لا كفارة عليه و هو قول مالك و الشافعي و أبي عبيد لان المنذور كالمشروع ابتداء و لو أفطر في رمضان لعذر لم يلزمه شيء فكذلك و قال القاضي ان خرج لواجب كجهاد تعين أو اداء شهادة واجبة فلا كفارة عليه لانه خروج واجب لحق الله تعالى فلم يجب به شيء كالمرأة تخرج لحيضها أو نفاسها و حمل كلام الخرقي على أنه يبني على ما مضى دون إيجاب الكفارة و ظاهر كلام الخرقي أن عليه الكفارة لان النذر كاليمين و من حلف على فعل شيء فحنث لزمته الكفارة سواء كان لعذر أو غيره و سواء كانت المخالفة واجبة أو لم تكن و يفارق صوم رمضان فان الاخلال به و الفطر فيه لغير عذر لا يوجب الكفارة و يفارق الحيض فانه يتكرر و يظن وجوده في زمن النذر فيصير كالخروج لحاجة الانسان و كالمستثنى بلفظه ( مسألة ) ( قال و المعتكف لا يتجر و لا يتكسب بالصنعة ) و جملته أن المعتكف لا يجوز له أن يبيع و لا يشتري الا ما لا بد له منه قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول المعتكف لا يبيع و لا يشتري الا ما لا بد له منه طعام أو نحو ذلك فاما التجارة و الاخذ و العطاء فلا يجوز شيء من ذلك و قال الشافعي لا بأس أن ييع و يشتري و يخيط و يتحدث ما لم يكن مأثما
(148)
و لنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و آله نهى عن البيع و الشراء في المسجد رواه الترمذي و قال حديث حسن ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد فقال يا هذا ان هذا سوق الآخرة فان أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا .و إذا منع من البيع و الشراء في حال الاعتكاف ففيه أولى فاما الصنعة فظاهر كلام الخرقي انه لا يجوز منها ما يكتسب به لانه بمنزلة التجارة بالبيع و الشراء و يجوز ما يعمله لنفسه كخياطة قميصه و نحوه و قد روى المروزي قال سألت أبا عبد الله عن المعتكف : ترى له أن يخيط ؟ قال لا ينبغي له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل و قال القاضي لا تجوز الخياطة في المسجد سواء كان محتاجا إليها أو لم يكن قل أو كثر لان ذلك معيشة أو تشغل عن الاعتكاف فأشبه البيع و الشراء فيه و الاولى أن يباح له ما يحتاج اليه من ذلك إذا كان يسيرا مثل أن ينشق قميصه فيخيطه أو ينحل شيء يحتاج إلى ربط فيربطه لان هذا يسير تدعو الحاجة اليه فجرى مجرى لبس قميصه و عمامته و خلعهما ( فصل ) يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة و تلاوة القرآن و ذكر الله تعالى و نحو ذلك من الطاعات المحضة و يجتنب ما لا يعنيه من الاقوال و الافعال و لا يكثر الكلام لان من كثر كلامه كثر سقطه و في الحديث " من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه " و يجتنب الجدال و المراء و السباب و الفحش فان ذلك مكروه في الاعتكاف ففيه أولى و لا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك لانه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره و عكسه الوطء و لا بأس بالكلام لحاجته و محادثة غيره فان صفية زوج النبي صلى الله عليه و آله قالت كان رسول الله صلى الله عليه و آله معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني و كان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الانصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه و آله أسرعا فقال النبي صلى الله عليه و آله " على رسلكما انها صفية بنت حيي " فقالا سبحان الله يا رسول الله فقال " ان الشيطان
(149)
يجرى من الانسان مجرى الدم واني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا " أو قال " شيئا " متفق عليه و قال علي رضي الله عنه أيما رجل اعتكف فلا يساب و لا يرفث في الحديث و يأمر أهله بالحاجة أي و هو يمشي و لا يجلس عندهم رواه الامام احمد ( فصل ) فأما إقراء القرآن وتدريس العلم و درسه و مناظرة الفقهاء و مجالستهم و كتابة الحديث و نحو ذلك مما يتعدى نفعه فأكثر أصحابنا على انه لا يستحب و هو ظاهر كلام أحمد ، و قال أبو الحسن الآمدي في استحباب ذلك روايتان ، و اختار أبو الخطاب انه مستحب إذا قصد به طاعة الله تعالى لا المباهاة و هذا مذهب الشافعي لان ذلك أفضل العبادات و نفعه يتعدى فكان أولى من تركه كالصلاة و احتج أصحابنا بأن النبي صلى الله عليه و آله كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به ، و لان الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف و ما ذكروه يبطل بعيادة المرضي و شهود الجنازة فعلى هذا القول فعله لهذه الافعال أفضل من الاعتكاف ، قال المروذي : قلت لابي عبد الله ان رجلا يقرئ في المسجد و هو يريد أن يعتكف و لعله أن يختم في كل يوم فقال إذا فعل هذا كان لنفسه و إذا قعد في المسجد كان له و لغيره يقرئ أحب الي ، و سئل أيما أحب إليك : الاعتكاف أو الخروج إلى عبادان ؟ قال ليس يعدل الجهاد عندي شيء ، يعني ان الخروج إلى عبادان أفضل من الاعتكاف ( 1 ) ( فصل ) و ليس من شريعة الاسلام الصمت عن الكلام و ظاهر الاخبار تحريمه ، قال قيس بن مسلم دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على إمرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال مالها لا تتكلم ؟ قالوا حجت مصمتة ، فقال لها تكلمي فان هذا لا يحل ، هذا من أعمال الجاهلية فتكلمت رواه البخاري .و روى أبو داود باسناده عن علي رضي الله عنه قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال " لا صمات يوم إلى الليل " و روي عن النبي صلى الله عليه و آله انه نهى عن صوم الصمت فان نذر ذلك في اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به و بهذا قال الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر و لا نعلم فيه مخالفا لما روى ابن عباس قال : بينا النبي صلى الله عليه و آله يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس و لا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم فقال النبي صلى الله عليه و آله " مره فليتكلم و ليستظل
(150)
و ليقعد وليتم صومه " رواه البخاري .و لانه نذرفعل منهي عنه فلم يلزمه كنذر المباشرة في المسجد و ان أراد فعله لم يكن له ذلك سواء نذره أو لم ينذره ، و قال أبو ثور و ابن المنذر له فعله إذا كان أسلم و لنا النهي عنه و ظاهره التحريم و الامر بالكلام و مقتضاه الوجوب ، و قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ان هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية و هذا صريح و لم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه ، و اتباع ذلك أولى ( فصل ) و لا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام لانه استعمال له في ما هو له فأشبه استعمال المصحف في التوسد و نحوه ، و قد جاء " لا تناظروا بكتاب الله " قيل معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه كأن ترى رجلا قد جاء في وقته فنقول ( وجئت على قدر يا موسى ) أو نحوه ذكره أبو عبيد نحو هذا المعنى
(151)
( مسألة ) قال ( و لا بأس أن يتزوج في المسجد و يشهد النكاح ) و انما كان ذلك لان الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب فلم تحرم النكاح كالصوم و لان النكاح طاعة و حضوره قربة و مدته لا تتطاول فيتشاغل به عن الاعتكاف فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلام ( فصل ) و لا بأس أن يتنظف بأنواع التنظيف لان النبي صلى الله عليه و آله كان يرجل رأسه و هو معتكف و له أن يتطيب و يلبس الرفيع من الثياب و ليس ذلك بمستحب ، قال أحمد لا يعجبني أن يتطيب و ذلك لان الاعتكاف عبادة تختص مكانا فكان ترك الطيب فيها مشروعا كالحج ، و ليس ذلك بمحرم لانه لا يحرم اللباس و لا النكاح فأشبه الصوم ( فصل ) و لا بأس أن يأكل المعتكف في المسجد و يضع سفرة يسقط عليها ما يقع منه كيلا يلوث المسجد و يغسل يده في الطست ليفرغ خارج المسجد و لا يجوز أن يخرج لغسل يده لان من ذلك بدا و هل يكره تجديد الطهارة في المسجد ؟ فيه روايتان ( احداهما ) لا يكره لان أبا العالية قال حدثني من كان يخدم النبي صلى الله عليه و آله قال أما ما حفظت لكم منه انه كان يتوضأ في المسجد ، و عن ابن عمر انه قال : كان يتوضأ في المسجد الحرام على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله الرجال و النساء ، و عن ابن سيرين قال : كان أبو بكر و عمر و الخلفاء يتوضئون في المسجد ، و روي ذلك عن ابن عمر و ابن عباس و عطاء و طاووس و ابن جريج ( و الاخرى ) يكره لانه لا يسلم من أن يبصق في المسجد أو يتمخط و البصاق في المسجد خطيئة و يبل
(152)
من المسجد مكانا يمنع المصلين من الصلاة فيه ، و ان خرج من المسجد للوضوء و كان تجديدا بطل لانه خروج لما له منه بد و إن كان و ضوأ من حدث لم يبطل لان الحاجة داعية اليه سواء كان في وقت الصلاة أو قبلها لانه لابد من الوضوء للمحدث و انما يتقدم عن وقت الحاجة اليه لمصلحة و هو كونه على وضوء و ربما يحتاج إلى صلاة النافلة به ( فصل ) إذا أراد أن يبول في المسجد في طست لم يبح له ذلك لان المساجد لم تبن لهذا و هو مما يقبح و يفحش و يستخفى به فوجب صيانة المسجد عنه كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله ، و ان أراد الفصد أو الحجامة فيه فكذلك ذكره القاضي لانه اراقة نجاسة في المسجد فأشبه البول فيه ، و ان دعت اليه حاجة كبيرة خرج من المسجد ففعله و ان استغنى عنه لم يكن له الخروج اليه كالمرض الذي يمكن احتماله ، و قال ابن عقيل يحتمل أن يجوز الفصد في المسجد في طست بدليل ان المستحاضة يجوز لها الاعتكاف و يكون تحتها شيء يقع فيه الدم ، قالت عائشة اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه و آله إمرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة و الصفرة و ربما وضعت الطست تحتها و هي تصلي رواه البخاري .و الفرق بينهما ان المستحاضة لا يمكنها التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف بخلاف الفصد ( مسألة ) قال ( و المتوفى عنها زوجها و هي معتكفة تخرج لقضاء العدة و تفعل كما فعل الذي خرج لفتنة ) و جملته ان المعتكفة إذا توفى زوجها لزمها الخروج لقضاء العدة ، و بهذا قال الشافعي ، و قال ربيعة و مالك و ابن المنذر تمضي في اعتكافها حتى تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها فتعتد فيه لان الاعتكاف المنذور واجب و الاعتداد في البيت واجب فقد تعارض واجبان فيقدم أسبقهما و لنا ان الاعتداد في بيت زوجها واجب فلزمها الخروج اليه كالجمعة في حق الرجل و دليلهم ينتقض بالخروج إلى الجمعة و سائر الواجبات و ظاهر كلام الخرقي انها كالذي خرج لفتنة و انها تبني و تقضي و تكفر ، و قال القاضي لا كفارة عليها لان خروجها واجب و قد مضى القول فيه ( فصل ) و ليس للزوجة أن تعتكف الا باذن زوجها و لا للمملوك أن يعتكف الا باذن سيده لان منافعهما مملوكة لغيرهما و الاعتكاف يفوتها و يمنع استيفاءها و ليس بواجب عليهما بالشرع فكان
(153)
لهما المنع ، وأم الولد و المدبر كالقن في هذا لان الملك باق فيهما فان أذن السيد و الزوج لهما ثم أراد إخراجهما منه بعد شروعهما فيه فلهما ذلك في التطوع و به قال الشافعي ، و قال أبو حنيفة كقولنا و في الزوجة ليس لزوجها إخراجها لانها تملك بالتمليك فالإِذن أسقط حقه من منافعها و أذن لها في استيفائها فلم يكن له الرجوع فيها كما لو أذن لها في الحج فأحرمت به بخلاف العبد فانه لا يملك بالتمليك و قال مالك ليس له تحليلهما لانهما عقدا على أنفسهما تمليك منافع كانا يملكانها لحق الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها كما لو أحرما بالحج باذنهما و لنا ان لهما المنع منه ابتداء فكان لهما المنع منه دواما و اما كالعارية و يخالف الحج لانه يلزم بالشروع فيه بخلاف الاعتكاف على ما مضى من الخلاف فيه فان كان ما أذنا فيه منذورا لم يكن لهما تحليلهما منه لانه يتعين بالشروع فيه و يجب إتمامه فيصير كالحج إذا أحرما به فأما ان نذرا الاعتكاف فأراد السيد و الزوج منعهما الدخول فيه نظرت فان كان النذر باذنهما و كان معينا لم يملكا منعهما منه لانه وجب باذنهما ، و ان كان بغير إذنهما فلهما منعهما منه لان نذرهما تضمن تفويت حق غيرهما بغير اذنه فكان لصاحب الحق المنع منه ، و ان كان النذر المأذون فيه معين فهل لهما منعهما ؟ على وجهين ( أحدهما ) لهما ذلك منعهما لان حقهما ثابت في كل زمن فكان تعيين زمن سقوطه إليهما كالدين ( و الثاني ) ليس لهما ذلك لانه وجب النزمه باذنهما فأشبه المعين ، و أما المعتق بعضه فان كان بينه و بين سيده مهايأة فله أن يعتكف في يومه بغير اذن سيده لان منافعه مملوكة لسيده في هذا اليوم ، و حكمه في يوم سيده حكم القن ، فان لم يكن بينهما مهايأة فلسيده منعه لان له ملكا في منافعه في كل وقت ( فصل ) و أما المكاتب فليس لسيده منعه من واجب و لا تطوع لانه لا يستحق منافعه و ليس له أجباره على الكسب و انما له دين في ذمته فهو كالحر المدين ( مسألة ) قال ( و إذا حاضت المرأة خرجت من المسجد و ضربت خباء في الرحبة ) أما خروجها من المسجد فلا خلاف فيه لان الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد فهو كالجنابة و آكد منه و قد قال النبي صلى الله عليه و آله " لا أحل المسجد لحائض و لا جنب " رواه أبو داود و إذا ثبت هذا فان المسجد إن لم يكن له رحبة رجعت إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها و قضت ما فاتها و لا كفارة عليها نص عليه أحمد لانه خروج معتاد واجب أشبه الخروج للجمعة أو لما لا بد منه و إن كانت له رحبة خارجة من المسجد يمكن أن تضرب فيها خباءها فقال الخرقي تضرب خباءها فيها مدة حيضها و هو قول أبي قلابة و قال النخعي تضرب فسطاطها في دارها فإذا طهرت قضت تلك الايام و ان دخلت بيتا أو سقفا أستأنفت و قال الزهري و عمرو بن دينار و ربيعة و مالك و الشافعي