ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر لانه ان وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم ، و يشترط ان تنوي الصوم أيضا من الليل بعد انقطاعه لانه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ، و قال الاوزاعي و الحسن بن حي و عبد الملك ابن الماجشون و العنبري تقضي فرطت في الاغتسال أو لم تفرط لان حدث الحيض يمنع صحة الصوم بخلاف الجنابة و لنا انه حدث يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة ، و ما ذكروه لا يصح فان من طهرت من الحيض ليست حائضا و انما عليها حدث موجب للغسل فهي كالجنب فان الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض و بقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض ، و قد استدل بعض أهل العلم بقول الله تعالى ( فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ) فما أباح المباشرة إلى تبين الفجر علم ان الغسل انما يكون بعده ( مسألة ) قال ( و الحامل إذا خافت على جنينها و المرضع على ولدها أفطرتا و قضتا و أطعمتا عن كل يوم مسكينا ) و جملة ذلك ان الحامل و المرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر و عليهما الفضاء بحسب لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا لانهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه ، و ان خافتا على ولديهما أفطرتا و عليهما القضاء و إطعام مسكين عن كل يوم و هذا يروي عن أبن عمر و هو المشهور من مذهب الشافعي ، و قال الليث الكفارة على المرضع دون الحامل و هو إحدى الروايتين عن مالك لان المرضع يمكنها أن تسترضع
(78)
لولدها بخلاف الحامل ، و لان الحمل متصل بالحامل فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها ، و قال عطاء و الزهري و الحسن و سعيد بن جبير و النخعي و أبو حنيفة لا كفارة عليهما لما روى أنس بن مالك رجل من بني كعب عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال " ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة و عن الحامل و المرضع الصوم أو الصيام " و الله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه و آله أحدهما أو كليهما .رواه النسائي و الترمذي و قال هذا حديث حسن ، و لم يأمره بكفارة ، و لانه فطر أبيح لعذر فلم يجب به كفارة كالفطر للمرض و لنا قوله الله تعالى ( و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) و هما داخلتان في عموم الآية .قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير و المرأة الكبيرة و هما يطيقان الصيام ان يفطرا و يطعما مكان كل يوم مسكينا ، و الحبلى و المرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا و أطعمتا ، رواه أبو داود ، و روي ذلك عن ابن عمر و لا مخالف لهما في الصحابة ، و لانه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة فوجبت به الكفارة كالشيخ الهم ، و خبرهم لم يتعرض للكفارة فكانت موقوفة على الدليل كالقضاء فان الحديث لم يتعرض له و المريض أخف حالا من هاتين لانه يفطر بسبب نفسه ، إذا ثبت هذا فان الواجب في إطعام المسكين مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير و الخلاف فيه كالخلاف في إطعام المساكين في كارة الجماع ، إذا ثبت هذا فان القضاء لازم لهما ، و قال ابن عمر و ابن عباس لا قضأ عليهما لان الاية تناولتهما و ليس فيها الا الاطعام ، و لان النبي صلى الله عليه و آله قال " ان الله وضع عن الحامل و المرضع الصوم " و لنا انهما يطيقان القضاء فلزمهما كالحائض و النفساء و الآية أوجبت الاطعام و لم تتعرض للقضاء فأخذناه من دليل آخر و المراد بوضع الصوم وضعه في مدة عذرهما كما جاء في حديث عمر بن أمية عن
(79)
النبي صلى الله عليه و آله " ان الله وضع عن المسافر الصوم " ( 1 ) و لا يشبهان الشيخ الهم لانه عاجز عن القضاء و هما يقدران عليه ، قال احمد أذهب إلى حديث ابي هريرة يعني و لا أقول بقول ابن عباس و ابن عمر في منع القضاء ( مسألة ) قال ( و إذا عجز عن الصوم لكبر أفطر و أطعم لكل يوم مسكينا ) و جملة ذلك ان الشيخ الكبير و العجوز إذا كان يجهدهما الصوم و يشق عليهما مشقة شديدة فلهما ان يفطرا و يطعما لكل يوم مسكينا و هذا قول علي و ابن عباس و أبي هريرة و أنس و سعيد بن جبير و طاووس و أبي حنيفة و الثوري و الاوزاعي ، و قال مالك لا يجب عليه شيء لانه ترك الصوم لعجزه فلم تجب فدية كما لو تركه لمرض اتصل به الموت ، و للشافعي قولان كالمذهبين و لنا الاية و قول ابن عباس في تفسيرها نزلت في رخصة للشيخ الكبير و لان الاداء صوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء ، و أما المريض إذا مات فلا يجب الاطعام لان ذلك يؤدي إلى ان يجب على الميت ابتداء بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل حتى مات لان وجوب الاطعام يستند إلى حال الحياة ، و الشيخ الهم له ذمة صحيحة فان كان عاجزا عن الاطعام أيضا فلا شيء عليه ( و لا يكلف الله نفسا الا وسعها ) ( فصل ) و المريض الذي لا يرجى برؤه يفطر و يطعم لكل يوم مسكينا لانه في معنى الشيخ ،
(80)
قال أحمد رحمه الله فيمن به شهوة الجماع غالبة لا يملك نفسه و يخاف ان تنشق أثياه أطعم ، أباح له الفطر لانه يخاف على نفسه فهو كالمريض ، و من يخاف على نفسه الهلاك لعطش أو نحوه و أوجب الاطعام بدلا عن الصيام و هذا محمول على من لا يرجو إمكان القضاء ، فان رجا ذلك فلا فدية عليه و الواجب انتظار القضاء و فعله إذا قدر عليه لقوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) و انما يصار إلى الفدية عند اليأس من القضاء ، فان أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام احتمل أن لا يلزمه لان ذمته قد برئت بأداء الفدية التي كانت هي الواجبة عليه فلم يعد إلى الشغل بما برئت منه ، و لهذا قال الخرقي : فمن كان مريضا لا يرجي برؤه أو شيخا لا يستمسك على الراحلة أقام من يحج عنه و يعتمر و قد اجزأ عنه و ان عوفي ، و احتمل أن يلزمه القضاء لان الاطعام بدل يأس و قد تبينا ذهاب اليأس فأشبه من اعتدت بالشهور عند اليأس من الحيض ثم حاضت ( مسألة ) قال ( و إذا حاضت المرأة أو نفست أفطرت و قضت فان صامت لم يجزئها ) أجمع أهل العلم على أن الحائض و النفساء لا يحل لهما الصوم و انهما يفطران رمضان و يقضيان و انهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم و قد قالت عائشة : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله فنؤمر بقضاء الصوم و لا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليه .و الامر إنما هو للنبي صلى الله عليه و آله ، و قال أبو سعيد : قال النبي صلى الله عليه و آله " أ ليس احداكن إذا حاضت لم تصل و لم تصم فذلك من نقصان دينها " رواه البخاري ، و الحائض و النفساء سواء لان دم النفاس هو دم الحيض و حكمه حكمه ، و متى وجد الحيض
(81)
في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم سواء وجد في أوله أو في آخره ، و متى نوت الحائض الصوم و أمسكت مع علمها بتحريم ذلك أتمت و لم يجزئها ( مسألة ) قال ( فان أمكنها القضاء فلم تقض حتى ماتت أطعم عنها لكل يوم مسكين ) و جملة ذلك ان من مات و عليه صيام من رمضان لم يخل من حالين ( أحدهما ) أن يموت قبل إمكان الصيام اما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم ، و حكي عن طاوس و قتادة انهما قالا : يجب الاطعام عنه لانه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الاطعام عنه كالشيخ الهم إذا ترك الصيام لعجزه عنه
(82)
و لنا انه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله فسقط إلى بدل كالحج و يفارق الشيخ الهرم فانه يجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت ( الحال الثاني ) أن يموت بعد إمكان القضاء فالواجب أن يطعم عنه لكل يوم مسكين ، و هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عائشة و ابن عباس و به قال مالك و الليث و الاوزاعي و الثوري و الشافعي و الخزرجي و ابن علية و أبو عبيد في الصحيح عنهم ، و قال أبو ثور يصام عنه و هو قول الشافعي لما روت عائشة ان النبي صلى الله عليه و آله قال " من مات و عليه صيام صام عنه وليه " متفق عليه و روي عن ابن عباس نحوه و لنا ما روى ابن ماجة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و آله قال " من مات و عليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا " قال الترمذي الصحيح عن ابن عمر موقوف و عن عائشة أيضا قالت يطعم عنه في قضأ رمضان و لا يصام عنه ، و عن ابن عباس أنه سئل عن رجل مات و عليه نذر يصوم شهرا و عليه صوم رمضان قال أما صوم رمضان فليطعم عنه و أما النذر فيصام عنه رواه الاثرم في السنن و لان الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة فكذلك بعد الوفاة كالصلاة فاما حديثهم فهو في النذر لانه قد جاء مصرحا به في بعض ألفاظه كذلك رواه البخاري عن ابن عباس قال قالت إمرأة يا رسول الله إن أمي ماتت و عليها صوم نذرا فأقضيه عنها ؟ قال " أ رأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أ كان يؤدي
(83)
ذلك عنها ؟ " قالت نعم قال " فصومي عن أمك " و قالت عائشة و ابن عباس كقولنا و هما راويا حديثهم فدل على ما ذكرناه ( فصل ) فاما صوم النذر فيفعله الولي عنه و هذا قول ابن عباس و الليث و أبي عبيد و أبي ثور و قال سائر من ذكرنا من الفقهاء يطعم عنه لما ذكرنا في صوم رمضان و لنا الاحاديث الصحيحة التي رويناها قبل هذا و سنة رسول الله صلى الله عليه و آله أحق بالاتباع و فيها غنية عن كل قول ، و الفرق بين النذر و غيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها و النذر أخف حكما لكونه لم يجب بأصل الشرع و إنما أوجبه الناذر على نفسه ، إذا ثبت هذا فان الصوم ليس بواجب على الولي لان النبي صلى الله عليه و آله شبه بالدين و لا يجب على الولي قضأ دين الميت و انما يتعلق بتركته إن كانت له تركة فان لم يكن له تركة فلا شيء على وارثه لكن يستحب أن يقضي عنه لتفريغ ذمته و فك رهانه كذلك ههنا و لا يختص ذلك بالولي بل كل من صام عنه قضي ذلك عنه و أجزأ لانه تبرع فاشبه قضأ الدين عنه ( مسألة ) ( قال فان لم تمت المفرطة حتى أظلها شهر رمضان آخر صامته ثم قضت ما كان عليها ثم أطعمت لكل يوم مسكينا و كذلك حكم المريض و المسافر في الموت و الحياة إذا فرطا في القضاء ) و جملة ذلك أن من عليه صوم من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر لما روت عائشة قالت كان يكون علي الصيام من شهر رمضان فما أقضيه حتى يجئ شعبان متفق عليه و لا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من عذر لان عائشة رضي الله عنها لم تؤخره إلى ذلك و لو أمكنها لاخرته و لان الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الاولى عن الثانية كالصلوات المفروضة فان أخره عن رمضان آخر نظرنا فان كان لعذر فليس عليه إلا القضاء و إن كان لغير عذر فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم و بهذا قال ابن عباس و ابن عمر و أبو هريرة و مجاهد و سعيد بن جبير و مالك و الثوري و الاوزاعي و الشافعي و إسحاق و قال الحسن و النخعي و أبو حنيفة لا قدية عليه لانه صوم واجب فلم يجب عليه في تأخيره كفارة كما لو أخر الاداء و النذر و لنا ما روي عن ابن عمر و ابن عباس و أبي هريرة أنهم قالوا أطعم عن كل يوم مسكينا و لم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم و روي مسندا من طريق ضعيف و لان تأخير صوم رمضان عن وقته إذا لم يوجب القضاء أوجب الفدية كالشيخ الهرم