و الزحام عند الجمرة فرماها من فوقها و الاصل أفضل لما روى عبد الرحمن بن يزيد أنه مشى مع عبد الله و هو يرمي الجمرة ، فلما كان في بطن الوادي أعرضها فرماها ، فقيل له إن ناسا يرمونها من فوقها فقال من ههنا و الذي لا إله إلا هو رأيت الذي أنزلت عليه سورة البقرة رماها .متفق عليه ، و في لفظ لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي و استقبل القبلة و جعل يرمي الجمرة على حاجبه الايمن ثم رمى بسبع حصيات ثم قال : و الله الذي لا إله غيره من ههنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة .قال الترمذي : و هذا حديث صحيح و العمل عليه عند أكثر أهل العلم و لا يسن الوقوف عندها لان ابن عمر و ابن عباس رويا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف و لم يقف .رواه ابن ماجه .و يكبر مع كل حصاة لان جابرا قال : فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، و إن قال أللهم اجعله حجا مبرورا ، و ذنبا مغفورا ، و عملا مشكورا ، فحسن فان ابن مسعود و ابن عمر كانا يقولان نحو ذلك ، و روى حنبل في المناسك باسناده عن زيد بن أسلم قال : رأيت سالم بن عبد الله استبطن الوادي و رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أللهم اجعله حجا مبرورا ، و ذنبا مغفورا ، و عملا مشكورا ، فسألته عما صنع فقال : حدثني أبي أن النبي صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة من هذا المكان و يقول كلما رمى حصاة مثل ما قلت .و قال إبراهيم النخعي كانوا يحبون ذلك
(449)
( فصل ) و يرميها راكبا أو راجلا كيفما شاء لان النبي صلى الله عليه و سلم رماها على راحتله .رواه جابر و ابن عمر وأم أبي الاحوص و غيرهم .قال جابر : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يرمي على راحلته يوم النحر و يقول " لتأخذوا عني مناسككم فاني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " رواه مسلم .و قال نافع كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر و كان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا و راجعا و زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا و راجعا .رواه أحمد في المسند ، و في هذا بيان للتفريق بين هذه الجمرة و غيرها ، و لان رمي هذه الجمرة مما يستحب البداية به في هذا اليوم عند قدومه و لا يسن عندها وقوف ، و لو سن له المشي إليها لشغله النزول عن البداية بها و التعجيل إليها بخلاف سائرها ( فصل ) و لرمي هذه الجمرة وقتان : وقت فضيلة و وقت اجزاء ، فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس .قال ابن عبد الله : أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم انما رماها ضحى ذلك اليوم و قال جابر : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده ، و رمى بعد ذلك بعد زوال الشمس .أخرجه مسلم ، و قال ابن عباس : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أغيلمة بني عبد المطلب على أحمرات لنا من جمع فجعل يلطخ أفخاذنا و يقول " أبني عبد المطلب لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " رواه ابن ماجه و كان رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالاجماع و كان أولى .و اما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر ، و بذلك قال عطاء و ابن أبي ليلي و عكرمة بن خالد و الشافعي و عن أحمد أنه يجزئ بعد الفجر قبل طلوع الشمس و هو قول مالك و أصحاب الرأي و إسحاق و ابن المنذر ، و قال مجاهد و الثوري و النخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس لما روينا من الحديث و لنا ما روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت ! و روي أنه أمرها أن تعجل الافاضة و توافي مكة بعد صلاة الصبح و احتج به أحمد ، و قد ذكرنا في حديث أسماء أنها رمت ثم رجعت فصلت الصبح و ذكرت أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن للطعن ، و لانه وقت الدفع من مزدلفة و كان وقتا للرمي كبعد طلوع الشمس و الاخبار المتقدمة محمولة على الاستحباب ، و إن أخر الرمي إلى آخر النهار جاز .قال ابن عبد الله : أجمع أهل العلم على أن من رماه يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها و إن لم يكن
(450)
ذلك مستحباها ، و روى ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يسئل يوم النحر بمنى قال رجل رميت بعد ما أمسيت فقال " لا حرج " رواه البخاري ، فان أخرها إلى الليل لم يومها حتى نزول الشمس من الغد ، و بهذا قال أبو حنيفة و إسحاق ، و قال الشافعي و محمد بن المنذر و يعقوب يرمي ليل القول النبي صلى الله عليه و سلم " ارم و لا حرج " و لنا أن ابن عمر قال من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرم حتى تزول الشمس من الغد و قول النبي صلى الله عليه و سلم " ارم و لا حرج " إنما كان في النهار لانه سأله في يوم النحر و لا يكون اليوم إلا قبل مغيب الشمس و قال مالك يرمي ليلا و عليه دم و مرة قال لا دم عليه ( فصل ) و لا يجزئه الرمي الا أن يقع الحصى في المرمى فان وقع دونه لم يجزئه في قولهم جميعا لانه مأمور بالرمي و لم برم و ان طرحها طرحا أجزأه لانه يسمى رميا و هذا قول أصحاب الرأي و قال ابن القاسم لا يجزئه ، و ان رمى حصاة فوقعت في المرمى فأطارت حصاة أخرى فوقعت في المرمى لم يجزه لان التي رماها لم تقع في المرمى و ان رمى حصاة فالتقمها طائر قبل وصولها لم يجزه لانها لم تقع في المرمى و ان وقعت على موضع صلب في غير المرمى ثم تدحرجت على المرمى أو على ثوب إنسان ثم طارت فوقعت في المرمى اجزأته لان حصوله بفعله و ان نفضها ذلك الانسان عن ثوبه فوقعت في المرمى فعن أحمد رحمه الله انها تجزئه لانه انفرد برميها و قال ابن عقيل لا يجزئه لان حصولها في المرمى بفعل الثاني فأشبه ما لو اخذها بيده فرمى بها و ان رمى حصاة فشك هل وقعت في المرمي أولا لم يجزئه لان الاصل بقاء الرمي في ذمته فلا يزول بالشك و ان كان الظاهر انها وقعت فيه اجزأته لان الظاهر
(451)
دليل .و ان رمى الحصاة دفعة واحدة لم يجزه الا عن واحدة نص عليه احمد و هو قول مالك و الشافعي و أصحاب الرأي و قال عطاء يجزئه و يكبر لكل حصاة .و لنا ان النبي صلى الله عليه و سلم رمى سبع رميات و قال " خذوا عني مناسككم " قال بعض اصحابنا و يستحب ان يرفع يديه في الرمي حتى يرى بياض ابطه ( مسألة ) قال ( و يقطع التلبية عدن ابتداء الرمي ) و ممن قال يلبى حتى يرمي الجمرة ابن مسعود و ابن عباس و ميمونة و به قال عطاء و طاووس و سعيد
(452)
ابن جبير و النخعي و الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي و روي عن سعيد بن أبي وقاص و عائشة يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف و عن علي وام سلمة انهما كانا يلبيان حتى تزول الشمس يوم عرفة و هذا قريب من قول سعيد و عائشة و كان الحسن يقول يلبي حتى يصلي الغداة يوم عرفة و قال مالك يقطع التلبية إذا راح إلى المسجد و لنا ان الفضل بن عباس روي ان النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة و كان رديفه يومئذ و هو أعلم بحاله من غيره و قول النبي صلى الله عليه و سلم و فعله مقدم على كل من خالفه و استحب قطع التلبية
(453)
عند أول حصاة رواه حنبل في المناسك و هذا بيان يتعين الاخذ به و في رواية من روى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يكبر مع كل حصاة دليل على أنه لم يكن يلبي ، و لانه يتحلل بالرمي فإذا شرع فيه قطع التلبية كالمعتمر يقطع التلبية بالشروع في الطوائف ( مسألة ) قال ( ثم بنحران كان معه هدي ) و جملة ذلك أنه إذا فرغ من رمي الجمرة يوم النحر لم يقف و انصرف فأول شيء يبدأ به نحر الهدي ان كان معه هدي واجبا أو تطوعا فان لم يكن معه هدي و عليه هدي واجب اشتراه و إن لم يكن عليه واجب فأحب أن يضحى اشترى ما يضحي به و ينحر الابل و يذبح ما سواها .و المستحب أن يتولى ذلك بيده و إن استناب غيره جاز هذا قول مالك و الشافعي و أبي ثور و أصحاب الرأي و ذلك لما روى جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم أنه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا و ستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر و أشركه في هديه و قال أنس نحر النبي صلى الله عليه و سلم بيده سبع بدنات قياما رواه البخاري ( فصل ) و السنة نحر الابل قائمة معقولة يدها اليسرى فيضربها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق و الصدر ، ممن استحب ذلك مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر و استحب عطاء نحرها باركة و جوز الثوري و أصحاب الرأي كل ذلك و لنا ما روى دينار بن جبير قال رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنته لينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه و سلم متفق عليه و روى أبو داود باسناده عن عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها ، و في قول الله تعالى ( فإذا وجبت جنوبها ) دليل على أنها تنحر قائمة و يروى في تفسير قوله تعالى ( فاذكروا اسم الله عليها صواف ) أي قياما و تجزئه كيفما نحر قال احمد ينحر البدن معقولة على ثلاث قوائم و إن خشي عليها أن تنفر أناخها ( فصل ) و يستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة و يقول : بسم الله و الله أكبر و ان قال ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم فحسن قال ابن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا ذبح يقول " بسم الله و الله أكبر " و كذلك يقول ابن عمر و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم ذبح يوم العيد كبشين ثم قال حين وجههما
(454)
" وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض حنيفا و ما أنا من المشركين إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العاليمن لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين بسم الله و الله أكبر ، أللهم هذا منك و لك عن محمد و أمته " رواه أبو داود و ان اقتصر على التسمية و وجه الذبيحة إلى القبلة ترك الافضل و أجزأه هذا قول القاسم بن محمد و النخعي و الثوري و الشافعي و ابن المنذر و كان ابن عمر و ابن سيرين يكرهان الاكل من الذبيحة توجه لغير القبلة و الصحيح أن ذلك واجب و لم يقم على وجوبه دليل ( فصل ) وقت نحر الاضحية و الهدي ثلاثة أيام يوم النحر و يومان بعده نص عليه احمد و قال هو عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و رواه الاثرم عن ابن عمر ابن عباس و به قال مالك و الثوري و يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال : أيام النحر يوم الاضحى و ثلاثة أيام بعده .و به قال الحسن و عطاء و الاوزاعي و الشافعي و ابن المنذر ، و قال ابن سيرين يوم واحد ، و عن سعيد بن جبير و جابر ابن زيد في الامصار يوم واحد و بمنى ثلاثة و لنا أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الاكل من النسك فوق ثلاث و غير جائز أن يكون الذبخ مشروعا في وقت يحرم فيه الاكل ثم نسخ تحريم الاكل و بقي وقت الذبح بحاله و لان اليوم الرابع لا يجب فيه الرمي فلم يجز فيه الذبح كالذي بعده فاما الليالي المتخللة لايام النحر فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئ فيها ذبح الهدي و الاضحية لان الله تعالى قال ( ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ) فذكر الايام دون الليالي و قال غيره من أصحابنا يجوز ليلتي يومي التشريق الاولتين و هو قول أكثر الفقهاء لان هاتين الليلتين داخلتان في مدة الذبح فجاز الذبح فيهما كالايام ( فصل ) و إذا نحر الهدي فرقه على المساكين من أهل الحرم و هو من كان في الحرم فان أطلقها لهم جاز كما روى أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم نحر خمس بدنات ثم قال " من شاء فليقتطع " رواه أبو داود