إلى العمرة بأمر النبي صلى الله عليه و سلم و لم تكن طافت للقدوم لا أمرها به النبي صلى الله عليه و سلم .و قد ذكر الخرقي في موضع آخر في المرأة إذا حاضت فخشيت فوات الحج أهلت بالحج و كانت قارنة و لم يكن عليها قضأ طواف القدوم ، و لان طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب لشرع في حق المعتمر طواف للقدوم مع طواف العمرة لانه أول قدومه إلى البيت فهو به أولى من المتمتع الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته و طوافه به ، و في الجملة أن هذا الطواف المختلف فيه ليس بواجب و انما الواجب طواف واحد و هو طواف الزيارة و هو في حق المتمتع كهو في حق القارن و المفرد في أنه ركن الحج لا يتم الا به و لا بد من تعيينه فلو نوى به طواف الوداع أو غيره لم يجزه ( فصل ) و الا طوفة المشروعة في الحج ثلاثة : طواف الزيارة و هو ركن الحج لا يتم الا به بغير خلاف ، و طواف القدوم و هو سنة لا شيء على تاركه ، و طواف الوداع واجب ينوب عنه الدم إذا تركه و بهذا قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري ، و قال مالك على تارك طواف القدوم دم و لا شيء على تارك طواف الوداع ، و حكي عن الشافعي كقولنا في طواف الوداع و كقوله في طواف القدوم ، و ما زاد على هذه الاطوفة فهو نفل و لا يشرع في حقه أكثر من سعي واحد بغير خلاف علمناه ، قال جابر لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم و لا أصحابه بين الصفا و المروة إلا طوافا واحدا طوافه الاول .رواه مسلم .و لا يكون السعي إلا بعد طواف فان سعى مع طواف القدوم لم يسع بعده و إن لم يسع معه سعى مع طواف الزيارة
(470)
( فصل ) و يستحب أن يدخل البيت فيكبر في نواحيه و يصلي ركعتين و يدعو الله عز و جل .قال ابن عمر دخل النبي صلى الله عليه و سلم البيت و بلال nو أسامة بن زيد فقلت لبلال هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قال نعم .قلت أين هو ؟ قال بين العمودين تلقاء وجهه و نسيت أن أسأله كم صلى ؟ قال ابن عباس أخبرني أسامة ان النبي صلى الله عليه و آله لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها و لم يصل فيه حتى خرج .متفق عليهما فقدم أهل العلم رواية بلال على رواية أسامة لانه مثبت و أسامة ناف ، و لان أسامة كان حديث السن فيجوز أن يكون اشتغل بالنظر إلى ما في الكعبة عن صلاة النبي صلى الله عليه و آله .و ان لم يدخل البيت فلا بأس فان اسماعيل ابن أبي خالد قال قلت لعبد الله بن أبي أوفى : أدخل النبي صلى الله عليه و آله البيت في عمرته ؟ قال لا .متفق عليه و عن عائشة ان النبي صلى الله عليه و آله خرج من عندها و هو مسرور ثم رجع و هو كئيب فقال " اني دخلت الكعبة و لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها اني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي " رواه أبو داود ( فصل ) و يستحب أن يأتي زمزم فيشرب من مائه لما أحب و يتضلع منه ، قال جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم : ثم أتى بني عبد المطلب و هو يسقون فناولوه دلوا فشرب منه .و روي ان النبي صلى الله عليه و سلم قال " " ماء زمزم لما شرب " و عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كنت عند ابن عباس جالسا فجاءه رجل فقال من أين جئت ؟ قال من زمزم قال فشربت منها كم ينبغي ؟ قال فكيف ؟ قال إذا شربت
(471)
منها فاستقبل الكعبة و اذكر اسم الله و تنفس ثلاثا من زمزم و تضلع منها فإذا فرغت فأحمد الله تعالى فان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " آية ما بيننا و بين المنافقين انهم لا يتضلعون من زمزم " رواهما ابن ماجة .و يقول عند الشرب بسم الله أللهم اجعله لنا علما نافعا و رزقا واسعا ، و ريا و شبعا ، و شفاء من كل داء ، و اغسل به قلبي و أملاه من حكمتك ( فصل ) و يسن أن يخطب الامام بمنى يوم النحر خطبة يعلم الناس فيها مناسكهم من النحر و الافاضة و الرمي نص عليه أحمد و هو مذهب الشافعي و ابن المنذر .و ذكر بعض أصحابنا انه لا يخطب يومئذ و هو مذهب مالك لانها تسن في اليوم الذي قبله فلم تسن فيه و لنا ما روى ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و سلم خطب الناس يوم النحر .يعني بمنى .أخرجه البخاري و عن رافع بن عمر و المزني قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء و علي بعبر عنه و الناس بين قائم و قاعد .و قال أبو أمامة سمعت خطبة النبي صلى الله عليه و سلم بمنى يوم النحر و قال الهرباس بن زياد الباهلي رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الاضحى بمنى و قال عبد الرحمن بن معاذ خطبنا رسول الله صلى الله عليه و آله و نحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع و نحن في منازلنا فطفق يعلهم مناسكهم حتى بلغ الجمار .و روي هذه الاحاديث كلها أبو داود الا حديث ابن عباس .و لانه يوم تكثر فيه أفعال الحج و يحتاج إلى تعليم الناس أحكام ذلك فاحتيج إلى الخطبة من أجله كيوم عرفة ( فصل ) يوم الحج الاكبر يوم النحر فان النبي صلى الله عليه و آله قال في خطبته يوم النحر " هذا يوم الحج الاكبر " رواه البخاري ، و سمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه من الوقوف بالمشعر و الدفع منه إلى منى و الرمي و النحر و الحلق و طواف الافاضة و الرجوع إلى منى ليبيت بها و ليس في غيره مثله و هو مع ذلك يوم عيد و يوم يحل فيه من إحرام الحج ( فصل ) و في يوم النحر أربعة أشياء الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف و السنة ترتيبها هكذا فان النبي صلى الله عليه و آله رتبها كذلك وصفة جابر في حج النبي صلى الله عليه و آله .و روى أنس ان النبي صلى الله عليه و آله رمى ثم نحر ثم حلق .رواه أبو داود .فأن أخل بترتيبها ناسيا أو جاهلا بالسنة فيها فلا شيء عليه في قول كثير من أهل العلم منهم الحسن و طاووس و مجاهد و سعيد بن جبير و عطاء و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و داود و محمد بن جرير الطبري ، و قال أبو حنيفة ان قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم فان كان قارنا فعليه دمان ، و قال زفر عليه ثلاثة دماء لانه لم يوجد التحلل الاول فلزمه الدم كما لو حلق قبل يوم النحر .و لنا ما روى عبد الله بن عمر قال قال رجل يا رسول الله حلقت قبل أن اذبح قال " اذبح و لا حرج "
(472)
فقال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال " ارم و لا حرج " متفق عليه ، و في لفظ قال فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح ، و ذكر الحديث قال فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسئ المرء أو يجهل من تقديم بعض الامور على بعضها و أشباهها الا قال افعلوا و لا حرج عليكم رواه مسلم ، و عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قيل له يوم النحر و هو بمنى في النحر و الحلق و الرمى و التقديم و التأخير فقال " لا حرج " متفق عليه و رواه عبد الرازق عن معمر عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله ابن عمر .و فيه فحلقت قبل أن أرمي و تابعه على ذلك محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عيسى عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و أتاه رجل فقال يا رسول الله أني حلقت قبل أن أرمي قال " ارم و لا حرج " قال و اتاه آخر فقال اني أفضيت قبل أن أرمي ؟ قال " ارم و لا حرج " و عن ان عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل يوم النحر عن رجل حلق قبل أن يرمي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا حرج لا حرج " رواه الدارقطني كله و سنة رسول الله صلى الله عيله و سلم أحق أن تتبع على أنه لا يلزم من سقوط الدم بفقد الشيء في وقته سقوطه قبل وقته فانه لو حلق في العمرة بعد السعي لا شيء عليه و إن كان الحل ما حصل قبله و كذلك في مسألتنا إذا قلنا أن الحل يحصل بالحلق فقد حلق قبل التحلل و لا دم عليه فاما ان فعله عمدا عالما بمخالفة السنة في ذلك ففيه روايتان ( احداهما ) لا دم عليه و هو قول عطاء و إسحاق لاطلاق حديث ابن عباس و كذلك حديث عبد الله بن عمرو من رواية سفيان بن عيينة ( و الثانية ) عليه دم روي نحو ذلك عن سعيد بن جبير و جابر بن زيد و قتادة و النخعي لان الله تعالى قال ( و لا تحلقوا روؤسكم حتى يبلغ الهدي محله ) و لان النبي صلى الله عليه و سلم رتب و قال " خذوا عني مناسككم " و الحديث المطلق قد جاء مقيدا فيحمل المطلق على المقيد قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل حلق قبل أن يذبح فقال إن كان جاهلا فليس عليه ، فاما التعمد فلا لان النبي صلى الله عليه و سلم سأله رجل فقال لم أشعر قيل لابي عبد الله سفيان بن عيينة لا يقول لم أشعر فقال نعم و لكن مالكا و الناس عن الزهري لم أشعر قيل لابي عبد الله و هو في الحديث ، و قال مالك ان قدم الحلق على الرمي فعليه دم و إن قدمه على النحر أو النحر على الرمي فلا شيء عليه لانه بالاجماع ممنوع من حلق شعره قبل التحلل الاول و لا يحصل الابرمي الجمرة فاما النحر قبل الرمي فجائز لان الهدي قد بلغ محله .و لنا الحديث فانه لم يفرق بينهما فان النبي صلى الله عليه و سلم قيل له في الحلق و النحر و التقديم و التأخير فقال " لا حرج " و لا نعلم خلافا بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الافعال عن الاجزاء و لا يمنع وقوعها موقعها و انما اختلفوا في وجوب الدم على ما ذكرنا و الله أعلم ( فصل ) فان قدم الافاضة على الرمي اجزأه طوافه ، و بهذا قال الشافعي و قال مالك لا تجزئه الافاضة فليرم ثم لينحر ثم ليفض
(473)
و لنا ما روى عطاء أن النبي صلى الله عليه سلم قال له رجل أفضت قبل أن ارمي قال " ارم و لا حرج " و عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " من قدم شيئا قبل شيء فلا حرج " رواهما سعيد في سننه و روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه و سلم أتاه آخر فقال أني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي فقال " ارم و لا حرج " فما سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء قدم أو أخر الا قال افعل و لا حرج رواه أبو داود و النسائي و الترمذي ، و لانه أتى بالرمي في وقته فأجزأه كما لو رتب ، و مقتضى كلام أصحابنا أنه يحصل له بالافاضة قبل الرمي التحلل الاول كمن رمى و لم يفض ، فعلى هذا لو واقع أهله قبل الرمي فعليه دم و لم يفسد حجه و كذلك قال الاوزاعي فان رجع إلى أهله و لم يرم فعليه دم لترك الرمي و حجه صحيح ، قال ابن عباس من نسي أو ترك شيئا من نسكه فليهرق لذلك دما و قال عطاء من نسي من النسك شيئا حتى رجع إلى أهله فليهرق لذلك دما ( مسألة ) ( ثم يرجع إلى منى و لا يبيت بمكة ليالي منى ) السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى متفق عليه و قالت عائشة رضي الله عنها أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق رواه أبو داود و ظاهر كلام الخرقي أن المبيت بمنى ليالي منى واجب و هو احدى الروايتين عن احمد ، و قال ابن عباس لا يبيتن أحد من وراء العقبة من منى ليلا و هو قول عروة و إبراهيم و مجاهد و عطاء ، و روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو قول مالك و الشافعي ، و الثانية ليس بواجب و روي ذلك عن الحسن و روي عن ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت و لانه قد حل من حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين كليلة الحصبة و الرواية الاولى أن ابن عمر روى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رخص
(474)
للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته متفق عليه و تخصيص العباس بالرخصة لعذره دليل على أنه لا رخصة لغيره ، و عن ابن عباس قال لم يرخص النبي صلى الله عليه و سلم لاحد يبيت بمكة الا العباس من أجل سقايته رواه ابن ماجة و روي الاثرم عن ابن عمر قال لا يبيتن أحد من الحاج إلا بمنى و كان يبعث رجالا لا يدعون أحدا يبيت وراء العقبة و لان النبي صلى الله عليه و سلم فعله نسكا و قد قال " خذوا عني مناسككم " ( فصل ) فان ترك المبيت بمنى فعن احمد لا شيء عليه و قد أساء و هو قول أصحاب الرأي لان الشرع لم يرد فيه بشيء و عنه يطعم شيئا و خففه ثم قال قد قال بعضهم ليس عليه و قال إبراهيم عليه دم وضحك ثم قال دم بمرة ثم شدد بمرة قلت ليس إلا ان يطعم شيئا قال نعم يطعم شيئا تمرا أو نحوه فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه و لا فرق بين ليلة و أكثر و لا تقدير فيه و عنه في الليالي الثلاث دم لقول ابن عباس من ترك من نسكه شيئا أو نسيه فليهرق دما ، و فيما دون الثلاث ثلاث رويات ( 1 ) و هو قول الشافعي و هذا لا نظير له فاننا لا نعلم في ترك شيء من المناسك درهما و لا نصف درهم و إيجابه بغير نص تحكم لا وجه له و الله أعلم ( مسألة ) قال ( فإذا كان من الغد و زالت الشمس رمى الجمرة الاولى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة و يقف عندها و يرمي و يدعو ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات يكبر أيضا و يدعو ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات و لا يقف عندها ) قد ذكرنا أن جملة ما يرمي به الحاج سبعون حصاة سبعة منها يرميها يوم النحر بعد طلوع الشمس و سائرها في أيام التشريق الثلاثة بعد زوال الشمس كل يوم احدى و عشرين حصاة لثلاث جمرات يبتدئ بالجمرة الاولى و هي أبعد الجمرات من مكة و تلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره و يستقبل
(475)
القبلة و يرميها بسبع حصيات رافعا يديه ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها على يمينه و يستقبل القبلة و يرميها بسبع حصيات و يفعل من الوقوف و الدعاء كما فعل في الاولى ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات و يستبطن الوادي و يستقبل القبلة و لا يقف عندها ، و بهذا قال الشافعي و لا نعلم في جميع ما ذكرنا خلافا الا أن مالكا قال ليس بموضع لرفع اليدين ، و قد ذكرنا الخلاف فيه عند رؤية البيت ، و قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل أ يقوم الرجل عند الجمرتين إذا رمى ؟ قال أي لعمري شديدا و يطيل القيام أيضا قيل فالى أين يتوجه في قيامه ؟ قال إلى القبلة و يرميها في بطن الوادي ، و الاصل في هذا ماروت عائشة قالت : أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة و يقف عند الاولى و الثانية فيطيل القيام و يتضرع و يرمي الثالثة و لا يقف عندها رواه أبو داود ، و عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة بسبع حصيات يكبر على أثر كل حصاة ثم يتقدم و يستهل و يقوم قياما طويلا و يرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ بذات الشمال فيستهل و يقوم مستقبل القبلة قياما طويلا ثم ينصرف و يقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعله رواه البخاري ، و روي أبو داود أن ابن عمر كان يدعو بدعائه الذي دعا به بعرفة و يزيد و اصلح و أتم لنا مناسكنا ، و قال