الناس ينظرون ما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب و الناس ينظرون فأفطر بعضهم و صام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال " أولئك العصاة " رواه مسلم ، و هذا نص صريح لا يعرج على من خالفه ، إذا ثبت هذا فان له أن يفطر بما شاء من أكل و شرب و غيرهما إلا الجماع هل له أن يفطر به أم لا ؟ فان أفطر بالجماع ففي الكفارة روايتان : الصحيح منهما أنه لا كفارة عليه و هو مذهب الشافعي ( و الثانية ) يلزمه كفارة لانه أفطر بجماع فلزمته كفارة كالحاضر و لنا أنه صوم لا يجب المضي فيه فلم تجب الكفارة بالجماع فيه كالتطوع و فارق الحاضر الصحيح فانه يجب عليه المضي في الصوم ، و إن كان مريضا يباح له الفطر فهو كالمسافر ، و لانه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد حصول الفطر فأشبه ما لو أكل ثم جامع ، و متى أفطر المسافر فله فعل جميع ما ينافي الصوم من الاكل و الشرب و الجماع و غيره لان حرمتها بالصوم فتزول بزواله كما لو زال بمجئ الليل ( فصل ) و ليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر و القضاء لان الفطر أبيح رخصة و تخفيفا عنه ، فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالاصل ، فان نوى صوما رمضان لم يصح صومه لا عن رمضان و لا عما نواه ، هذا الصحيح في المذهب و هو قول أكثر العلماء ، و قال أبو حنيفة : يقع ما نواه إذا كان واجبا لانه زمن أبيح له فطره فكان له صومه عن واجب عليه كغير شهر رمضان و لنا أنه أبيح له الفطر للعذر فلم يجز له أن يصومه عن رمضان كالمريض و بهذا ينتقض ما ذكروه و ينقض أيضا بصوم التطوع فانهم سلموه .قال صالح : قيل لابي من صام شهر رمضان و هو ينوي به تطوعا يجزئه ؟ قال أو يفعل هذا مسلم ؟ ( مسألة ) قال ( و من أكل أو شرب أو احتجم أو استعط أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان أو قبل فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأنزل أي ذلك فعل عامدا و هو ذاكر لصومه فعليه القضاء بلا كفارة إذا كان صوما واجبا ) في هذه المسألة فصول ( أحدها ) انه يفطر بالاكل و الشرب بالاجماع و بدلالة الكتاب و السنة
(36)
أما الكتاب فقول الله تعالى ( وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) مد الاكل و الشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما .و أما السنة فقول النبي صلى الله عليه و آله " و الذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ربح المسك يترك طعامة و شرابه و شهوته من أجلي " و أجمع العلماء على الفطر بالاكل و الشرب بما يتغذى به فأما ما لا يتغذى به فعامة أهل العلم على ان الفطر يحصل به .و قال الحسن بن صالح : لا يفطر بما ليس بطعام و لا شراب و حكي عن أبي طلحة الانصاري انه كان يأكل البرد في الصوم و يقول ليس بطعام و لا شراب و لعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب و السنة إنما حرما الاكل و الشرب فما عداهما يبقى على أصل الاباحة و لنا دلالة الكتاب و السنة على تحريم الاكل و الشرب على العموم فيدخل فيه محل النزاع و لم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة فلا يعد خلافا ( الفصل الثاني ) ان الحجامة يفطر بها الحاجم و المحجوم و به قال إسحاق و ابن المنذر و محمد بن إسحاق ابن خزيمة و هو قول عطاء و عبد الرحمن بن مهدي و كان الحسن و مسروق و ابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم و كان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا في الصوم منهم ابن عمر و ابن عباس و أبو موسى و أنس و رخص فيها أبو سعيد الخدري و ابن مسعود وأم سلمة و حسين بن علي و عروة و سعيد بن جبير .و قال مالك و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي يجوز للصائم أن يحتجم و لا يفطر لما روى البخاري عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و آله احتجم و هو صائم .و لانه دم خارج من البدن أشبه الفصد و لنا قول النبي صلى الله عليه و آله " أفطر الحاجم و المحجوم " رواه عن النبي صلى الله عليه و آله أحد عشر نفسا قال أحمد حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب و إسناد حديث رافع إسناد جيد و قال : حديث ثوبان و شداد صحيحان ، و عن علي بن المديني انه قال اصح شيء في هذا الباب حديث شداد و ثوبان و حديثهم منسوخ بحديثنا بدليل ما روي عن ابن عباس انه قال : احتجم رسول الله صلى الله عليه و آله بالقاحة بقرن و ناب و هو محرم صائم فوجد لذلك ضعفا شديدا فنهى رسول الله صلى الله عليه و آله ان يحتجم الصائم .رواه أبو إسحاق الجوزجاني في المترجم و عن الحكم قال : احتجم رسول الله صلى الله عليه و آله و هو صائم فضعف ثم كرهت الحجامة
(37)
للصائم و كان ابن عباس و هو راوي حديثهم يعد الحجام و المحاجم فإذا غابت الشمس احتجم بالليل كذلك رواه الجوزجاني و هذا يدل على انه علم نسخ الحديث الذي رواه و يحتمل ان النبي صلى الله عليه و آله احتجم فأفرط كما روى عنه عليه السلام انه قاء فأفطر .فان قيل فقد روى أن النبي صلى الله عليه و آله رأى الحاجم و المحتجم يغتابان فقال ذلك قلنا لم تبت صحة هذه الرواية مع ان اللفظ أعم من السبب فيجب العمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على أننا قد ذكرنا الحديث الذي فيه بيان علة النهي عن الحجامة و هي الخوف من الضعف فيبطل التعليل بما سواه أو يكون كل واحد منهما علة مستقلة على أن الغيبة لا تفطر الصائم إجماعا فلا يصح حمل الحديث على ما يخالف الاجماع .قال أحمد : لان يكون الحديث كما جاء عن النبي صلى الله عليه و آله " أفطر الحاجم و المحجوم " أحب إلينا من أن يكون من الغيبة لان من أراد أن يمتنع من الحجامة امتنع و هذا أشد على الناس ، من يسلم من الغيبة ؟ فان قيل : فإذا كانت علة النهي ضعف الصائم بها فلن يقتضي ذلك الفطر و انما يقتضي الكراهة و معنى قوله " أفطر الحاجم و المحجوم " أي قربا من الفطر .قلنا هذا تأويل يحتاج إلى دليل على انه لا يصح ذلك في حق الحاجم فانه لا ضعف فيه ( 1 ) ( الفصل الثالث ) أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه و حلقه و نحو ذلك مما ينفد إلى معدته إذا وصل باختياره و كان مما يمكن التحرز منه سواء وصل من الفم على العادة أو العادة كالوجود و اللدود أو من الانف كالسعوط أو ما يدخل من الاذن إلى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه أو من دواء المأمومة إلى دماغه فهذا كله يفطره لانه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الاكل و كذلك لو جرح نفسه أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه و بهذا كله قال الشافعي و قال مالك لا يفطر بالسعوط الا أن ينزل إلى حلقه و لا يفطر إذا داوى المأمومة و الجائفة و اختلف عنه في الحقنة و احتج له بانه لم يصل إلى الحلق منه شيء أشبه ما لم يصل إلى الدماغ و لا
(38)
الجوف و لنا أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره ( 1 ) كلواصل إلى الحلق ، و الدماغ جوف و الواصل اليه يغذيه فيفطره كجوف البدن ( فصل ) فاما الكحل فما وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله اليه فطره و الا لم يفطره نص عليه احمد و قال ابن أبي موسى ما يجد طعمه كالذرور و الصبر و القطور أفطر و ان اكتحل باليسير من الاثمد المطيب كالميل و نحوه لم يفطر نص عليه احمد و قال ابن عقيل ان كان الكحل حادا فطره و الا فلا .و نحو ما ذكرناه قال أصحاب مالك و عن ابن أبي ليلي و ابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم و قال أبو حنيفة و الشافعي لا يفطره لما روي عن النيي صلى الله عليه و آله أنه اكتحل في رمضان و هو صائم و لان العين ليست منفذا فلم يفطر بالداخل منها كما لو دهن رأسه و لنا أنه أوصل إلى حلقه ما هو ممنوع من تناوله بفيه فأفطر به كما لو أوصله من أنفه و ما رووه لم يصح قال الترمذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه و آله في باب الكحل للصائم شيء ثم نحمله على أنه اكتحل بما لا يصل و قولهم ليست العين منفذا لا يصح فانه يوجد طعمه في الحلق و يكتحل بالاثمد فيتنخعه قال أحمد حدثني إنسان أنه اكتحل بالليل فتنخعه بالنهار ثم لا يعتبر في الواصل أن يكون من منفذ بدليل ما لو جرح نفسه جائفة فانه يفطر
(39)
( فصل ) و ما لا يمكن التحرز منه كابتلاع الريق لا يفطره لان اتقاء ذلك يشق فأشبه غبار الطريق
(40)
و غربلة الدقيق فان جمعه ثم ابتلعه قصدا لم يفطره لانه يصل إلى جوفه من معدته أشبه إذا لم يجمعه
(41)
و فى وجه آخر أنه يفطره لانه أمكنه التحرز منه أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق و الاول أصح