مبسوط

شمس الدین السرخسی

جلد 26 -صفحه : 29/ 16
نمايش فراداده

(98)

الشرع ما أمرنا بالانتظار اضرارا بالمضروب فلو لم يقبل قوله فيما يظهر في ذلك المحل انه حادث بتلك الضربة لرجع ذلك إلى الاضرار به و لو شج رجلا موضحة فصارت منقلة فقال المضروب صارت منقلة من ذلك و قال الضارب حدثت فيها من فعل أحد فالقول قول الضارب بخلاف السن على طريقة الاستحسان لان هاهنا فعل المضارب انما عمل في اللحم دون العظم و المنقلة ما يكون عاملا في العظم فالضارب ينكر فعله في هذا المحل و الظاهر يشهد له لان الفعل في المحل لا يؤثر فعلا آخر الا نادرا فاما في الاول فانما اسودت السن التي حلت الضربة بها فالظاهر شاهد للمضروب هناك و إذا قلع الرجل سن رجل أو صبي ثم نبتت فلا شيء على القالع لانه لم يبق لفعله أثر و عن أبى يوسف رحمه الله قال يلزمه حكومة عدل باعتبار الالم الذي لحقه و كذلك الظفر إذا قلعه فنبت فليس فيه حكومة عدل و لا ارش لانه لم يبق فيه أثر و ان نبتت السن سوداء ففيها أرش كامل لان الثابتة قائمة مقام المقلوعة فكان الاولى باقية قد اسودت و ان نبت الظفر أغور و متغيرا ففيه حكومة عدل بمنزلة الاول لو اغور بالضربة أو تغير و هذا لانه ليس في الظفر منفعة مقصودة و انما يكون فيه مجرد الجمال فإذا اسود أو تغير ينتقص معنى الجمال و لا يكون السواد في الظفر دليل موت الظفر ( ألا ترى ) أن في أنواع بني آدم من يكون ظفرهم أسود خلقة حتى قالوا إذا كان المضروب من ذلك النوع ينبغى أن لا يجب شيء لانه لا ينتقص في حقه معنى الجمال قال و إذا قلع الرجل سن رجل خطأ فأخد المقلوع سنه فأثبتها مكانها فثبتت فعلى القالع أرشها لانها و ان ثبتت لا تصيرها كما كانت ( ألا ترى ) انها لا تتصل بعروقها و لهذا جعل محمد رحمه الله تلك السن كالميتة حتى قال إذا كانت أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته معها و فرق أبو يوسف رحمه الله بين ما إذا أثبت في موضعها سن نفسه أو سن غيره في حكم جواز الصلاة و قال بينهما فرق و لا يحضرني و كذلك الاذن إذا أعادها إلى مكانها لانها لا تعود إلى ما كانت عليه في الاصل و ان التصقت فأما إذا ابيضت العين من ضربة رجل ثم ذهب البياض منها فأبصر فليس على الضارب شيء لانه عاد الي ما كان عليه في الاصل و لم يبق الا الالم الذي لحقه بالضربة و باعتبارها لا يجب شيء و انما يجب باعتبار الاثر في المحل و لم يبق و لو شجه موضحة خطأ فسقط منها شعر رأسه كله فلم ينبت فعلى عاقلته الدية تامة لافساد المنبت و يدخل أرش الشجة في ذلك عندنا و قال زفر رحمه الله لا يدخل لان الشجة موجبة للضمان بنفسها و كذلك إفساد منبت الشعر جناية على حدة و لا

(99)

تدخل في أرش الجنايات فيما دون النفس و لكنا نقول وجوب أرش الموضحة باعتبار ذهاب الشعر دليل انه لو نبت الشعر علي ذلك الموضع و استوى كما كان لا يجب شيء و إذا وجب كمال بدل النفس باعتبار ذهاب الشعر لا يجب ما دونه باعتباره أيضا فان كان ذهب من الشعر بعضه فعلى الجاني الاكثر من أرش الشعر و من أرش الشجة و يدخل الاقل في ذلك لان إيجاب الاكثر يتحقق باعتبار السبب معنى كما بينا و كذلك ان كان في الحاجب فان الموضحة في الوجه و الرأس سواء و الآمة لا تكون الا في الرأس أو الموضع الذي يتصل بالدماغ من الوجه و الجائفة لا تكون الا في الظهر و البطن و الجنب أو في الموضع الذي يتصل بالجوف حتى لو جرحه بين ذكره و دبره جراحة واصلة إلى جوفه تكون جائفة فأما في الفخذ و العضد فلا تتحقق الجائفة و كذلك في العنق و قد روى عن أبى يوسف رحمه الله قال إذا وصلت الجراحة إلى موضع يحصل الفطر للصائم بوصول المفطر اليه تكون جائفة و ان كان لا يحصل له الفطر بوصول المفطر اليه لا تكون جائفة و لو شجه فذهب من ذلك عقله فانه يلزمه الدية باعتبار ذهاب العقل و بد خل فيه أرش الموضحة عندنا و علي قول الحسن رضى الله عنه لا يدخل لاختلاف محل الجناية فان محل الموضحة غير محل العقل بخلاف الشعر مع الموضحة و لكنا نقول ذهاب العقل في معنى تبديل النفس و إلحاقه بالبهائم فيكون بمنزلة الموت و لو شجه موضحة فمات من ذلك لزمه كمال الدية و دخل فيه أرش الشجة فأما إذا ذهب من الشجة سمعه أو بصره أو كلامه يلزمه الدية باعتبار هذه الاشياء و لا يدخل أرش الشجة في ذلك الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله قال و فى السمع و الكلام يدخل أرش الشجة في الدية و في البصر لا يدخل لان البصر ظاهر كالموضحة فقد يباين المحل حقيقة و حكما فأما السمع و الكلام فمعني باطن بمنزلة العقل فكما يدخل أرش الموضحة في الدية الواجبة بإذهاب العقل فكذلك فيما تجب بإذهاب السمع و الكلام و لكنا نقول محل السمع محل الشجة و كذلك محل الكلام و بتفويتهما لا تتبدل النفس و انما تجب الدية لتفويت منفعة مقصودة منهما فيكون بمنزلة ذهاب البصر بالشجة فان ذهب بالشجة العقل و السمع و الكلام و البصر فانه يجب عليه أربع ديات و قد روينا عن عمر رضى الله عنه أنه قضى على رجل بأربع ديات و المجني عليه حي فان قيل كيف يستقيم هذا و لو مات من الشجة لا يلزمه الا دية واحدة و بموته فاتت هذه المنافع ثم لم يلزمه الا دية واحدة فبفوات هذه

(100)

قد ذكروا أكثر الحدود و اقامة الاكثر مقام الكل أصل في الشرع ثم مقدار الطول بذكر الحدين صار معلوما و مقدار العرض بذكر أحد الحدين بعد إعلام الطول يصير معلوما أيضا و قد تكون الارض مثلثة لها ثلاثة حدود فإذا كانت بهذه الصفة فلا خلاف أنه يكتفى بذكر الحدود الثلاثة و هذا بخلاف ما إذا غلطوا في ذكر أحد الحدود لان المشهود به بما ذكروا صار شيئا آخر و الفرق ظاهر بين المسكوت عنه و ما إذا خالفوا في ذكره كما إذا ادعي شراء شيء بثمن منقود فان الشهادة على ذلك تقبل و ان سكت الشهود عن ذكر جنس الثمن و لو ذكروا ذلك و اختلفوا فيه لم تقبل الشهادة فهذا مثله و ان لم يحدوها و نسبوها إلى اسم معروف لم يجز ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله و جاز في قول أبى يوسف و محمد رحمهما الله لان التعريف بالشهرة كالتعريف بذكر الحدود أو أبلغ و ذكر الحدود في العقارات كذكر الاسم و النسب في الآدمى ثم هناك الشهرة تغنى عن ذكر الاسم و النسب فهذا مثله و أبو حنيفة رحمه الله يقول بالشهرة يصير موضع الاصل معلوما فاما مقدار المشهود به لا يصير معلوما الا بذكر الحدود و جهالة المقدار تمنع من القضاء و معنى هذا ان الدار المشهودة قد يزاد فيها و ينقص منها و لا تتغير الشهرة بذلك بخلاف الآدمى فانه لا يزاد فيها و لا ينقص منه و الحاجة هناك إلى إعلام أصله و بالشهرة يصر معلوما و لو جاء بكتاب قاض أن لفلان على فلان السدي عبد فلان بن فلان الفلاني كذا كذا أجرته لان المملوك يعرف بالنسبة إلى مالكه فالنسبة إلى الاب و القبيلة تتعطل بالرق و انما ينسب إلى مالكه ( ألا ترى ) ان الولاية على المملوك لمالكه دون أبيه فإذا نسبه إلى مالك معروف بالشهرة أو بذكر الاسم و النسب فقد تم تعريفه بذلك و كذلك ان نسب العبد إلى عمل أو تجارة يعرف بها فالتعريف في الحر يحصل بذلك في ظاهر الرواية فكذلك في العبد و ان جاء بالكتاب ان العبد له لم يجز ذلك و هما في القياس سواء و قد بينا هذه المسألة في كتاب الآبق ما يقبل فيه كتاب القاضي و ما لا يقبل ( قال ) و قال محمد رحمه الله لا يجوز عندنا كتاب القضاة في شيء بعينه لا في العقار فانه لا يتحول عن موضعه فاما فيما سوى ذلك من الاعيان لا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي لان الاشارة إلى عينه عند الدعوي و الشهادة شرط و لهذا لابد من إحضاره بمجلس القضاء و إذا أتى كتاب القاضي الي القاضي و ليس عليه عنوان و هو مختوم بخاتمه فشهدت الشهود أنه كتابه اليه و خاتمه فانه يفتحه لانه لو كان علي ظهره عنوان فيه لا يصير معلوما محكوما أنه كتاب القاضي اليه و انما يصير معلوما

(101)

المحلان من نفس واحدة في معنى نفسين فكما أنه إذا قطع يد إنسان فأصاب السكين يد آخر فقطع يده يجب الارش للثاني و القصاص للاول فهذا مثله و أبو حنيفة رحمه الله يقول هذه جناية و سرايتها و قد تعذر إيجاب القصاص باعتبار سرايتها فلا يجب القصاص باعتبار أصلها كما لو قطع مفصلا فشلت الاصبع و هذا لان السراية أثر الجناية و هو مع أصل الجناية في حكم فعل واحد فالدليل على أنه سرايتان أن فعله أثر في نفس واحدة و السراية عبارة عن آلام تتعاقب من الجناية على البدن و ذلك يتحقق في نفس واحدة في موضعين منها كما يتحقق في الطرف مع أصل النفس إذا مات من الجناية بخلاف النفسين فان الفعل في النفس الثانية مباشرة على حدة ليس بسراية الجناية الاولى اذ لا تتصور السراية من نفس إلى نفس فلا بد من أن يجعل ذلك في حكم فعل على حدة و هو خطأ ثم يعتبر حكم كل فعل بنفسه و الدليل عليه أن منفعة كل أصبع تتصل بمنفعة الاخرى كما ان منفعة الاصابع تتصل بمنفعة الكف و كذلك هذا في اليدين من نفس واحدة بخلاف النفسين فلا اتصال لمنفعة احداهما بالاخرى و ذكر في الجامع الصغير أنه لو شجه موضحة عمدا فذهب من ذلك بصره فلا قصاص عليه في الموضحة عند أبى حنيفة رحمه الله و لكن عليه الارش فيهما و نقل عن أبى يوسف و محمد أن عليه القصاص في الموضحة والدية في البصر و هو نظير ما بينا و قد روى ابن سماعة عن محمد رحمه الله في هذا الفصل أنه يجب القصاص فيهما لان اذهاب البصر عمدا يوجب القصاص و قد بينا ان سراية الفعل لا تخالف أصل الفعل في الصفة بخلاف الشلل فان الشلل موجب للقصاص فعلى هذه الرواية عن محمد لو قطع أصبعا منه عمدا فقطعت أصبع أخرى يجب القصاص فيها أيضا بخلاف ما إذا شلت أخرى لان في تفويت أصل الاصبعين عمدا القصاص و السراية بصفة أصل الفعل و ليس في تفويت المنفعة بالشلل قصاص فمن هذا الوجه يقع الفرق و لو شجه موضحة فصارت منقلة أو كسر بعض سنه فاسود ما بقي أو قطع الكف فشل الساعد فلا قصاص في شيء من ذلك لان محل السراية هاهنا متصل بمحل الجناية فكان الفعل واحدا حقيقة و حكما و باعتبار ماله يتعذر إيجاب القصاص اذ لا قصاص في كسر العظم و سواد السن و الشلل و قبل يلزمه الارش في جميع ذلك و إذا شجه منقلة عمدا و هو من أهل الابل غلظ عليه في الاسنان فجعل عليه عشر من الابل أرباعا في قول أبى حنيفة و أبى يوسف و كذلك على هذا القياس في الآمة و غيرها اعتبار للجزء بالكل فان صفة التغليظ

(102)

ثابتة في جميع الدية باعتبار صفة العمدية فثبت في أبعاضها و ان كان ذلك خطأ وجب الارش أخماسا اعتبارا للبعض بالكل الا ان في العمد تجب في ماله و في الخطأ يجب على عاقلته إذا بلغ الواجب أرش الموضحة و كذلك ينبغى علي طريقة القياس منها دون أرش الموضحة ان يكون على العاقلة و بالقياس أخذ الشافعي رضى الله عنه لانه اعتبر الجزء بالكل و اعتبر ضمان إتلاف النفس بضمان إتلاف المال فانه لا فرق فيه بين القليل و الكثير في حق من يجب عليه و لكنا استحسنا فجعلنا ما دون أرش الموضحة عليه في ماله لما روينا من الاثر فيه و إذا كان القاتل خطأ من أهل الابل فصالح على أكثر من عشرة آلاف درهم أو أكثر من ألف دينار نقدا أو نسيئة لم يجز أن يعطى أكثر من الدية لان مقدار الواجب من الدية ثابت بالنص فلا تجوز الزيادة عليه لما في الصلح على الزيادة من معنى الربا و بان كان القاتل من أهل الابل لا تخرج الدراهم و الدنانير من أن تكون أصلا في الدية في حقه و عند الصلح على الدراهم يجعل كانهما عينا الدراهم أولا ثم صالحه علي أكثر من ذلك فيكون ربا و كذلك لو كان من أهل الورق فصالح على أكثر من ألف دينار أو أكثر من مائة من الابل فالصلح باطل لان عند الاتفاق على أحد الاصناف يتعين ذلك الصنف الواجب منه مقدر شرعا فالزيادة عليه تكون ربا فأما في العمد الموجب للقود إذا أوقع الصلح على أكثر من الدية يجوز عندنا و فى أحد قولى الشافعي لا يجوز بناء على ما تقدم أن في أحد قوليه الواجب في العمد أحد شيئين يتعين ذلك باختيار الولى و إذا اختار الدية و هي مقدرة شرعا لا تجوز الزيادة عليها بطريق الصلح و عندنا الواجب هو القود لا فالمال الذي يلتزمه يكون عوضا عن القود و لا ربا بين ما ليس بمال و بين ما هو مال و الدليل على جواز هذا الصلح ما روى أن فارسا من فرسان المسلمين قتل رجلا فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقصاص فلما خرج ليقتل رأت الصحابة الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجوا و صالحوا أوليآء القتيل على ديتين دية يعطيها القاتل ودية يتبرع أصحاب رسول الله صلي الله عليه و سلم بأدائها فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم و لو صالحه في الخطأ أو العمد علي خمسين من الابل جاز أما في العمد فلا يشكل و فى الخطأ لانه أسقط بعض الواجب و لو أسقط الكل بالعفو لجاز فكذلك إذا أسقط البعض و كذلك لو صالحه على خمسمأة دينار قبل أن يقضى عليه بالدراهم و قال انما صالحتك عن الدية علي ذلك فهو جائز بطريق الاسقاط كانهما عينا الدنانير ثم أسقط عنه النصف و رضى بالنصف

(103)

و يكون الباقى مؤجلا في ثلاث سنين سواء ذكر الاجل أو لم يذكره أما إذا لم يذكر الاجل فلان هذا الصلح إبراء عن البعض و ليس فيه تعرض لما بقي فيبقى ما بقي على الوجه الذي كان عليه الكل في الابتداء و هو أنه مؤجل في ثلاث سنين و كذلك ان شرط الاجل فيما بقي من ثلاث سنين لان هذا الشرط يقرر مقتضى مطلق العقد و لا يقال هذا في معنى نسيئة بنسيئة لان ذلك عند تمكن المبادلة و لا مبادلة هاهنا انما هو إسقاط نصف الواجب فقط فأما إذا كان من أهل الابل فقضى عليه بالابل فصالحه من ذلك على شيء من العروض أو الحيوان بعينه بعد أن لا يكون مما فرض عليه الدية كان جائزا و ان كان أكثر من الدية أضعافا و يأخذه حالا لان هذا استبدال بدين لا يستحق قبضه في المجلس و لا هو في حكم المبيع فيكون ذلك صحيحا و بنفس الاستبدال يملكه عينا و الاجل في العين لا يتحقق و كذلك لو كان من أهل الورق أو الذهب فقضى عليه بشيء من ذلك ثم صالحه على عين من جنس آخر جاز و ان جعل لما وقع عليه الصلح أجلا بان صالحه على طعام موصوف في الذمة مؤجل لا يجوز لانه بدل عما قضي عليه به من الدراهم أو الدنانير فيكون هذا شراء دين بدين و ذلك حرام و كذلك ان قضى عليه بدراهم ثم صالحه على دنانير بعينها أكثر من ألف دينار أو أقل من ألف دينار يجوز بعد أن يقبض ذلك في المجلس و ان صالحه على دنانير مؤجلة لا يجوز لانه صرف و لانه دين بدين و إذا أقر الرجل أنه قتل رجلا خطأ و ادعى وليه العمد فله الدية في ماله استحسانا و في القياس لا شيء له و هو قول زفر رحمه الله وجه القياس أن الولى ادعى عليه القود و هو منكر و هو أقر له بالمال و قد كذبه الولي في ذلك فلا يجب شيء ( ألا ترى ) انه لو أقر بالعمد و ادعى الولي الخطأ لم يجب شيء فكذلك هاهنا وجه الاستحسان أن الولي يتمكن من أخذ المال الذي أقر له به القاتل مع إصراره على دعواه بان يقول حقى في القصاص و لكنه طلب منى ان آخذ المال عوضا عن القصاص و ذلك جائز فعرفنا أنه ما صار مكذبا له فيما أقر به فاما إذا ادعي الولي الخطأ و أقر القاتل بالعمد فان الولى لا يمكنه أن يأخذ المال لان القاتل يجحد موجب ذلك و لا يمكنه ان يأخذ القصاص مع إصراره على الدعوي لان استيفاء القصاص عوض عن المال يوضح الفرق ان الولى حين ادعى العمد فقد ادعى أصل القتل و الصفة و المقر بالخطأ صدقه فيما ادعي من أصل القتل و جحد ما ادعى من صفة العمدية فلا يعتبر تصديقه في أصل القتل بعد ما كذبه في الصفة لان موجب الاصل الذي صدقه فيه يخالف موجب الاصل بالصفة التي

(104)

كذبه فيها و كذلك هذا الحكم فيما دون النفس مما يجب في العمد منه القصاص و إذا قتل النائم إنسانا بان سقط عليه أو كان بيده شيء فضربه و هو نائم فعلى عاقلته الدية و عليه الكفارة قال و هذا خطأ و قد بينا أنه في معنى الخطأ في الحكم دون الخطأ حقيقة فان النائم ليس من أهل القصد أصلا الا أنه أوجب عليه الكفارة و جعله محروما من الميراث لتوهم ان يكون تناوم و لم يكن نائما حقيقة و هذا معتبر في حرمان الارث و اما الكفارة فلتركه التحرز في موضع يتوهم أن يصير قاتلا لانسان في نومه بهذه الطريق و قد بينا ان الكفارة في الخطأ انما وجبت لترك التحرز و الله أعلم بالصواب ( باب الشهادة في الديات ) ( قال رحمه الله ) و إذا شهد شاهدان على رجل بالقتل خطأ و شهد الآخر على اقرار القاتل بذلك فهذا باطل لانهما اختلفا في المشهود به فان أحدهما شهد بفعل و الآخر بقول و القول الفعل و واحد منهما لا يثبت عند القاضي الا باتفاق الشاهدين عليه و كذلك لو شهدا على القتل و اختلفا في الوقت أو المكان فان الشهادة لا تقبل لان الفعل لا يحتمل التكرار خصوصا القتل في محل واحد فكل واحد منهما يشهد بفعل غير ما يشهد به صاحبه و ذلك يمنع قبول الشهادة كشهود الغصب إذا اختلفوا في المكان و الزمان ثم هاهنا القاضي يوقن بكذب أحدهما لانه بعد ما قبل في يوم و في مكان لا يتصور أن يقبله في مكان آخر في يوم آخر و بعد ما تيقن القاضي بكذب الشاهد لا يجوز له أن يقضى بشهادته و كذلك لو اختلفا فيما قتله به فقال أحدهما كان بحجر و قال الآخر بعصا لانهما اختلفا في المشهود به فالقتل بالحجر القتل بالعصا حقيقة و ان كان حكمهما واحدا و كذلك لو قال أحدهما قتله عمدا و قال الآخر قتله خطأ فقد اختلفا في المشهود به لان الخطأ العمد و حكمهما مختلف و كذلك لو قال أحدهما قتله بعصا و قال الآخر لا أحفظ الذي كان به القتل لان الذي قال لا أحفظ ضيع بعض شهادته و لانه شاهد بفعل الفعل الذي شهد به صاحبه ( ألا ترى ) أنه يتمكن من أن يبين أنه قتله بالسلاح و لا يكون هذا البيان منه مخالفا لاول كلامه و لو قال الآخر مثل ذلك كان مناقضا في كلامه فعرفنا أنه شاهد بفعل الفعل الذي شهد به صاحبه فلا تقبل الشهادة و ان قالا جميعا لا ندرى بم قتله فهو مثل الاول في القياس لانهما أقرا أنهما ضيعا شهادتهما