي غدا ؟ " قال لا قال " فأفطري " رواه البخاري و فيه أحاديث سوى هذه و سنة رسول الله صلى الله عليه و آله احق ان تتبع و هذا الحديث يدل على ان المكروه افراده لان نهيه معلل بكونها لم تصم أمس و لا غدا ( فصل ) قال اصحابنا يكره افراد يوم السبت بالصوم لما روى عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه و آله " لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم " أخرجه الترمذي و قال هذا حديث حسن و روي أيضا عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال " لا تصوموا يوم السبت الا فيما افترض عليكم فان لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجر فليمضغه " أخرجه أبو داود و قال اسم اخت عبد الله بن بسر هجيمة أو جهيمة ، قال الاثرم قال أبو عبد الله اما صيام يوم السبت يفترد به فقد
(99)
جاء فيه حديث الصماء و كان يحيى بن سعيد يتقيه أي ان يحدثني به و سمعته من ابي عاصم ، و المكروه أفراده فان صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة و جويرية ، و ان وافق صوما لانسان لم يكره لما قدمناه و قال أصحابنا و يكره افراد يوم النيروز و يوم المهرجان بالصوم لانهما يومان يعظمهما الكفار فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما فكره كيوم السبت و على قياس هذا كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم ( 1 ) ( فصل ) و يكره افراد رجب بالصوم قال أحمد و ان صامه رجل أفطر فيه يوما أو أياما بقدر ما لا يصومه كله و وجه ذلك ما روى أحمد بأسناده عن خرشة بن الحر قال رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام و يقول كلوا فانما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية و اسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس و ما يعدون لرجب كرهه و قال صوموا منه و أفطروا و عن ابن عباس نحوه و باسناده عن أبي بكرة أنه دخل على أهله و عندهم سلال جدد و كيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أ جعلتم رجب رمضان فأكفأ السلال و كسر الكيزان قال أحمد من كان يصوم السنة صامه و إلا فلا يصومه متواليا يفطر فيه و لا يشبهه برمضان ( فصل ) و روى أبو قتادة قال قيل يا رسول الله فكيف يمن صام الدهر ؟ قال " لا صام و لا أفطر ، أو لم يصم و لم يفطر " قال الترمذي هذا حديث حسن و عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و آله قال " من صام الدهر ضيقت عليه جهنم " قال الاثرم قيل لابي عبد الله فسر مسدد قول أبي موسى من صام الدهر ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها فضحك و قال من قال هذا ؟ فأين حديث عبد الله ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه و آله كره ذلك و ما فيه من الاحاديث ؟ قال أبو الخطاب انما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين و أيام التشريق لان أحمد قال إذا أفطر يومي العيدين و أيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس و روي نحو هذا عن مالك و هو قول الشافعي لان جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم منهم أبو طلحة قيل انه صام بعد موت النبي صلى الله عليه و آله أربعين سنة و الذي يقوى عندي أن صوم الدهر مكروه و ان لم يصم هذه الايام فان صامها فقد فعل محرما و انما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة و الضعف و شبه التبتل المنهي عنه بدليل أن النبي صلى الله عليه و آله قال لعبد الله بن عمرو " انك لتصوم الدهر و تقوم الليل " فقلت نعم قال " انك إذا فعلت ذلك هجمت له عينك و نقهت له النفس ، لا صام من صام الدهر ، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله " قلت فاني أطيق أكثر من ذلك قال " فصم صوم داود كان يصوم يوما و يفطر يوما و لا يفر إذا لاقى " و في رواية و هو أفضل الصيام فقلت اني أطيق أفضل من ذلك قال " لا أفضل من ذلك " رواه البخاري ( مسألة ) قال ( و إذا رؤي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة ) و جملة ذلك ان المشهور عن أحمد ان الهلال إذا رؤي نهارا قبل الزوال أو بعده و كان ذلك في
(100)
آخر رمضان لم يفطروا برؤيته و هذا قول عمر و ابن مسعود و ابن عمر و أنس و الاوزاعي و مالك و الليث و الشافعي و إسحاق و أبي حنيفة و قال الثوري و أبو يوسف ان رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية و ان كان بعده فهو لليلة المقبلة و روي ذلك عن عمر رضي الله عنه رواه سعيد لان النبي صلى الله عليه و آله قال " صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته " و قد رأوه فيجب الصوم و الفطر و لان ما قبل الزوال أقرب إلى الماضية و حكي هذا رواية عن أحمد و لنا ما روى أبو وائل قال جاءنا كتاب عمر و نحن بخانقين ان الاهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا الا أن يشهد رجلان انهما رأياه بالامس عشية و لانه قول ابن مسعود و ابن عباس و من سمينا من الصحابة و خبرهم محمول على ما إذا رؤي عشية بدليل ما لو رؤي بعد الزوال ثم ان الخبر انما يقتضي الصوم و الفطر من الغد بدليل ما لو رؤي عشية فاما ان كانت الرؤية في أول رمضان فالصحيح أيضا أنه لليلة المقبلة و هو قول مالك و أبي حنيفة و الشافعي و عن أحمد رواية أخرى انه للماضية فيلزم قضأ ذلك اليوم و إمساك بقيته احتياطا للعبادة و الاول أصح لان ما كان لليلة المقبلة في آخره فهو لها في أوله كما لو رؤي بعد العصر ( مسألة ) قال ( و الاختيار تأخير السحور و تعجيل الفطر ) الكلام في هذه المسألة في فصلين ( أحدهما في السحور ) و الكلام فيه في ثلاثة أشياء ( أحدها ) في استحبابه و لا نعلم فيه بين العلماء خلافا و قد روى انس ان النبي صلى الله عليه و آله قال " تسحروا فان السحور بركة " متفق عليه و عن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " فصل ما بين صيامنا و صيام أهل الكتاب أكله السحور " أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح و روى الامام أحمد باسناده عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " السحور بركة فلا تدعوه و لو ان يجرع أحدكم جرعة من ماء فان الله و ملائكته يصلون على المتسحرين " ( الثاني في وقته ) قال أحمد بعجبني تأخير السحور لما روى زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك ؟ قال خمسين آية متفق عليه و روى العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه و آله إلى السحور فقال " هلم إلى الغداء المبارك " رواه أبو داود و النسائي ، سماه غداء لقرب وقته منه و لانه المقصود بالسحور التقوي على الصوم و ما كان أقرب الي الفجر كان اعون على الصوم قال أبو داود قال أبو عبد الله إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه و هذا قول ابن عباس و عطاء و الاوزاعي قال احمد يقول الله تعالى ( وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ) و قال النبي صلى الله عليه و آله " لا يمنعنكم من سحوركم أذان
(101)
بلال و لا الفجر المستطيل و لكن الفجر المستطير في الافق " قال الترمذي هذا حديث حسن و روى أبو قلابة قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه و هو يتسحر يا غلام اخف الباب لا يفجأنا الصبح و قال رجل لا بن عباس اني أتسحر فإذا شككت أمسكت فقال ابن عباس كل ما شككت حتى لا تشك فأما الجماع فلا يستحب تأخيره لانه ليس مما يتقوى به و فيه خطر وجوب الكفارة و حصول الفطر به ( الثالث ) فيما يتسحر به و كل ما حصل من أكل أو شرب حصل به فضيلة السحور لقوله عليه السلام " و لو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء " و روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله قال " نعم سحور المؤمن التمر " رواه أبو داود ( الفصل الثاني ) في تعجيل الفطر و فيه أمور ثلاثة ( أحدها ) في استحبابه و هو قول أكثر أهل العلم لما روى سهل بن سعد الساعدي ان النبي صلى الله عليه و آله قال " لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه و عن ابي عطية قال دخلت انا و مسروق على عائشة فقال مسروق رجلان من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله أحدهما يعجل الافطار و يعجل المغرب و الآخر يؤخر الافطار و يؤخر المغرب قالت : من الذي يعجل الافطار و يعجل المغرب ؟ قال عبد الله قالت : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله يصنع .رواه مسلم و عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " يقول الله تعالى احب عبادي إلي أسرعهم فطرا ، قال الترمذي هذا حديث حسن غريب و قال انس ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي حتى يفطر و لو على شربة من ماء رواه ابن عبد الله ( الثاني فيما يفطر عليه ) يستحب أن يفطر على رطبات فان لم يكن فعلى تمرات فان لم يكن فعلى الماء لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يفطر على رطبات قبل أن يصلي فان لم يكن فعلى تمرات فان لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء رواه أبو داود و الاثرم و الترمذي و قال حديث حسن غريب و عن سليمان بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " إذا أفطر أحدكم فلفطر على تمر فان لم يجد فليفطر على الماء فانه طهور " أخرجه أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن صحيح ( الثالث في الوصال ) و هو أن يفطر بين اليومين بأكل و لا شرب و هو مكروه في قول أكثر أهل العلم و روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه و آله و لنا ما روى ابن عمر قال واصل رسول الله صلى الله عليه و آله في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال " اني لست مثلكم أني أطعم و أسقى " متفق عليه و هذا يقتضي اختصاصه بذلك و منع إلحاق غيره به و قوله " اني أطعم و أسقى " يحتمل أنه يريد أنه يعان على الصيام و يغنية الله تعالى عن الشراب و الطعام بمنزلة من طعم و شرب و يحتمل أنه أراد إني أطعم حقيقة و أسقى حقيقة حملا للفظ على حقيقته و الاول أظهر لوجهين
(102)
( أحدهما ) أنه لو طعم و شرب حقيقة لم يكن مواصلا و قد أقرهم على قولهم انك تواصل ( و الثاني ) أنه قد روي أنه قال " اني أظل يطعمني ربي و يسقيني " و هذا يقتضي أنه في النهار و لا يجوز الاكل في النهار له و لا لغيره إذا ثبت هذا فان الوصال غير محرم و ظاهر قول الشافعي أنه محرم تقريرا لظاهر النهي في التحريم و لنا أنه ترك الاكل و الشرب المباح فلم يكن محرما كما لو تركه في حال الفطر فان قيل فصوم يوم العيد محرم مع كونه تركا للاكل و الشرب المباح قلنا ما حرم ترك الاكل و الشرب بنفسه و انما حرم بنية الصوم و لهذا لو تركه من نية الصوم لم يكن محرما و أما النهي فانما أتى به رحمة لهم و رفقا بهم لما فيه من المشقة عليهم كما نهى عبد الله بن عمرو عن صيام النهار و قيام الليل و عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث قالت عائشة نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن الوصال رحمة لهم و هذا لا يقتضي التحريم و لهذا لم يفهم منه أصحاب النبي صلى الله عليه و آله التحريم بدليل أنهم واصلوا بعده و لو فهموا منه التحريم لما استجازوا فعله قال أبو هريرة " نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن الوصال فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما و يوما ثم رأوا الهلال فقال " لو تأخر لزدتكم " كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا .متفق عليه فان واصل من سحر إلى سحر جاز لما روى أبو سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقول " لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر " أخرجه البخاري و تعجيل الفطر أفضل لما قدمناه ( فصل ) و يستحب تفطير الصائم لما روى زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال " من فطر صائما كان له مثل أجره من أن ينقص من أجر الصائم شيء " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ( فصل ) روى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه و آله إذا أفطر قال " أللهم لك صمنا و على رزقك أفطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم " و عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا أفطر يقول " ذهب الظمأ و ابتلت العروق و ثبت الاجر إن شاء الله " و اسناده حسن ذكرهما الدارقطني ( مسألة ) ( قال و من صام شهر رمضان و أتبعه بست من شوال و ان فرقها فكأنما صام الدهر ) و جملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم روي ذلك عن كعب الاحبار و الشعبي و ميمون بن مهران و به قال الشافعي و كرهه مالك و قال ما رأيت أحدا من أهل الفقة يصومها
(103)
و لم يبلغني ذلك عن أحد من السلف و ان أهل العلم يكرهون ذلك و يخافون بدعته و ان يلحق برمضان ما ليس منه و لنا ما روى أبو أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " من صام رمضان و أتبعه ستا من شوال فكانما صام الدهر " رواه أبو داود و الترمذي و قال حديث حسن ( 1 ) و قال احمد هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه و آله و روى سعيد باسناده عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله " من صام رمضان شهر بعشرة أشهر و صام ستة أيام بعد الفطر و ذلك تمام السنة " يعني أن الحسنة بعشر أمثالها فالشهر بعشرة و الستة بستين يوما فذلك اثنا عشر شهرا و هو سنة كاملة و لا يجري هذا مجرى التقديم لرمضان لان يوم الفطر فاصل فان قيل فلا دليل في هذا الحديث على فضيلتها لان النبي صلى الله عليه و آله شبه صيامها بصيام الدهر و هو مكروه قلنا انما كره صوم الدهر لما فيه من الضعف و التشبيه بالتبتل لو لا ذلك لكان ذلك فضلا عظيما لاستغراقه الزمان بالعبادة و الطاعة و المراد بالخبر التشبيه به في حصول العبادة به على وجه عري عن المشقة كما قال عليه السلام " من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر " ذكر ذلك حثا على صيامها و بيان فضلها و لا خلاف في استحبابها و نهى عبد الله بن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث و قال " من قرأ ( قل هو الله أحد ) فكانما قرأ ثلث القرآن " أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل لا في كراهة الزيادة عليه إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونها متتابعة أو مفرقة في أول الشهر أو في آخره لان الحديث ورد بها مطلقا من تقييد و لان فضيلتها لكونها تصير مع الشهر ستة و ثلاثين يوما و الحسنة بعشر أمثالها فيكون ذلك كثلاثمائة و ستين يوما و هو السنة كلها فإذا وجد
(104)
ذلك في كل سنة صار كصيام الدهر كله و هذا المعنى يحصل مع التفريق و الله أعلم ( مسألة ) ( قال و صيام عاشوراء كفارة سنة و يوم عرفة كفارة سنتين ) و جملته أن صيام هذين اليومين مستحب لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال " صيام عرفة اني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله و السنة التي بعده " و قال في صيام عاشوراء " اني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " أخرجه مسلم إذا ثبت هذا فان عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم و هذا قول سعيد بن المسيب و الحسن لما روى ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه و آله بصوم يوم عاشوراء العاشر مت المحرم رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح و روي عن ابن عباس أنه قال التاسع و روي أن النبي صلى الله عليه و آله كان يصوم التاسع أخرجه مسلم بمعناه و روى عنه عطاء أنه قال صوموا التاسع و العاشر و لا تشبهوا باليهود ، إذا ثبت هذا فانه يستحب صوم التاسع و العاشر لذلك نص عليه احمد و هو قول إسحاق قال احمد فان اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام و انما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع و العاشر ( فصل ) و اختلف في صوم عاشوراء هل كان واجبا فذهب القاضي إلى أنه لم يكن واجبا و قال هذا قياس المذهب و استدل بشيئين ( أحدهما ) ان النبي صلى الله عليه و آله أمر من لم يأكل بالصوم و النية في الليل شرط في الواجب