عبد الحارث فحكما عليه بشاة و هذا يدل على أنهم رأوا عليه الضمان بعد سكوته لكن لو انتقل عن المكان الثاني فأصابه شيء فلا ضمان عليه لانه خرج عن المكان الذي طرد اليه و قول الثوري و أحمد انما يدل على هذا لان سفيان قال إذا طردت في الحرم شيئا فأصاب شيئا قبل أن يقع أو حين وقع ضمنت و ان وقع من ذلك المكان إلى مكان آخر فليس عليك شيء فقال احمد جيد ( مسألة ) قال ( و كذلك شجره و نباته الا الاذخر و ما زرعه الانسان ) اجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم و إباحة أخذ الاذخر و ما أنبته الآدمي من البقول و الزروع و الرياحين حكى ذلك ابن المنذر و الاصل فيه ما روينا من حديث ابن عباس ، و روى أبو شريح و أبو هريرة نحوا من حديث ابن عباس وكلها متفق عليها ، و في حديث أبي هريرة " الا و إنها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها و لا يعضد شجرها " و في حديث أبي شريح أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح قال " ان مكة حرمها الله و لم يحرمها الناس فلا يحل لاحد يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يسفك بها دما و لا يعضد بها شجرة " و روى الاثرم حيدث أبي هريرة في سننه و فيه " و لا يعضد شجرها و لا يحتش حشيشها و لا يصاد صيدها " فاما ما أنبته الآدمي من الشجر فقال أبو الخطاب و ابن عقيل له قلعه من ضمان كالزرع و قال القاضي ما نبت في الحل ثم غرس في الحرم فلا جزاء فيه و ما نبت أصله في الحرم ففيه الجزاء بكل حال ، و قال الشافعي في شجر الحرم الجزاء بكل حال أنبته الآدميون أو
(365)
نبت بنفسه لعموم قوله عليه السلام " لا يعضد شجرها " و لانها شجرة نابتة في الحرم أشبه ما لم ينبته الآدميون ، و قال أبو حنيفة لا جزاء فيما ينبت الآدميون جنسه كالجوز و اللوز و النخل و نحوه و لا يجب فيما ينبته الآدمي من غيره كالدوح و السلم و العضاه لان الحرم يختص تحريمه ما كان وحشيا من الصيد كذلك الشجر و قول الخرقي و ما زرعه الانسان يحتمل اختصاصه بالزرع دون الشجر فيكون كقول الشافعي و يحتمل أن يعم جميع ما يزرع فيدخل فيه الشجر و يحتمل أن يريد ما ينبت الآدميون جنسه و الاولى الاخذ بعموم الحديث في تحريم الشجر كله بقوله عليه السلام " لا يعضد شجرها " إلا ما أنبته الآدمي من جنس شجرهم بالقياس على ما أنبتوه من الزرع و الاهلى من الحيوان فاننا أنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله انسيا دون من ما تأنس من الوحشي كذا ههنا ( فصل ) و يحرم قطع الشوك و العوسج و قال القاضي و أبو الخطاب لا يحرم و روي ذلك عن عطاء و مجاهد و عمرو بن دينار و الشافعي لانه يؤذي بطبعه فأشبه السباع من الحيوان و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم " لا يعضد شجرها " و في حديث أبي هريرة لا يختلى شوكها و هذا صريح و لان الغالب في شجر الحرم الشوك فلما حرم النبي صلى الله عليه و سلم قطع شجرها و الشوك غالبه كان ظاهرا في تحريمه ( فصل ) و لا بأس بقطع اليابس من الشجر و الحشيش لانه بمنزلة الميت و لا يقطع ما انكسر و لم يبن لانه قد تلف فهو بمنزلة الظفر المنكسر و لا بأس بالانتفاع بما انكسر من الاغصان و انقلع من الشجر
(366)
بغير فعل آدمي و لا ما سقط من الورق نص عليه احمد و لا نعلم فيه خلافا لان الخبر إنما ورد في القطع و هذا لم يقطع فاما ان قطعه آدمي فقال احمد لم أسمع إذا قطع ينتفع به و قال في الدوحة تقلع من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها و ذلك لانه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم و يحتمل أن يباح لغير القاطع الانتفاع به لانه انقطع بغير فعله فأبيح له الانتفاع به كما لو قطعه حيوان بهيمي و يفارق الصيد الذي ذبحه لان الذكاة تعتبر لها الاهلية و لهذا لا يحصل بفعل بهيمة بخلاف هذا ( فصل ) و ليس له أخذ ورق الشجر و قال الشافعي له أخذه لانه لا يضربه و كان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشي به و لا ينزع من أصله و رخص فيه عمرو بن دينار و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " لا يخبط شوكها و لا يعضد شجرها " رواه مسلم و لان ما حرم أخذه حرم كل شيء منه كريش الطائر و قولهم لا يضر به لا يصح فانه يضعفها و ربما آل إلى تلفها ( فصل و يحرم قطع حشيش الحرم الا ما استثناه الشرع من الاذخر و ما أنبته الآدميون و اليابس لقوله عليه السلام " لا يختلى خلاها " و في لفظ " و لا يحتش حشيشها " و في استثناء النبي صلى الله عليه و سلم الاذخر دليل على تحريم ما عداه و في جواز رعيه وجهان ( أحدهما ) لا يجوز و هو مذهب أبي حنيفة لان ما حرم إتلافه لم يجز أن يرسل عليه مايتلفه كالصيد
(367)
( و الثاني ) يجوز و هو مذهب عطاء و الشافعي لان الهديا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل أنه كانت تسد أفواهها و لان بهم حاجة إلى ذلك أشبه قطع الاذخر ( فصل ) و يباح أخذ الكمأة من الحرم و كذلك الفقع لانه لا أصل له فأشبه الثمرة و روى حنيل قال يؤكل من شجر الحرم الضغابيس و العشرق و ما سقط من الشجر و ما أنبت الناس ( فصل ) و يجب في إتلاف الشجر و الحشيش الضمان و به قال الشافعي و أصحاب الرأي و روي ذلك عن ابن عباس و عطاء و قال مالك و أبو ثور و داود و ابن المنذر لا يضمن لان المحرم لا يضمنه في الحل فلا يضمن في الحرم كالزرع و قال ابن المنذر لا أجد دليلا أوجب به في شجر الحرم فرضا من كتاب و لا سنة و لا إجماع و أقول كما قال مالك نستغفر الله تعالى و لنا ما روى أبو هشيمة قال رأيت عمر بن الخطاب أمر بشجر كان في المسجد يضر بأهل الطواف فقطع وفدا و ذكر البقرة رواه حنبل في المناسك و عن ابن عباس أنه قال في الدوحة بقرة و في الجزلة شاة و الدوحة الشجرة العظيمة و الجزلة الصغيرة و عن عطاء نحوه و لانه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم فكان مضمونا كالصيد و يخالف المحرم فانه لا يمنع من قطع شجر الحل و لا زرع الحرم إذا ثبت هذا فانه يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة و الصغيرة بشاة و الحشيش بقيمته و الغصن بما نقص
(368)
و بهذا قال الشافعي و قال أصحاب الرأي يضمن الكل بقيمته لانه لا مقدار فيه فأشبه الحشيش و لنا قول ابن عباس و عطاء لانه أحد نوعي ما يحرم إتلافه فكان فيه ما يضمن بمقدر كالصيد فان قطع غصنا أو حشيشا فاستخلف احتمل سقوط ضمانه كما إذا جرح صيدا فاندمل أو قطع شعر آدمي فنبت و احتمل أن يضمنه لان الثاني الاول ( فصل ) و من قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر فيبست ضمنها لانه أتلفها و إن غرسها في مكان من الحرم فنبتت لم يضمنها لانه لم يتلفها و لم يزل حرمتها و إن غرسها في الحل فنبتت فعليه ردها اليه لانه أزال حرمتها فان تعذر ردها أو ردها فيبست ضمنها و إن قلعها غيره من الحل فقال القاضي الضمان على الثاني لانه المتلف لها فان قيل لا يجب على المخرج كالصيد إذا نفره من الحرم فقتله إنسان في الحل فان الضمان على المنفر قلنا الشجر لا ينتقل بنفسه و لا تزول حرمته بإخراجه و لهذا وجب على قالعه رده و الصيد يكون في الحرم تارة و في الحل أخرى فمن نفره فقد فوت حرمته فلزمه جزاؤه و هذا لم يفوت حرمته بالاخراج فكان الجزاء على متلفه لانه أتلف شجرا حرميا محرما إتلافه ( فصل ) و إذا كانت الشجرة في الحرم و غصنها في الحل فعلى قاطعه الضمان لانه تابع لاصله و إن كانت في الحل و غصنها في الحرم فقطعه ففيه وجهان
(369)
( أحدهما ) لا ضمان فيه و هو قول القاضي أبي يعلى لانه تابع لاصله كالتي قبلها ( و الثاني ) يضمنه اختاره ابن أبي موسى لانه في الحرم فان كان بعض الاصل في الحل و بعضه في الحرم ضمن الغصن بكل حال سواء كان في الحل أو في الحرم تغليبا لحرمة الحرم كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحل و بعضها في الحرم ( فصل ) و يحرم صيد المدينة و شجرها و حشيشها ، و بهذا قال مالك و الشافعي و قال أبو حنيفة لا يحرم لانه لو كان محرما لبينه النبي صلى الله عليه و سلم بيانا عاما و لوجب فيه الجزاء كصيد الحرم و لنا ما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " المدينة حرم ما بين ثور إلى عير " متفق عليه و روى تحريم المدينة أبو هريرة و رافع و عبد الله بن زيد متفق على أحاديثهم و رواه مسلم عن سعد و جابر و أنس ، و هذا يدل على تعميم البيان و ليس هو في الدرجة دون اخبار تحريم الحرم ، و قد قبلوه و أثبتوا أحكامه على أنه ليس بممتنع أن يبينه بيانا خاصا أو يبينه بيانا عاما فينقل نقلا خاصا كصفة الاذان و الوتر و الاقامة ( فصل ) و حرم المدينة ما بين لابتيها لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ما بين لابتيها حرام " و كان أبو هريرة يقول لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ماذعرتها متفق عليه و اللابة الحرة و هي أرض
(370)
فيها حجارة سود قال أحمد ما بين لابتيها حرام بريد في بريد كذا فسره مالك بن أنس و روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل حول المدينة اثني عشر ميلا حمى رواه مسلم فاما قوله ما بين ثور إلى عير فقال أهل العلم بالمدينة لا نعرف بها ثورا و لا عيرا و انما هما جبلان بمكة فيحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم أراد قدر ما بين ثور وعير و يحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة و سماهما ثورا و عيرا تجوزا ( فصل ) فمن فعل مما حرم عليه شيئا ففيه روايتان ( احداهما ) لاجزاء فيه و هذا قول أكثر أهل العلم ، و هو قول مالك و الشافعي في الجديد لانه موضع يجوز دخوله بغير إحرام فلم يجب فيه جزاء كصيد وج ( و الثانية ) يجب فيه الجزاء روي ذلك عن ابن أبي ذئب و هو قول الشافعي في القديم و ابن المنذر لان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " إني أحرم المدينة مثل ما حرم إبراهيم مكة " و نهى أن يعضد شجرها و يؤخذ طيرها فوجب في هذا الحرم الجزاء كما وجب في ذلك اذ لم يظهر بينهما فرق و جزاؤه إباحة سلب القاتل لما أخذه لما روى مسلم باسناده عن عامر بن سعد ان سعد اركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاء أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأبى أن يرد عليهم .و عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " من أخذ أحدا بصيد فيه فليسلبه رواه أبو داود فعلى هذا يباح لمن وجد آخذ الصيد أو قاتله أو قاطع الشجر سلبه و هو أخذ ثيابه حتى سراويله فان كان على دابة لم يملك أخذها لان الدابة ليست من السلب و انما أخذها قاتل الكافر في الجهاد لانه يستعان بها على الحرب بخلاف مسألتنا و ان لم يسلبه أحد فلا شيء عليه سوى الاستغفار و التوبة ( فصل ) و يفارق حرم المدينة حرم مكة في شيئين ( أحدهما ) أنه يجوز أن يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة اليه للمساند و الوسائد و الرحل و من حشيشها ما تدعوا الحاجة اليه للعلف لما روى الامام أحمد عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حرم المدينة قالوا يا رسول الله : انا أصحاب عمل و أصحاب نضح و انا لا نستطيع أرضا أرضنا فرخص لنا .فقال " القائمتان و الوسادة و العارضة و السمند فاما ذلك فلا يعضد و لا يخبط منهاشئ " قال اسماعيل بن أبي