و الشافعي أول وقته زوال الشمس من يوم عرفة و اختاره أبو حفص العكبري و حمل عليه كلام الخرقي و حكى ابن عبد الله ذلك إجماعا و ظاهر كلام الخرقي ما قلناه فانه قال و لو وقف بعرفة نهارا و دفع قبل الامام فعليه دم و لنا قول النبي صلى الله عليه و آله " من شهد صلاتنا هذه و وقف معنا حتى ندفع و قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه و قضى تفثه " و لانه من يوم عرفة فكان وقتا للوقوف كبعد الزوال و ترك الوقوف لا يمنع كونه وقتا للوقوف كبعد العشاء و انما وقفوا في وقت الفضيلة و لم يستوعبوا جميع وقت الوقوف ( فصل ) و كيفما حصل بعرفة و هو عاقل اجزأه قائما أو جالسا أو راكبا أو نائما و ان مر بها مجتازا فلم يعلم أنها عرفة اجزأه أيضا ، و به قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة ، و قال أبو ثور لا يجزئه لانه لا يكون واقفا الا بإرادة .( 1 ) و لنا عموم قوله صلى الله عليه و آله " و قد أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا " و لانه حصل بعرفة في زمن الوقوف و هو عاقل فأجزأه كما لو علم ، و ان وقف و هو مغمى عليه أو مجنون و لم يفق حتى خرج منها لم يجزئه و هو قول الحسن و الشافعي و أبي ثور و إسحاق و ابن المنذر و قال عطاء في المغمى عليه يجزئه ، و هو قول مالك و أصحاب الرأي و قد توقف احمد رحمه الله في هذه المسألة و قال : الحسن يقول بطل حجه و عطاء يرخص فيه و ذلك لانه لا يعتبر له نية ( 2 ) و لا طهارة و يصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة و من نصر الاول قال ركنا من أركان الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه قال ابن
(435)
عقيل و السكران كالمغمى عليه لانه زائل العقل بغير نوم فأشبه المغمى عليه ، و أما النائم فيجزئه الوقوف لانه في حكم المستيقظ ( 1 ) ( فصل ) و لا يشترط للوقوف طهارة و لا ستارة و لا استقبال و لا نية و لا نعلم في ذلك خلافا .قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوقوف بعرفة طاهر يندرك للحج و لا شيء عليه و في قول النبي صلى الله عليه و آله لعائشة : " أفعلي ما يفعله الحاج الطواف بالبيت " دليل على أن الوقوف بعرفة على
(436)
طهارة جائز و وقفت عائشة رضي الله عنها بها حائضا بأمر النبي صلى الله عليه و آله و يستحب ان يكون طاهرا قال احمد يستحب له أن يشهد المناسك كلها على وضوء كان عطاء يقول لا يقضي شيئا من المناسك إلا على وضوء ( مسألة ) قال ( فإذا دفع الامام دفع معه إلى مزدلفة ) الامام ههنا الوالي الذي اليه أمر الحج من قبل الامام و لا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع قال احمد : ما يعجبني أن يدفع إلا مع الامام و سئل عن رجل دفع قبل الامام بعد غروب الشمس فقال ما وجدت من أحد انه سهل فيه كلهم يشدد فيه .و المستحب ان يقف حتى يدفع الامام ثم يسير نحو المزدلفة على سكينة و وقار لقول النبي صلى الله عليه و سلم حين دفع و قد شنق لناقته القصواء بالزمام حتى ان رأسها ليصيب مورك رحله و يقول بيده اليمنى " أيها الناس السكينة السكينة " هذا في حديث جابر ، و روي
(437)
عن ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه و آله ورأى زجرا شديدا و ضربا للابل فأشار بصوته إليهم و قال " أيها الناس عليكم السكينة فان البر ليس بإيضاع الابل " رواه البخاري و قال عروة سئل أسامة و أنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه و آله يسير في حجة الوداع ؟ قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص قال هشام بن عروة و النص فوق العنق متفق عليه ( مسألة ) قال ( و يكبر في الطريق و يذكر الله تعالى ) ذكر الله تعالى يستحب في الاوقات كلها و هو في هذا الوقت أشد تأكيدا لقول الله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام و اذكروه كما هداكم ) و لانه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى و التلبس بعبادته و السعي إلى شعائره ، و تستحب التلبية و ذكر قوم أنه لا يلبي و لنا ما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة متفق عليه و عن عبد الرحمن بن يزيد قال شهدت ابن مسعود يوم عرفة و هو يلبي فقال له رجل كلمة فسمعته زاد في تلبيته شيئا لم أسمعه قبل ذلك قالها : لبيك عدد التراب ، و يستحب أن يمضي على طريق المأزمين لانه يروى أن النبي صلى الله عليه و آله سلكها و ان سلك الطريق الاخرى جاز ( مسألة ) قال ( ثم يصلي مع الامام المغرب و عشاء الآخرة بإقامة لكل صلاة فان جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس ) و جملة ذلك ان السنة لمن دفع من عرفة ان لا يصلي المغرب حتى يصل مزدلفة فيجمع بين المغرب
(438)
و العشاء لا خلاف في هذا قال ابن المنذر أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم ان السنة أن يجمع الحاج بين المغرب و العشاء و الاصل في ذلك ان النبي صلى الله عليه و آله جمع بينهما رواه جابر و ابن عمر و أسامة و أبو أيوب و غيرهم و أحاديثهم صحاح و يقيم لكل صلاة اقامة لما روى أسامة بن زيد قال دفع رسول الله صلى الله عليه و آله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ فقلت له : الصلاة يا رسول الله قال " الصلاة أمامك " فركب فلما جاء مزدلفة نزل فتوضأ فاسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى و لم يصل بينهما متفق عليه ، و روي هذا القول عن ابن عمر و به قال سالم و القاسم بن محمد و الشافعي و إسحاق ، و ان جمع بينهما بإقامة الاولى فلا بأس يروى ذلك عن ابن عمر أيضا ، و به قال الثوري لما روى ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه و آله بين المغرب و العشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا و العشاء ركعتين بإقامة واحدة رواه مسلم و ان أذن للاولى و أقام ثم أقام للثانية فحسن فانه يروى في حديث جابر و هو متضمن للزيادة و هو معتبر بسائر الفوائت والمجموعات و هو قول ابن المنذر و أبي ثور و الذي اختار الخرقي اقامة لكل صلاة من آذان قال ابن المنذر : و هو آخر قولي احمد لانه رواية أسامة و هو أعلم بحال النبي صلى الله عليه و آله فانه كان رديفه ، و قد اتفق هو و جابر في حديثيهما على اقامة لكل صلاة و اتفق أسامة و ابن عمر على الصلاة بغير أذان مع ان حديث ابن عمر المتفق عليه قال بإقامة .قال و انما لم يؤذن للاولى ههنا لانها في وقتها بخلاف المجموعتين بعرفة
(439)
و قال مالك يجمع بينهما بأذان و إقامتين ، و روي ذلك عن عمر و ابن عمر و ابن مسعود ، و اتباع السنة أولى قال ابن عبد الله لا أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا بوجه من الوجوه ، و قال قوم انما أمر عمر بالتأذين للثانية لان النا س كانوا قد تفرقوا لعشائهم فاذن لجمعهم ، و كذلك ابن مسعود فانه يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلاتين ( مسألة ) قال ( و ان فاته مع الامام صلى وحده ) معناه أنه يجمع منفردا كما يجمع مع الامام ، و لا خلاف في هذا لان الثانية منهما تصلى في وقتها بخلاف العصر مع الظهر و كذلك إن فرق بينهما لم يبطل الجمع كذلك ، و لما روى اسامة قال ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ، و روى البخاري عن عبد الرحمن بن يزيد قال حج عبد الله فأتينا إلى مزدلفة حين الآذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فامر رجلا فاذن و أقام ثم صلى المغرب ثم صلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه ثم أمر - ارى - فاذن و أقام
(440)
ثم صلى العشاء ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله و لان الجمع متى كان في وقت الثانية لم يضر التفريق شيئا .( فصل ) و السنة التعجيل بالصلاتين و ان يصلي قبل حط الرحال لما ذكرنا من حديث أسامة ، و في بعض ألفاظه ان النبي صلى الله عليه و آله أقام للمغرب ثم أناخ الناس في منازلهم و لم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى ثم حلوا رواه مسلم و السنة ان لا يتطوع بينهما قال ابن المنذر : و لا أعلمهم يختلفون في ذلك و قد روى عن ابن مسعود أنه تطوع بينهما و رواه عن النبي صلى الله عليه و آله و لنا حديث أسامة و ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يصل بينهما و حديثهما أصح ، و قد قدم في ترك التفريق بينهما .( فصل ) فان صلى المغرب قبل أن يأتي مزدلفة و لم يجمع خالف السنة و صحت صلاته و به قال عطاء و عروة و القاسم بن محمد و سعيد بن جبير و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و ابن المنذر و قال أبو حنيفة و الثوري لا يجزئه لان النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين الصلاتين فكان نسكا و قد قال " خذوا عني مناسككم " و لنا أن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق بينهما كالظهر و العصر بعرفة و فعل النبي صلى الله عليه و سلم محمول على الاولى و الافضل و لئلا ينقطع سيره و يبطل ما ذكروه بالجمع بعرفة ( مسألة ) قال ( فإذا صلى الفجر وقف عند المشعر الحرام فدعا ) يعني أنه يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلي الصبح و النسة أن يعجلها في أول وقتها ليتسع وقت الوقوف عند المعشر الحرام ، و في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم الصح حين تبين له الصبح ، و في حديث ابن مسعود أنه صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول قد طلع الفجر و قائل يقول لم يطلع ثم قال في آخر الحديث رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يفعله رواه البخاري نحو هذا ثم إذا صلى الفجر وقف عند المشعر الحرام و هو قزح فيرقى عليه ان أمكنه و الا وقف عنده فذكر الله تعالى و دعا و اجتهد قال الله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) و في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى المشعر الحرام فرقى عليه فدعا الله و هلله و كبره و وحده و يستحب أن يكون من دعائه .أللهم كما وقفتنا فيه و أريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا و اغفر لنا و ارحمنا كما وعدتنا بقولك ، و قولك الحق ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام )