مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 22 -صفحه : 28/ 21
نمايش فراداده

(133)

بماله لا يكون موجبا للضمان على المضارب فان عمل بعد ذلك كان ربح المال الذي كان وضعه للمضارب يتصدق به لانه بالضمان يملك ذلك المال فيملك ربحه أيضا و لكنه استفاده بكسب خبيث فيتصدق به و ربح المال الآخر بينهما على الشرط لانه أمين فيه ممتثل أمر رب المال في التصرف فيه و لو دفع اليه ألف درهم مضاربة فاشترى المضارب بها و بألف من ماله جارية ثم خلط الالفين قبل أن ينقدهما بعد الشراء ثم نقدهما فلا ضمان عليه لان حكم المضاربة بالشراء تحول من المال إلى الجارية و تعين عليه قضأ ثمن الجارية بالالفين و وجود الخلط قبل النقد في هذا الموضع و عدمه سواء ( ألا ترى ) انه لا يملك أن يصرف الالف إلى غيره بل عليه دفعها إلى البائع مع الالف من عنده و في حق البائع لا فرق بين أن يأخذ الالفين مختلطا أو مختلط و الاختلاط الذي في الجارية يثبت حكما لا تحاد الصفقة و قد بينا أن المضارب لا يصير مخالفا ضامنا بمثل ذلك فان باعها بعد ذلك و قبض الثمن مختلطا فلا ضمان عليه فيه لانه بالبيع استوجب ثمن الكل جملة فالاختلاط في الثمن حكمى بمنزلة الاختلاط في الجارية و له أن يشترى بالثمن بعد ذلك و يبيع فيكون نصفه على المضاربة حصة ما اشترى من الجارية بمال المضاربة و نصفه للمضارب حصة ما اشترى منها بمال نفسه و ان قسم المضارب المال بغير محضر من رب المال فقسمته باطلة لانه شريك مع رب المال في هذا المال واحد الشريكين لا ينفرد بالقسمة من محضر من صاحبه لان القسمة للحيازة و الافراز و ذلك لا يتم بالواحد و انما يتحقق بين اثنين و لو أن المضارب حين أخذ الالف المضاربة خلطها بألف من ماله قبل أن يشترى بها كان مشتريا لنفسه و هو ضامن لمال المضاربة لانه بالخلط بماله صار مستهلكا أو موجبا الشركة في مال المضاربة على حال لم يأمره به رب المال فيصير ضامنا و بعد ما صار ضامنا للمال لا تبقي المضاربة لان شرطها كون رأس المال أمانة في يده فلهذا كان مشتريا لنفسه بها و لو كان خلط المال بعد ما اشترى به ثم لم ينقد حتى ضاع في يده كان ضامنا لالف المضاربة حتى يدفعها من ماله إلى البائع لانه كان أمينا في المال ما لم يسلمها إلى البائع و الامين إذا خلط الامانة بمال نفسه كان ضامنا في حق صاحب الامانة فما ضاع يكون مما له و عليه دفع الثمن إلى البائع كما لو التزمه بالشراء و لا يرجع على رب المال بشيء لانه استوجب الرجوع بالالف على رب المال و لرب المال عليه مثله فصار قصاصا و لكن حكم المضاربة تحول من الالف إلى الجارية فلا تبطل المضاربة بخلط الالف بعد ذلك و لكنه إذا قبض الجارية

(134)

كان نصفها على المضاربة و نصفها للمضارب و هذا نظير ما لو كانت الجارية مشتركه بين المضارب و بين الاجنبي فاشترى نصيب الاجنبي منها بمال المضاربة للمضاربة فذلك جائز و لا يصير هو مخالفا بشراء نصفها شائعا للمضاربة و لو كان المضارب اشترى بألف المضاربة مع رجل و بألف مع عبد ذلك الرجل جارية و دفعها قبل أن يخلطاها ثم قبض الجارية فنصفها على المضاربة و نصفها لذلك الرجل و هذا الشيوع لا يجعل المضارب مخالفا في تصرفه على المضاربة فان باعا بثمن واحد و قبضا الثمن مختلطا فهو جائز و لا ضمان على المضارب لانه اختلاط ثبت حكما لكون الاصل مختلطا فان قاسم المضارب ذلك الرجل الثمن فهو جائز على رب المال لان القسمة اما أن تكون تمييز أو مبادلة و كل واحد منهما يملكه المضارب في حق رب المال فان خلط مال المضاربة بمال ذلك الرجل بعد القسمة فالمضارب ضامن للمضاربة لان بالقسمه تميز أحد المالين من الآخر فالخلط بعد ذلك اشتراك و استهلاك حكمى باشره المضارب قصدا فيصير ضامنا للمضاربة و ان شارك المضارب بمال المضاربة باذن رب المال ثم قال المضارب للشريك قد قاسمتك و الذى في يدى من المضاربة كذا و كذبه الآخر فالقول قول الشريك مع يمينه لان المضارب يدعي الايفاء و قطع الشركة فلا يصدق الا بحجة و يدعى الاختصاص بما بقي دون شريكه بعد ما علم انه كان مشتركا فلا يقبل قوله الا بحجه و إذا فدفع الرجل إلى الرجل ألفا مضاربة بالنصف و أمره أن يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا ثم أعطاه ألفا أخرى مضاربة بالثلث فعمل فيها برأيه فخلط خمسمأة من هذه الالف بالمضاربة الاولى ثم هلك منها ألف فالهالك في قول أبى يوسف هو ربح المال الاول و قال محمد رحمه الله يهلك من ذلك كله بالحساب و لم يذكر قول أبى حنيفه رحمه الله في الكتاب و قوله كقول أبى يوسف رحمه الله هو بناء على مسألة الايمان إذا أعطى في يمينين كل مسكين صاعا على قول أبى حنيفة رحمه الله و أبى يوسف رحمهما الله لا يجزئه الا عن يمين واحدة و في قول محمد يجزئه عنهما وجه قول محمد ان حكم المالين مختلف لان المال الاول مدفوع اليه مضاربة بالنصف بعقد على حدة و الذي خلطه من المال الثاني في يده مضاربه بالثلث بعقد على حدة فالسبيل أن يجعل الهالك من المالين جميعا و الباقي من المالين بالحساب ( ألا ترى ) انه لو كان دفع الالف الاخرى إلى آخر مضاربة يعمل فيه برأيه و المسألة بحالها كان الهالك من المالين بالحصة فكذلك إذا كان المدفوع اليه واحد و أبو يوسف يقول الكل في حق رب المال كمال واحد و قد اشتمل

(135)

على أصل و تبع فيجعل الهالك من التبع دون الاصل ( ألا ترى ) أنه لو هلك من المال ألف قبل أن يخلط بالخمسمائة يجعل الهالك كله من الربح فكذلك بعد الخلط و هذا لانا لو جعلنا شيئا من الهالك من الخمسمائة يؤدى إلى أن يسلم للمضارب شيء من الربح قبل وصول جميع رأس المال إلى رب المال و ذلك لا يجوز لان المستحق للربح واحد سواء كان المالان دفعهما اليه رب المال بعقد واحد أو بعقدين بخلاف ما إذا كان المضارب في الالف الاخرى رجلا آخر لان لكل واحد من المضار بين بالمال المدفوع اليه حقا معتبرا و عند اختلاف المستحق لابد من أن يعتبر اختلاف السبب فجعلنا الهالك من المالين فأما عند اتحاد المستحق فلا حاجه إلى ذلك و هو نظير العبد المأذون مع المولى و أجنبي إذا تنازعا في شيء في أيديهم فان لم يكن على العبد دين فهو بين المولى و الاجنبي نصفان لا تحاد المستحق فيما في يد المولى و العبد بخلاف ما إذا كان على العبد دين فالمستحق لكسب العبد هناك غرماؤه فلا بد من اعتبار يد كل واحد منهما على حدة و لو لم يهلك حتى عمل فربح ألفا أخرى فخمس هذا الربح من المضاربة الاخيرة و أربعة أخماسه على المضاربة الاولى لان الربح نماء الربح و خمس الربح نماء الخمسمائة التي خلطها من الالف الاخرى بالمال فيكون بينهما على الثلث و الثلثين و أربعة أخماسه على المضاربة الاولى فيكون مع الربح الاول بنيهما نصفان و إذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا و أعطى رب المال رجلا آخر ألف درهم مضاربة بالنصف يعمل فيها برأيه و دفع المضارب الثاني الالف إلى هذا الرجل أيضا مضاربة بالثلث يعمل فيها برأيه فخلط الالف بالالفين فلا ضمان عليه لان الامر من المضار بين كان مفوضا إلى رأيه على العموم و قد صح منهما كما يصح من رب المال فيمنع ذلك وجوب الضمان عليه بالخلط فان ربح على ذلك كله ألفا أمسك ثلثه لنفسه و قسم الثلثين الباقيين المضاربان الاولان ثلاثا باعتبار ما دفعا اليه من المال لان أحدهما دفع اليه الالفين و الآخر دفع اليه ألفا فإذا أخذ صاحب الالفين الثلثين من ذلك دفع إلى رب المال رأس ماله ألف درهم و ما بقي فلرب المال نصف ما كان ربح المضارب الاول في المال من شيء و ذلك خمسمأة و نصف ذلك للمضارب و لرب المال أيضا ثلاثة أرباع ما كان من الربح الثاني لان المضارب الاول أوجب للثاني ثلث الربح و ذلك من نصيبه خاصة و قد كان له نصف الربح فانما بقي من حقه سهم و حق رب المال في النصف و هو ثلثه فيجعل هذا الباقى مقسوما بينهما على مقدار حقهما ثلاثة أرباعه لرب المال و ربعه للمضارب

(136)

و يأخذ المضارب الآخر من المضارب الثاني ثلث الثلثين ثم يدفع إلى رب المال رأس ماله و يقاسمه الربح أرباعا ثلاثة أرباعه لرب المال و ربعه له لما بينا أنه أوجب الثلث للمضارب المتصرف و ذلك من نصيبه خاصة فانما بقي من حقه ثلث النصف و هو سهم من ستة و حق رب المال في ثلثه فيجعل الربح مقسوما بينهما أرباعا و لو كان المضارب الاول لم يربح شيئا حتى دفع المال مضاربة بالثلث و أمره أن يعمل فيها برأيه فعمل فربح ألفا ثم دفع اليه المضارب الثاني الالف التي في يده مضاربة بالثلث و أمره أن يعمل فيه برأيه فعمل فخلطها بالفين ثم عمل و ربح ألفا ثم دفع اليه المضارب الثاني الالف التي في يده مضاربة بالثلث و أمره أن يعمل فيه برأيه فخلطها بالفين ثم عمل فربح ألفا فان الربح على ثلاثة و الوضيعة على ثلاثة بحسب المال فنصيب الالف ثلث الربح و يأخذ المضارب الآخر حصته من ذلك الثلث ثم يأخذ رب المال منه رأس ماله ألفا و اقتسما ما بقي بينهما لرب المال ثلاثة أرباعه و للمضارب ربعه لانه أوجب ثلث الربح للمضارب الآخر و ذلك من نصيبه خاصة و ما أصاب الالفين من الربح و هو الثلثان من ذلك أخذ المضارب الآخر منه و من الالف التي هى ربح و الالف الاول ثلثه لان ذلك حصة من الربح ورد ما بقي على المضارب الاول و يأخذ منه رب المال رأس ماله و ثلاثة أرباع ما يبقي بعده من الربح و للمضارب ربعه لانه قد أوجب ثلث الربح للمضارب الآخر و ذلك من نصيبه خاصة و انما يقسم الباقى على مقدار ما بقي من حق كل واحد منهما و إذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم فقال نصفها قرض عليك و نصفها معك مضاربة بالنصف فأخذها المضارب فهو جائز على ما سمي أما في حصة المضاربة فغير مشكل لان الشيوع لا يمنع صحة المضاربة فان شرطها كون رأس المال أمانة في يد المضارب و ذلك في الجزء الشائع يتحقق و أما القرض فلانه تمليك بعوض و الشيوع لا يمنع صحته كالبيع بخلاف الهبة فان الهبة تبرع محض و التبرع ينفى وجوب الضمان على المتبرع و بسبب الشيوع فيما يحتمل القسمة يجب ضمان المقاسمة على المتبرع فاما القبض بجهة القرض فلا ينفى وجوب الضمان الا أنه يدخل على هذه الهبة بشرط العوض فانه لا يجوز في مشاع يحتمل القسمة و قبل الشيوع انما يمنع صحة الهبة لانه لا يتم القبض فيما يحتمل القسمة مع الشيوع و هذا لا يتحقق هنا فالمال كله في يد المستقرض فيتم قبضه في المستقرض و هذا ليس يقوى فان هبة المشاع من الشريك لا تجوز فيما يحتمل القسمة و كون النصف في يده بطريق المضاربة

(137)

لا تكون أقوى مما يكون في يده بطريق الملك و الاوجه أن نقول القرض أخذ شبها من الاصلين من الهبة باعتبار انه تبرع و من البيع باعتبار انه مضمون بالمثل على كل حال فيوفر حظه على الشبهين فلشبهه بالتبرع يشترط فيه أصل القبض و بشبهه بالمعاوضة لا يشترط فيه ما يتم القبض به و هو القسمة بخلاف الهبة بشرط العوض فانه تبرع في الابتداء و انما يصير معاوضة بعد تمامه بالقبض من الجانبين فان هلك المال قبل أن يعمل به فهو ضامن لنصفه لانه تملك نصف المقبوض بجهة القرض و كان مضمونا عليه بمثله و النصف الباقى أمانة في يده و هو ما أخذه بطريق المضاربة و لو عمل به فربح كان نصف الربح للعامل و نصفه على شرط المضاربة بينهما و ان قسم المضارب المال بينه و بين رب المال بعد ما عمل به أو قبل أن يعمل به بغير محضر من رب المال فقسمته باطلة لما بينا ان الواحد لا ينفرد شيء بالقسمة فان هلك أحد القسمين قبل أن يقبض رب المال نصيبه هلك من مالهما جميعا لان القسمة صارت كان لم تكن و ان لم يهلك حتى حضر رب المال فأجاز القسمة فالقسمة جائزة و معنى قوله أجاز القمسة أى قبض نصيبه فيكون ذلك بمنزلة القسمة تجري بينهما ابتداء لان معنى الحيازة و الافراز قد تم حين وصل إلى رب المال مقدار نصيبه فان لم يقبض رب المال نصيبه الذي حصل له حتى هلك رجع بنصف نصيب المضارب لان نصف رب المال لم يسلم له و انما يسلم للمضارب نصيبه إذا سلم لرب المال نصيبه فإذا لم يسلم كان الهالك من النصيبين و الباقى من النصيبين و لو كان هلك نصيب المضارب لم يرجع المضارب في نصيب رب المال بشيء لانه قد قبض منه نصيبه و ذلك منه حيازة في نصيبه الا ان شرط سلامة ذلك له في سلامة الباقى لرب المال و قد وجد ذلك و ان هلك النصيبان جميعا بعد رضا رب المال بالقسمة رجع رب المال على المضارب بنصف ما صار للمضارب لان شرط سلامة النصف له سلامة الباقى لرب المال و لم يوجد و المضارب قبض تلك الحصة على سبيل التملك لنفسه فلهذا يضمن نصفها لرب المال و لرب المال على المضارب قرض خمسمأة على حالها لانه قبض نصف الالف بحكم القرض و قد بينا أن ذلك مضمون عليه بالمثل و لو قال خذ هذه الالف على أن نصفها قرض عليك و على أن تعمل بنصفها الآخر مضاربة على ان الربح كله لي فهذا مكروه لانه قرض جر منفعة فانه أقرضه نصف الالف و شرط عليه منفعة العمل له في النصف الآخر و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قرض جر منفعة فان عمل مع هذا فربح أو وضع فالربح

(138)

و الوضيعة بينهما نصفان لان نصف المال ملكه فقد قبضه بجهة القرض و النصف الآخر بضاعة في يده فقد قبضه على أن يعمل فيه لصاحبه و لو دفعها اليه على ان نصفها مضاربة بالنصف و نصفها هبة للمضارب و قبضها المضارب مقسومة فهي هبة فاسدة لانه هبة المشاع فيما يحتمل القسمة و بهذا تبين أن الصحيح من المذهب أن هبة المشاع بعد اتصال القبض بها فاسدة بخلاف ما ظنه بعض المتأخرين رحمهم الله انها تكون بمنزلة الهبة قبل القبض و لكن الصحيح انها فاسدة لان القبض الموجب للملك قد وجد مع الشيوع ( ألا ترى ) أن هذا القبض فيما لا يحتمل القسمة يوجب الملك لكن شرط صحته القسمة فلانعدام شرط الصحة تكون الهبة فاسدة و المقبوض بحكمها مملوك للموهوب له و هو مستحق الرد عليه للفساد فلهذا كان مضمونا عليه بخلاف المقبوض بهبة صحيحة فان هلك المال في يده قبل العمل أو بعده ضمن نصفه لهذا المعنى فان ربح في المال كان نصف الربح حصة الهبة للمضارب و النصف الآخر على ما اشتر طا في المضاربة بينهما فان وضع فالوضيعة عليهما نصفين لان نصف المال مملوك للمتصرف فله ربح ذلك النصف و عليه و ضيعته و النصف الآخر مضاربة في يده و لو دفعها اليه على أن نصفها بضاعة و نصفها مضاربة بالنصف فهو كما قال لان الشيوع لا يمنع صحة دفع المال مضاربة و لا صحة دفعه بضاعة و لو دفعها اليه على أن نصفها وديعة في يد المضارب و نصفها مضاربة بالنصف فذلك جائز على ما سمى لانه لا منافاة بينهما فمال المضاربة أمانة في يد المضارب كالوديعة فان تصرف في جميع المال كان ضامنا للنصف حصة الوديعة لانه خالف بالتصرف فيه و ربح ذلك النصف له و عليه و ضيعته و ان قسم المضارب المال نصفين ثم عمل بأحد النصفين على المضاربة فربح أو وضع فالوضيعة عليه و على رب المال نصفين لانه لا ينفرد بالقسمة فالنصف الذي تصرف فيه من النصفين جميعا نصفه مما كان مضاربة في يده و نصفه كان وديعة فله ربح حصة الوديعة من ذلك و عليه و ضيعته لانه صار مخالفا ضامنا و البعض في هذا الحكم معتبر بالكل نقول فان أراد أن يشترى بالمضاربة و لا يضمن اشترى بنصف الالف مقسوم و كان البائع شريكا في الالف حتى يحضر رب المال فيقاسمه و مراده أن يشترى بنصفه و يسلمه على سبيل الشيوع لان الضمان في الوجه الاول انما كان يلزمه بالتسليم لا بنفس الشراء فطلب السلامة في هذا الموضع من الضمان الذي كان يلحقه في الوجه الاول ثم قد صار نصف المال شائعا مملوكا للبائع و نصفه وديعة في يد المضارب و المودع لا يملك

(139)

المقاسمة فلا بد من أن يحضر رب المال ليقاسمه و لو دفع اليه ألف درهم مضاربة بالنصف و أشهد عليه في العلانية انها قرض يتوثق بذلك فعمل المضارب بالامر فان تصادقوا ان الامر كان على ذلك و انهم انما شهدوا بالقرض على جهة الثقة فالمال على حكم المضاربة لان تصادقهما حجة تامة في حقهما و كذلك ان تكاذبا فقامت البينة انه دفعه مضاربة و أشهد عليه بالقرض و قالوا أخبر انا انهما انما أشهدا بالقرض على وجه التوثق و ليس بقرض انما هو مضاربة فان الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين أو أقوى منه و ان شهد شاهدان بالمضاربه و شاهدان بالقرض و لم يفسروا شيأ ذلك فالبينة بينة الذي يدعى القرض لانه لا تنافي بينهما فيجعل كان الامرين كانا و القرض يرد على المضاربة و المضاربة لا ترد على القرض فيجعل كانه دفع المال اليه مضاربة أولا ثم أقرضه منه و في بينة من يدعي القرض إثبات الزيادة و هو الملك في المقبوض للقابض و استحقاق القرض عليه إذا دفع الرجل إلى رجل جراب هروى فباع نصفه بخمسمائة ثم أمره بان يبيع النصف الباقى و يعمل بالثمن كله مضاربة على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان فباع المضارب نصف الجراب بخمسمائة ثم عمل بها و بالخمسمائة التي عليه فالربح و الوضيعة نصفان في قول أبى حنيفة رحمه الله لان من أصله ان من قال لمديون اشتر لي متاعا بمالي عليك لا يصح هذا التوكيل فإذا اشتر المديون كان مشتريا لنفسه وهنا أمره إياه بالشراء بالخمسمائة التي هى دين عليه لا يصح فكان هو عاملا لنفسه فيما اشتراه بتلك الخمسمائة له ربحه و عليه و ضيعته و أما عندهما فأمره المديون بالشراء بما عليه من الدين صحيح ذلك لا على وجه المضاربة لان شرط صحة المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب و لا يوجد هذا الشرط فيما هو دين في ذمته فكان نصف مالشترى للآمر له ربحه و عليه و ضيعته و النصف الآخر على المضاربة و لو كان رب المال أمره أن يعمل بالمالين مضاربة على أن للمضاربة ثلثي الربح فعمل بها كان للمضارب ثلثا الربح لانه في النصف مشتر لنفسه فاستحق نصف الربح بذلك و النصف الآخر انما دفعه إلى مضاربة بثلث ربح هذا النصف و ذلك صحيح و لو كان رب المال اشترط لنفسه الثلثين من الربح و للمضارب الثلث و المسألة بحالها كان الربح بينها نصفان و الوضيعة عليهما نصفين لان من أصله أن المضارب صار مشتريا بالدين لفنسه فنصف الربح له باعتبار ملكه نصف المشترى و قد شرط رب المال لنفسه ثلث ذلك النصف من الربح و ليس