واجبا فلم يسقط بخروجه حتى يصير إلى مسافة القصر لانه يكون انشاء سفر طويل و هاهنا لم يكن واجبا و لا يثبت وجوبه ابتداء الا في حق من كان مقيما ( فصل ) و يستحب أن يقف المودع في الملتزم و هو ما بين الركن و الباب فيلزمه يلصق به صدره و وجهه و يدعو الله عز و جل لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : طفت مع عبد الله فلما جاء دبر الكعبة قلت ألا تتعوذ ؟ قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن و الباب فوضع صدره و وجهه و ذراعيه و كفيه هكذا و بسطها بسطا و قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله ، و عن عبد الرحمن بن صفوان قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة انطلفت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قد خرج من الكعبة و هو و أصحابه قد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم و وضعوا خدودهم على البيت و رسول الله صلى الله عليه و سلم وسطهم رواه أبو داود ، و قال منصور سألت مجاهدا إذا أردت الوداع كيف أصنع ؟ قال تطوف بالبيت سبعا و تصلي ركعتين خلف المقام ثم تأتي زمزم فتشرب من مائها ثم تأتي الملتزم ما بين الحجر و الباب فتستلمه ثم تدعو ثم تسأل حاجتك ثم تستلم الحجر و تنصرف قال بعض أصحابنا و يقول في وداعه أللهم هذا بيتك و أنا عبدك و ابن عبدك حملتني على ما سخرت لي من خلقك و سيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك و أعنتني على أداء نسكي فان كنت رضيت عني فازدد عني رضا و الا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا
(491)
أوان انصرافي ان أذنت لي مستبدل بك و لا ببيتك و لا راغب عنك و لا عن بيتك ، أللهم فأصحبني العافية في بدني و الصحة في جسمي و العصمة في ديني و أحسن منقلبي و ارزقني طاعتك أبدا ما أبقيتني و اجمع لي بين خيري الدنيا و الآخرة إنك على كل شيء قدير ، و عن طاوس قال رأيت أعرابيا أتى الملتزم فتعلق بأستار الكعبة فقال : بك أعوذ و بك ألوذ أللهم فاجعل لي في اللهف إلى جودك و الرضاء بضمانك مندوحا عن منع الباخلين ، و غنى عما في أيدي المستأثرين ، أللهم بفرجك القريب و معروفك القديم و عادتك الحسنة ، ثم أضلني في الناس فلقيته بعرفات قائما و هو يقول : أللهم ان كنت لم تقبل حجتي و تعبي و نصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم أعظم مصيبة ممن ورد حوضك و انصرف محروما من وجه رغبتك ، و قال آخر : يا خير موفود اليه قد ضعفت قوتي ، و ذهبت منتي و أتيت إليك بذنوب لا تغلسها البحار أستجير برضاك من سخطك ، و بعفوك عن عقوبتك ، رب ارحم من شملته الخطايا و غمرته الذنوب ، و ظهرت منه العيوب ، ارحم أسير ضر و طريد فقر ، أسألك أن تهب لي عظيم جرمي يا مستزادا من نعمه و مستعاذا من نقمه ، أرحم صوت حزين دعاك بزفير و شهيق ، أللهم ان كنت بسطت إليك يدي داعيا فطالما كفيتني ساهيا فبنعمتك التي تظاهرت علي عند الغفلة لا أيأس منها عند التوبة فلا تقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف وهب لي الاصلاح في الولد و الامن في البلد و العافية في الجسد انك سميع مجيب ، أللهم ان لك علي حقوقا فتصدق بها علي و للناس قبلي تبعات
(492)
فتحملها عني و قد أو جبت لكل ضيف قرى و أنا ضيفك الليلة فاجعل قراي الجنة ، أللهم ان سائلك عند بابك من ذهبت أيامه و بقيت آثامه و انقطعت شهوته و بقيت تبعته فارض عنه و ان لم ترض عنه فاعف عنه فقد يعفو السيد عن عبده و هو عنه راض ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه و سلم ، و المرأة إذا كانت حائضا لم تدخل المسجد و وقفت على بابه فدعت بذلك ( فصل قال احمد إذا ودع البيت يقوم عند الباب إذا خرج و يدعو فإذا ولي لا يقف و لا يلتفت و ان التفت رجع فودع ، و روى حنبل في مناسكه عن المهاجرة قال قلت لجابر بن عبد الله الرجل يطوف بالبيت و يصلي فإذا انصرف خرج ثم أستقبل القبلة فقام فقال ما كنت أحسب يصنع هذا اليهود و النصارى ( 1 ) قال أبو عبد الله أكره ذلك ، و قول أبي عبد الله ان التفت رجع فودع .على سبيل الاستحباب اذ لا نعلم لايجاب ذلك عليه دليلا ، و قد قال مجاهد إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت ثم أنظر إلى الكعبة ثم قل أللهم لا تجعله آخر العهد ( مسألة ) قال ( و من ترك طواف الزيارة رجع من بلده حراما حتى يطوف بالبيت ) و جملة ذلك ان طواف الزيارة ركن للحج لا يتم الا به و لا يحل من إحرامه حتى يفعله فان رجع إلى بلده قبله لم ينفك إحرامه و رجع متى أمكنه محرما لا يجزئه ذلك ، و بذلك قال عطاء و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي و ابن المنذر ، و قال الحسن يحج من العام المقبل و حكي نحو ذلك عن عطاء قولا ثانيا و قال يأتي عاما قابلا من حج أو عمرة
(493)
و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم حين ذكر له أن صفية حاضت قال " أحابستنا هي ؟ " قيل انها قد أفاضت يوم النحر قال " فلتنفر إذا " يدل على أن هذا الطواف لابد منه و انه حابس لمن لم يأت به ، فان نوى التحلل و رفض إحرامه لم يحل بذلك لان الاحرام لا يخرج منه بنية الخروج و متى رجع إلى مكة فطاف بالبيت حل بطوافه لان الطواف لا يفوت وقته على ما أسلفناه ( فصل ) فان ترك بعض الطواف فهو كما لو ترك جميعه فيما ذكرنا و سواء ترك شوطا أو أقل أو أكثر ، و هذا قول عطاء و مالك و الشافعي و إسحاق و أبي ثور و قال أصحاب الرأي من طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة أو طواف العمرة وسعى بين الصفا و المروة ثم رجع إلى الكوفة ان سعيه يجزئه و عليه دم لما ترك من الطواف بالبيت و لنا أن ما أتى به لا يجزئه إذا كان بمكة ، فلا يجزئه إذا خرج منها كما لو طاف دون الاربعة أشواط ( فصل ) و إذا ترك طواف الزيارة بعد رمي جمرة العقبة فلم يبق محرما الا عن النساء خاصة لانه قد حصل له التحلل الاول برمي جمرة العقبة فلم يبق محرما الا عن النساء خاصة ، و ان وطي لم يفسد حجه و لم تجب عليه بدنة لكن عليه دم ، و يجدد إحرامه ليطوف في إحرام صحيح ، قال احمد من طاف للزيارة أو اخترق الحجر في طوافه و رجع إلى بغداد فانه يرجع لانه على بقية إحرامه فان وطي النساء أحرم من التنعيم على حديث ابن عباس و عليه دم و هذا كما قلنا
(494)
( مسألة ) قال ( و ان كان طاف للوداع لم يجزئه طواف الزيارة ) و انما لم يجزه عن طواف الزيارة لان تعيين النية شرط فيه على ما ذكرنا فمن طاف للوداع فلم يعين النية له فكذلك لم يصح .( مسألة ) قال ( و ليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد إلا أن عليه دما فان لم يجد صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة و سبعة إذا رجع ) المشهور عن أحمد ان القارن بين الحج و العمرة لا يلزمه من العمل الا ما يلزم المفرد و أنه يجزئه طواف واحد وسعي واحد لحجه و عمرته نص عليه في رواية جماعة من أصحابه ، و هذا قول ابن عمر و جابر بن عبد الله ، و به قال عطاء و طاووس و مجاهد و مالك و الشافعي و إسحاق ، و أبو ثور و ابن المنذر ، و عن أحمد رواية ثانية أن عليه طوافين و سعيين ، و يروي ذلك عن الشعبي و جابر بن زيد و عبد الرحمن ابن الاسود و به قال الثوري و الحسن بن صالح و أصحاب الرأي ، و قد روي عن علي و لم يصح عنه و احتج بعض من اختار ذلك بقول الله تعالى ( و أتموا الحج و العمرة لله ) و تمامها أن يأتي بأفعالها على الكمال و لم يفرق بين القارن و غيره ، و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال " من جمع بين الحج و العمرة فعليه طوافان " و لانهما نسكان فكان لهما طوافان كما لو كانا منفردين
(495)
و لنا ما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : و أما الذين كانو جمعوا بين الحج و العمرة فانهم طافوا لهما طوافا واحدا متفق عليه ، و في مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة لما قرنت بين الحج و العمرة " يسعك طوافك لحجك و عمرتك " و عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من أحرم بالحج و العمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما جميعا " و عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قرن بين الحج و العمرة فطاف لهما طواف واحد رواهما الترمذي و قال في كل واحد منهما حديث حسن ، و روى ليث بن طاوس و عطاء و مجاهد عن جابر و ابن عمر و ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يطف بالبيت هو و أصحابه لعمرتهم و حجهم الا طوافا واحدا رواه الاثرم و ابن ماجة .و عن سلمة قال حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم للحج و العمرة الا طوافا واحدا و لانه ناسك يكفيه حلق واحد و رمي واحد فكفاه طواف واحد وسعي واحد كالمفرد ، و لانهما عبادتان من جنس واحد فإذا اجتمعا دخلت أفعال الصغرى في الكبرى كالطهارتين .و أما الآية فان الافعال إذا وقعت لهما فقد تما ، و اما الحديث الذي احتجوا به فلا نعلم صحته و رواه الدارقطني من طرق ضعيفة في بعضها الحسن بن عمارة ، و في بعضها عمر بن يزيد ، و في بعضها حفص بن أبي داود وكلهم ضعفاء و كفى به ضعفا معارضته لما روينا من الاحاديث الصحيحة و ان صح فيحتمل أنه أراد عليه طواف وسعي فسماهما طوافين فان السعي يسمى طوافا قال الله تعالى ( فلا جناح عليهما ان يطوفا بهما ) و يحتمل أنه أراد عليه طوافان طواف الزيارة و طواف الوداع
(496)
( فصل ) و إن قتل القارن صيدا فعليه جزاء واحد نص عليه احمد فقال إذا قتل القارن صيدا فعليه جزاء واحد ، و هؤلاء يقولون في ذلك جزءان فيلزمهم أن يقولوا في صيد الحرم ثلاثة لانهم يقولون في الحل اثنان ففي الحرم ينبغي أن يكون ثلاثة ، و هذا قول مالك و الشافعي و قال أصحاب الرأي عليه جزءان قال القاضي و إذا قلنا عليه طوافان لزمه جزءان و لنا قول الله تعالى ( و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) و من أوجب جزءان فقد أوجب مثلين و لانه صيد واحد فلم يجب فيه جزءان كما لو قتل المحرم في الحرم صيدا و لانه لا يزيد على محرمين قتلا صيدا و ليس عليهما الا فداء واحد و كذلك محرم و حلال قتلا صيدا حرميا ( فصل ) و ان أفسد القارن نسكه بالوطء فعليه فداء واحد ، و بذلك قال عطاء و ابن جريح و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور ، و لا يسقط دم القرآن و قال الحلكم عليه هديان و يتخرج لنا أن يلزمه بدنة و شاة إذا قلنا يلزمه طوافان ، و قال أصحاب الرأي إن وطي قبل الوقوف فسد نسكه و عليه شاتان للحج و العمرة و يسقط عنه دم القرآن و لنا أن الصحابة رضي الله عنهم الذين سئلوا عن أفسد نسكه لم يأمروه إلا بفداء واحد و لم يفرقوا و لانه أحد الانساك الثلاثة فلم يجب في إفساده أكثر من فدية واحدة كالآخرين .و سائر محظورات الاحرام من اللبس و الطيب و غيرهما لا يجب في كل واحد منهما أكثر من فداء واحد كما لو كان مفردا .و الله أعلم