و الاصل فيه ما روى ابن عباس قال سمعت النبي صلى الله عليه و آله يخطب بعرفات " يقول من لم يجد نعلين فليلبس الخفين و من لم يجد ازارا فليلبس سراويل للمحرم " متفق عليه و روى جابر عن النبي صلى الله عليه و آله مثل ذلك أخرجه مسلم و لا فدية عليه في لبسهما عند ذلك في قول من سمينا إلا مالكا و أبا حنيفة قالا على من لبس السراويل الفدية لحديث ابن عمر الذي قدمناه و لان ما وجبت الفدية يلبسه مع وجود الازار وجبت مع عدمه كالقميص و لنا خبر ابن عباس و هو صريح في الاباحة ظاهر في إسقاط الفدية لانه أمر بلبسه و لم يذكر فدية و لانه يختص لبسه بحالة عدم غيره فلم تجب به فدية كالخفين المقطوعين و حديث ابن عمر مخصوص بحديث ابن عباس و جابر فأما القميص فيمكنه ان يتزر به من لبس و يستتر بخلاف السراويل ( فصل ) و إذا لبس الخفين لعدم النعلين لم يلزمه قطعهما في المشهور عن احمد و يروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه و به قال عطاء و عكرمة و سعيد بن سالم القداح ، و عن أحمد أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين فان لبسهما من قطع افتدى و هذا قول عروة بن الزبير و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذدر و أصحاب الرأي لما روى ابن عمر عن النبي ( ص ) انه قال " فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين و ليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " متفق عليه و هو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس و جابر الزيادة من الثقة مقبولة قال الخطابي : العجب من احمد
(274)
في هذا فانه لا يكاد يخالف سنة تبلغه و قلت سنة لم تبلغه .و احتج احمد بحديث ابن عباس و جابر " من لم يجد نعلين فليلبس خفين " مع قول علي رضي الله عنه قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما مع موافقة القياس فانه ملبوس أبيح لعدم غيره فأشبه السراويل و قطعه لا يخرجه عن حالة الخطر فان لبس المقطوع محرم مع القدرة على النعلين كلبس الصحيح و فيه إتلاف ماله و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله عن اضاعته فأما حديث ابن عمر فقد قيل إن قوله و ليقطعهما من كلام نافع كذلك رويناه في أمالي ابي القاسم بن بشران باسناد صحيح أن نافعا قال بعد روايته للحديث : و ليقطع الخفين أسفل من الكعبين .و روي ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و آله رخص للمحرم أن يلبس الخفين و لا يقطعهما و كان ابن عمر يفتي بقطعهما قالت صفية فلما أخبرته بهذا رجع ، و روي أبو حفص في شرحه باسناده عن عبد الرحمن بن عوف أنه طاف و عليه خفان فقال عمر و الخفان مع القباء فقال قد لبستهما مع من هو خير منك يعني رسول الله صلى الله عليه و آله و يحتمل أن يكون الامر بقطعهما منسوخا فان عمرو بن دينار روى الحديثين جميعا و قال أنظروا أيهما كان قبل ، قال الدارقطني قال أبو بكر النيسابوري حيدث ابن عمر قيل لانه قد جاء في بعض رواياته قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه و آله و هو في المسجد يعني بالمدينة فكأنه كان قبل الاحرام و في حديث ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يخطب بعرفات يقول " من لم يجد نعلين فليلبس خفين "
(275)
فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر فيكون ناسخا له لانه لو كان القطع واجبا لبينه للناس إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة اليه و المفهوم من إطلاق لبسهما على حالهما من قطع و الاولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح و خروجا من الخلاف و أخذا بالاحتياط ( فصل ) فان لبس المقطوع مع وجود النعل فعليه الفدية و ليس له لبسه نص عليه أحمد و بهذا قال مالك و قال أبو حنيفة لا فدية عليه لانه لو كان لبسه محرما و فيه فدية لم يأمر النبي صلى الله عليه و آله بقطعهما لعدم الفائدة فيه و عن الشافعي كالمذهبين و لنا أن النبي صلى الله عليه و آله شرط في إباحة لبسهما عدم النعلين فدل على أنه لا يجوز مع وجودهما و لانه مخيط لعضو على قدره فوجبت على المحرم الفدية يلبسه كالقفازين ( فصل ) فاما اللالكة و الجمجم و نحوهما فقياس قول احمد أنه لا يلبس ذلك فانه قال لا يلبس النعل التي لها قيد و هذا أشد من النعل التي لها قيد و قد قال في رأس الخف الصغير لا يلبسه و ذلك لانه يستر القدم و قد عمل لها على قدرها فأشبه الخف فان عدم النعلين كان له لبس ذلك و لا فدية عليه لان النبي صلى الله عليه و آله أباح لبس الخف عند ذلك فما دون الخف أولى ( فصل ) فاما النعل فيباح لبسها كيفما كانت و لا يجب قطع شيء منها لان إباحتها وردت مطلقا و روي عن احمد في القيد في النعل يفتدى لاننا لا نعرف النعال هكذا و قال إذا أحرمت فاقطع المحمل الذي على النعال و العقب الذي يجعل للنعل فقد كان عطاء يقول فيه دم و قال ابن أبي موسى في
(276)
الارشاد في القيد و العقب الفدية و القيد هو السير المعترض على الزمام قال القاضي : إنما كرههما إذا كانا عريضين و هذا هو الصحيح فانه لم يجب قطع الخفين الساترين للقدمين و الساقين فقطع سير النعل أولى أن لا يجب ، و لان ذلك معتاد في النعل فلم يجب ازالته كسائر سيورها و لان قطع القيد و العقب ربما تعذر معه المشي في النعلين لسقوطهما بزوال ذلك فلم يجب كقطع القبال ( فصل ) فان وجد نعلا لم يمكنه لبسها فله لبس الخف و لا فدية عليه لان ما لا يمكن استعماله كالمعدوم كما ما لو كانت النعل لغيره أو صغيرة و كالماء في التيمم و الرقبة التي لا يمكنه عتقها و لان العجز عن لبسها قال مقام العدم في إباحة لبس الخف فكذلك في إسقاط الفدية و المنصوص أن عليه الفدية لقوله " من لم يجد نعلين فيلبس الخفين " و هذا واجد ( فصل ) ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء و لا غيره الا الازار و الهميان و ليس له أن يجعل لذلك زرا و عروة و لا يخلله بشوكة و لا ابرة و لا خيط لانه في حكم المخيط ، و روى الاثرم عن مسلم بن جندب عن ابن عمر قال جاء رجل يسأله و أنا معه أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أ عقده ؟ و هو محرم فقال ابن عمر لا تعقد عليه شيئا و عن أبي معبد مولى ابن عباس أن ابن عباس قال له يا أبا معبد زر علي طيلساني و هو محرم فقال له كنت تكره هذا قال إني أريد ان أفتدي و لا بأس أن يتشح بالقميص
(277)
و يرتدي به و يرتدي برداء موصل و لا يعقده لان المنهي عنه المخيط على قدر العضو ( فصل ) و يجوز أن يعقد ازاره عليه لانه يحتاج اليه لستر العورة فيباح كاللباس للمرأة و ان شد وسطه بالمنديل أو بحبل أو سراويل جاز إذا لم يعقده قال احمد في محرم حزم عمامة على وسطه لا تعقدها و يدخل بعضها في بعض قال طاوس رأيت ابن عمر يطوف بالبيت و عليه عمامة قد شدها على وسطه فادخلها هكذا و لا يجوز أن يشق أسفل ازاره نصفين و يعقد كل نصف على ساق لانه يشبه السراويل و لا يلبس الران لانه في معناه و لانه معمول على قدر العضو الملبوس فيه فأشبه الخف ( مسألة ) قال ( و يلبس الهميان و يدخل السيور بعضها في بعض و لا يعقدها ) و جملة ذلك أن لبس الهميان مباح للمحرم في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن عباس و ابن عمر و سعيد بن المسيب و عطاء و مجاهد و طاووس و القاسم و النخعي و إسحاق و أبي ثور و أصحاب الرأي قال ابن عبد الله أجاز ذلك جماعة فقهاء الامصار متقدموهم و متأخروهم و متى امكنه أن يدخل السيور بعضها في بعض و يثبت بذلك لم يعقده لانه لا حاجة إلى عقده ، و ان لم يثبت الا بعقده عقده نص عليه احمد و هو قول إسحاق و قال إبراهيم كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم و لا يرخصون في عقد غيره و قالت عائشة أوثق عليك نفقتك و ذكر القاضي في الشرح ان ابن عباس قال رخص رسول الله صلى الله عليه و آله للمحرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته و قال ابن عباس اوثقوا
(278)
عليكم نفقاتكم و رخص في الخاتم و الهميان للمحرم و قال مجاهد عن ابن عمر أنه سئل عن المحرم يشد الهميان عليه فقال لا بأس به إذا كانت فيه نفقته يستوثق من نفقته و لانه مما تدعو الحاجة إلى شده فجاز كعقد الازار فان لم يكن في الهميان نفقة لم يجز عقده لعدم الحاجة اليه و كذلك المنطقة و قد روي عن ابن عمر انه كره الهميان و المنطقة للمحرم و كرهه نافع مولاه و هو محمول على ما ليس فيه نفقة لما تقدم من الرخصة فيما فيه النفقة و سئل احمد عن المحرم يلبس المنطقة من وجع الظهر أو حاجة إليها قال يفتدي فقيل له أفلا تكون مثل الهميان ؟ قال لا و عن ابن عمر أنه كره المنطقة للمحرم و أنه أباح شد الهميان إذا كانت فيه النفقة و الفرق بينهما أن الهميان تكون فيه النفقة و المنطقة لا نفقة فيها فأبيح شد ما فيه النفقة للحاجة إلى حفظها و لم يبح شد ما سوى ذلك فان كانت فيهما نفقة أو لم يكن فيهما نفقة فهما سواء و قد قالت عائشة في المنطقة للمحرم أوثق عليك نفقتك فرخصت فيها إذا كانت فيها النفقة و لم يبح احمد شد المنطقة لوجع الظهر ألا ان يفتدي لان المنطقة ليست معدة لذلك و لانه فعل المحظور في الاحرام لدفع الضرر عن نفسه أشبه من لبس المخيط لدفع البرد أو حلق رأسه لازالة أذى القمل أو تطيب لاجل المرض ( مسألة ) ( قال و له أن يحتجم و لا يقطع شعرا ) أما الحجامة إذا لم يقطع شعرا فمباحة من فدية في قول الجمهور لانه تداو بإخراج دم فأشبه الفصد وبط الجرح و قال مالك لا يحتجم الا من ضرورة و كان الحسن يرى في الحجامة دما و لنا أن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه و آله احتجم و هو محرم متفق عليه و لم يذكر فدية و لانه لا
(279)
يترفه بذلك فأشبه شرب الادوية ، و كذلك الحكم في قطع العضو عند الحاجة و الختان كل ذلك مباح من فدية فان احتاج في الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبد الله بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه و آله احتجم بلحي جمل في طريق مكة و هو محرم وسط رأسه متفق عليه ، و من ضرورة ذلك قطع الشعر ، و لانه يباح حلق الشعر لازالة أذى القمل فكذلك ههنا و عليه الفدية ، و بهذا قال مالك و الشافعي و أبو حنيفة و أبو ثور و ابن المنذر و قال صاحبا أبي حنيفة يتصدق بشيء و لنا قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية ) الآية و لانه حلق شعر لازالة ضرر غيره فلزمته الفدية كما لو حلقه لازالة قملة فاما ان قطع عضوا عليه شعر أو جلدة عليها شعر فلا فدية عليه لانه زال تبعا لما لا فدية فيه