مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 13 -صفحه : 30/ 24
نمايش فراداده

دينارا و أمره أن يشتري له أضحية فاشترى شاة ثم باعها بدينارين ثم اشترى شاة بدينار و جاء بالشاة و الدينار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بذلك فقال صلوات الله عليه و سلامه بارك الله لك في صفقتك فاما الشاة فضح بها و أما الدينار فتصدق به فقد باع ما اشترى له بغير أمره ثم أجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعه و لا يجوز أن يقال كان هو وكيلا مطلقا بالبيع و الشراء لان هذا شيء لا يمكن إثباته بغير نقل و لو كان لنقل على سبيل المدح له فالمنقول أمره أن يشترى له أضحية و بهذا لا يصير وكيلا بمطلق التصرف و دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا إلى عروة البارقي رضي الله عنه و أمره أن يشتري أضحية فاشترى بالدينار شاتين ثم باع احداهما بدينار و جاء بالاخرى مع الدينار إلى النبي صلى الله عليه و سلم فجوز عليه الصلاة و السلام ذلك و دعا له بالخير و لو لم يكن البيع موقوفا على اجازته لامره بالاسترداد .

و المعنى فيه ان هذا تصرف صدر من أهله في محله فلا يلغو كما لو حصل من المالك و كالوصية بالمال ممن عليه الدين و بأكثر من الثلث ممن لادين عليه و هذا لان التصرف كلام و هو فعل اللسان فحده ما هو حد سائر الافعال و تحقيق الفعل ينتقل من فاعل في محل ينفعل فيه فهذا يكون حد التصرف باللسان و إذا صدر من أهله في محله تحقق به وجوده ثم قد يمتنع نفوذه شرعا لمانع فيتوقف على زوال ذلك المانع و بالاجارة يزول المانع و هو عدم رضا المالك به و بيان الاهلية في التصرف أن التصرف كلام و الاهلية للكلام حقيقة بالتميز و اعتباره شرعا بالخطاب و بيان المحلية أن البيع تمليك مال بمال فالمحل انما يكون محلا بكونه ما لا متقوما و بانعدام الملك للعاقد في المحل لا تنعدم المالية و التقوم ألا ترى أنه لو باعه باذن المالك جاز و ما ليس بمحل فبالاذن لا يصير محلا و لو باعه المالك بنفسه جاز و المحلية لا تختلف بكون المتصرف مالكا أو مالك فإذا قبل اعتبار التصرف شرعا لحكمه لا لعينه و المراد بالاسباب الشرعية أحكامها و اشتراط الملك في المحل لاجل الحكم فالتمليك لا يتحقق الا من المالك فإذا لم يكن المتصرف مالكا لغا تصرفه لانعدام حكمه ففى الجواب عن هذا السوأل طريقان أحدهما أن نقول لا نسلم أن الحكم لا يثبت لهذا التصرف بل يثبت حكم يليق بالسبب فانه يثبت بالسبب الموقوف ملك الموقوف كما يثبت بالسبب البات ملك بات و لهذا لو أعتق المشترى ثم أجاز المالك البيع نفذ عتقه و هذا لانه لا ضرر على المالك في إثبات ملك موقوف بهذا السبب كما لا ضرر عليه في انعقاد السبب و إنما الضرر في زوال ملكه و بالملك الموقوف لا يزول ملكه البات و الثاني ان السبب انما يلغو إذا خلا عن الحكم شرعا فاما إذا تأخر عنه الحكم فلا لان الحكم تارة يتصل بالسبب و تارة يتأخر كما في البيع بشرط الخيار وهنا الحكم يتأخر إلى اجازة المالك و لا ينعدم أصلا لان انعدام الحكم في الحال لرفع الضرر عن المالك و في تأخير الحكم إلى وجود الاجازة توفر المنفعة عليه فانه إذا صار مستندا بالنظر ان شاء اجاز البيع و ان شاء أبطله فيكون فيه محض منفعة له فلهذا انعقد السبب في الحال على أن يجعل اجازته في الانتهاء كاذنه في الابتداء بخلاف بيع الطير في الهواء و السمك في الماء فهناك لغا العقد لانعدام محله و المحل مملوك أصلا و لا يكون قابلا للتمليك و كذلك طلاق الصبي إمرأته انما لغا لانعدام الاهلية في المتصرف فان اعتبار عقل الصبي و تميزه لتوفير المنفعة عليه و ما يتمحض ضررا ينعدم فيه هذا المعنى و لا يجعل أهلا باعتباره و دليل أن الطلاق يتمحض ضررا أن الولى لا يملك عليه هذا التصرف و إنما لغا لانعدام حكمه أصلا فامرأة الصبي ليست بمحل لوقوع الطلاق عليها بالايقاع ألا ترى انه لا يقع عليها باذن الولى و لا بإيقاعه فاما مال الغير فمحل الحكم البيع حتى يثبته فيه حكم البيع عند اذن المالك أو مباشرته بنفسه و هذا بخلاف بيع الآبق و المبيع قبل القبض فان ذلك لا يصير لغوا بل ينعقد فاسدا لانعدام شرط الصحة و هو قدرة العاقد على تسليم المعقود عليه و بخلاف ما إذا اشترى العاقد ما باعه لان حكم ذلك السبب لا يمكن إثباته باعتبار الملك الحادث له فحكم السبب ثبوت الملك للمشتري من وقت العقد و إنما يتأتى ذلك باعتبار ملك من كان مالكا وقت العقد و قد زال ذلك بإزالته فلو نفذ باعتبار الملك الحادث نفذ مقصورا على الحال و حكم السبب ليس هذا فاما عند الاجازة فيثبت الملك للمشتري من وقت العقد و لهذا يستحق المبيع بزوائده المتصلة و المنفصلة و هذا هو تأويل النهى عن بيع ما ليس عند الانسان ان المراد إذا باعه ثم اشتراه و أراد تسليمه بحكم ذلك العقد بدليل قصة الحديث فان حكيم بن حزام رضي الله عنه قال يا رسول الله ان الرجل ليأتيني فيطلب منى سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فاشتريها فاسلمها فقال صلى الله عليه و سلم لاتبع ما ليس عندك إذا عرفنا هذا في بيان مسألة الاستبراء فالملك النافذ للمشتري لا يكون الا بعد الاجازة و الحل يبنى على ذلك و لا يحتسب بالحيضة التي توجد قبل الاجازة من الاستبراء فتلك دون الحيضة الموجودة في يد البائع بعد تمام البيع فإذا كان لا يحتسب بها من الاستبراء فهذا أولى و لو كان البائع هو المالك لها فسلمها و حاضت بعد ما قبضها المشترى قبل ان يتفرقا عن مجلس العقد فانه يحتسب بهذه الحيضة من الاستبراء عندنا خلافا للشافعي و هو بناء على خيار المجلس فان عندنا البيع يلزم بنفسه و يتم الملك للمشتري بالقبض و ليس لواحد منهما ان ينفرد بالفسخ قبل الافتراق عن المجلس و لا بعده و عند الشافعي خيار المجلس ثابت لكل واحد منهما فما لم يفترقا فكل واحد منهما ينفرد بالفسخ الا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر و يرضي به صاحبه و له في وقوع الملك للمشتري قولان .

و احتج بحديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا و لا يكونا متبايعين إلا بعد الايجاب و القبول و قد نص على إثبات الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا و المراد التفرق عن المجلس بدليل ما ذكره في رواية أخرى المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه و راوي الحديث ابن عمر رضى الله عنهما و قد فهم منه الافتراق عن المجلس على ما يروى انه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشي هنية و المعنى فيه أن هذا عقد تمليك المال فلا يلزم بنفسه ما لم ينضم اليه مايتأيد به كعقد الهبة فانه لا يوجب الملك بنفسه ما لم ينضم اليه القبض و تأثيره أن المال مبتذل تكثر المعاملة فيه و يقع العقد عليه بعينه من نظر و رؤية و المقصود به الاسترباح و لا يحصل هذا المقصود الا بعد نظر و رؤية فاثبت الشرع الخيار لكل واحد منهما به ما داما في المجلس ليتحقق به ما هو المقصود لكل واحد منهما بخلاف النكاح فانه في العادة لا يقع بغتة و انما يكون بعد تقدم الخطبة و المراودة ثم إنما تقدر هذا الخيار بالمجلس لان حال المجلس جعل كحالة العقد ألا ترى أن في الصرف و السلم القبض الموجود في المجلس كالقبض المقترن بالعقد ثم حالة العقد و هو ما بعد الايجاب قبل القبول يثبت الخيار لكل واحد منهما فكذلك يثبت ما داما في المجلس إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر فيستدل بهذا اللفظ على تمام النظر و الرؤية فيسقط به الخيار .

و حجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه و سلم المسلمون عند شروطهم و قد شرط إمضاء العقد بينهما فيلزمهما الوفاء بظاهر الحديث و قال عمر رضى الله عنه البيع صفقة أو خيار و الصفقة هي النافذة اللازمة فتبين ان البيع نوعان لازم و غير لازم بشرط الخيار فيه فمن قال بأن الخيار يثبت في كل بيع فقد خالف هذا الحديث و المعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يوجب اللزوم بنفسه كالنكاح و تأثير هذا الكلام ان العقد يتقوى بصفة المعاوضة و إنما يظهر فوته في حكمه حتى لا ينفرد أحدهما برفعه و به فارق التبرع فهو ضعيف لخلوه عن العوض و لهذا لا يثبت الحكم به الا بالقبض ثم لزوم هذه المعاوضة تعتمد تمام الرضا من المتعاقدين و به يلزم بعد المجلس فكذلك في المجلس لانه لا أثر لبقائهما في المجلس في المنع من تمام الرضا و الدليل عليه أن لو قال أحدهما لصاحبه اختر فانه يلزم العقد مع بقائهما في المجلس لوجود الرضا و إيجاب العقد مطلقا أدل على الرضا من هذه الكلمة ثم الشرع مكن كل واحد منهما من دفع العين عن نفسه بشرط الخيار فإذا لم يفعل فهو الذي ترك النظر لنفسه و من لم ينظر لنفسه لا ينظر له ثم الفسخ ضد العقد فما هو المقصود بالعقد لا يحصل بالفسخ بل هو متعين في إمضاء العقد فهذا يقتضى أن لا يثبت حق الفسخ لواحد منهما بحال الا أن الشرع مكن كل واحد منهما من اشتراط الخيار لنفسه ليتمكن به من الفسخ إذا ظهر أن منفعته فيه فإذا لم يشترط الخيار عرفنا أنه إنما قصد تحصيل ما هو المطلوب بالعقد و هو الملك في البدل و في لزوم العقد بنفسه يحصل هذا المقصود لا تفويته فاما الحديث فرواية مالك رحمه الله و من مذهبه أنه لا يثبت خيار المجلس و فتوى الراوي بخلاف الحديث دليل ضعفه ثم المراد بالحديث ان صح المتساومان فان حقيقة إسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ منه كالمقابلين و المناظرين و به نقول ان لكل واحد من المتساومين الخيار أو المراد بالتفرق التفرق بالقول دون المكان يعنى أنهما جميعا بالخيار ان شاء فسخا البيع بالاقالة ما لم يتفرق رأيهما في ذلك و ذكر أبو يوسف في الامالي ان تأويل هذا الحديث إذا قال لغيره بعني هذه السلعة بكذا فيقول الآخر بعت و به يتأول ان يعد هذا الكلام قبل قول المشترى اشتريت لكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا عن ذلك المجلس و هذا صحيح فهما متبايعان في هذه الحالة لوجود التكلم بالبيع منهما و على أصل الشافعي بهذا اللفظ ينعقد البيع بينهما ثم يثبت الخيار لكل واحد منهما ما لم يتفرقا عن المجلس إن شاء قال المشترى اشتريت حتى يتم البيع و ان شاء رجع البائع أو قام من المجلس قبل أن يقول المشترى اشتريت قال و إذا ارتدت أمة لرجل ثم ثابت لم يكن عليه أن يستبرئها لانها لم تخرج عن ملكه و لم تحل لغيره إنما حرمت عليه تعارض الردة ثم زال ذلك بالتوبة فهو بمنزلة ما لو حرمت عليه بالحيض قال و إذا اشترى أمة لها زوج و لم يدخل بها و طلقها قبل أن يقبضها المشترى فعلى المشترى أن يستبرئها لان وقت وجوب الاستبراء على المشترى وقت القبض و هي فارغة عن حق الغير عند القبض فوجود النكاح عند العقد و عدمه سواء و ان طلقها الزوج بعد ما قبضها المشترى فليس عليه أن يستبرئها لانه حين قبضها لم يلزمه الاستبراء لكونها مشغولة بحق الزوج فحقه يمنع ثبوت ملك الحل له بملك الرقبة و إذا لم يلزمه الاستبراء عند القبض لا يلزمه بعد ذلك لانه لو لزمه الاستبراء إنما يلزمه بالطلاق قبل الدخول و الطلاق لا يوجب الاستبراء و هذه هى الرواية الاخرى في ان الزوج إذا طلقها قبل الدخول لا يجب على المولى به الاستبراء و لو استبرأها و قبضها ثم زوجها فان مات عنها زوجها و أعتدت عدة الوفاة و لم تحض و لا بأس بأن يطأها لما بينا أن العدة أقوى من الاستبراء فعند ظهور العدة لا يظهر حكم الاستبراء و ان طلقها الزوج قبل أن يدخل بها و قبل أن تحيض عنده لم يطأها المشترى حتى يستبرئها بحيضة لان الاستبراء قد وجب هنا حين قبضها و هي فارغة و بالطلاق قبل الدخول ارتفع النكاح لا إلى أثر فيظهر ما كان من الحكم قبل النكاح و الطلاق و هو الاستبراء الواجب على المشترى و ان كانت قد حاضت حيضة عند الزوج قبل الطلاق أجزأت تلك الحيضة عن الاستبراء لانها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء على المشترى بالقبض و بتلك الحيضة يتبين فراغ رحمها من ماء البائع فيجتزئ بها من الاستبراء لانها حاضتها بعد ما وجب الاستبراء بالقبض و في كتاب الحيل قال ان زوجها المشتري عبدا له قبل أن يقبضها ثم قبضها ثم طلقها العبد قبل أن يدخل بها و قبل أن تحيض فللمشترى أن يطأها من استبراء و هو صحيح فتزويجه إياها قبل القبض صحيح كالاعتاق لان النكاح لا يمنع صحته بسبب الغرر أو أن وجوب الاستبراء بعد القبض و قد قبضها و هي مشغولة بالنكاح فلم يلزمه الاستبراء عند ذلك و لا بالطلاق بعد ذلك و هذه هى الحيلة لاسقاط الاستبراء في حق من كان تحته حرة لانه لا يمكنه أن يتزوجها بنفسه و ان لم يكن تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها فيقبضها فلا يلزمه الاستبراء لان بالنكاح يثبت له عليها الفراش فإنما اشتراها و هي فراشه و قيام الفراش له عليها دليل على تبين فراغ رحمها من ماء الغير شرعا ثم الحل لم يتجدد له بملك الرقبة لانها كانت حلالا له بالنكاح قبل ذلك و لا بأس بالاحتيال لاسقاط الاستبراء بهذه الصفة إذا علم أن البائع لم يكن وطئها في هذا الطهر و في قول أبى يوسف و قال محمد يكره ذلك و هو نظير ما تقدم من الحيلة لاسقاط الزكاة فعند أبى يوسف هو يمتنع من التزام حكم مخافة أن لا يتمكن من الوفاء به إذا لزمه و محمد يقول الفرار من الاحكام الشرعية ليس من أخلاق المؤمنين فيكره له اكتساب سبب الفرار و هكذا الخلاف في الحيلة لاسقاط الشفعة و الله أعلم ( باب الاستبراء في الاختين ) قال و إذا وطي الرجل أمة ثم اشترى اختها كان له أن يطأ الاولى و ليس له أن يطأ الثانية لانه إذا وطي الثانية يصير جامعا بين الاختين وطئا بملك اليمين و ذلك لا يحل لظاهر قوله تعالى و أن تجمعوا بين الاختين و كان في هذا الفصل اختلاف بين عثمان و علي رضى الله عنهما فكان عثمان رضي الله عنه يقول أحلتهما آية يعنى قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم و حرمتهما آية يعنى قوله تعالى و أن تجمعوا بين الاختين فكان يتوقف فيه و كان علي رضي الله عنه يرجح آية التحريم لانه ان كان المراد الجمع بينهما وطأ فهو نص خاص و ان كان المراد الجمع بينهما نكاحا فالنكاح سبب مشروع للوطء فحرمة الجمع بينهما نكاحا دليل على حرمة الجمع بينهما وطئا و اخذنا بقول علي رضي الله عنه احتياطا لتغليب الحرمة على الحل و الاباحة و لذا قال صلى الله عليه و سلم ما اجتمع الحلال و الحرام في شيء الاغلب الحرام الحلال و إن لم يكن وطي الاولى حتى اشترى الثانية أو اشتراهما معا فله أن يطأ أيتهما شاء لان كل واحدة منهما مملوكة له و بوطء احداهما لا يصير مرتكبا لما هو المحرم و هو الجمع بينهما وطئا فله أن يطأ ايتهما شاء فان وطي احداهما لم يكن له أن يطأ الاخرى لانه لو وطي الاخرى صار جامعا بينهما وطئا فان وطئهما جميعا أو قبلهما أو نظر إلى فرجيهما بشهوة فقد أساء بارتكاب الجمع المحرم فكما يحرم الجمع بينهما في دواعي الوطء و التقبيل و النظر إلى الفرج بشهوة من جملة الدواعي كالنكاح و لهذا تثبت به حرمة المصاهرة كما تثبت بالوطء ثم ليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم على نفسه احداهما ببيع أو نكاح أو تبرع لانه إذا أراد أن يطأ احداهما و الآخرة موطوءته و لهذا لو كانت موطوأته على الخصوص لم يكن له أن يطأ اختها بالملك حتى يحرمها على نفسه فكذلك هذا الحكم بعد ماوطئهما فان زوج احداهما فله أن يطأ الباقية منهما لان المنكوحة صارت فراشا للزوج و بثبوت الفراش الصحيح للزوج ينعدم أثر وطء المولى حكما و لهذا لو جاءت بالولد بعد ذلك لا يثبت النسب من المولى و ان ادعاه فيكون هذا بمنزلة الطلاق قبل الدخول و لو طلق احدى الاختين قبل الدخول كان له أن يتزوج بالاخرى من ساعته فهنا أيضا له أن يجامع الاخرى انى لا أحب له أن يجامعها حتى تحيض اختها حيضة لقوله صلى الله عليه و سلم لا يحل لرجل يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم اختين و كذلك الزوج يستحب له أن لا يقرب التي تزوج حتى تحيض حيضة لقوله صلى الله عليه و سلم لا ينبغي لرجلين يؤمنان بالله و اليوم الآخر أن يجتمعا على إمرأة في طهر واحد فان طلقها الزوج و انقضت عدتها لم ينبغ للمولى ان يطأ واحدة منهما حتى يزوج احداهما أو يبيع لان حق الزوج يسقط عنها بالطلاق و لم يبق له أثر بعد انقضاء العدة فعاد الحكم الذي كان قبل التزويج و كذلك لو باع احداهما و سلم ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم احداهما على نفسه هكذا روى عن ابن عمر رضي الله عنهما و هذا لانهما اجتمعا في ملكه و كل واحدة منهما موطوءته فكانت هذه الحالة كحاله قبل البيع في المنع قال و إذا ارتدت احداهما عن الاسلام و العياذ بالله لم يحل له أن يطأ الاخرى لان المرتدة في ملكه بعد و لم يثبت فيها حل لغيره و حرمتها عليه بالردة كحرمتها بالحيض و كذلك الرهن و الاجارة و التدبير فمباشرته في احداهما لا يخرجها عن ملكه و لا يحرمها عليه و لا يحل له أن يطأ الاخرى باعتباره و كذلك ان لحق احداهما دين أو جناية فانها لم تخرج من ملكه ما لم تدفع أو تبع فإذا دفعت أو بيعت في الدين فقد خرجت من ملكه وحل له وطء الاخرى عند ذلك قال و لو كاتب احداهما أو أعتق بعضها فقضي عليها بالسعاية أو لم يقض حل له أن يطأ الاخرى أما في معتقة البعض فهو مشكل لان ملكه زال عنها بقدر ما أعتق و زوال ملكه عن بعضها في حكم الحرمة كزوال ملكه عن جميعها و في الكتابة الجواب مشكل فقد ذكرنا في الباب المتقدم انها بالكتابة لا تخرج عن ملك المولى حتى لا يلزمه استبراء جديد بعد العجز و لم يحل فرجها لغيره و كان ينبغى أن لا يحل له وطء الاخرى و لكن قال ملك المولى يزول بالكتابة و لهذا يلزمه العقد بوطئها و جعل وطئه إياها وطئا في ملك حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة و قد سقطت العقوبة فتجب الغرامة فيجعل زوال ملك الحل عنها بالكتابة كزوله بتزويجها أو ببيع بعضها فيحل له أن يطأ الاخرى و كذلك لو وهب احداهما أو وهب شقصا منها و سلم فهو و البيع سواء و كذلك لو أسرها العدو و احرزوها بدارهم لانهم ملكوها بالاحراز و لو أبقت إليهم لم يحل له وطء الباقية في قول أبى حنيفة لانهم لم يملكوا الآبق بالاخذ فهي باقية على ملكه و عند أبى يوسف