( ثم أتما الصيام إلى الليل ) و لانه متمتع أحرم بالحج من دون الميقات فلزمه الدم كما لو وقف أو تحلل و عنه أنه يجب إذا وقف بعرفة ، و هو قول مالك و اختيار القاضي لان التمتع بالعمرة في الحج انما يحصل بعد وجود الحج منه ، و لا يحصل ذلك الا بالوقوف .فان النبي صلى الله عليه و سلم قال " الحج عرفة " و لانه قبل ذلك بعرض الفوات ، فلا يحصل التمتع ، و لانه لو أحرم بالحج ثم أحصر أو فانه الحج لم يلزمه دم المتعة ، و لا كان متمتعا .و لو وجب الدم لما سقط .و قال عطاء يجب إذا رمى الجمرة و نحوه قول أبي الخطاب قال : يجب إذا طلع الفجر يوم النحر لانه وقت ذبحه ، فكان وقت وجوبه فأما وقت إخراجه فيوم النحر : و به قال ملك و أبو حنيفة لان ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه ذبح الاضحية فلا يجوز فيه ذبح هدي المتمتع كمثل التحلل من العمرة ، و قال أبو طالب سمعت احمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال و معه هدي قال : ينحر بمكة ، و ان قد قبل العشر نحره لا يضيع أو يموت أو يسرق .و كذلك قال عطاء و ان قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى لان النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه قدموا في العشر فلم ينحروا حتى نحروا بمنى .و من جاء قبل ذلك نحره عن عمرته و أقام على إحرامه و كان قارنا و قال الشافعي يجوز نحره بعد الاحرام بالحج قولان واحدا .و فيما قبل ذلك بعد حله من العمرة
(505)
احتمالان ، و وجه جوازه أنه دم يتعلق بالاحرام ، و ينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب و اللباس ، و لانه يجوز إبداله قبل يوم النحر فجاز أداؤه قبله كسائر الفديات ( مسألة ) قال ( فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام يكون آخرها يوم عرفة و سبعة إذا رجع ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن المتمتع إذا لم يجد الهدي ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة ، و تعتبر القدرة في موضعه ، فمتى عدمه في موضعه جاز له الانتقال إلى الصيام و إن كان قادرا عليه في بلده لان وجوبه موقت و ما كان وجوبه موقفا اعتبرت القدرة عليه في موضعه كالماء في الطهارة إذا عدمه في مكانه انتقل إلى التراب ( فصل ) و لكل واحد من صوم الثلاثة و السبعة وقتان وقت جواز و وقت استحباب .فأما وقت الثلاثة فوقت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه بالحج و يوم عرفة و يكون آخر الثلاثة يوم عرفة .قال طاوس يصوم ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة ، و روي ذلك عن عطاء و الشعبي و مجاهد و الحسن و النخعي و سعيد بن جبير و علقمة و عمرو بن دينار و أصحاب الرأي .و روى ابن عمر عائشة أن يصومهن ما بين اهلا له بالحج و يوم عرفة ، و ظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية ، و هو قول الشافعي لان صوم يوم عرفة بعرفة مستحب ، و كذلك ذكر القاضي في المحرر ، و المنصوص عن احمد الذي وقفنا عليه مثل قول الخرقي أنه يكون آخرها يوم عرفة ، و هو قول من سمينا من العلماء ، و انما أحببنا له صوم يوم عرفة ههنا لموضع الحاجة ، هذا القول يستحب له تقديم الاحرام بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج ، و ان صام منها شيئا قبل إحرامه بالحج جاز .نص عليه .و أما وقت جواز صومها فإذا أحرم بالعمرة ، و هذا قول أبي حنيفة ، و عن أحمد أنه اذا حل من العمرة ، و قال مالك و الشافعي لا يجوز الا بعد إحرام الحج .و يروي ذلك عن ابن عمر ، و هو قول إسحاق ، و ابن المنذر لقول الله تعالى ( فصيام ثلاثة أيام في الحج ) و لانه صيام واجب فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه كسائر الصيام الواجب و لان ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل فلم يجز البدل كقبل الاحرام بالعمرة .و قال الثوري و الاوزاعي يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة
(506)
و لنا أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع فجاز الصوم بعده كاحرام الحج فاما قوله ( فصيام ثلاثة أيام في الحج ) فقيل معناه في أشهر الحج فانه لابد من إضمار إذ كان الحج أفعالا لا يصام فيها إنما يصام في وقتها أو في أشهرها فهو في قوله تعالى ( الحج أشهر ) و أما تقديمه على وقت الوجوب فيجوز إذا وجد السبب كتقديم الكفارة على الحنث و زهوق النفس ، و أما كونه بدلا فلا يقدم على المبدل فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على إحرام الحج فكذلك الصوم ، و أما تقديم الصوم على إحرام العمرة فغير جائز و لا نعلم قائلا بجوازه إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد و ليس بشيء لانه لا يقدم الصوم على سببه و وجوبه و يخالف قول أهل العلم و أحمد ينزه عن هذا .و أما السبعة فلها أيضا وقتان وقت اختيار و وقت جواز فاما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه و أما وقت الجواز فمنذ تمضي أيام التشريق قال الاثرم سئل أحمد هل يصوم في الطريق أو بمكة ؟ قال كيف شاء ، و بهذا قال أبو حنيفة و مالك و عن عطاء و مجاهد يصومها في الطريق و هو قول إسحاق و قال ابن المنذر يصومها إذا رجع إلى أهله للخبر و يروى ذلك عن ابن عمر و هو قول الشافعي و قيل عنه كقولنا و كقول إسحاق و لنا أن كل صوم لزمه و جاز في وطنه جاز قبل ذلك كسائر الفروض و أما الآية فان الله تعالى جوز له تأخير الصيام الواجب فلا يمنع ذلك الاجزاء قبله كتأخير صوم رمضان في السفر و المرض بقوله سبحانه ( فعدة من أيام أخر ) و لان الصوم وجد من أهله بعد وجود سببه فأجزأه كصوم المسافر و المريض ( فصل ) و لا يجب التتابع و ذلك لا يقتضي جمعا و لا تفريقا ، و هذا قول الثوري و إسحاق و غيرهما و لا نعلم فيه مخالفا .( مسألة ) قال ( فان لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله و الرواية الاخرى لا يصوم أيام منى و يصوم بعد ذلك عشرة أيام و عليه دم ) و جملة ذلك أن المتمتع إذا لم يصم الثلاثة أيام في الحج فانه يصومها بعد ذلك ، و بهذا قال علي و ابن عمر و عائشة و عروة بن الزبير و عبيد بن عمير و الحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي
(507)
و أصحاب الرأي و يروي عن ابن عباس و سعيد بن جبير و طاووس و مجاهد إذا فاته الصوم في العشر و بعده استقر الهدي في ذمته لان الله تعالى قال ( فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم ) و لانه بدل موقت فيسقط بخروج وقته كالجمعة و لنا أنه صوم واجب فلا يسقط بخروج وقته كصوم رمضان و الآية تدل على وجوبه لا على سقوطه و القياس منتقض بصوم الظهار إذا قدم المسيس عليه و الجمعة ليست بدلا و إنما هي الاصل و انما سقطت لان الوقت جعل شرطا لها كالجماعة ، إذا ثبت هذا فانه يصوم أيام منى و هذا قول ابن عمر و عائشة و عروة و عبيد بن عمير و الزهري و مالك و الاوزاعي و إسحاق و الشافعي في القديم لما روى ابن عمر و عائشة قالا : لم يرخص في أيام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدي .رواه البخاري و هذا ينصرف إلى ترخيص النبي صلى الله عليه و سلم و لان الله تعالى أمر بصيام الثلاثة في الحج و لم يبق من أيام الحج الا هذه الايام فيتعين الصوم فيها ، فإذا صام هذه الايام فحكمه حكم من صام قبل يوم النحر و عن أحمد رواية أخرى لا يصوم أيام مني روي ذلك عن علي و الحسن و عطاء و هو قول ابن المنذر لان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صوم ستة أيام ذكر منها أيام التشريق و قال عليه السلام " انها أيام أكل و شرب " و لانها لا يجوز فيها صوم النفل فلا يصومها عن الهدي كيوم النحر ، فعلى هذه الرواية يصوم بعد ذلك عشرة أيام و كذلك الحكم إذا قلنا يصوم أيام منى فلم يصمها ، و اختلفت الرواية عن أحمد في وجوب الدم عليه فعنه عليه دم لانه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته فلزمه دم كرمي الجمار و لا فرق بين المؤخر لعذر أو لغيره لما ذكرناه .و قال القاضي : ان أخره لعذر ليس عليه إلا قضاؤه لان
(508)
الدم الذي هو المبدل لو أخره لعذر لا دم عليه لتأخيره فالبدل أولى .و روي عن أحمد لا يلزمه مع الصوم دم بحال و هذا اختيار أبي الخطاب و مذهب الشافعي لانه صوم واجب يجب القضاء بفواته كصوم رمضان فأما الهدي الواجب إذا أخره لعذر مثل ان ضاعت نفقته فليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا الواجبة و ان أخره لغير عذر ففيه روايتان ( احداهما ) ليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا ( و الاخرى ) عليه هدي آخر لانه نسك مؤقت فلزم الدم بتأخيره عن وقته كرمي الجمار .قال أحمد من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين كذا قال ابن عباس ( فصل ) و إذا صام عشرة الايام لم يلزمه التفريق بين الثلاثة و السبعة ، و قال أصحاب الشافعي عليه التفريق لانه وجب من حيث الفعل و ما وجب التفريق فيه من حيث الفعل لم يسقط بفوات وقته كأفعال الصلاة من الركوع و السجود و لنا أنه صوم واجب في زمن يصح الصوم فيه فلم يجب تفريقه كسائر الصوم و لا نسلم وجوب التفريق في الاداء فانه إذا صام أيام منى و أتبعها السبعة فما حصل التفريق ، و إن سلمنا وجوب التفريق في الاداء فان كان من حيث الوقت فإذا فات الوقت سقط كالتفريق بين الصلاتين ( فصل ) و وقت وجوب الصوم وقت وجوب الهدي لانه بدل فكان وقت وجوبه وقت وجوب المبدل كسائر الابدال ، فان قيل فكيف جوزتم الانتقال إلى الصوم قبل زمان وجوب المبدل و لم يتحقق العجز عن المبدل لانه انما يتحقق المجوز للانتقال إلى البدل زمن الوجوب و كيف جوزتم الصوم قبل وجوبه ؟ قلنا إنا جوزنا له الانتقال إلى البدل بناء على العجز الظاهر فان الظاهر من المعسر استمرار إعساره و عجزه كما جوزنا التكفير بالبدل قبل وجوب المبدل ، و أما تجويز الصوم قبل وجوبه فقد ذكرناه
(509)
( مسألة ) قال ( و من دخل في الصيام ثم قدر على الهدي لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى الهدي الا أن يشاء ) و بهذا قال الحسن و قتادة و مالك و الشافعي ، و قال ابن أبي نجيح و حماد و الثوري ان أيسر قبل أن تكمل الثلاثة فعليه الهدي و ان أكمل الثلاثة صام السبعة ، و قيل متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل اليه صام أو لم يصم ، و ان وجده بعده ان مضت أيام النحر أجزأه الصيام قدر على الهدي أو لم يقدر لانه قدر على المبدل في زمن وجوبه فلم يجزئه البدل كما لو لم يصم و لنا انه صوم دخل فيه لعدم الهدي لم يلزمه الخروج اليه كصوم السبعة و على هذا يخرج الاصل الذي قاسوا عليه و انه ما شرع في الصيام ( فصل ) و إن وجب عليه الصوم فلم يشرع حتى قدر على الهدي ففيه روايتان ( احداهما ) لا يلزمه الانتقال اليه ، قال في رواية المروذي إذا لم يصم في الحج فليصم إذا رجع و لا يرجع إلى الدم و قد انتقل فرضه إلى الصيام و ذلك لان الصيام استقر في ذمته لوجوبه حال وجود السبب المتصل بشرطه و هو عدم الهدي ( و الثانية ) يلزمه الانتقال اليه .قال يعقوب سألت أحمد عن المتمتع إذا لم يصم قبل يوم النحر ؟ قال عليه دهيان يبعث بهما إلى مكة أوجب عليه الهدي الاصلي و هديا لتأخيره الصوم عن وقته و لانه قدر على المبدل قبل شروعه في البدل فلزمه الانتقال اليه كالمتيمم إذا وجد الماء ( فصل ) و من لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر منعه عن الصوم فلا شيء عليه ، و ان كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم أيام رمضان و لانه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان
(510)
( مسألة ) قال ( و المرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أهلت بالحج و كانت قارنة و لم يكن عليها قضأ طواف القدوم ) و جملة ذلك ان المتمتعة إذا حاضت قبل الطواف للعمرة لم يكن لها أن تطوف بالبيت لان الطواف بالبيت صلاة و لانها ممنوعة من دخول المسجد و لا يمكنها أن تحل من عمرتها ما لم تطف بالبيت ، فان خشيت فوات الحج أحرمت بالحج مع عمرتها و تصير قارنة و هذا قول مالك و لاوزاعي و الشافعي و كثير من أهل العلم ، و قال أبو حنيفة ترفض العمرة و تهل بالحج قال أحمد قال أبو حنيفة قد رفضت العمرة فصار حجا ، و ما قال هذا أحد أبي حنيفة و احتج بما روى عروة عن عائشة قالت : أهللنا بعمرة فقدمت مكة و أنا حائض لم أطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال " انقضي رأسك و امتشطي و أهلي بالحج و دعي العمرة " قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال " هذه عمرة مكان عمرتك " متفق عليه و هذا يدل على انها رفضت عمرتها و أحرمت بحج من وجوه ثلاثة ( أحدها ) قوله " دعي عمرتك " ( و الثاني ) قوله " و امتشطي " ( و الثالث ) قوله " هذه عمرة مكان عمرتك " و لنا ما روى جابر قال اقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كانت بسرف عركت ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على عائشة فوجدها تبكي فقال " ما شأنك ؟ " قالت شأني أني قد حضت و قد حل الناس و لم أحل و لم أطف بالبيت و الناس يذهبون إلى الحج الآن فقال " إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج " ففعلت و وقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة و بالصفا و المروة ثم قال " قد حللت من حجك و عمرتك " قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي اني لم أطف بالبيت حتى حججت قال