يجعل الحجة عمرة و لا يقيم على حجة فاسدة و قال داود يخرج بالافساد من الحج و العمرة لقول النبي صلى الله عليه و سلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " و لنا عموم قوله تعالى ( و أتموا الحج و العمرة الله ) و لانه قول من سمينا من الصحابة و لم نعرف لهم مخالفا و لانه معنى يجب به القضاء فلم يخرج به منه كالفوات و الخبر لا يلزمنا لان المضي فيه بأمر الله و انما وجب القضاء لانه لم يأت به على الوجه الذي يلزمه بالاحرام ، و نخص مالكا بأنها حجة لا يمكنه الخروج منها بالاخراج فلا يخرج منها إلى عمرة كالصحيحة ، إذا ثبت هذا فانه لا يحل من الفاسد بل يجب عليه أن يفعل بعد الافساد كل ما يفعله قبله و لا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة و الرمي ، و يجتنب بعد الفساد كل ما يجتنبه قبله من الوطء قانيا ثانيا و قتل الصيد و الطيب و اللباس و نحوه و عليه الفدية في الجناية على الاحرام الفاسد كالفدية في الجناية على الاحرام الصحيح ، فأما الحج من قابل فيلزمه بكل حال لكن ان كانت الحجة التي أفسدها واجبة بأصل الشرع أو بالنذر أو قضأ كانت الحجة من قابل مجزئة لان الفساد إذا انضم اليه القضاء أجزأ عما يجزئ عنه الاول لو لم يفسده ، و ان كانت الفاسدة تطوعا وجب قضاؤها لانه بالدخول في الاحرام صار الحج عله واجبا فإذا أفسده وجب قضاؤه كالمنذور و يكون القضاء على الفور و لا نعلم فيه مخالفا لان الحج الاصلي واجب على الفور فهذا أولى لانه قد تعين بالدخول فيه و الواجب بأصل الشرع لم يتعين بذلك ( فصل ) و يحرم بالقضاء من أبعد الموضعين الميقات أو موضع إحرامه الاول لانه ان كان الميقات أبعد فلا يجوز له تجاوز الميقات بغير إحرام ، و ان كان موضع إحرامه أبعد فعليه الاحرام بالقضاء منه نص عليه أحمد و روي ذلك عن ابن عباس و سعيد بن المسيب و الشافعي و إسحاق و اختاره ابن المنذر ، و قال النخعي يحرم من موضع الجماع لانه موضع الافساد و لنا انها عبادة فكان قضاؤها على حسب أدائها كالصلاة ( فصل ) و إذا قضيا تفرقا من موضع الجماع حتى يقضيا حجهما روي هذا عن عمر و ابن عباس و روى سعيد و الاثرم باسناديهما عن عمر انه سئل عن رجل وقع بإمرأته و هما محرمان فقال : أتما حجكما فإذا كان عام قابل فحجا واهديا حتى إذا بلغتما المكان الذي اصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا حتى تحلا .و رؤيا عن ابن عباس مثل ذلك و به قال سعيد بن المسيب و عطاء و النخعي و الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي و روي عن أحمد انهما يتفرقان من حيث يحرمان حتى يحلا ، و رواه مالك في الموطأ عن علي رضي الله عنه و روي عن ابن عباس و هو قول مالك لان التفريق بينهما خوفا من معاودة المحظور و هو يوجد في جميع
(379)
إحرامهما ، و وجه الاول ان ما قبل موضع الافساد كان إحرامهما فيه صحيحا فلم يجب التفرق فيه كالذي لم يفسد ، و انما اختص التفريق بموضع الجماع لانه ربما يذكره بروية مكانه فيدعوه ذلك إلى فعله ، و معنى التفرق أن لا يركب معها في محمل و لا ينزل معها في فسطاط و نحوه قال أحمد يتفرقان في النزول و في المحمل و الفسطاط و لكن يكون بقربها .و هل يجب التفريق أو يستحب ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يجب و هو قول أبي حنيفة لانه لا يجب التفرق في قضأ رمضان إذا أفسداه كذلك الحج ( و الثاني ) يجب لانه روي عمن سمينا من الصحابة الامر به و لم نعرف لهم مخالفا ، و لان الاجتماع في ذلك الموضع يذكر الجماع فيكون من دواعيه و الاول أولى لان حكمة التفريق الصيانة عما يتوهم من معاودة الوقاع عند تذكره بروية مكانه و هذا و هم بعيد لا يقتضي الايجاب ( فصل ) و العمرة فيما ذكرناه كالحج فان كان المعتامر مكيا - أحرم بها من الحل أحرم للقضاء من الحل ، و ان كان أحرم بها من الحرم أحرم للقضاء من الحل و لا فرق بين المكي و من حصل بها من المجاورين و ان أفسد المتمتع عمرته و مضى في فاسدها فأتمها فقال أحمد يخرج إلى الميقات فيحرم منه للحج فان خشي الفوات أحرم من مكة و عليه دم .فإذا فرغ من حجه خرج إلى الميقات فأحرم منه بعمرة مكان التي أفسدها ، و عليه هدي يذبحه إذا قدم مكة لما أفسد من عمرته ، و لو افسد الحاج حجته و أتمها فله الاحرام بالعمرة من أدنى الحل كالمكيين ( فصل ) و إذا أفسد القضاء لم يجب عليه قضاؤه و انما يقتضي عن الحج الاول كما لو أفسد قضأ الصلاة و الصيام وجب القضاء للاصل دون القضاء كذا ههنا و ذلك لان الواجب لا يزداد بفواته و انما يبقى ما كان واجبا في الذمة على ما كان عليه فيؤديه القضاء باب ذكر الحج و دخول مكة يستحب الاغتسال لدخول مكة لان عبد الله بن عمر كان يغتسل ثم يدخل مكة نهارا أو يذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعله متفق عليه ، و للبخاري ان ابن عمر كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية
(380)
ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي الصبح و يغتسل و يحدث ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك ، و لان مكة مجمع أهل النسك فإذا قصدها استحب له الاغتسال كالخارج إلى الجمعة ، و المرأة كالرجل و ان كانت حائضا أو نفساء لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعائشة و قد حاضت " افعلي ما يفعل الحاج أن لا تطوفي بالبيت و لان الغسل يراد للتنظيف و هذا يحصل مع الحيض فاستحب لها ذلك و هذا مذهب الشافعي و فعله عروة و الاسود بن يزيد و عمرو بن ميمون و الحارث بن سويد ( فصل ) و يستحب أن يدخل مكة من أعلاها لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء و خرج من الثنية السفلى ، و روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما جاء مكة دخل من أعلاها و خرج من أسفلها ، متفق عليهما و لا بأس أن يدخلها ليلا أو نهارا لان النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة ليلا و نهارا رواهما النسائي ( مسألة ) قال أبو القاسم رحمه الله ( فإذا دخل المسجد فالاستحباب له أن يدخل من باب بني شيبة فإذا رأى البيت رفع يديه و كبر ) إنما استحب دخول المسجد من باب بني شيبة لان النبي صلى الله عليه و سلم دخل منه ، و في حديث جابر الذي رواه مسلم و غيره أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة ارتفاع الضحى و أناخ راحلته عند باب بني شيبة و دخل المسجد
(381)
و يستحب رفع اليدين عند رؤية البيت ( 1 ) روي ذلك عن ابن عمر و ابن عباس و به قال الثوري و ابن المبارك و الشافعي و إسحاق و كان مالك لا يرى رفع اليدين لما روي عن المهاجر المكي قال سئل جابر بن عبد الله عن الرجل يرى البيت أ يرفع يديه ؟ قال ما كنت أظن أحدا يفعل هذا الا اليهود حججنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يكن يفعله رواه النسائي و لنا ما روى أبو بكر ابن المنذر عن النبي صلى الله عله و سلم أنه قال " لا ترفع الايدي الا في سبع مواطن افتتاح الصلاة و استقبال البيت و على الصفا والمورة و على الموقفين و الجمرتين " و هذا من قول النبي صلى الله عليه و سلم و ذاك من قول جابر و خبره عن ظنه و فعله و قد خالفه ابن عمر و ابن عباس ، و لان الدعاء مستحب عند رؤية البيت و قد أمر برفع اليدين عند الدعاء ( فصل ) و يستحب أن يدعو عند رؤية البيت فيقول : أللهم أنت السلام و منك السلام حينا ربنا بالسلام ، أللهم زد هذا البيت تعظيما و تشريفا و تكريما و مهابة وبرا ، و زد من عظمه و شرفه ممن حجه و اعتمره تعظيما و تشريفا و تكريما و مهاية وبرا ، الحمد الله رب العالمين كثيرا كما هو أهله ، و كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ، الحمد الله الذي بلغني بيته و رآني لذلك أهلا ، و الحمد الله على كل حال .أللهم انك دعوت إلى حج بيتك الحرام و قد جئتك لذلك أللهم تقبل مني و اعف عني و اصلح لي شأني كله لا اله الا أنت قال الشافعي في مسنده أخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج ( 2 ) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا رأى البيت رفع يديه و قال " أللهم زد هذا البيت تشريفا و تكريما و تعظيما و مهابة وبرا و زد من شرفه ممن حجه
(382)
و اعتمرة تشريفا و تكريما و تعظيما وبرا " و روى باسناده عن سعيد بن المسيب أنه كان حين نظر إلى البيت يقول " أللهم أنت السلام و منك السلام حينا ربنا بالسلام " قال بعض أصحابنا يرفع صوته بذلك ( فصل ) و إذا دخل المسجد فذكر فريضة أو فائتة أو أقيمت الصلاة المكتوبة قدمهما على الطواف
(383)
لان ذلك فرض و الطواف تحية ، و لانه لو أقيمت الصلاة في أثناء طوافه قطعه لاجلها فلان يبدأ بها أولى و ان خاف فوت ركعتي الفجر أو الوتر أو حضرت جنازة قدمها لانها سنة يخاف فوتها و الطواف لا يفوت ( مسألة ) قال ( ثم أتى الحجر الاسود ان كان فاستلمه ان استطاع و قبله ) معنى استلمه أي مسحه بيده أي مأخوذ من السلام و هي الحجارة فإذا مسح الحجر قبل استلم أي مس السلام قال ابن قتيبه و المستحب لمن دخل المسجد أن لا يعرج على شيء ء قبل الطواف بالبيت اقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم فانه كان يفعل ذلك قال جابر في حديثه الصحيح حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا و مشى أربعا و عن عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم مكة توطأ ثم طاف بالبيت متفق عليه و روى ذلك عروة عن أبي بكر و عمر و عثمان و عبد الله بن عمر و معاوية و ابن الزبير و المهاجرين و عائشة و أسماء إبنتي أبي بكر و لان الطواف تحية المسجد الحرام فاستحب البداية به كما استحب لداخل غيره من المساجد أن يصلي ركعتين و يبتدئ الطواف بالحجر الاسود ، فيستلمه و هو أن يمسحه بيده و يقبله قال أسلم رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر و قال : اني لا علم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك متفق عليه
(384)
و روى ابن ماجه عن ابن عمر قال استقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب رضي الله عنه يبكي فقال " يا عمر ههنا تسكب العبرات " و قول الخرقي إن كان يعني إن كان الحجر في موضعه لم يذهب به كما ذهب به القرامطة مرة حين ظهروا على مكة فإذا كان ذلك و العياذ بالله فانه يقف مقابلا لمكانه و يستلم الركن و إن كان الحجر موجودا في موضعه استلمه و قبله فان لم يمكنه استلامة و تقبيله قام حياله أي بحذائه و استقبله بوجهه فكبر و هلل و هكذا ان كان راكبا فقد روى البخاري عن ابن عباس قال : طاف النبي صلى الله عليه و سلم على بعير كلما أتي الحجر أشار اليه بشيء في يده و كبر .و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعمر " إنك لرجل شديد تؤذي الضعيف ( 1 ) إذا طفت بالبيت فإذا رأيت خلوة من الحجر فادن منه و الا فكبر ثم أمض " فان أمكنه استلام الحجر بشيء في يده كالعصا و نحوها فعل فقد روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف في حجة الوداع يستلم الركن بمحجن و هذا كله مستحب .و يقول عند استلام الحجر بإسم الله و الله أكبر ايمانا بك و تصديقا بكتابك و وفاء بعهدك و إتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم رواه عبد الله بن السائب عن النبي صلى الله عليه و سلم ( فصل ) و يحاذى الحجر بجميع بدنه فان حاذاه ببعضه احتمل أن يجزئه لانه حكم يتعلق بالبدن فأجزأ فيه بعضه كالحد و يحتمل أن لا يجزئه لان النبي صلى الله عليه و سلم استقبل الحجر و استلمه و ظاهر هذا أنه استقبله بجميع بدونه و لان ما لزمه استقباله لزمه بجميع بدنه كالقبلة فإذا قلنا بوجوب ذلك فلم يفعله أو بدأ بالطواف من دون الركن كالباب و نحوه لم يحتسب له بذلك الشوط و يحتسب بالشوط الثاني