مغنی علی مختصر ابی القاسم عمربن الحسین بن عبدالله بن احمد الخرقی

ت‍ال‍ی‍ف‌: م‍وف‍ق‌ ال‍دی‍ن‌ اب‍ی‌ م‍ح‍م‍د ع‍ب‍دال‍ل‍ه ‌ب‍ن‌ اح‍م‍د ب‍ن‌ م‍ح‍م‍دب‍ن‌ ق‍دام‍ه‌، وی‍ل‍ی‍ه‌ ال‍ش‍رح‌ ال‍ک‍ب‍ی‍ر ع‍ل‍ی‌ م‍ت‍ن‌ ال‍م‍ق‍ن‍ع‌ [اب‍ن‌ق‍دام‍ه‌] ت‍ال‍ی‍ف‌ ش‍م‍س‌ ال‍دی‍ن‌ اب‍و ال‍ف‍رج‌ ع‍ب‍دال‍رح‍م‍ن ‌ب‍ن‌ اب‍ی‌ ع‍م‍ر م‍ح‍م‍د ب‍ن‌ اح‍م‍د ب‍ن‌ ق‍دام‍ه‌ ال‍م‍ق‍دس‍ی‌

جلد 5 -صفحه : 87/ 55
نمايش فراداده

(371)

( فصل ) و إذا اختلف رب الدابة و راكبها فقال الراكب هي عارية و قال المالك بل اكتريتها فان كانت الدابة باقية لم تنقص لم يخل من ان يكون الاختلاف عقيب العقد أو بعد مضي مدة لمثلها اجر فان كان عقيب العقد فالقول قول الراكب لان الاصل عدم عقد الاجارة و براءة ذمة الراكب منها فيحلف و يرد الدابة إلى مالكها لانها عارية و كذلك ان ادعى المالك انها عارية و قال الراكب بل اكتريتها فالقول قول المالك مع يمينه لما ذكرنا ، و ان كان الاختلاف بعد مضي مدة لمثلها اجر فادعى المالك الاجارة فالقول قوله مع يمينه و حكي ذلك عن مالك و قال اصحاب الرأي القول قول الراكب و هو منصوص الشافعي لانهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب و ادعى المالك عوضا لها و الاصل عدم وجوبه و براءة ذمة الراكب منه فكان القول قوله .

و لنا أنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فكان القول قول المالك كما لو اختلفا في عين فقال المالك بعتكها و قال الآخر و هبتنيها و لان المنافع تجري مجرى الاعيان في الملك و العقد عليها و لو اختلفا في الاعيان كان القول قول المالك كذا ههنا و ما ذكره يبطل بهذه المسألة و لانهما اتفقا على أن المنافع لا تنتقل إلى الراكب الا بنقل المالك لها فيكون القول قوله في كيفية الانتقال كالاعيان فيحلف المالك و يستحق الاجر و في قدره وجهان ( أحدهما ) أجر المثل لانهما لو اتفقا على وجوبه و اختلفا في قدره وجب أجر المثل فمع الاختلاف في أصله أولى ( و الثاني ) المسمى لانه وجب بقول المالك و يمينه فوجب ما حلف عليه كالاصل ، و ان كان اختلافهما في أثناء المدة فالقول قول الراكب فيما مضى منها و القول قول المستعير فيما بقي لان ما بقي بمنزلة ما لو اختلفا عقيب العقد و ان ادعى المالك في هذه الصورة انها عارية و ادعى الراكب انها بأجر فالراكب يدعي استحقاق المنافع

(372)

و يعترف بالاجر للمالك و المالك ينكر ذلك كله فالقول قوله مع يمينه فيحلف و يأخذ بهيمته ، و ان اختلفا في ذلك بعد تلف البهيمة قبل مضي مدة لمثلها أجر فالقول قول المالك سواء ادعى الاجارة أو الاعارة لانه ان ادعى الاجارة فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها فيقبل إقراره على نفسه و ان ادعى الاعارة فهو يدعي قيمتها فالقول قوله لانهما اختلفا في صفة القبض و الاصل فيما يقبضه الانسان من مال غيره الضمان لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) فإذا حلف المالك استحق القيمة و القول في قدرها قول الراكب مع يمينه لانه ينكر الزيادة المختلف فيها و الاصل عدمها ، و ان اختلفا في ذلك بعد مضي مدة لمثلها أجر و تلف البهيمة و كان الاجر بقدر قيمتها أو كان ما يدعيه المالك منهما أقل مما يعترف به الراكب فالقول قول المالك بغير يمين سواء ادعى الاجارة أو الاعارة إذ لا فائدة في اليمين على شيء يعترف له به و يحتمل ان لا يأخذه الا بيمين لانه يدعي شيئا لا يصدق فيه و يعترف له الراكب بما لا يدعيه فيحلف على ما يدعيه ، و ان كان ما يدعيه المالك أكثر مثل ان كانت قيمة البهيمة أكثر من أجرها فادعى المالك أنها عارية لتجب له القيمة و أنكر استحقاق الاجرة و ادعى الراكب أنها مكتراة أو كان الكراء أكثر من قيمتها فادعى المالك أنه أجرها ليجب له الكراء و ادعى الراكب أنها عارية فالقول قول المالك في الصورتين لما قدمنا فإذا حلف استحق ما حلف عليه و مذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا .

( فصل ) و ان قال المالك غصبتها و قال الراكب بل أعرتنيها فان كان الاختلاف عقيب العقد و الدابة قائمة لم يتلف منها شيء فلا معنى للاختلاف و يأخذ المالك بهيمته و كذلك ان كانت الدابة تالفة لان

(373)

القيمة تجب على المستعير كوجوبها على الغاصب ، و ان كان الاختلاف بعد مضي مدة لمثلها أجر فالاختلاف في وجوبه و القول قول المالك و هذا ظاهر قول الشافعي و نقل المزني عنه أن القول قول الراكب لان المالك يدعي عليه عوضا الاصل براءة ذمته منه و لان الظاهر من اليد أنها بحق فكان القول قول صاحبها و لنا ما قدمنا في الفصل الذي قبل هذا بل هذا أولى لانهما ثم اتفقا على ان المنافع ملك للراكب و ههنا لم يتفقا على ذلك فان المالك ينكر انتقال الملك فيها إلى الراكب و الراكب يدعيه و القول قول المنكر لان الاصل عدم الانتقال فيحلف و يستحق الاجر ، و ان قال المالك غصبتها و قال الراكب أجرتنيها فالاختلاف ههنا في وجوب القيمة لان الاجر يجب في الموضعين الا ان يختلف المسمى و أجر المثل و القول قول المالك مع يمينه فان كانت الدابة تالفة عقيب أخذها حلف و أخذ قيمتها و ان كانت قد بقيت مدة لمثلها أجر و المسمى بقدر أجر المثل أخذه المالك لاتفاقهما على استحقاقه و كذلك ان كان أجر المثل دون المسمى و في اليمين وجهان و ان كان زائدا على المسمى لم يستحقه الا بيمين وجها واحدا

(374)

كتاب الغصب الغصب هو الاستيلاء على مال غيره بغير حق ، و هو محرم بالكتاب و السنة و الاجماع : أما الكتاب فقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) و قوله تعالى ( و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم و أنتم تعلمون ) و قوله تعالى ( و السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا ) و السرقة نوع من الغصب ، و أما السنة فروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في خطبته يوم النحر ( إن دماءكم و أموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) رواه مسلم و غيره و عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( من أخذ شبرا من الارض ظلما طوقه من سبع أرضين ) متفق عليه و روى أبو حرة الرقاشي عن عمه و عمرو بن يثربي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) رواه أبو إسحاق الجوزجاني .

و أجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة و إنما اختلفوا في فروع منه .

إذا ثبت هذا فمن غصب شيئا لزمه رده ما كان باقيا بغير خلاف نعلمه لقول النبي صلى الله عليه و سلم ( على اليد ما أخذت حتى تؤديه ) و لان حق

(375)

المغصوب منه معلق بعين ماله و ما ليته و لا يتحقق ذلك إلا برده فان تلف في يده لزمه بدله لقول الله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) و لانه لما تعذر رد العين وجب رد ما يقوم مقامها في المالية ، ثم ينظر فان كان مما تتماثل أجزاؤه و تتفاوت صفاته كالحبوب و الادهان وجب مثله لان المثل أقرب اليه من القيمة و هو مماثل له من طريق الصورة و المشاهدة و المعنى ، و القيمة مماثلة من طريق الظن و الاجتهاد فكان ما طريقه المشاهدة مقدما كما يقدم النص على القياس لكون النص طريقه الادراك بالسماع و القياس طريقة الظن و الاجتهاد ، و إن كان متقارب الصفات و هو ما عدا المكيل و الموزون وجبت قيمته في قول الجماعة و حكي عن العنبري يجب في كل شيء مثله لما روت جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما رأيت صانعا مثل حفصة صنعت طعاما فبعثت به إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخذني الافكل فكسرت الانآء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت ؟ فقال " إناء مثل الانآء و طعام مثل الطعام " رواه أبو داود ، و عن أنس أن إحدى نساء النبي صلى الله عليه و سلم كسرت قصعة الاخرى فدفع النبي صلى الله عليه و سلم قصعة الكاسرة إلى رسول صاحبة المكسورة

(376)

و جلس المكسورة في بيته ، رواه أبو داود مطولا ، و رواه الترمذي نحوه و قال حديث حسن صحيح و لان النبي صلى الله عليه و سلم استسلف بعيرا ورد مثله و لنا ما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل متفق عليه فأمر بالتقويم في حصة الشريك لانها متلفة بالعتق و لم يأمر بالمثل و لان هذه الاشياء لا تتساوى أجزاؤها و تتباين صفاتها فالقيمة فيها أعدل و أقرب إليها فكانت أولى و اما الخبر فمحمول على أنه جوز ذلك بالتراضي و قد علم أنها ترضى بذلك ( فصل ) و ما تتماثل أجزاؤه و تتقارب صفاته كالدراهم و الدنانير و الحبوب و الادهان ضمن بمثله بغير خلاف قال ابن عبد الله كل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته و أما سائر المكيل و الموزون فظاهر كلام احمد انه يضمن بمثله أيضا فانه قال في رواية حرب و إبراهيم بن هاني ما كان من الدراهم و الدنانير و ما يكال و يوزن فعليه مثله دون القيمة فظاهر هذا وجوب المثل في كل مكيل و موزن الا أن يكون مما فيه صناعة كمعمول الحديد و النحاس و الرصاص من الاواني و الآلات و نحوها و الحلي من الذهب و الفضة و شبهه و المنسوج من الحرير و التكان و القطن

(377)

و الصوف و الشعر و المغزول من ذلك فانه يضمن بقيمته لان الصناعة تؤثر في قيمته و هي مختلفة فالقيمة فيه أحصر فأشبه المكيل و الموزون و ذكر القاضي أن النقرة و السبيكة من الاثمان و العنب و الرطب و الكمثرى يضمن بقيمته و ظاهر كلام احمد يدل على ما قلنا و إنما خرج منه ما فيه الصناعة لما ذكرنا و يحتمل أن يضمن النقرة بقيمتها لتعذر وجود مثلها إلا بتكسير الدراهم المضروبة و سبكها و فيه إتلاف فعلى هذا ان كان المضمون بقيمته من جنس الاثمان وجبت قيمته من غالب نقد البلد فان كانت من جنسه وجبت بكل حال و ان كانت من جنسه فكانت موزونة وجبت قيمته و ان كانت أقل أو أكثر قوم بغير جنسه لئلا يؤدي إلى الربا ، و قال القاضي ان كانت فيه صناعة مباحة فزادت قيمته من أجلها جاز تقويمه بجنسه لان ذلك قيمته و الصناعة لها قيمة و كذلك لو كسر الحلي وجب أرش كسره و يخالف البيع لان الصناعة لا يقابلها العوض في العقود و يقابلها في الاتلاف ألا ترى أنها لا تنفرد بالعقد و تنفرد بضمانها بالاتلاف قال بعض أصحاب الشافعي هذا مذهب الشافعي و ذكر بعضهم مثل القول الاول و هو الذي ذكره أبو الخطاب لان القيمة مأخوذة على سبيل العوض فالزيادة فيه ربا كالبيع و كالنقص و قد قال أحمد في رواية ابن منصور إذا كسر الحلي يصلحه أحب الي قال القاضي و هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لا أنه على طريق الوجوب و هذا فيما إذا كانت الصناعة مباحة فان كانت محرمة كالاواني و حلي الرجال لم يجز ضمانه بأكثر من وزنه وجها واحدا لان الصناعة لا قيمة لها شرعا فهي كالمعدومة .