و ما بعده و يصير الثاني أوله لانه قد حاذى فيه الحجر بجميع بدنه و أتى على جميعه فإذا أكمل سبعة أشواط الاول صح طوافه و إلا لم يصح ( فصل ) و المرأة كالرجل إلا أنها إذا قدمت مكة نهارا فأمنت الحيض و النفاس استحب لها تأخير الطواف إلى الليل ليكون أستر لها و لا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر لكن تشير بيدها اليه كالذي لا يمكنه الوصول اليه كما روى عطاء قال كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم فقالت إمرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عند و أبت ( 1 ) و ان خافت حيضا أو نفاسا استحب لها تعجيل الطواف كي لا يفوتها ( مسألة ) قال ( و يضطبع بردائه ) معنى الاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت كتفه اليمنى و يرد طرفيه على كتفه اليسرى و يبقي كتفه اليمنى مكشوفة و هو مأخوذ من الضبع و هو عضد الانسان افتعال منه و كان أصله اضتبع فقلبوا التاء طاء لان التاء متى وضعت بعد ضاد أو صاد أو طاء ساكنة قلبت طاء و يستحب الاضطباع في
(386)
طواف القدوم لما روى أبو داود و ابن ماجه عن يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف مضطبعا و رؤيا أيضا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت و جعلوا أرديتهم تحت أبا طهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى و بهذا قال الشافعي و كثير من أهل العلم و قال مالك ليس الاضطباع بسنة و قال لم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يذكر أن الاضطباع سنة و قد ثبت بما روينا أن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه فعلوه و قد أمر الله تعالى باتباعه و قال ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) و قد روى أسلم عن عمر بن الخطاب أنه اضطبع و رمل و قال : ففيم الرمل و لم نبدي مناكبنا و قد نفى المشركين ؟ بلى لن ندع شيئا فعلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه أبو داود و إذا فرغ من الطواف سوى رداءه لان الاضطباع مستحب في الصلاة و قال الاثرم إذا فرغ من الاشواط التي برمل فيها سوى رداءه و الاول أولى لان قوله طاف النبي صلى الله عليه و سلم مضطبعا ينصرف إلى جميعه و لا يضطبع في هذا الطواف و لا يضطبع في السعي و قال الشافعي يضطبع فيه لانه أحد الطوافين فأشبه الطواف بالبيت و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يضطبع فيه و السنة في الاقتداء به قال احمد ما سمعنا فيه شيئا و القياس لا يصح الا فيما عقل معناه و هذا تعبد محض ( مسألة ) قال ( و رمل ثلاثة أشواط و مشى أربعة كل ذلك من الحجر الاسود إلى الحجر الاسود ) معنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطو من وثب و هو سنة في الاشواط الثلاثة الاول
(387)
من طواف القدوم و لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا و قد ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم رمل ثلاثا و مشى أربعا رواه جابر و ابن عباس و ابن عمر و أحاديثهم متفق عليها فان قيل إنما رمل النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه لاظهار الجلد للمشكرين و لم يبق ذلك المعنى إذ قد نفى الله المشركين فلم قلتم إن الحكم يبقى بعد زوال علته قلنا قد رمى النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه و اضطبع في حجة الوداع بعد الفتح فثبت أنها سنة ثابتة و قال ابن عباس رمل النبي صلى الله عليه و سلم في عمره كلها و في حجه و أبو بكر و عمر و عثمان و الخلفاء من بعد رواه احمد في المسند و قد ذكرنا حديث عمر إذا ثبت هذا فان الرمل سنة في الاشواط الثلاثة بكمالها يرمل من الحجر إلى أن يعود اليه لا يمشي ف شيء منها روي ذلك عن عمر و ابن عمر و ابن معسود و ابن الزبير رضي الله عنهم و به قال عروة و النخعي و مالك و الثوري و الشافعي و أ صاحب الرأي و قال طاوس و عطاء و الحسن و سعيد بن جبير و القاسم بن محمد و سالم بن عبد الله يمشي ما بين الركنين لما روى ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مكة و قد وهنتهم الحمى فقال المشركون انه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب و لقوا منها شرا فاطلع الله نبيه صلى الله عليه و سلم على ما قالوا فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر فأمر النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يرملوا الاشواط الثلاثة و يمشوا ما بين الركعتين ليرى المشركون جلدهم فلما رأوهم رملوا قال المشركون هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد منا قال ابن عباس و لم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا الابقاء عليهم متفق عليه
(388)
و لنا ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم رمل من الحجر إلى الحجر و في مسلم عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم رمل من الحجر حتى انتهى اليه و هذا يقدم على حديث ابن عباس لوجوه ( منها ) أن هذا إثبات و منها أن رواية ابن عباس إخبار عن عمرة القضيه و هذا اخبار عن فعل في حجة الوداع فيكون متأخرا فيجب العمل به و تقديمه ( الثالث ) أن ابن عباس كان في تلك الحال صغيرا لا يضبط مثل و جابر و ابن عمر كانا رجلين يتبعان أفعال النبي صلى الله عليه و سلم و يحرصان على حفظها فهما أعلم و لان جلة الصحابة عملوا بما ذكرنا و لو علموا من النبي صلى الله عليه و سلم ما قال ابن عباس ما عدلوا عنه إلى غيره و يحتمل أن يكون ما رواه ابن عباس اختص بالذين كانوا في عمرة القضيه لضعفهم و الابقاء عليهم و ما رويناه سنة في سائر الناس ( فصل ) يستحب الدنو من البيت لانه هو المقصود فان كان قرب البيت زحام فظن أنه إذا وقف لم يؤذ أحدا و تمكن من الرمل وقف ليجمع بين الرمل و الدنو من البيت و ان لم يظن ذلك و ظن أنه إذا كان في حاشية الناس تمكن من الرمل فعل و كان أولى من الدنو و إن كان لا يتمكن من الرمل أيضا أو يختلط بالنساء فالدنو أولى و يطوف كيف ما أمكنه و إذا وجد فرجة رمل فيها و ان تباعد من البيت في الطواف أجزأه ما لم يخرج من المسجد سواء حال بينه و بين البيت حائل من قبة أو غيره أو لم يحل لان الحائل في المسجد لا يضر كما لو صلى في المسجد مؤتما بالامام من وراء حائل و قد روت أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أني أشتكي فقال " طوفي من وراء الناس و أنت راكبة " قالت فطفت و رسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ يصلى إلى جنب البيت متفق عليه ( مسألة ) قال ( و لا يرمل في جميع طوافه الا هذا ) و جملة ذلك أن الرمل لا يسن في الاشواط الثلاثة الاول من طواف القدوم أو طواف العمرة فان ترك الرمل فيها لم يقضه في الاربعة الباقية لانها هيئة فات موضعها فسقطت كالجهر في الركعتين الاولتين و لان المشي هيئة في الاربعة كما أن الرمل هيأة في الثلاثة فإذا رمل في الاربعة الاخيرة كان
(389)
تاركا للهيأة في جميع طوافه كتارك الجهر في الركعتين الاولتين من العشاء إذا جهر في الآخرتين و لا يسن الرمل و الاضطباع في طواف سوى ما ذكرنا لان النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه انما رملوا و اضطبعوا في ذلك و ذكر القاضي أن من ترك الرمل و الاضطباع في طواف القدوم أتى بهما في طواف الزيارة لانهما سنة أمكن قضاؤها فتقضى كسنن الصلاة و هذا لا يصح لما ذكرنا فيمن تركه في الثلاثة الاول لا يقضيه في الاربعة و كذلك من ترك الجهر في صلاة الجهر لا يقضيه في صلاة الظهر و لا يقتضي القياس أن تقضي هيأة عبادة في عبادة أخرى قال القاضي و لو طاف فرمل و اضطبع و لم يسع بين الصفا و المروة فإذا طاف بعد ذلك للزيارة رمل في طوافه لانه يرمل في السعي بعده و هو تبع للطواف فلو قلنا لا يرمل في الطواف أفضي إلى أن يكون التبع أكمل من المتبوع ، و هذا قول مجاهد و الشافعي و هذا لا يثبت بمثل هذا الرأي الضعيف فان المتبوع لا تتغير هيأته تبعا لتبعه و لو كانا متلازمين لكان ترك الرمل في السعي تبعا لعدمه في ألطاف أولى من الرمل في الطواف تبعا للسعي ( فصل ) فان ترك الرمل في شوط من الثلاثة الاول أتى به في الاثنين الباقيين و ان تركه في اثنين أتى به في الثالث كذلك قال الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و ان تركه في الثلاثة سقط لان تركه للهيأة في بعض محلها لا يسقطها في بقية محلها كتارك الجهر في احدى الركعتين الاولتين لا يسقطه في الثانية .( مسألة ) قال ( و ليس على أهل مكة رمل ) و هذا قول ابن عباس و ابن عمر رحمة الله عليهما و كان ابن عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل و هذا لان الرمل انما شرع في الاصل لاظهار الجلد و القوة لاهل البلد و هذا المعنى معدوم في أهل البلد و الحكم فيمن أحرم من مكة حكم أهل مكة لما ذكرنا عن ابن عمر و لانه أحرم من مكة أشبه أهل البلد ، و المتمتع إذا أحرم بالحج من مكة ثم عاد و قلنا يشرع في حقه طواف القدوم لم يرمل فيه قال أحمد ليس على أهل مكة رمل عند البيت و لا بين الصفا و المروة ( مسألة ) قال ( و من نسي الرمل فلا اعادة عليه ) انما كان كذلك لان الرمل هيأة فلا يجب بتركه اعادة و لا شيء كهيآت الصلاة و كالاضطباع في
(390)
الطواف و لو تركه عمدا لم يلزمه شيء أيضا و هذا قول عامة الفقهاء الا ما حكي عن الحسن و الثوري و عبد الملك الماجشون أن عليه دما لانه نسك و قد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم " من ترك نسكا فعليه دم " و لنا أنه هيئة واجبة فلم يجب بتركهاشئ كالاضطباع و الخبر انما يصح عن ابن عباس و قد قال ابن عباس من ترك الرمل فلا شيء عليه ثم هو مخصوص بما ذكرنا و لان طواف القدوم لا يجب بتركه شيء فترك صفة فيه أولى أن لا يجب بها لان ذلك لا يزيد على تركه ( مسألة ) قال ( و يكون طاهرا في ثياب طاهرة ) يعني في الطواف و ذلك لان الطهارة من الحدث و النجاسة و الستارة شرائط لصحة الطواف في المشهور عن أحمد و هو قول مالك و الشافعي و عن أحمد أن الطهارة ليست شرطا فمتى طاف للزيارة متطهر أعاد ما كان بمكة فان خرج إلى بلده جبره بدم و كذلك يخرج في الطهارة من النجس و الستارة و عنه فيمن طاف للزيارة و هو ناس للطهارة لا شيء عليه ، و قال أبو حنيفة ليس شيء من ذلك شرطا و اختلف أصحابه فقال بعضهم واجب و قال بعضهم هو سنة لان الطواف ركن للحج فلم يشترط له الطهارة كالوقوف .و لنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " الطواف بالبيت صلاة الا أنكم تتكلمون فيه " رواه الترمذي و الاثرم و عن أبي هريرة ان أبا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل حجة الوداع يوم النحر يؤذن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و لانها عبادة متعلقة بالبيت فكانت الطهارة و الستارة فيها شرطا كالصلاة و عكس ذلك الوقوف
(391)
( فصل ) و لا بأس بقراءة القرآن في الطواف و بذلك قال عطاء و مجاهد و الثوري و ابن المبارك و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و عن أحمد أنه يكره و روي ذلك عن عروة و الحسن و ملك