أن الاب مات على دينه و أن ميراثه له فالقول قول المسلم ) لانه يخبر بأمر ديني و هو وجوب الصلاة عليه و وجوب دفنه في مقابر المسلمين و الدعاء له بالخير و خبر الواحد في أمور الدين حجة كما لو روي خبرا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا صلينا عليه فقد حكمنا بإسلامه عند موته و ذلك يمنع كون ميراثه للابن الكافر فلهذا قضينا بالميراث للابن المسلم و لما ترجح جانبه بهذا السبب كان بمنزلة ترجح جانبه بشهادة الظاهر له و القول قوله مع يمينه على ما ادعاه خصمه و أيهما أقام البينة على ما ادعاه وجب قبول بينته لانه نور دعواه بها و البينة العادلة لا تعارضها الدعوي ممن شهد له الظاهر أولا يشهد فان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة المسلم عندنا و قال الشافعي رحمه الله تبطل البينات للمنافات بينهما كما هو أصله لان كل واحد منهما يدعى خلافة الميت عن أمواله ملكا و في دعوى الملك لا تترجح البينة بالدين كما لو ادعى كافر و مسلم ملكا في يد ثالث فأقام كل واحد منهما البينة لا يترجح المسلم و لنا أن احدى الحجتين توجب اسلام الميت عند موته و الاخرى توجب كفره فيترجح الموت الموجب للاسلام كالمولود بين مسلم و كافر يجعل مسلما عملا بقوله صلى الله عليه و سلم الاسلام يعلو و لا يعلا عليه و لانه لابد من الصلاة لان هذا الحكم ثبت بخبر الواحد فكيف لا يثبت بالحجة و ان وقع التعارض بين البينتين بقي خبر المدعي بالاسلام حجة في الصلاة عليه و ذلك يوجب ترجيح بينة المسلم و انقطاع منازعة الكافر عن ميراثه فان ( قيل ) من أصلكم أن البينة تترجح بزيادة الاثبات و بالحاجة إليها و هذا في بينة الكافر لان المسلم متمسك بما هو الاصل و هو أن من كان في دار الاسلام فالظاهر أنه مسلم و لا حاجة به إلى البينة لانا جعلنا القول قوله فينبغي ان تترجح بينة الآخر ( قلنا ) موضوع هذه المسألة فيما إذا كان الاب في الاصل كافرا فان أحد وارثيه مقر على الكفر و لا يقر الولد الآخر على الكفر بخلاف ما إذا كان الاب في الاصل مسلما لانه حينئذ إذا يكون مرتدا و إذا كان في الاصل كافرا فشهود الكافر يتمسكون بالاصل و شهود المسلم يثبتون اسلامه العارض فكان زيادة الاثبات من هذا الجانب و انما جعلنا القول قوله عند عدم البينة لا للتمسك بالاصل بل لاخباره بامر ديني و لو كان شهود الذمي مسلمين و شهود المسلم ذميين جعلتها للمسلم أيضا لان كل واحد منهما أقام من الحجة ما هو حجة على خصمه فكان هذا بمنزلة ما لو كان الفريقان مسلمين و هذه المسائل انما تنبني على قولنا ان شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة و لا تقبل على المسلمين اعتبارا بالولاية و عند ابن أبى ليلي رحمه الله كذلك إذا اتفقت مللهم و ان
اختلفت لا تقبل شهادة بعضهم على بعض فانهم عنده أهل ملل مختلفة و الولاية تنقطع بينهم باختلاف الملل و عند الشافعي رحمه الله لا شهادة لبعضهم على البعض لنقصان الكفر الذي هو أكثر تأثيرا من نقصان الرق و الصغر و هي مسألة الشهادات و لو قال أحد الابنين كنت مسلما و كان أبى مسلما و قال الآخر صدقت و قد كنت أيضا أسلمت في حياته و كذبه الآخر و قال أسلمت بعد موته فالميراث الذي اجتمعا على اسلامه في حياته لان الابن الآخر في حياته أقر بسبب حرمانه و هو كفره في حياة أبيه ثم ادعى ما يزيله و هو اسلامه قبل موت الاب فلا يصدق في ذلك الا بحجة و هذا لان اسلامه حادث و الحوادث انما يحال بحدوثها على أقرب الاوقات فمن ادعى تأريخا سابقا فعليه إثباته بالحجة و الاصل في جنس هذه المسائل أن سبب الاستحقاق متى ثبت بتصادقهما و ادعى أحدهما ما يزيله و أنكر الآخر فالقول قول المنكر و متى أقر بسبب الحرمان ثم ادعى زواله بسبب حادث لم يقبل قوله الا بحجة و القول قول خصمه و من ادعى الاستحقاق و سبب الحرمان فيه قائم في الحال لا يثبت استحقاقه الا بحجة و القول قول خصمه كمن جاء و هو مرتد يطلب ميراث أبيه المسلم و يزعم أنه ارتد بعد موته لا يقبل قوله لان ما يحرمه الارث و هو الردة قائمة فيه في الحال فمتى وقع الاشتباه في الزمان الماضي بحكم الحال كالمستأجر مع صاحب الرحا إذا تنازعا في جريان الماء في المدة فان كان الماء للحال جاريا فالقول قول من يدعي أنه كان جاريا فيما مضى و ان كان للحال منقطعا فالقول قول من يدعى أنه كان منقطعا فيما مضى فان ( قيل ) فإذا كان الابن مسلما في الحال ينبغى ان يجعل مسلما فيما مضى حتى يرث أباه المسلم ( قلنا ) هذا ظاهر يعارضه ظاهر آخر و هو أنه لما ثبت كفره فيما مضى فالظاهر بقاؤه حتى يظهر اسلامه ثم موافقته إياه في الدين عند الموت شرط للارث و الشرط لا يثبت فالظاهر انما يثبت بالنص لان الاستحقاق يثبت عند وجوده و الظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لاثباته ( ألا ترى ) ان ذا اليد يستحق الملك لما في يده بالظاهر و لا تثبت به الزوائد التي في يد غيره و كذلك لو كان الاختلاف في العتق و الميراث الذي اجتمعا على عتقه في حياة الاب لان عتق الآخر بعد ثبوت رقه حادث على ما بينا .
قال دار في يد ذمى أقام مسلم بينة من أهل الذمة أن أباه مات و تركها ميراثا له لا وارث له غيره و أقام ذمى بينة من أهل الذمة على مثل ذلك فانه يقضى بها للمسلم لان المسلم أقام ما هو حجة على ذي اليد و على خصمه الذمي و أقام الذي ما هو حجة على ذي اليد و ليس بحجة على
خصمه المسلم فلا تتحقق المعارضة بين الحجتين فصار في حق المسلم كانه لا حجة للذمي فلهذا قضى للمسلم و ان كانت بينة الذمي مسلمين فهو بينهما نصفين لان كل واحد منهما أقام ما هو حجة على ذي اليد و على خصمه فاستويا فيقضى بينهما نصفان فان ( قيل ) الاستحقاق بشهادة المسلمين ثبت للذمي في الكل فلو بطل في النصف انما يبطل بشهادة أهل الذمة و الاستحقاق بشهادة المسلمين لا يجوز ابطالها بشهادة أهل الذمة ( قلنا ) نحن لا نبطل شيئا من ذلك الاستحقاق فكل واحد منهما يستحق الكل كما شهد به شهوده و لكن القضاء نصفين لضيق المحل ثم هذا انما يستقيم أن لو كانت الشهود خصما فيها و ليس كذلك فالخصم لا يكون شاهدا .
قال دار في يد مسلم فقال مات أبى و هو مسلم فتركها ميراثا لي و قال أخو الميت مات أخى و هو على ديني فالقول قول الابن و الميراث له لانه لو كان مدعى الكفر ابنا آخر كان القول قول المسلم فكيف إذا كان أخاه و لو كان الاخ هو المسلم المدعي لاسلامه و الا بن كافر يدعى كفره فالقول قول الابن لان الاخ محجوب بالابن فهو كاجنبي آخر فان ( قيل ) أ ليس أنه يخبر بالصلاة عليه و هو ديني ( قلنا ) اخباره بهذا كاخبار أجنبي آخر حين لم يكن هو من ورثته ظاهرا فلا يكون من ضرورته استحقاقه للميراث و ان أقاما البينة أخذت بينة الابن المسلم لان فيها إثبات اسلامه و ان أقام الاخ بينة من أهل الذمة على ما قال و لم يقم الابن بينة لم أجز شهادتهم على المسلم لان الاخ ببينته يبطل استحقاق المسلم لميراثه بعد أن ثبت استحقاقه بقوله و بينة أهل الذمة على الاستحقاق الثابت للمسلم لا تكون مقبولة .
و ان قالت إمرأة الميت و هي مسلمة مات زوجي و هو مسلم و قال أولاده و هو كفار بل توفى أبونا و هو كافر و صدق أخو الميت المرأة و هو مسلم قضيت بالميراث للمرأة و الاخ لان المرأة لا تحجب عن الميراث بأحد فهي وارثه على كل حال فكانت بمنزلة ابن و ابنة تدعى اسلامه فالقول قوله و إذا حكمنا بإسلامه بقولها و جعلنا الميراث لها و الاولاد كفار لا يرثون منه شيئا فلا ( يحجبون ؟ ) الاخ فكان الباقى للاخ و قد سعد بالمرأة فانها لو لم تكن ما كان قول الاخ مقبولا و كذلك لو ترك ابنا و ابنتا وأخا فقالت الابنة و هي مسلمة مات أبى مسلما و صدقها الاخ و هو مسلم و قال الابن و هو كافر مات أبى كافرا فالميراث للابنة و الاخ لانها محجوبة بالابن فترجح قولها في دعوى الاسلام سعد الاخ بها كما بينا فان كان له ابنة وأخ أحدهما مسلم و الآخر كافر فالقول قول المسلم منهما أيهما كان لان كل واحد منهما وارث مع صاحبه بخلاف الابن و الاخ فالاخ محجوب بالابن لاقول له و هذا كله إذا لم يقر
المسلم أن الاب كان كافرا فان أقر بذلك و ادعى أنه أسلم قبل موته لم يصدق الا بحجة لان ما ثبت من كفره يبقى إلى أن يظهر ما يزيله و لم يظهر ذلك بمجرد قوله لانه عارض يدعيه و لا ميراث له .
و لو أقرت زوجة الرجل بعد موته أنه طلقها في الصحة واحدة و أقرت بانقضاء العدة و زعمت أنه راجعها و كذبتها الورثة فالقول قول الورثة لانها أقرت بسبب الحرمان و هو ارتفاع النكاح بانقضاء العدة ثم ادعت بعد ذلك سببا حادثا للاستحقاق فلا يظهر السبب بمجرد قولها بخلاف ما إذا ادعت الورثة أنه طلقها و انقضت عدتها و هي تنكر فالقول قولها لان سبب استحقاقها ثابت باتفاقهم فالورثة يدعون عليها سبب الحرمان حادثا و هي تنكر و هذا الفصل انما أورده أيضاحا لما سبق فيما إذا لم يقر الابن المسلم بكفر أبيه أو أقر به و ادعى اسلامه بعد موته .
قال زوجان ذميان مات ابن لهما عن ابن فقالا مات ابننا كافرا و قال الابن و هو مسلم مات أبى مسلما فالقول قول الابن و لا ميراث للابوين لان الولد مع الابوين وارث محجوب فكان القول قوله في اسلام الميت كما لو كانت المنازعة بين اثنين و قد قررناه فيما سبق .
قال رجل مات و ترك ميراثا في يدى رجل فأقام ابنه البينة أنه ابنه و وارثه و لم تشهد شهوده أنه لا وارث له غيره و قال ذو اليد له ولد هذا أو قال لا أدري أله ولد سوي هذا أم لا تلوم القاضي في ذلك زمانا رجاء أن يحضر وارث آخر فإذا لم يحضر قضى بالميراث له لان سبب استحقاقه قد ثبت بالحجة و قد تيقنا بكونه وارثا خليفة للميت في ملكه فيدفع ماله اليه و يستوثق منه بكفيل من أصحابنا رحمهم الله من قال أخذ الكفيل هنا قولهم جميعا بخلاف ما قال أبو حنيفة رحمه الله فيما سبق لان هنا الشهود لم يشهدوا بانتفاء ورث آخر فكان الموضع موضع الاحتياط لاخذ الكفيل و الاصح أنه على الخلاف كما بينا و قد ذكرنا أيضا مدة التلوم و عن أبى يوسف رحمه الله أنه قدر ذلك بشهر لان ما وراء الشهر في حكم الاجل فيتضرر به الوارث بتأخير حقه و فيما دون الشهر ليس له كثير ضرر .
و كذلك لو كان الابن كافرا و قال مات أبي كافرا و كذلك هذا الجواب في كل من لا يحجب عن الميراث بآخر إذا ثبتت قرابته يقضى له بالمال بعد التلوم إذا لم تشهد الشهود انه لا وارث له غيره حتى لو كانت أما أو بنتا يقضى لها بجميع ماله لانه لا عصبة للميت ظاهرا فكان جميع الميراث لها فرضا وردا فاما إذا كان من يثبت وراثته ممن يحجب بغيره كالجد و الجدة و الاخ و الاخت فانه لا يعطى شيئا ما لم تقم البينة على عدد الورثة أو يشهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا هذا لان استحقاق
الاخ للميراث يتعلق بشرط أن يكون الميت كلالة قال الله تعالى و ان كان رجل يورث كلالة الآية و قال الله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة و الكلالة من ليس له ولد و لا والد فما لم يثبت هذا الشرط بالنص من الشهود لا يكون هو وارثا و ما لم يثبت وراثته لا يدفع المال اليه بخلاف ما سبق فانه وارث بنسبه محجوب بأحد فان ( قيل ) كيف يثبت استحقاقه بقول الشهود لا وارث له غيره أو لا نعلم له وارثا غيره و هذه شهادة على النفي ( قلنا ) أما إذا قالوا لا وارث له غيره فعند ابن أبى ليلي رحمه الله هذا لا تقبل لتيقن القاضي أنهم جازفوا اذ لا طريق لهم إلى معرفة نفى الوارث و عندنا تقبل بناء على العادة ان مراد الناس من هذا لا نعلم له وارثا غيره و هذه شهادة منهم على إثبات شرط الوراثة الا ان الشرط نفى و الشرط يجوز إثباته بالبينة نفيا كان أو اثباتا كما لو قال لعبده ان لم تدخل الدار اليوم فانت حر فأقام العبد البينة أنه لم يدخلها فاما الزوج و الزوجة إذا أثبت أحدهما سبب ارثه بالبينة و لم يثبت أنه لا وارث للميت غيره فعلى قول أبي حنيفة و محمد رحمهما الله يقضى لهما بأكثر النصيبين بعد البلوغ للزوج بالنصف و للمرأة بالربع و عند أبي يوسف رحمه الله يقضي لهما بأقل النصيبين للزوج بالربع و للمرأة بالثمن قال لان استحقاق الزوج و الزوجة لاكثر النصيبين يتعلق بشرط عدم الولد بالنص قال الله تعالى و لكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد و قد بينا أن الشرط لا يثبت باعتبار الظاهر و انما يثبت بنص من الشهود فإذا لم يوجد لا يقضى لهما الا بالمتيقن و لان الزوجية في استحقاق الميراث بها دون الاخوة فبالاخوة تستحق جميع المال و لا تستحق ذلك بالزوجية بحال ثم الاخ لا يستحق شيئا ما لم يقم البينة أنه لا وارث له غيره لانه لا تيقين باستحقاق شيء له فكذلك الزوج فيما لا يتيقن باستحقاقه بمنزلة الاخ في الكل أو دونه و حجتهما في ذلك انه أثبت سبب الوراثة من لا يحجب عن الميراث بأحد فيستحق جميع ميراثه بعد التلوم كالأَب و الولد و هذا لان حرمانه عن أكثر النصيبين بولد يحجبه و هذا الحاجب ظاهر فيبقى مستحقا بما أثبت من السبب و صار الزوج في استحقاق ما زاد على لربع كالابوين في استحقاق ما زاد على السدس و كل واحد منهما يتعلق بشرط عدم الولد قال الله تعالى و لابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد الاية ثم هناك يقضى لهما بالجميع لان الولد الحاجب ظاهر هناك كذلك هنا و عن أبى يوسف رحمه الله يعطى للمرأة ربع الثمن لان أقل نصيبها هذا فلعل للمرء ثلاث نسوة سواها و هذا ليس
بقوي فالزوجية سبب تام لاستحقاق الثمن لها بيقين و انما يقسم الثمن بين الزوجات للمزاحمة و لا مزاحم لها هنا فكيف ينقص حقها من الثمن و عن الحسن بن زياد رحمه الله قال يقضى لها بربع التسع و للزوج بالخمس لان المتيقن هذا المقدار فمن الجائز ان الرجل مات عن أبوين و ابنين و أربع نسوة و هي المتبرأة التي قال فيها علي رضى الله عنه في البديهية حين سئل و هو على المنبر انقلب ثمنها تسعا فان أصل الفريضة من أربعة و عشرين للنسوة الثمن ثلاثة و للابوين الثلث لكل واحد سدس ثمانية و للابنتين الثلثان ستة عشر تعول بثلاثة فكانت من سبعة و عشرين فللنسوة ثلاثة و هي التسع حظ الواحدة الربع من ذلك فيقضى لها بهذا القدر و اليقين في جانب الزوج في الخمس لجواز ان يكون تركة أبوين و ابنتين و زوجا فللزوج الربع و للابوين السدسان و للابنتين الثلثان أصله من اثنى عشر و تعول بثلاثة فللزوح ثلاثة من خمسة عشر و ذلك الخمس و لكن هذا ليس بقوي فان اعتبار العول لمعنى المزاحمة و الضيق في المحل فكيف يثبت ذلك عند عدم ظهور وارث آخر سوى الزوج أو الزوجة و المعلوم لا يقابل الموهوم فدل أن الصحيح ما قاله أبو حنيفة و محمد رحمهما الله و الله أعلم ( باب اختلاف الاوقات في الدعوي و غير ذلك ) ( قال رحمه الله دار في يدي رجل فادعى رجل أنها له منذ سنتين و أقام البينة و ادعى ذو اليد انها في يده منذ سنتين و أقام البينة و لم يشهدوا أنها له قضيت بها للمدعي ) لان شهود المدعي شهدوا له بالملك نصا و شهود ذي اليد انما شهدوا له باليد و الا يدى تنوعت إلى يد أمانة و يد ضمان و يد ملك فلا تعارض بينته بينة الخارج و لان الثابت من يده بالبينة كالثابت بالمعاينة و ذلك لا يمنع القضاء بالملك للمدعى إذا أثبتها بالبينة في الحال فكذلك في الوقت الذي أسند شهوده اليه .
قال دابة في يد رجل فأقام آخر البينة أنها له منذ عشر سنين فنظر القاضي في سنها فإذا هى أبنة ثلاث سنين يعرف ذلك فبينته باطلة لان القاضي تيقن بمجازفة الشهود في شهادتهم فانهم شهدوا بالملك له فيها في وقت يتيقن أنها لم تكن موجودة فيه و الملك لا يسبق الوجود و لانه لا يمكنه القضاء بالملك في الحال لانه خلاف الشهادة و لا في الوقت المضاف اليه لانه محال .
قال و إذا كانت الدار في يدي رجل أقام آخر البينة أنها له منذ سنة و أقام آخر البينة انها له اشتراها من آخر منذ سنتين و هو يملكها يومئذ فاني أقضي بها لصاحب الشراء لانه أسبق تأريخا و قد أثبت
الملك لنفسه في وقت لا ينازعه الآخر فيه و هو خصم عن بائعه في إثبات الملك له في الوقت الذي أرخ شهوده فكان هو أولى بها و كذلك لو شهدوا أنها له اشتراها من فلان منذ سنتين فشهادتهم بالملك للمشتري بمنزلة شهادتهم بالملك للبائع إذا شهدوا بالشراء .
و كذلك لو لم يشهدوا بالملك للبائع و لا للمشتري و لكن شهدوا أن فلانا باعها منه و سلمها اليه من سنتين أو أنه اشتراها من فلان منذ سنتين و قبضها فهذا و شهادتهم بالملك له سواء لان البائع في الظاهر انما يتمكن من التسليم إذا كان مالكا للمبيع و كذلك المشترى انما يتمكن من القبض إذا اشتراها من المالك و لان سبب الملك يتأكد بالتسليم فشهادتهم على سبب ملك متأكذ بمنزلة الشهادة على الملك و لو شهدوا أن فلانا باعها منه و استوفى الثمن أو أنه اشتراها و نقد البائع الثمن و لم يشهدوا بالقبض و التسليم لم يقض لمدعي الشراء بشيء لانهم شهدوا بمجرد العقد و ذلك يتحقق من المالك موقوفا على اجازة المالك فلا يوجب الملك للمشتري قبل الاجازة فلم يكن في هذه الشهادة إثبات الملك للمشتري نصا و لا دلالة فلا يقضي بها له و في كل موضع قضينا بالملك للمشتري إذا حضر البائع و أنكر أن يكون باعه لم يلتفت إلى إنكاره لان ذا اليد انتصب خصما عن البائع في إنكاره للبائع البيع و المشترى لا يتوصل إلى إثبات الملك لنفسه الا بإثبات سببه و هو الشراء من الغائب و متى كان حق الحاضر متصلا بحق الغائب انتصب الحاضر خصما عن الغائب فقد اتصل القضاء ببينة قامت على خصم فلا حاجة إلى إعادتها بعد ذلك .
قال دار في يدي رجل أقام رجل البينة أنها له و لم يوقت شهوده و أقام ذو اليد البينة أنها له منذ سنة فاني أقضي بها للمدعى لان تاريخ ذي اليد ليس بدليل سبق ملكه فلعل شهود المدعي لو أرخوا ذكروا تأريخا سابقا فلا يستحق ذو اليد الترجيح بما هو محتمل في نفسه و التحق بما لو لم يذكر الوقت فتترجح بينة المدعي .
و لو أقام المدعي البينة أنها له منذ سنة أو سنتين شك الشهود في ذلك و أقام ذو اليد البينة انها له منذ سنتين قضيت بها لذى اليد لان شهود الخارج شكوا فيما زاد على السنة و مع الشك لا يمكن إثبات التاريخ فانما يثبت من تأريخهم ما يتفقوا به و ذلك سنة فصار تاريخ ذي اليد أسبق فتترجح بينته و قد بينا اختلاف الروايات فيه فيما سبق و لو وقت شهود المدعي سنة و وقت شهود ذو اليد سنة أو سنتين شكوا في ذلك فهو للمدعي لان ما شك فيه شهود ذي اليد لم يثبت و فيما تفقوا فيه استوى تاريخ ذي اليد و الخارج فتترجح بينة المدعى و لو شهد شهود المدعى انها كانت له عام أول و شهود ذي اليد انها له منذ العام قضيت بها للمدعي