سوس و الحاصل أن المستأجر في العين أمين لان يده كيد المالك فانه يتقرر حق المالك في الاجر باعتبار يده و لهذا لو أصابه به عهده رجع به على الاخر فكان أمينا فيه كالمودع بخلاف الاجير المشترك على قول من يضمنه فانه في الحفظ عامل لنفسه فانه يتمكن به ما تقرر حقه في الاجر فكان ضامنا و لو أمرت خادمها أو ابنتها فلبسته فتخرق كانت ضامنة كما لو ألبست أجنبية أخرى و لا أجر عليها و ان سلم الثوب بعد أن صدقها رب الثوب و ان كذبها فالقول قول رب الثوب مع يمينه على علمه و ان أجرته ممن تلبسه بفضل أو نقصان فهي ضامنة للخلاف و الاجر لها بالضمان و عليها التصدق به الا عند أبى يوسف رحمه الله و قد بيناه و لو لبسه خادمها أو ابنتها بغير أمرها فلا ضمان عليه بمنزلة ما لو غصبه إنسان و الاجر عليها و لا ضمان عليها لانها لم تخالف و لم تخرق من لبس الخادم كان الضمان في عنق الخادم لانها غاصبة و ضمان الغصب يجب دينا في عنق المملوك و لو استأجر قبة لينصبها في بيته و يبيت فيها شهرا فهو جائز لان القبة من المساكن فان قيل لا يمكن استيفاء المعقود عليه الا بما لم يتناوله العقد و هو الارض التي ينصب فيها القبة و ذلك يمنع الاجارة كما لو استأجر أحد زوجي المقراض لقرض الثياب قلنا المعتبر كون العين منتفعا به و أن يتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه و ذلك موجود فالإِنسان لا يعدم الارض لينصب فيها القبة و لان المقصود بالقبة الاستظلال و دفع أذى الحر و البرد و المطر و ذلك بالمعقود عليه دون الارض و ان لم يسم البيوت التي ينصبها فيها فالعقد جائز أيضا لان ذلك لا يختلف باختلاف البيوت و ترك تعيين مفيد لا يفسد العقد و ان سمى بيتا فنصبها من غيره فهو جائز و عليه الاجر لان هذا تعيين مفيد فالضرر لا يختلف باختلاف البيوت فان نصبها في الشمس أو المطر كان عليها في ذلك ضرر فهو ضامن لما أصابها من ذلك لانه مخالف فالشمس تحرقها و المطر يفسدها و انما رضى صاحبها بنصبها في البيت ليأمن من ذلك و إذا وجب عليه الضمان بطل الاجر لان الاجر و الضمان لا يجتمعان و لانه تملكها بالضمان من حين ضمن و ان سلمت القبة كان عليه الاجر استحسانا لانه استوفى المعقود عليه حين استظل بالقبة و انما كان ضامنا باعتبار زيادة الضرر فإذا سلمت سقط اعتبار تلك الزيادة فيلزمه الاجر باستيفاء المعقود عليه و لو شرط أن ينصبها في داره فنصبها في دار في قبيلة أخرى في ذلك المصرف فعليه الاجر و لا ضمان عليه لان هذا تعيين مفيد و ليس له أن يخرجها من المصر لان فيه إلزام مؤنة على صاحبها و هو مؤنة الرد و هو لم يلتزم ذلك فان أخرجها إلى السواد فنصبها فسلمت أو انكسرت
فلا أجر عليه لانه غاصب حين أخرجها من المصر ( ألا ترى ) انه لو وجب الاجر كان مؤنة الرد على صاحب القبة و هو ملتزم لذلك فجعلناه غاصبا ضامنا لتكون مؤنة الرد عليه فلهذا لا أجر عليه و إذا استأجر رحا يطحن عليه فحمله فذهب به إلى منزلة فلما فرغ منه فمؤنة الرد على صاحب الرحا و لو كانت ذلك عارية كانت مؤنة الرد على المستعير لان الرد فسخ لعمل النقل فانما تجب المؤنة على من حصل له منفعة النقل و منفعة النقل في العارية للمستعير فمؤنة الرد عليه و في الاجارة على رب الرحا لان بالنقل يتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه و به يجب الاجر لرب الرحا فهذا كانت مؤنة الرد عليه و إذا استأجر منه عيدان حجلة أو كسوتها مدة معلومة جاز لانه عين منتفع به و الحاصل ان كل عين منتفع به معتاد الاستئجار فيه صحيح و على هذا استئجار البسط و الوسائد و الصناديق و السرر و القدور و القصاع و لو استأجر منه قدورا بغير عينها لم يجز لان المعقود عليه مجهول فان القدور مختلفة في الصغر و الكبر و الانتفاع بها بحسبها فان جاءه بقدر فقبله على الكراء الاول فهو جائز و الاجر له لازم اما لان التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء أو لان الاجارة تنعقد بالتعاطي كالبيع و كذلك لو استأجر منه ستورا يعلقها على بابه وقتا معلوما و لو كفل كفيل بشيء من هذه الامتعة الاجر عن المستأجر فالكفالة باطلة لان العين أمانة في يد المستأجر و الكفالة بالامانات لانصح و الاجارة جائزة لان الكفالة لم تكن مشروطة فيه و ان أعطاه بالاجر كفيلا فهو جائز لانه مضمون في ذمة المستأجر و على هذا لو استأجر ميزانا ليزن به و السنجات و القبان و المكاييل فهذا كله متعارف جائز و ان استأجر سرجا ليركبه شهرا فأعطاه غيره فركبه فهو ضامن لان هذا مما يختلف فيه الناس فمن يحسن الركوب على السرج لا يضر به ركوبه و من لا يحسن الركوب عليه يضر به ركوبه و إذا اعتبر التعيين كان ضامنا بالخلاف و لا أجر عليه و إذا استأجر إكافا ينقل عليه حنطته شهرا فهو جائز و حنطته و حنطة غيره سواء و الجوالق كذلك لان هنا تعيين مفيد و كذلك استئجار المحمل إلى مكة و كذلك الرجل يستأجر ليركب عليه فهو جائز و ليس له أن يحمل غيره عليه فان فعل فهو ضامن ان أصابه شيء للتفاوت بين الناس في الاضرار بالرجل عند الركوب عليه و كذلك الفسطاط يستأجره ليخرج به إلى مكة فان أسرج في الخيمة أو الفسطاط أو القبة أو علق فيه القنديل فلا ضمان عليه لان ذلك معتاد و قد بينا أنه يستحق بمطلق العقد الاستعمال المعتاد و ان اتخذ فيه مطبخا فهو ضامن لانه معتاد الا أن يكون ذلك معدا لذلك العمل و ذكر عن الحسن
رحمه الله قال لا بأس بأن يستأجر الرجل حلي الذهب بالذهب و حلي الفضة بالفضة و به نأخذ فان البدل بمقابلة منفعة الحلى دون العين و لا ربا بين المنفعة و بين الذهب و الفضة ثم الحلى عين منتفع به و استئجاره معتاد فيجوز و إذا شرطت أن تلبسه فالبست غيرها ضمنت و لا أجر عليها كما في الثياب لان الضرر على الحلى عند اللبس يختلف باختلاف اللابس و ان قال رب الحلى أنت لبستيه و قد هلك الحلى فقد أبرأها من الضمان و الضمان واجب له فقوله مقبول في إسقاطه و يكون له عليها الاجر لان الظاهر شاهد لرب الحلي و قد أقرت هى أن الحلي كان عندها و ذلك يوجب الاجر عليها و لو استأجرته يوما إلى الليل فان بدا لها فحبسته فلم ترده عشرة أيام فالإِجارة عشرة أيام فالإِجارة على هذا الشرط فاسدة في القياس لجهالة المعقود عليه أو لتعلق العقد بالخطر فيما بعد اليوم و هو أن يبدو لها و تعليق الاجارة بالخطر لا يجوز و لكني أستحسن و أجيزها و أجعل عليها الاجر كل يوم بحسابه لان هذا الشرط متعارف محتاج اليه فانها إذا خرجت إلى وليمة أو عرس لا تدري كم تبقي هناك فتحتاج إلى هذا الشرط لدفع الضرر و الضمان عن نفسها ثم قد بينا أن وجوب الاجر عليها عند الاستعمال و الخطر قبل ذلك فيزول ذلك عند استعمالها فلهذا يلزمها الاجر لكل يوم تحبسه فيه و الله أعلم ( باب اجارة الدواب ) ( قال رحمه الله و إذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم بأجر مسمى فهو جائز و ليس له أن يحمل عليها غيره ) لان هذا تعيين مفيد فالناس يتفاوتون في ركوب الدابة و ليس ذلك من قبل الثقل و الخفة بل من قبل العلم و الجهل فالثقيل الذي يحسن ركوب الدابة يروضها ركوبه و الخفيف الذي لا يحسن ركوبها يعقرها ركوبه فان حمل عليها غيره فهو ضامن و لا أجر عليه لانه غاصب مستوف للمعقود عليه على ما قررنا في الثوب و ان ركب و حمل معه آخر فسلمت فعليه الكراء كله لانه استوفى المعقود عليه بكماله و زاد فإذا سلمت سقط اعتبار الزيادة فعليه كمال الاجر لاستيفاء المعقود عليه و ان عطبت بعد بلوغها المكان من ذلك الوقت فعليه الاجر كله لاستيفاء المعقود عليه فان ركوبه لا يختلف بان يردف معه غيره أو لا يردف و وجوب الاجر باعتبار ركوبه و عليه ضمان نصف القيمة لانه خالف حين أردف و شغل نصف الدابة بغيره فبحسب ذلك يكون ضامنا و هذا إذا كانت الدابة تطيق اثنين فان كان
يعلم أنها لا تطيق ذلك فهو ضامن لجميع قيمتها لانه متلف لها و أما إذا كانت تطيق فالتلف حصل بركوبه و هو مأذون فيه و بركوب غيره و هو مأذون فيه فيتوزع الضمان على ذلك نصفين و سواء كان الرجل الاخر أثقل منه أو أخف ( قال ) لانه لا يوزن لرجل في القبان في هذا أ رأيت لو كان يوزن أيوزن قبل الطعام أو بعده أو قبل الخلا أو بعده و المعنى ما بينا أن الضرر على الدابة ليس من ثقل الراكب و خفته فلهذا يوزع الضمان نصفين ( فان قيل ) حين تقرر عليه ضمان نصف القيمة فقد ملك نصف الدابة من حين ضمن فينبغي أن لا يلزمه نصف الاجر ( قلنا ) هو بهذا الضمان لا يملك شيئا مما يشغله بركوب نفسه و جميع المسمى بمقابلة ذلك و انما يضمن ما شغله بركوب الغير و لا أجر بمقابلة ذلك ليسقط عنه و إذا استأجرها إلى الجبانة أو الجنازة أو ليشيع عليها رجلا أو يتلقاه فهو فاسد الا أن يسمى موضعا معلوما لان المعقود عليه منفعة الركوب و ذلك تتفاوت بحسب المسافة فإذا سمى موضعا معلوما صار مقدار المعقود عليه به معلوما و الا فهو مجهول لا يصير معلوما ما ذكره من التشييع أو التلقي و ان تكاراها من بلد إلى الكوفة ليركبها فله أن يبلغ عليها منزله بالكوفة استحسانا و في القياس ليس له ذلك لانه لما دخل انتهي العقد لوجود الغاية فليس له أن يركبها بعد ذلك بدون اذن صاحبها و لكنه استحسن للعرف فالظاهر أنه يتبلغ المستأجر على الدابة التي تكارها في الطريق إلى منزله و لا يتكارى لذلك دابة أخرى و المعلوم بالعرف كالمشروط بالنص ( ألا ترى ) أن الورام المعتاد في بعض الاشياء يسمى بالعرف فكذلك هذه الزيادة ورام الطريق في الاجارة فيستحق بالعرف و كذلك لو استأجرها ليحمل متاعا فان حط المتاع في ناحية من الكوفة و قال هذا منزلى فإذا هو أخطأ فأراد أن يحمله ثانية إلى منزله فليس له ذلك لان المستحق بالعرف قد انتهى حين حط رحله و قال هذا منزلى فبعد ذلك هو مدعى في قوله قد أخطأت فلا يقبل قوله و لان الورام كان مستحقا له لكيلا يحتاج إلى حط رحله و نقله إلى دابة أخرى و قد زال ذلك المعنى حين حط رحله و كذلك لو تكارى حمارا من الكوفة يركبه إلى الحيرة ذاهبا و جائيا فله أن يبلغ عليه إلى أهله بالكوفة إذا رجع كما لو تكارى من الكوفة إلى الحيرة فأما إذا تكاري دابة بالكوفة من موضع كانت فيه الدابة إلى الكنانسة ذاهبا و جائيا فأراد أن يبتلغ في رجعته إلى أهله لم يكن له ذلك و انما له أن يرجع إلى الموضع الذي تكارى عند الدابة لان الاستحسان في الفصل الاول كان للعرف و لاعرف فيما تكاراها في المصر من موضع إلى موضع فيؤخذ
فيه بالقياس و ربما يكون من ذلك الموضع إلى منزله من المسافة مثل ما سمى أو أكثر و لا يستحق على سبيل الورام مثل المسمى في العقد أو فوقه فيقال له كما اكتريت من هذا الموضع إلى الموضع الذي سميت فأكتر الدابة من هذا الموضع إلى منزلك و ان استأجرها إلى مكان معلوم و لم يسم ما يحمل عليها فان اختصموا رددت الاجارة لجهالة المعقود عليه و ان حمل عليها أو ركبها إلى ذلك المكان فعليه المسمى استحسانا لان التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء و قد قررنا هذا في الثوب و كذلك لو استأجر عبدا و لم يسم ما استأجره له و إذا سمى ما يحمل على الدابة فحمل عليها ذلك فهذه المسألة على أربعة أوجه و قد بيناها في كتاب العارية فالإِجارة في ذلك كله قياس العارية الا أن في كل موضع ذكرنا هناك أنه لا يصير ضامنا فالأَجر واجب عليه هنا و في كل موضع ذكرنا هناك أنه يكون ضمان فلا أجر عليه هنا لانه غاصب مستوف للمعقود عليه فان المقصود عليه يختلف باختلاف المحمول و ان اختلفا فقال رب الدابة أكريتك من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم و قال المستأجرين إلى بغداد بعشرة دراهم و لم يركبها تحالفا و ترادا لان الاجارة في احتمال الفسخ قبل استيفاء المنفعة كالبيع فالنص الوارد بالتحالف في البيع يكون واردا في الاجارة و ان أقام البينة ففى قول أبى حنيفة الاول رحمه لله يقضى بالكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما و هو قول زفر رحمه الله ثم رجع و قال إلى بغداد بعشرة دراهم و هو قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله وجه قوله الاول أن رب الدابة أثبت ببينته العقد من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم فوجب القضاء بذلك ببينته و المستأجر ببينته أثبت العقد من القصر إلى بغداد بخمسة دراهم فوجب قبول بينته على ذلك فإذا عملنا بالبينتين كانت له من الكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما وجه قوله الاخر أنهما اتفقا على مقدار الاجر و انما اختلفا في مقدار المعقود عليه فالمستأجر يثبت الزيادة في ذلك فكانت بينته أولى بالقبول كما لو أقام المستأجر البينة أنه زاده عقبه الاجير في الكراء إلى مكة و ان تكارى دابة بسرج ليركب عليها فحمل عليها إكافا فركبها فهو ضامن بقدر ما زاد و في الجامع الصغير قال هو ضامن جميع قيمتها في قول أبى حنيفة رحمه الله و في قولهما يضمن بقدر ما زاد وجه قولهما أن الحمار يركب تارة بسرج و تارة بإكاف و التفاوت بينهما من حيث الثقل و الخفة ما كان في كل واحد منهما عادة و في مثله الضمان بقدر الزيادة كما لو استأجرها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها أحد عشر مختوما و أبو حنيفة رحمه الله
يقول الاختلاف هنا في الجنس من حيث أن الاكاف يأخذ من ظهر الحمار الموضع الذي لا يأخذه السرج فهو نظير ما لو استأجر دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها تبنا أو حطبا توضيحه أن التفاوت ليس من حيث الثقل و الخفة و لكن لان الحمار الذي لا يألف الاكاف يضره الركوب بإكاف و ربما يجرحه ذلك فيكون مخالفا في الكل كما لو حمل عليها مثل وزن الحنطة حديدا و كذلك لو نزغ عن الحمار سرجه و أسرجه بسرج برذون لا تسرج بمثله الحمير فهو بمنزلة الاكاف و ان أسرجه بسرج مثله أو أخف لم يضمن لان التعيين إذا لم يكن مفيدا فلا يعتبر و كذلك ان استأجره بإكاف فاوكفه بإكاف مثله أو أسرجه مكان الاكاف لان السرج أخف على الحمار من الاكاف فلا يكون خلافا منه و لو تكارى حمارا عريانا فأسرجه ثم ركبه فهو ضامن له لانه حمل عليه السرج بغير اذن صاحبه فكان مخالفا في ذلك قال مشايخنا رحمهم الله و هذا على أوجه فان استأجره من بلد إلى بلد لم يضمن إذا أسرجه لان الحمار لا يركب من بلد إلى بلد عادة الا بسرج أو إكاف و الثابت بالعرف كالثابت بالشرط و ان استأجره ليركبه في المصر فان كان من ذوى الهيئات فكذلك الجواب لان مثله لا يركب في المصر عريانا و ان كان من العوام الذين يركبون الحمار في المصر عريانا فحينئذ يكون ضمانا إذا أسرجه بغير شرط و إذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فجاوز بها ذلك المكان ثم رجع فعطبت الدابة فلا ضمان عليه في قول أبى حنيفة الاول رحمه الله ثم رجع فقال هو ضامن ما لم يدفعها إلى صاحبها و هو قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله وجه قوله الاول أنه كان أمينا فيها فإذا ضمن بالخلاف ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا كالمودع وجه قوله الآخر أنه بعد ما صار ضامنا بالخلاف لا يبرء الا بالرد على المالك أو على من قامت يده مقام يد المالك و يد المستأجر يد نفسه لانه يمسكها لمنفعة نفسه كالمستعير فلا تكون يده قائمة مقام يد المالك فلا تبرأ عن الضمان و ان عاد إلى ذلك المكان لانه ينتفع بها لنفسه في ذلك المكان بخلاف المودع فهناك يده قائمة مقام يد المالك و قد طعن عيسى رحمه الله في هذا فقال يد المستأجر كيد المالك بدليل أنه يرجع بما يلحقه من الضمان على المالك كالمودع بخلاف المستعير و بدليل أن مؤنة الرد على المالك في الاجارة دون العارية و لكنا نقول رجوعه بالضمان للغرور المتمكن بسبب عقد المعاوضة و ذلك لا يدل على أن يده ليست بيد نفسه كالمشترى يرجع بضمن الغرور فكذلك مؤنة الرد عليه لما له من المنفعة في النقل فأما يد المستأجر يد نفسه و الاشكال على هذا الكلام ما تقدم أن المرأة إذا استأجرت
ثوب صيانة لتلبسه أياما فلبسته بالليل كانت ضامنه ثم إذا جاء النهار برئت من الضمان و يدها يد نفسها و لكنا نقول هناك الضمان عليها باللبس لا بالامساك لان لها حق الامساك ليلا و نهارا و اللبس الذي لم يتناوله بالعقد لم يبق إذا جاء النهار وهنا الضمان على المستأجر بالامساك في المكان المشروط ( ألا ترى ) أنه لو جاوز بها ذلك المكان و لم يركبها كان ضامنا و لو حبسها في المصر أياما و لم يركبها كان ضامنا و الامساك لا ينعدم و ان عاد إلى ذلك المكان ما دام يمسكها لمنفعة نفسه ثم الكلام في التفصيل بينما إذا استأجرها ذاهبا و جائيا أو ذاهبا لا جائيا قد تقدم في العارية فهو مثله في الاجارة و لو لم يجاوز المكان و لكنه ضربها في السير أو كبحها باللجام فعطبت فهو ضامن الا أن يأذن له صاحبها في ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله يستحسن أن لا يضمنه إذا لم يتعد في ذلك و ضرب كما يضرب الناس الحمار في موضعه لانه بمطلق العقد يستفيد الاذن فيما هو معتاد و الضرب و الكبح باللجام في السير معتاد و ربما لا تنقاد الدابة الا به فيكون الاذن فيه ثابتا بالعرف و لو أذن فيه نصا لم يضمن المستأجر به فكذلك إذا كان متعارفا و القياس ما قاله أبو حنيفة رحمه الله لانه ضربها بغير اذن مالكها و ذلك تعد موجب للضمان و بيان أن المستحق له بالعقد سير الدابة لاصفة الجودة فيه و هو لا يحتاج إلى الضرب و الكبح في أصل تسيير الدابة و انما يستخرج بذلك منها نهاية السير و الجودة في ذلك و ثبوت الاذن بمقتضي العقد فيفتقر على المستحق بالعقد توضحيه أنه و ان أبيح له الضرب فانما أبيح لمنفعة نفسه فان حق المالك في الآخر يتقرر بدونه و مثله يقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته و رمى الرجل إلى الصيد و مشيه في الطريق مباح شرعا ثم يتقيد بشرط السلامة بخلاف ما إذا أذن له المالك فيها نصا فان بعد الاذن فعله كفعل المالك و ان استأجرها ليحمل عليها متاعا سماه إلى موضع معلوم فأجرها بمثل ذلك بأكثر مما استأجرها لم يطب له الفضل الا أن يزيد معها حبلا أو جوالق أو لجاما فحينئذ يجعل زيادة الاجر بأزاء ما زاد و لو علفها لم يطلب له الفضل له لان العلف ليس بعين ينتفع به المستأجر لنعجل الزيادة بمقابلته و ان استأجرها بغير لجام فالجمها أو بلجام فنزعه و أبد له بلجام آخر مثله فلا ضمان عليه لان اللجام لا يضر بالدابة و انما ينفعها من حيث أن السير يخف به عليها فلم يكن هذا خلافا من المستأجر الا إذا ألجمها بلحام لا يلجم مثلها به فحينئذ يكون مخالفا ضامنا و إذا استأجر دابة لحمولة فساق رب الدابة فعثرت فسقطت الحمولة و فسدت و صاحب