ثم لم يوجب أصلا لانه وطء مباح في سفر أبيح الفطر فيه بخلاف مسئلتنا ، و كذا إذا تبين انه من شوال فان الوطء موجب لانا تبينا ان الوطء لم يصادف رمضان و الموجب انما هو الوطء المفسد لصوم رمضان ( فصل ) إذا طلع الفجر و هو مجامع فاستدام الجماع فعليه القضاء و الكفارة و به قال مالك و الشافعي و قال أبو حنيفة يجب القضاء دون الكفارة لان وطأه لم يصادف صوما صحيحا فلم يوجب الكفارة كما لو ترك النية و جامع .و لنا انه ترك صوم رمضان بجماع اثم به لحرمة الصوم فوجبت به الكفارة كما لو وطي بعد طلوع الفجر و عكسه إذا لم ينو فانه يتركه لترك النية لا الجماع و لنا فيه منع أيضا ، و أما إن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر فقال ابن حامد و القاضي عليه الكفارة أيضا لان النزع جماع يلتذ به فتعلق به ما يتعلق بالاستدامة كالايلاج و قال أبو حفص لا قضاء عليه و لا كفارة و هو قول أبي حنيفة و الشافعي لانه ترك للجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع كما لو حلف لا يدخل دارا و هو فيها فخرج منها كذلك ههنا و قال مالك يبطل صومه و لا كفارة عليه لانه لا يقدر على أكثر مما فعله في ترك الجماع فأشبه المكره و هذه المسألة من الاستحالة إذ لا يكاد يعلم أول طلوع الفجر على وجه يتعقبه النزع من أن يكون قبله شيء من الجماع فلا حاجة إلى فرضها و الكلام فيها : ( فصل ) و من جامع يظن أن الفجر لم يطلع فتبين انه كان قد طلع فعليه القضاء و الكفارة و قال
(64)
أصحاب الشافعي لا كفارة عليه و لو علم في أثناء الوطء فاستدام فلا كفارة عليه أيضا لانه إذا لم يعلم لم يأثم فلا يجب به كفارة كوطء الناسي و ان علم فاستدام فقد حصل الوطء الذي يأثم به في صوم و لنا حديث المجامع اذ أمره النبي صلى الله عليه و آله بالتكفير من تفريق و لا تفصيل و لانه أفسد
(65)
صوم رمضان بجماع تام فوجبت عليه الكفارة كما لو علم و وطأ الناسي ممنوع ثم لا يحصل به الفطر على الرواية الاخرى بخلاف مسئلتنا ( مسألة ) قال ( و الكفارة عتق رقبة فان لم يمكنه فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) المشهور من مذهب أبي عبد الله ان كفارة الوطء في رمضان ككفارة الظهار في الترتيب يلزمه العتق ان أمكنه فان عجز عنه انتقل إلى الصيام فان عجز انتقل إلى إطعام ستين مسكينا و هذا قول جمهور العلماء .و به يقول الثوري و الاوزاعي و الشافعي و أصحاب الرأي و عن أحمد رواية أخرى انها على التخيير بين العتق و الصيام و الاطعام و بأيها كفر أجزأه و هو رواية عن مالك لما روى مالك و ابن جريج عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه و آله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وراه مسلم واو حرف تخيير و لانها تجب بالمخالفة فكانت على التخيير ككفارة اليمين ، و روي عن مالك انه قال : الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان إطعام ستين مسكينا أو صيام ذلك اليوم و ليس التحرير و الصيام من كفارة رمضان في شيء و هذا القول ليس بشيء لمخالفته الحديث الصحيح مع انه ليس له أصل يعتمد عليه و لا شيء يستند اليه و سنة رسوله صلى الله عليه و آله أحق أن تتبع ، و أما الدليل على وجوب الترتيب فالحديث الصحيح رواه معمر و يونس و الاوزاعي و الليث و موسى بن عقبة و عبيد الله بن
(66)
عمر و عراك بن مالك و إسماعيل بن أمية و محمد بن أبي عتيق و غيرهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال للواقع على أهله " هل تجد رقبة تعتقها ؟ " قال لا قال " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " قال لا قال " فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ " قال لا و ذكر سائر الحديث و هذا لفظ الترتيب و الاخذ بهذا أولى من رواية مالك لان أصحاب الزهري اتفقوا على روايته هكذا سوى مالك و ابن جريج فيما علمنا و احتمال الغلط فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه و لان الترتيب زيادة و الاخذ بالزيادة متعين و لان حديثنا لفظ النبي صلى الله عليه و آله و حديثهم لفظ الرواي ، و يحتمل انه رواه بأو لاعتقاده أن معنى اللفظين سواء ( 1 ) و لانها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فكانت على الترتيب ككفارة الظهار و القتل ( فصل ) فإذا عدم الرقبة انتقل إلى صيام شهرين متتابعين و لا نعلم خلافا في دخول الصيام في كفارة الوطء الا شذوذ لا يعرج عليه لمخالفة السنة الثابة و لا خلاف بين من أوجبه أنه شهران متتابعان للخبر أيضا فان لم يشرع في الصيام حتى وجد الرقبة لزمه العتق لان النبي صلى الله عليه و آله سأل المواقع عما يقدر عليه حين أخبره بالعتق و لم يسأله عن ما كان يقدر عليه حال المواقعة و هي حالة الوجوب و لانه وجد المبدل قبل التلبس بالبدل فلزمه كما لو كان واجدا له حال الوجوب ، و ان شرع في الصوم قبل القدرة على الاعتاق ثم قدر عليه لم يلزمه الخروج اليه الا أن يشاء العتق فيجزئه و يكون
(67)
قد فعل الاولى ، و بهذا قال الشافعي و قال أبو حنيفة يلزمه الخروج لانه قدر على الاصل قبل آداء فرضه بالبدل فبطل حكم البدل كالمتيمم يرى الماء و لنا أنه شرع في الكفارة الواجبة عليه فأجزأته كما لو استمر العجز إلى فراغها و فارق العتق التيمم لوجهين ( 1 ) ( أحدهما ) أن التيمم لا يرفع الحدث و انما يستره فإذا وجد الماء ظهر حكمه بخلاف الصوم فانه يرفع حكم الجماع بالكلية ( الثاني ) ان الصيام تطول مدته فيشق إلزامه الجمع بينه و بين العتق بخلاف الوضوء و التيمم ( مسألة ) قال ( فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من بر أو نصف صاع من تمر أو شعير ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في دخول الاطعام في كفارة الوطء في رمضان في الجملة و هو مذكور في الخبر و الواجب فيه إطعام ستين مسكينا في قول عامتهم و هو في الخبر أيضا و لانه إطعام في كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فكان إطعام ستين مسكينا ككفارة الظهار و اختلفوا في قدر ما يطعم كل مسكين فذهب أحمد إلى أن لكل مسكين مد بر و ذلك خمسة عشر صاعا أو نصف صاع من تمر أو شعير فيكون الجميع ثلاثين صاعا ، و قال أبو حنيفة من البر لكل مسكين نصف صاع و من غيره صاع لقول النبي صلى الله عليه و آله في حديث سلمة بن صخر " فأطعم وسقا من تمر " رواه أبو داود ، و قال أبو هريرة
(68)
يطعم مدا من أي الانواع شاء و بهذا قال عطاء و الاوزاعى و الشافعي لما روى أبو هريرة في حديث المجامع أن البني صلى الله عليه و آله أتي بمكتل من تمر قدره خمسة عشر صاعا فقال " خذ هذا فأطعمه عنك " رواه أبو داود و لنا ما روى أحمد حدثنا اسماعيل حدثنا أيوب عن أبى زيد المدني قال جاءت إمرأة من بني بياضة ينصف وسق من شعير فقال رسول الله صلى الله عليه و آله للمظاهر " أطعم هذا فان مدي شعير مكان مد بر " و لان فدية الاذى نصف صاع من التمر و الشعير بلا خلاف فكذا هذا و المد من البر يقوم مقام نصف صاع من غيره بدليل حديثنا و لان الاجزاء بمد منه قول ابن عمر و ابن عباس و أبي هريرة و زيد و لا مخالف لهم في الصحابة ، و أما حديث سلمة بن صخر فقد اختلف فيه و حديث أصحاب الشافعي يجوز أن يكون الذي أتي به النبي صلى الله عليه و آله قاصرا عن الواجب فاجتزئ به لعجز المكفر عما سواه ( فصل ) فان أخرج من الدقيق أو السويق أجزأ لما ذكرناه فيما تقدم و ان غدا المساكين أو عشاهم لم يجزئه في أظهر الروايتين و هو ظاهر كلام الخرقي لانه قدر ما يجزئ في الدفع بمد أو نصف صاع و إذا أطعمهم لا يعلم ان كل واحد منهم استوفى الواجب له ، و وجه ذلك ان النبي صلى الله عليه و آله بين قدر ما يطعمه كل مسكين بما ذكرنا من الاحاديث و هي مقيدة لمطلق الاطعام المذكور و المطلق يحمل على المقيد و لا يعلم ان كل مسكين استوفى ما يجب له و لان الواجب تمليك المسكين طعامه و الاطعام إباحة و ليس بتمليك ، فعلى هذه الرواية ان افرد لكل مسكين قدر الواجب له فأطعمه إياه نظرت فان قال له هذا لك تتصرف فيه كيف شئت اجزأه لانه قد ملكه إياه و ان لم يقل له شيئا احتمل أن يجزئه لانه قد أطعمة ما يجب له فأشبه ما لو ملكه و احتمل ان لا يجزئه لانه لم يملكه إياه و الرواية الثانية يجزئه أن يجمع ستين مسكينا فيطعمهم قال أبو داود سمعت أحمد يسأل عن إمرأة افطرت رمضانا ثم أدركها رمضان آخر ثم ماتت قال كم أفطرت ؟ قال ثلاثين يوما قال فاجمع ثلاثين مسكينا و أطعمهم مرة واحدة و اشبعهم و ذلك لان النبي صلى الله عليه و آله قال للمجامع أطعم ستين مسكينا ، و هذا قد أطعمهم و قال الله تعالى ( فإطعام ستين مسكينا ) و قال في كفارة اليمين ( فإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ) و هذا قد أطعمهم ، و روي عن أنس انه أفطر في رمضان فجمع المساكين و وضع جفانا فأطعمهم و لانه أطعم ستين مسكينا فأجزأه كما لو ملكه إياه فعلى هذه الرواية أن أطعمهم قدر الواجب لهم اجزأه و ان أطعمهم دون ذلك فأشبعهم فظاهر كلام أحمد انه يجزئه لانه قد أطعمهم و يحتمل أن لا يجزئه لانه لم يطعمهم ما وجب لهم ( 1 )
(69)
( فصل ) و يجزئ في الكفارة ما يجزئ في الفطرة من البر و الشعير و دقيقهما و التمر و الزبيب و في الاقط وجهان و في الخبز روايتان و كذلك يخرج في السويق فان كان قوته ذلك من الحبوب كالدخن و الذرة و الارز فيه وجهان ( أحدهما ) لا يجزئ ذكره القاضي لانه لا يجزئ في الفطرة ( و الثاني ) يجزئ اختاره أبو الخطاب لقوله الله تعالى ( من أوسط ما تطعمون به أهليكم ) و لان النبي صلى الله عليه و آله أمر بالاطعام مطلقا و لم يرد تقييده بشيء من الاجناس فوجب إبقاؤه على إطلاقه و لانه أطعم المسكين من طعامه فأجزأه كما لو كان طعامه برأ فأطعمه منه و هذا أظهر ( فصل ) و ان عجز عن العتق و الصيام و الاطعام قطت الكفارة عنه في احدى الروايتين بدليل أن الاعرابي لما دفع اليه النبي صلى الله عليه و آله التمر و أخبره بحاجته اليه قال أطعمة أهلك و لم يأمره بكفارة أخرى ، و هذا قول الاوزاعي و قال الزهري لابد من التكفير و هذا خاص لذلك الاعرابى لا يتعداه بدليل أنه أخبر النبي صلى الله عليه و آله بإعساره قبل أن يدفع اليه العرق و لم يسقطها عنه و لانها كفارة واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات ، و هذا رواية ثانية عن أحمد و هو قياس قول أبي حنيفة و الثوري و أبي ثور و عن الشافعي كالمذهبين و لنا الحديث المذكور و دعوى التخصيص لا تسمع بغير دليل ، و قولهم إنه أخبر النبي صلى الله عليه و آله بعجزه فلم يسقطها قلنا قد أسقطها عنه بعد ذلك و هذا آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه و آله و لا يصح القياس على سائر الكفارات لانه اطراح للنص بالقياس و النص أولى و الاعتبار بالعجز في حالة الوجوب و هي حالة الوطء .