و لنا أن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في طوافه ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ) و كان عمر و عبد الرحمن بن عوف يقولان ذلك في الطواف و هو قرآن و لان الطواف صلاة و لا تكره القراءة في الصلاة قال ابن المبارك ليس شيء أفضل من قراءة القرآن و يستحب الدعاء في الطواف و الاكثار من ذكر الله تعالى لان ذلك مستحب في جميع الاحوال ففي حال تلبسه بهذه العبادة أولى ، و يستحب أن يدع الحديث الا ذكر الله تعالى أو قراءة القرآن أو امرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ما لا بد منه لقول النبي صلى الله عليه و سلم " الطواف بالبيت صلاة فمن تكلم فلا يتكلم الا بخبر " و لا بأس بالشرب في الطواف لان النبي صلى الله عليه و سلم شرب في الطواف رواه ابن المنذر و فقال لا أعلم أحدا منع منه ( فصل ) إذا شك في الطهارة و هو في الطواف لم يصح طوافه ذلك لانه شك في شرط العبادة قبل الفراغ منها فاشبه ما لو شك في الطهارة في الصلاة و هو فيها و ان شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شيء لان الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها ان شك في عدد الطواف بني على اليقين قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك و لانها عبادة فمتى شك فيها و هو فيها بني على اليقين كالصلاة و ان أخبره ثقة عن عدد ظوفه رجع اليه إذا كان عدلا ان شك في ذلك بعد فراغه من الطواف لم يلتفت اليه كما لو شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة قال احمد إذا كان
(393)
رجلان يطوفان فاختلفا في الطواف بنيا على اليقين و هذا محمول على أنهما شكا فاما أن كان أحدهما تيقن حال نفسه لم يلتفت إلى قول غيره ( فصل ) و إذا فرغ المتمتع ثم علم أنه كان على طهارة في احد الطوافين لا بعينه بني الامر على الاشد و هو انه كان محدثا في الطواف العمرة فلم يصح و لم يحل منها فيلزمه دم للحلق و يكون قد أدخل الحج على العمرة فيصير قارنا و يجزئه الطواف للحج عن النسكين و لو قدرناه من الحج لزمه اعادة الطواف و يلزمه اعادة السعي على التقديرن لانه وجد بعد طواف معتد به ، و ان كان وطي بعد حله من العمرة حكمنا بأنه أدخل حجا على عمرة فاسدة و لا تصح و يلغو ما فعله من أفعال الحج و يتحلل بالطواف الذي قصده للحج من عمرته الفاسدة و عليه دم للحلق و دم للوطء في عمرته و لا يحصل له حج و لا عمرة ، و لو قدرناه من الحج لم يلزمه أكثر من اعادة الطواف و السعي و يحصل له الحج و العمرة ( مسألة ) قال ( و لا يستلم و لا يقبل من الاركان إلا الاسود و اليماني ) الركن اليماني قبلة أهل اليمن ويلي الركن الذي فيه الحجر الاسود و هو آخر ما يمر عليه من الاركان في طوافه ، و ذلك أنه يبدأ بالركن الذي فيه الحجر الاسود و هو قبلة أهل خراسان فيستلمه و يقبله ، ثم يأخذ على يمين نفسه و يجعل البيت على يساره ، فإذا انتهى إلى الركن الثاني و هو العراقي لم يستمه ،
(394)
فإذا مر بالثالث و هو الشامي لم يستلمه أيضا ، و هذان الركنان يليان الحجر فإذا وصل إلى الرابع و هو الركن اليماني استلمه ، قال الخرقي و يقبله و الصحيح عن أحمد أنه لا يقبله و هو قول أكثر أهل العلم ، و حكي عن أبي حنيفة أنه لا يستلمه ، قال ابن عبد البر جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني ، و الركن الاسود لا يختلفون في شيء من ذلك ، و انما الذي فرقوا به بينهما التقبيل فراوا تقبيل الاسود ، و لم يروا تقبيل اليماني ، و أما استلامهما فأمر مجمع عليه ، و قد روى مجاهد عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استلم الركن قبله و وضع خده الايمن عليه قال و هذا لا يصح ، و انما يعرف التقبيل في الحجر الاسود وحده ، و قد روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يستلم إلا الحجر و الركن اليماني ، و قال ابن عمر ما تركت استلام هذين الركنين اليماني و الحجر منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يستلمهما في شدة و لا رخاء رواهما مسلم .و لا الركن اليماني مبني على قواعد إبراهيم عليه السلام فسن استلامه كالذي فيه الحجر ، و أما تقبيله فلم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم فلا يسن ، و أما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يسن استلامهما في قول أكثر أهل العلم ، و روي عن معاوية و جابر و ابن الزبير و الحسن و الحسين و أنس و عروة استلامهما ، و قال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا و لنا قول ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يستلم إلا الحجر و الركن اليماني و قال : ما أراه - يعني النبي صلى الله عليه و سلم - لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم و لا طاف
(395)
الناس من وراء الحجر إلا لذلك ، و روي عن ابن عباس أن معاوية طاف فجعل يستلم الاركان كلها ، فقال له ابن عباس لم تستلم هذين الركنين و لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يستلمهما ؟ فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا ، فقال ابن عباس ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) فقال معاوية صدقت و لانهما لم يتما على قواعد إبراهيم فلم يسن استلامهما كالحائط الذي يلي الحجر ( فصل ) و يستلم الركنين الاسود و اليماني في كل طوافه لان ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني الحجر في كل طوافه .قال نافع و كان ابن عمر يفعله .رواه أبو داود و إن لم يتمكن من تقبيل الحجر استلمه و قبل يده و ممن رأى تقبيل اليد عند استلامه ابن عمر و جابر و أبو هريرة و أبو سعيد و ابن عباس و سعيد بن جبير و عطاء و عروة و أيوب و الثوري و الشافعي و إسحاق و قال مالك يضع يده على فيه من تقبيل ، و روى أيضا عن القاسم بن محمد و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم استلمه و قبل يده .أخرجه مسلم و فعله أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و تبعهم أهل العلم على ذلك فلا يعتد بمن خالفهم ، و إن كان في يده شيء يمكن أن يستلم الحجر به استلمه و قبله لما روي عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت و يستلم الركن بمحجن معه و يقبل المحجن رواه مسلم ، فان لم يمكنه استلامه أشار اليه و كبر لما روى البخاري باسناده عن ابن عباس قال : طاف النبي صلى الله عليه و سلم على بعير كلما أتى الركن أشار اليه و كبر
(396)
( فصل ) و يكبر كلما أتى الحجر أو حاذاه لما رويناه و يقول بين الركنين ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ) لما روى الامام أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول بين ركن بني جمح و الركن الاسود ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ) و عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " و كل به - يعني الركن اليماني - سبعون ألف ملك فمن قال أللهم أني أسألك العفو و العافية في الدنيا و الآخرة ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ) قالوا آمين " و عن ابن عباس أنه كان إذا جاء الركن اليماني قال : أللهم قنعني بما رزقتني ، و اخلف لي على كل غائبة بخير و يستحب أن يقول أللهم اجعله حجا مبرورا ، و سعيا مشكورا ، و ذنبا مغفورا .رب اغفر و ارحم و اعف عما تعلم ، و أنت الاعز الاكرم .و كان عبد الرحمن بن عوف يقول : رب قنى شح نفسي ، و عن عروة قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يقولون لا إله الا أنتا و ان تحيي بعد ما أمتا و مهما أتى
(397)
به من الدعاء و الذكر فحسن ، قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " انما جعل الطواف بالبيت و بين الصفا و المروة و رمي الجمار لاقامة ذكر الله " رواه الاثرم و ابن المنذر ( مسألة ) قال ( و يكون الحجر ( 1 ) داخلا في طوافه لان الحجر من البيت ) انما كان كذلك لان الله تعالى أمر بالطواف بالبيت جميعه بقوله ( و ليطوفوا بالبيت العتيق ) و الحجر منه فمن لم يطف به لم يعتد بطوافه و بهذا قال عطاء و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر ، و قال أصحاب الرأي إن كان بمكة قضى ما بقي ، و إن رجع إلى الكوفة فعليه دم و نحوه قال الحسن و لنا أنه من البيت بدليل ماروت عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الحجر فقال " و هو من البيت " و عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، و لو لا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منها ، فان بدا لقومك من بعدي أن يبنوا فهلمي لاريك ما تركوا منها " فأراها قريبا من سبعة أذرع رواهما مسلم ، و عنها رضي الله عنها قالت : قالت يا رسول الله إني نذرت أن أصلي في البيت ، قال " صلي في الحجر فان الحجر من البيت " و في لفظ قالت كنت أحب أن أدخل فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي فأدخلني الحجر و قال " صلي في الحجر إن أردت دخول البيت فانما هو قطعة من البيت " و قال الترمذي هو حديث حسن صحيح ، فمن ترك الطواف بالحجر لم يطف بجميع البيت فلم يصح كما لو ترك الطواف ببعض البناء ، و لان النبي صلى الله عليه و سلم طاف من وراء الحجر ، و قد قال عليه السلام " لتأخذوا عني مناسككم "
(398)
( فصل ) و لو طاف على جدار الحجر و شاذروان الكعبة و هو ما فضل من حائطها لم يجز لان ذلك من البيت فإذا لم يطف به فلم يطف بكل البيت ، و لان النبي صلى الله عليه و سلم طاف من وراء ذلك