و انما أفتى الشعبي رحمه الله بهذا لاقراره بالعين لصاحب الاربعة الآلاف في حال صحته لا لاقراره عند موته فإقرار المريض بالدين أو العين لا يكون صحيحا في حق من ثبت دينه بالبينة لكونه متهما في ذلك و إقراره في الصحة بذلك مقبول لانه متهم فيه و عن الحسن رحمه الله أنه كان يكره المضاربة و الشركة بالعروض و به نأخذ و قد بيناه في كتاب الشركة و قال أبو حنيفة رحمه الله لا تكون المضاربة الا بالدراهم و الدنانير و هو قول أبى يوسف رحمه الله و قال محمد رحمه الله أستحسن أن تكون المضاربة بالفلوس كما تكون بالدراهم و الدنانير لانها ثمن مثل الدراهم و الدنانير و الحاصل أن في المضاربة بالفلوس عن محمد رحمه الله رواية واحدة انها تجوز لانها ما دامت رائجة فهي ثمن لا يتعين في العقد مقابلتها بجنسها و بخلاف جنسها عند محمد رحمه الله فالعقد بها يكون سواء بثمن في الذمة لا بيعا فيكون الربح للمضارب على ضمان الثمن فهو و المضاربة بالدراهم سواء و هكذا روى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله أن المضاربة بالفلوس جائزة لانها ثمن لا يتعين عند المقابلة بخلاف جنسها و هكذا ذكره ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله و في الاصل روى عنهما أن المضاربة بالفلوس لا تجوز لانها إذا كسدت فهي كالعروض فهي ثمن من وجه مبيع من وجه و هي ثمن لبعض الاشياء في عادة التجار دون البعض فكانت كالميكل و الموزون فانها ثمن دينا و مبيع عينها فلا تصح المضاربة بها و هذا الاستدلال مروى عن أبى يوسف رحمه الله فانه سئل عن المضاربة بالدراهم التجارية فقال لو جوزت ذلك جاوزت المضاربة بالطعام بمكة يعني أن أهل مكة يتبايعون بالطعام كما أن أهل بخارى يتبايعون بالبر بعينه قال الشيخ الامام الاجل رحمه الله و كان شيخنا الامام رحمه الله يقول الصحيح جواز المضاربة بها عندي لانها من أعز النقود عندنا كالدنانير في سائر البلدان و ظاهر ما ذكر هنا يدل على أن المضاربة بالتبر لا لا تجوز و الدراهم و الدنانير اسم للمضروب دون التبر و ذكر في هذا الموضع أن التبر لا يتعين بالتعيين و لا يبطل العقد بهلاكه فذلك دليل جواز المضاربة به و الحاصل أن ذلك يختلف باختلاف البلدان في الرواج ففى كل موضع يروج التبر رواج الاثمان و تجوز المضاربة به و في كل موضع هو بمنزلة السلع لا تجوز المضاربة به كالمكيل و الموزون و إذا دفع الرجل إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان أو قال ما كان في ذلك من ربح أو قال ما رزقك الله في ذلك من ربح أو ما ربحت في ذلك من شيء فهو كله سواء لان الحكم يبني على ما هو المقصود و لا ينظر إلى اختلاف العبارة
بعد اتحاد المقصود و المقصود بهذه الالفاظ اشتراط التناصف في الربح و كذلك لو شرط للمضارب عشر الربح و الباقى لرب المال فهو جائز لان المشروط للمضارب جزء شائع معلوم و هذا الشرط لا يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الربح مع حصوله فما من شيء يحصل من الربح قل أو كثر الا و له عشر و يستوى ان كانت الالف المدفوعة جيدة أو زيوفا أو نبهرجة لان الفضة تغلب على العشر في هذه الانواع فهو في حكم الدراهم المضروبة من النقرة فيها و لو قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فللمضارب من ذلك مائة درهم فهذه مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يوجب قطع الشركة بينهما في الربح مع حصوله فربما لا يربح الا مقدار المائة فيأخذه من شرط له و يجيب الآخر و فى هذه الشرط عيب يمكن التحرز عنه أيضا و ربما يربح أقل من مائة درهم فلا يسلم جميع المائة لمن شرط له مع حصول الربح فلهذا فسد العقد فان عمل ذلك فربح ما لا أو لم يربح شيئا فله أجر مثله فيما عمل و ليس له من الربح شيء لان استحقاق الشركة في الربح بعقد المضاربة و العقد الفاسد لا يكون بنفسه سببا للاستحقاق و انما يستوجب أجر المثل لانه عمل لرب المال و ابتغى عن عمله عوضا فإذا لم يسلم له ذلك استحق أجر المثل كما في الاجارة الفاسدة ثم ان كان حصل الربح فله أجر مثله بالغا ما بلغ في قول محمد رحمه الله و قال أبو يوسف رحمه الله لا يجاوز بأجر مثله ما سمي له و هو بناء على ما بينا في كتاب الشركة من اختلافهما في شركة الاحتطاب و الاحتشاش و ان لم يحصل الربح فقد روى عن أبى يوسف رحمه الله أنه قال استحسن أن لا يكون للمضارب شيء لان الفاسد من العقد معتبر بالصحيح في الحكم و لا طريق لمعرفة حكم العقد الفاسد الا هذا و في المضاربة الصحيحة إذا لم يربح لا يستحق شيأ فكذلك في المضاربة الفاسدة وجه ظاهر الرواية أنه لا يستحق بهذا العقد شيأ من الربح بحال و انما يعتبر حصول الربح في حق من يستحق الربح ثم الفاسد انما يعتبر بالجائز إذا كان انعقاد الفاسد مثل انعقاد الجائز كالبيع وهنا المضاربة الصحيحة تنعقد شركة لا إجارة و المضاربة الفاسدة تنعقد اجارة فانما تعتبر بالاجارة الصحيحة في استحقاق الاجر عند إيفاء العمل و لو تلف المال في يده فله أجر مثله فيما عمل و لا ضمان عليه ذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله أنه ضامن للمال فقيل المذكور في الكتاب قول أبى حنيفة رحمه الله و هو بناء على اختلافهم في الاجير المشترك إذا تلف المال في يده من صنعه فان هذا العقد انعقد اجارة و هو بمنزلة الاجير المشترك لان له أن يأخذ المال بهذا الطريق من واحد و الاجير
المشترك لا يضمن عند أبى حنيفة رحمه الله إذا هلك المال في يده من صنعه و عندهما هو ضامن إذا هلك في يده فما يمكن التحرز عنه فكذلك الحكم في كل مضاربة فاسدة و لو دفع اليه ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله في ذلك من شيء فللمضارب ربح نصف المال أو قال ربح عشر المال أو قال ربح مائة درهم من رأس المال فهذه مضاربة جائزة لان في هذا المعنى اشتراط جزء شائع من الربح للمضارب اذ لا فرق بين أن يشترط له عشر الربح و بين أن يشترط له ربح عشر المال و لا أجر للمضارب في عمله هنا ان لم يحصل الربح لان عند صحة المضاربة هو شريك في الربح فإذا لم يحصل الربح لم يستحق شيئا لانعدام محل حقه لو قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فللمضارب ربح هذه المائة بعينها أو ربح هذا الصنف بعينه من المال فهي مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله فمن الجائز أن لا يربح فيما يشترى بتلك المائة و الاصل فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سئل عن المزارعة بما سقت السواني و الماذيانات فأفسدها و كان المعنى فيه أن ذلك الشرط يؤدى إلى قطع الشركة بينهما في الخارج مع حصوله فيتعدى ذلك الحكم إلى هذا الموضع بهذا المعنى فان عمل فله أجر مثله لانه أوفي العمل بحكم عقد فاسد و إذا دفع اليه ألف درهم فقال خذ هذه الالف مضاربة بالثلث أو قال بالخمس أو قال بالثلثين فأخذها و عمل بها فهي مضاربة جائزة و ما شرطه من ذلك فهو للمضارب و ما بقي لرب المال لان المضارب هو الذي يستحق الربح بالشرط فأما رب المال فانما يستحق الربح باعتبار أنه بما ملكه فمطلق الشرط ينصرف إلى جانب من يحتاج اليه و عرف الناس يشهد بذلك و الثابت بالعرف من التعيين كالثابت بالنص فكأنه قال الثلثان من الربح لك حتى إذا قال انما عنيت أن الثلثين لي لم يصدق لانه يدعى خلاف ما هو الظاهر المتعارف و القول في المنازعات قول من يشهد له الظاهر و حرف الباء دليل عليه لانه انما يصحب الاعواض فهو دليل على أن بالثلثين لم يستحق الربح عوضا و هو المضارب و أنه في المعنى يستحق الربح عوضا عن عمله فلهذا كان المنصوص عليه للمضارب و كذلك لو قال خذها معاوضة بالنصف أو معاملة بالنصف لان العبرة في العقود للمعاني دون الالفاظ ( ألا ترى ) أنه لا فرق بين أن يقول بعتك هذا الثوب بألف أو المكيل بألف و لو قال خذها على أن ما رزق الله تعالى فيها من شيء فهو بيننا و لم تزد على هذا فهو مضاربة جائزة بالنصف لان كلمة بين تنصيص على الاشتراك و مطلق الاشتراك
يقتضي المساواة ( ألا ترى ) أن في الوصية و الاقرار إذا قال ثلث مالي بين فلان و فلان أو هذا المال بين فلان و فلان كان منا صفة بينهما فكذلك قوله الربح بيننا منزل منزلة اشتراط المناصفة في الربح و الدليل على أن مطلق كلمة بين تقتضي المساواة قوله تعالى و نبئهم أن الماء قسمة بينهم و المراد التسوية بدليل قوله تعالى لها شرب و لكم شرب يوم معلوم و لو قال خذها فاعمل بها على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بيننا نصفين و لم يقبل مضاربة فهي مضاربة جائزة لانه خرج بمعنى المضاربة و ان لم ينص على لفظ المضاربة و ما هو المقصود يحصل بالتصريح بالمعني و ليس لهذا العقد حكم يدل لفظ المضاربة خاصة على ذلك الحكم بخلاف لفظ المفاوضة في شركة المفاوضة على ما قررنا في كتاب الشركة و كذلك لو قال اعمل بهذه الالف على أن لك نصف ربحها أو جزأ من عشرة أجزاء من ربحها فهو جائز لان المضارب هو الذي يستحق الربح بالشرط و قد نص على شرط نصيبه من الربح و كذلك لو قال خذ هذه الالف فاعمل بها بالنصف أو قال بالثلث فهي مضاربة جائزة استحسانا و فى القياس لا يجوز لانعدام التنصيص على من شرط له الثلث و لكن في الاستحقاق قال انما يراد بهذا في العرف اشترط ذلك للمضارب و حرف الباء دليل عليه فكأنه صرح بذلك و للقياس وجه آخر و هو أنه لما لم ينص على المضاربة فيحتمل أن يكون مراده إيجاب الثلث له من أصل الالف بمقابلة عمله و يحتمل أن يكون المراد إيجاب الثلث له من الربح و لكنه استحسن فقال في عرف الناس المراد بهذا اللفظ اشتراط الثلث له من الربح فهو و ما لو أتى بلفظ المضاربة سواء ( ألا ترى ) انه لو قال في وصيته أوصيت لك بثلثي بعد موتى جاز استحسانا و كان وصية له بثلث المال لاعتبار العرف فهذا مثله و لو دفع الالف اليه على ان ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو كله للمضارب فقبض المال على هذه فربح أو وضع أو هلك المال قبل أن يعمل به فهو قرض عليه و هو ضامن له و الربح كله له لان اشتراط جميع التركة له يكون تنصيصا على تمليك أصل المال منه فانه لا يستحق جميع الربح ما لم يكن مالكا للمال و للتمليك طريقان الهبة و الاقراض فعند التردد لا يثبت الا أدنى الوجهين لانه متيقن به و أدنى الوجهين القرض فلهذا جعل مقرضا المال منه و لو كان قال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو كله لرب المال فهذه بضاعة مع المضارب و ليس له فيها ربح و لا أجر و لا ضمان عليه في المال ان هلك لانه ما ابتغي عن عملي عوضا فيكون هو في العمل معينا لصاحب المال و المعين في
التجارة مستصنع فيكون المال في يده أمانة و رب المال لم يعنه في شيء حين شرط جميع الربح لنفسه و هذا الاصل الذي قلنا لان العبرة للمقصود في كل عقد دون اللفظ و لو قال خذ هذه الالف مضاربة أو مقارضة و لم يذكر ربحا فهي مضاربة فاسدة لان المضارب شريك في الربح و التنصيص على لفظ المضاربة يكون استرداد الجزء من ربح المضارب و ذلك الجزء معلوم و جهالته تفضى إلى المنازعة بينهما و مثله إذا كان في صلب العقد يكون مفسدا للعقد فيكون الربح كله لرب المال و للمضارب أجر مثله ربح أو لم يربح و لو قال على ان لرب المال ثلث الربح و لم يسم للمضارب شيأ فهذه مضاربة فاسدة في القياس لانهما لم يبينا ما هو المحتاج اليه و هو نصيب المضارب من الربح و انما ذكر اما لا يحتاج اليه و هو نصيب رب المال و لا حاجة به إلى ذلك فرب المال لا يستحق بالشرط و ليس من ضرورة اشتراط الثلث لرب المال اشتراط ما بقي للمضارب فان ذلك مفهوم و المفهوم لا يكون حجة للاستحقاق و من الجائز أن يكون مراده اشتراط بعض الربح لعامل آخر يعمل معه و هذا بخلاف ما إذا بين نصيب المضارب خاصة لانه ذكر هنا ما يحتاج إلى ذكره و هو بيان نصيب من يستحق بالشرط و وجه الاستحسان أن عقد المضاربة عقد شركة في الربح و الاصل في المال المشترك انه إذا بين نصيب أحدهما كان ذلك بيانا في حق الآخر ان له ما بقي قال الله تعالى و ورثه أبواه فلامه الثلث معناه و للاب ما بقي وهنا لما دفع اليه المال مضاربة فذلك تنصيص على الشركة بينهما في الربح فإذا قال على ان لي ثلث الربح يصير كانه قال و لك ما بقي كما لو قال على ان لك ثلث الربح يصير كانه قال ولي ما بقي و لو صرح بذلك لكان العقد صحيحا على ما اشترطا فهذا مثله و هذا عمل بالمنصوص لا بالمفهوم و لو قال على ان للمضارب ثلث الربح أو سدسه كانت المضاربة فاسدة لانه لم ينص في نصيب المضارب على شيء معلوم و لكن ردده بين الثلث و السدس و بهذا اللفظ تمكن فيما يستحقه المضارب جهالة تفضى إلى المنازعة و كذلك لو قال على ان لي نصف الربح أو ثلثه لان معنى هذا الكلام و لك ما بقي النصف أو الثلث فيفسد العقد لجهالة تفضى إلى المنازعة فيما شرط للمضارب و لو شرط للمضارب ثلث الربح و لرب المال نصف الربح فالثلث للمضارب كما شرط اليه و الباقى كله لرب المال لان استحقاق المضارب بالشرط و ما شرط له الا الثلث و رب المال يستحق ما بقي لكونه بما ملكه و هذا موجود في المسكوت عنه فيكون له و لو قال خذ هذه الالف لتشترى بها هرويا بالنصف أو قال لتشترى بها رقيقا
بالنصف فهذا فاسد لانه استأجره ببعض ما يحصل بعمله و هو نصف المشترى و ذلك فاسد ثم هذا استئجار بأجرة مجهولة و انما جعلناه استئجارا لانه أمره بالشراء خاصة و الربح لا يحصل بالشراء و انما يحصل به و بالبيع و هو بالامر بالشراء لا يملك البيع عرفنا ان هذا العقد ليس شركة بينهما في الربح فبقى استئجارا على الشراء بأجرة مجهولة و هذا فاسد يعنى به الاجارة فاما الوكالة بالشراء فجائزة و ما اشتري بها يكون لرب المال و للمضارب أجر مثله فيما اشترى لانه ابتغي في عمله عوضا و ليس له أن يبيع ما اشترى الا بامر رب المال فان باع بغير أمره فحكمه حكم بيع الفضولي لا يجوز الا بإجازة المالك فان تلف ما باع و لم يقدر على المشترى منه فالمضارب ضامن لقيمته حين باع لانه بالبيع و التسليم غاصب و الثمن الذي باع به المضارب ملكه بالضمان فينفذ بيعه من جهته فان كان فيه فضل على القيمة التي غرم فينبغي له أن يتصدق به الا على قول أبى يوسف رحمه الله و أصله في المودع إذا تصرف في الوديعة و ربح و إذا أجاز رب المال بيع المضارب فان كان المبيع قائما بعينه نفذ بيعه لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء و كذلك ان كان لا يدرى انه قائم أم هالك لان التمسك بالاصل المعلوم واجب حتى يعلم غيره و قد علمنا قيامه فجاز البيع باعتبار الاصل و الثمن لرب المال لا يتصدق منه بشيء كما لو كان أمره بالبيع في الابتداء و ان علم هلاكه عند الاجازة فاجارته باطلة لان الملك يثبت للمشتري بالعقد عند الاجارة فلا بد من قيام المعقود عليه على وجه يقبل ابتداء العقد حتى ينفذ العقد فيه بالاجارة فإذا بطلت الاجارة كان المضارب ضامنا للقيمة يوم باعه و الثمن له يتصدق بالفضل إذا كان فيه و لو قال خذ هذه الالف فابتع بها متاعا فما كان من فضل فلك النصف و لم يزد على هذه فهو فاسد في القياس ايضا لان الابتياع عبارة عن الشراء فهذا و قوله اشتر بها بالنصف سواء و في الاستحسان هذه مضاربة جائزة لان لفظ الابتياع عام يقع على البيع و الشراء جميعا و بقوله فما كان من فضل تبين أن مراده البيع و الشراء جميعا لان الفضل لا يحصل الا بهما فيكون له أن يشترى ما بدا له و يبيعه و انما شرط له نصف الربح فكانت مضاربة جائزة و كذلك لو قال خذها بالنصف فهو جائز استحسانا و فى القياس هذه أفسد من قوله اشتر بها هرويا بالنصف و الفرق بينهما على وجه الاستحسان ان هنا لم ينص على شيء من العمل و انما ذكر حرفا يدل على المعاوضة و هو حرف الباء و هو تنصيص على العوض له و انما يستحق العوض باعتبار عمله و عمله الذي يستحق باعتباره عوضا مسمى هو
البيع و الشراء جميعا فكانه نص عليهما و بهذه تبين ان مراده اشتراط نصف الربح له فأما هناك فنص على العمل الذي أوجب له العوض بمقابلته و هو الشراء فيكون استئجارا بأجرة مجهولة و كذلك لو قال خذها على النصف لان حرف على و حرف الباء مستعملان في مثل هذا المحل استعمالا واحدا و يكون دليلا على المعاوضة و كذلك لو قال اعمل بهذه على النصف لانه نص على العمل هنا و انما ينصرف للعمل الذي يحصل به الربح و ذلك الشراء و البيع جميعا و لو دفع اليه مضاربة على أن يعطى المضارب رب المال ما شاء من الربح أو على أن يعطى رب المال المضارب ما شاء من الربح فهذه مضاربة فاسدة لجهالة حصة المضارب من الربح في الفصلين فان المشيئة المشروطة لاحدهما لا تكون لا زمة في حق الآخر و له أن يرجع عن ذلك متى شاء و عند رجوعه نتمكن منهما المنازعة باعتبار جهالة نصيب المضارب و كذلك لو اشترط لاحدهما بعينه ما شاء من الربح و للاخر ما بقي فهذه مضاربة فاسدة لجهالة نصيب المضارب سواء كان صاحب الشرط أو صاحب ما بقي و لو اشترطا لرب المال من الربح مائة درهم و الباقى للمضارب فهذه مضاربة فاسدة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله فربما لا يحصل الا قدر المائة و كذلك لو اشترطا للمضارب نصف الربح الا عشرة دراهم أو نصف الربح و زيادة عشرة دراهم فهذه فاسدة لان هذا الشرط يؤدى إلى قطع الشركة و لان هذه مخاطرة لا مضاربة فربما يكون الحاصل من الربح دون العشرة فيتعذر مراعاة الشرط عليهما مع حصول الربح و لو دفعها اليه مضاربه على مثل ما شرط فلان لفلان من الربح فان كانا قد علما جميعا ما شرطه فلان لفلان فهو مضاربة لانهما جعلا المشروط لفلان عيارا فإذا كان ذلك معلوما عندهما ضاربا به و ان لم يكن معلوما لهما أو لم يعلمه أحدهما فهي مضاربة فاسدة لان حصة المضارب من الربح لابد أن تكون معلومة لهما و بما ذكرا في العقد لم يصر ذلك معلوما لهما ففسد العقد لجهالة نصيب المضارب عندهما أو عند أحدهما وقت العقد و إذا دفع الرجل إلى رجل دراهم مضاربة و لا يدرى واحد منهما ما وزنها فهي مضاربة جائزة لان الاعلام بالاشارة اليه أبلغ من الاعلام بالتسمية و رأس المال أمانة في يد المضارب كالوديعة و الدراهم تتعين في الامانة و عند الشراء بها يعلم مقدارها بالوزن و يقبل قول المضارب فيه لكونه أمينا فجهالة المقدار عند العقد لا تفضى إلى المنازعة فان اختلفا في مقدار رأس المال عند قسمة الربح فالقول قول المضارب مع يمينه لانه هو القابض و القول في مقدار المقبوض قول القابض