مغنی علی مختصر ابی القاسم عمربن الحسین بن عبدالله بن احمد الخرقی

ت‍ال‍ی‍ف‌: م‍وف‍ق‌ ال‍دی‍ن‌ اب‍ی‌ م‍ح‍م‍د ع‍ب‍دال‍ل‍ه ‌ب‍ن‌ اح‍م‍د ب‍ن‌ م‍ح‍م‍دب‍ن‌ ق‍دام‍ه‌، وی‍ل‍ی‍ه‌ ال‍ش‍رح‌ ال‍ک‍ب‍ی‍ر ع‍ل‍ی‌ م‍ت‍ن‌ ال‍م‍ق‍ن‍ع‌ [اب‍ن‌ق‍دام‍ه‌] ت‍ال‍ی‍ف‌ ش‍م‍س‌ ال‍دی‍ن‌ اب‍و ال‍ف‍رج‌ ع‍ب‍دال‍رح‍م‍ن ‌ب‍ن‌ اب‍ی‌ ع‍م‍ر م‍ح‍م‍د ب‍ن‌ اح‍م‍د ب‍ن‌ ق‍دام‍ه‌ ال‍م‍ق‍دس‍ی‌

جلد 3 -صفحه : 86/ 80
نمايش فراداده

(546)

عن الاول فعليه للثاني كفارة ، و إلا فلا شيء للثاني لانها كفارة تجب بفعل محظور في الاحرام فيدخل جزاؤها قبل التكفير كاللبس و الطيب .

و لنا أنها كفارة عن قتل فاستوى فيه المبتدئ و العائد كقتل الآدمي ، و لانها بدل متلف يجب به المثل أو القيمة فاشبه بدل مال الآدمي .

قال احمد روي عن عمر و غيره أنهم حكموا في الخطأ و فيمن قتل و لم يسألوه هل كان قتل قبل هذا أولا ؟ و إنما هذا يعني لتخصيص الاحرام و مكانه .

و الآية اقتضت الجزاء على العائد بعمومها ، و ذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب كما قال الله تعالى ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف و أمره إلى الله و من عاد فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) و قد ثبت أن العائد لو انتهى كان له ما سلف و أمره إلى الله ، و لا يصح قياس جزاء الصيد على غيره و لان جزاءه مقدر به ، و يختلف بصغره و كبره و لو أتلف صيدين معا وجب جزاؤهما فكذلك إذا تفرا بخلاف غيره من المحظورات ( فصل ) و يجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه و قبل موته نص أحمد لانها كفارة فجاز تقديمها على الموت ككفارة قتل الآدمي ، و لانها كفارة فاشبهت كفارة الظهار و اليمين ( مسألة ) قال ( و لو اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد ) يروى عن أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات ( إحداهن ) ان الواجب جزاء واحد و هو الصحيح و يروي هذا عن عمر بن الخطاب و ابن عباس و ابن عمر رضي الله عنهم ، و به قال عطاء و الزهري و النخعي و الشعبي و الشافعي و إسحاق ( و الثانية ) على كل واحد جزاء رواهما ابن أبي موسى و اختارها أبو بكر و به قال مالك و الثوري و أبو حنيفة و يروى عن الحسن لانها كفارة قتل يدخلها الصوم أشبهت كفارة قتل الآدمي ( و الثالثة ) ان كان صوما صام كل واحد صوما تاما و ان كان ذلك فجزاء واحد و ان كان أحدهما هدي و الاخر صوم فعلى المهدي بحصته و على الآخر صوم تام لان الجزاء ليس بكفارة و إنما هو بدل بدليل ان الله تعالى عطف عليه الكفارة فقال تعالى ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) و الصوم كفارة ككفارة قتل الآدمي .

و لنا قول الله تعالى ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) و الجماعة قد

(547)

قتلوا صيدا فيلزمهم مثله و الزائد خارج عن المثل فلا يجب .

و متى ثبت اتخاذ الجزاء في الهدي وجب اتخاذه في الصيام لان الله تعالى قال ( أو عدل ذلك صياما ) و الاتفاق حاصل على انه معدول بالقيمة إما قيمة المتلف و اما قيمة مثله فإيجاب الزائد على عدل القيمة خلاف النص ، و أيضا ما روي عمن سمينا من الصحابة انهم قالوا كمذهبنا .

و لانه جزاء عن مقتول يختلف باختلافه فكان واحدا كالدية أو كما لو كان القاتل واحدا أو بدل المحل فاتحدت باتحاده الدية ، و كفارة الآدمي لنا فيها منع و لا يتبعض في أبعاضه و لا يختلف باختلافه فلا يتبعض على الجماعة بخلاف مسئلتنا ( فصل ) فان كان شريك المحرم حلالا أو سبعا فلا شيء على الحلال ويحكم على الحرام .

ثم ان كان جرح أحدهما قبل صاحبه و السابق الحلال أو السبع فعلى المحرم جزاؤه مجروحا .

و ان كان السابق المحرم فعليه جزاء جرحه على ما مضى .

و ان كان جرحهما في حال واحدة ففيه وجهان ( أحدهما ) على المحرم بقسطه كما لو كان شريكه محرما لانه انما أتلف البعض ( و الثاني ) عليه جزاء جميعه لانه تعذر إيجاب الجزاء على شريكه فأشبه ما لو كان أحدهما دالا و الآخر مدلولا أو أحدهما ممسكا و الآخر قاتلا فان الجزاء على المحرم أيهما كان لتعذر إيجاب الجزاء على الآخر ( فصل ) و ان اشترك حرام و حلال في صيد حرمي فالجزاء بينهما نصفين لان الاتلاف ينسب إلى كل واحد منهما نصفه ، و لا يزداد الواجب على المحرم باجتماع حرمة الاحرام و الحرم فيكون الواجب على كل واحد منهما النصف ، و هذا الاشتراك الذي هذا حكمه هو الذي يقع به الفعل منهما معا ، و ان سبق أحدهما صاحبه فحكمه ما ذكرناه فيما ما مضي ( فصل ) إذا أحرم الرجل و في ملكه صيد لم يزل ملكه عنه و لا يده الحكمية مثل أن يكون في بلده أو في يد نائب له في مكانه و لا شيء عليه إن مات و له التصرف فيه بالبيع و الهبة و غيرهما

(548)

و من غصبه لزمه رده و يلزمه إزالة يده المشاهدة عنه .

و معناه إذا كان في قبضته أو رحله أو خيمته أو قفص معه أو مربوطا بحبل معه لزمه إرساله ، و بهذا قال مالك و أصحاب الرأي .

و قال الثوري : هو ضامن لما في بيته أيضا .

و حكي نحو ذلك عن الشافعي و قال أبو ثور ليس عليه إرسال ما في يده و هو أحد قولي الشافعي لانه في يده أشبه ما لو كان في يده الحكمية .

و لانه لا يلزم من منع ابتداء الصيد المنع من استدامته بدليل الصيد في الحرم .

و لنا على انه لا يلزمه إزالة يده الحكمية انه لم يفعل في الصيد فعلا فلم يلزمه شيء كما لو كان في ملك غيره ، و عكس هذا إذا كان في يده المشاهدة فانه فعل الامساك في الصيد فكان ممنوعا منه كحالة الابتداء فان استدامة الامساك إمساك بدليل انه لو حلف لا يمسك شيئا فاستدام إمساكه حنث .

إذا ثبت هذا فانه متى أرسله لم يزل ملكه عنه ، و من أخذه رده إذا حل ، و من قتله ضمنه له لان ملكه كان على و إزالة الاثر لا يزيل الملك بدليل الغصب و العارية فان تلف في يده قبل إرساله بعد إمكانه ضمنه لانه تلف تحت اليد العادية فلزمه الضمان كمال الآدمي و ان كان قبل إمكان الارسال فلا ضمان لانه ليس بمفرط و لا متعد ، فان أرسله إنسان من يده فلا ضمان عليه لانه فعل ما يلزمه فعله ، و لان اليد قد زال حكمها و حرمتها فان أمسكه حتى حل فملكه باق عليه لان ملكه لم يزل بالاحرام ، و انما زال حكم المشاهدة فصار كالعصير يتخمرثم يتخلل قبل إراقته ( فصل ) و لا يملك المحرم الصيد ابتداء بالبيع و لا بالهبة و نحوهما من الاسباب فان الصعب بن جثامة أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا فرده عليه و قال " إنا لم نرده عليك إلا أنه حرم " فان أخذه بأحد هذه الاسباب ثم تلف فعليه جزاؤه ، و ان كان مبيعا فعليه القيمة أو رده إلى مالكه ، فان أرسله فعليه ضمانه كما لو أتلفه و ليس عليه جزاء و عليه رد المبيع أيضا و يحتمل أن يلزمه إرساله كما لو كمان مملوكا له لانه لا يجوز له إثبات يده المشاهدة على الصيد ، و هذا قول الشافعي و أصحاب الرأي

(549)

و لا يسترد المحرم الصيد الذي باعه و هو حلال مختار و لا عيب في ثمنه و لا غيرهما لانه ابتداء ملك على الصيد و هو ممنوع منه ، و ان رده المشتري عليه بعيب أو خيار فله ذلك لان سبب الرد متحقق ثم لا يدخل في ملك المحرم و يلزمه إرساله ( فصل ) و ان ورث المحرم صيدا ملكه لان الملك بالارث ليس بفعل من جهته و انما يدخل في ملكه حكما ، اختار ذلك أو كرهه و لهذا يدخل في ملك الصبي و المجنون و يدخل به المسلم في ملك الكافر فيجري مجرى الاستدامة ، و يحتمل أن لا يملك به لانه من جهات التملك فأشبه البيع و غيره فعلى هذا يكون أحق به من ثبوت ملكه عليه فإذا حل ملكه ( مسألة ) قال ( و من لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر تحلل بعمرة و ذبح ان كان معه هدي و حج من قابل و أتى بدم ) الكلام في هذه المسألة في أربعة فصول ( الاول ) ان آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافا ، قال جابر لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع ، قال أبو الزبير فقلت له أقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك ؟ قال نعم رواه الاثرم باسناده و قول النبي صلى الله عليه و سلم " الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه " يدل على فواته بخروج ليلة جمع ، و روى ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج و من فاته عرفات بليل فليحل بعمرة و عليه الحج من قابل " رواه الدارقطني و ضعفه

(550)

( الفصل الثاني ) أن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي و حلاق هذا الصحيح من المذهب ، و روي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابنه و زيد بن ثابت و ابن عباس و ابن الزبير و مروان بن الحكم و هو قول مالك و الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي ، و قال ابن أبي موسى في المسألة روايتان ( احداهما ) كما ذكرنا ( و الثانية ) يمضي في حج فاسد و هو قول المزني قال يلزمه جميع أفعاله لان سقوط ما فات وقته لا يمنع ما لم يفت .

و لنا قول من سمينا من الصحابة و لم نعرف لهم مخالفا فكان إجماعا ، و روى الشافعي في مسنده أن عمر قال لابي أيوب حين فاته الحج اصنع مايصنع المعتمر ثم قد حللت فان أدركت الحج قابلا فحج و اهد ما استيسر من الهدي ، و روي أيضا عن ابن عمر نحو ذلك ، و روى الاثرم باسناده عن سليمان بن يسار أن هبار بن الاسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر ما حبسك ؟ قال حسبت أن اليوم يوم عرفة قال فانطلق إلى البيت فطف به سبعا و إن كان معك هدية فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج فان وجدت سعة فاهد ، فان لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعت إن شاء الله تعالى .

و روى النجاد باسناده عن عطاء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " من فاته الحج فعليه دم و ليجعلها عمرة و ليحج من قابل " و لانه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من فوات فمع الفوات أولى .

إذا ثبت هذا فانه يجعل إحرامه بعمرة و هذا ظاهر كلام الخرقي و نص عليه أحمد و اختاره أبو بكر و هو قول ابن عباس و ابن الزبير و عطاء و أصحاب الرأي ، و قال ابن حامد لا يصير إحرامه بعمرة بل يتحلل بطواف وسعي و حلق و هو مذهب مالك و الشافعي لان إحرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى الآخر كما لو أحرم بالعمرة ، و يحتمل أن من قال يجعل إحرامه عمرة أراد به يفعل ما فعل المعتمر و هو الطواف و السعي و لا يكون بين القولين خلاف ، و يحتمل أن يصير إحرام الحج إحراما بعمرة بحيث يجزئه عن عمرة الاسلام إن لم يكن اعتمر و لو أدخل الحج عليها لصار قارنا إلا أنه لا يمكنه الحج بذلك

(551)

الاحرام إلا أن يصير محرما به في أشهره فيصير كمن أحرم بالحج في أشهره ، و لان قلب الحج إلى العمرة يجوز من سبب على ما قررناه في فسخ الحج فمن الحاجة أولى ، و يخرج على هذا قلب العمرة إلى الحج فانه لا يجوز و لان العمرة لا يفوت وقتها فلا حاجة إلى انقلاب إحرامها بخلاف الحج ( الفصل الثالث ) أنه يلزمه القضاء من قابل سواء كان الفائت واجبا أو تطوعا روي ذلك عن عمر و ابنه و زيد و ابن عباس و ابن الزبير و مروان و هو قول مالك و الشافعي و أصحاب الرأي ، و عن أحمد لا قضأ عليه ، بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق و إن كانت نفلا سقطت ، و روي هذا عن عطاء و هو احدى الروايتين عن مالك لان النبي صلى الله عليه و سلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال بل مرة واحدة ، و لو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة ، و لانه معذور في ترك إتمام حجه يلزمه القضاء كالمحرم ، و لانها عبادة تطوع فلم يجب قضاؤها كسائر التطوعات ، و وجه الرواية الاولى ما ذكرنا من الحديث و إجماع الصحابة .

و روى الدارقطني باسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من فاته عرفات فاته الحج فليحل بعمرة و عليه الحج من قابل " و لان الحج يلزم بالشروع فيه فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات .

و أما الحديث فانه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة و هذه انما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها كالمنذورة .

و أما المحصر فانه منسوب إلى التفريط بخلاف من فاته الحج ، و إذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم في هذا خلافا لان الحجة المقضية لو تمت لاجزأت عن الواجبة عليه فكذلك قضاؤها لان القضاء يقوم مقام الاداء ( الفصل الرابع ) أن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين و هو قول من سمينا من الصحابة و الفقهاء إلا أصحاب الرأي فانهم قالوا لاهدي عليه و هي الرواية الثانية عن أحمد لانه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي للزم المحرم هديان للفوات و الاحصار .

و لنا حديث عطاء و أجماع الصحابة ،

(552)

و لانه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحرم لم يفت حجه فانه يحل قبل فواته ، إذا ثبت هذا فانه يخرج الهدي في سنة القضا إن قلنا بوجوب القضاء و الا أخرجه في عامه ، و إذا كان معه هدي قد ساقه نحره و لا يجزئه إن قلنا بوجوب القضاء ، بل عليه في السنة الثانية هدي أيضا نص عليه أحمد و ذلك لحديث عمر الذي ذكرناه ، و الهدي ما استيسر مثل هدي المتعة لحديث عمر أيضا و المتمتع و المفرد و القارن و المكي و غيره سواء فيما ذكرنا لان الفوات يشمل الجميع ( فصل ) فان اختار من فاته الحج على إحرامه ليحج من قابل فله ذلك روي ذلك عن مالك لان تطاول المدة بين الاحرام و فعل النسك لا يمنع إتمامه كالعمرة و المحرم بالحج في أشهره و يحتمل أنه ليس له ذلك و هو قول الشافعي و أصحاب الرأي و ابن المنذر و رواية عن مالك لظاهر الخبر و قول الصحابة رضي الله عنهم لان إحرام الحج يصير في أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها ( فصل ) و إذا فات القارن الحج حل و عليه ما أهل به من قابل نص عليه أحمد و هو قول مالك و الشافعي و أبي ثور و إسحاق ، و يحتمل أن يجزئه ما فعل عن عمرة الاسلام و لا يلزمه الا قضأ الحج لانه لم يفته غيره ، و قال أصحاب الرأي و الثوري يطوف و يسعى لعمرته ، ثم لا يحل حتى يطوف و يسعى لحجه ألا أن سفيان قال و يهريق دما .

و الوجه الاول أن يذبح القضاء على حسب الاداء في صورته و معناه فيجب أن يكون ههنا كذلك و يلزمه هديان لقرانه و فواته ، و به قال مالك و الشافعي