لو قلع سن صغير ثم نبت فعلى هذا يجب على المجني عليه دية سن الجاني لانه قلع سنه بغير سن .
و القول الثاني : إن النابت هبة مجددة لان الغالب أنه لايستخلف فعلى هذا وقع القصاص موقعه و لا يجب عليه شيء للجاني ، و إن قلع سن رجل فاقتص منه ثم نبت للجاني سن في مكان السن الذي اقتص منه .
فإن قلنا إن النابت هبة مجددة لم يكن للمجني عليه قلعه لانه استوفى ما كان له .
و إن قلنا إن النابت هو المقلوع من جهة الحكم فهل يجوز للمجني عليه قلعه ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) أن له أن يقلعه و لو نبت ألف مرة ، لانه أعدمه السن فاستحق أن يعدم سنه .
( و الثاني ) ليس له قلعه لانه يجوز أن يكون هبة مجددة و يجوز أن يكون هو المقلوع فلم يجز قلعه مع الشك ( فصل ) و يؤخذ اللسان باللسان لقوله تعالى ( و الجروح قصاص ) و لان له حدا ينتهى اليه فاقتص فيه فلا يؤخذ لسان الناطق بلسان الاخرس لانه يأخذ أكثر من حقه ، و يؤخذ لسان الاخرس بلسان الناطق لانه يأخذ بعض حقه و ان قطع نصف لسانه أو ثلثه أقتص من لسان الجاني في نصفه أو ثلثه و قال أبو إسحاق لا يقتص منه لانه لا يأمن أن يجاوز القدر المستحق ، و المذهب أنه يقتص منه للآية و لانه إذا أمكن القصاص في جميعه أمكن في بعضه ( الشرح ) حديث الربع بنت النضر مضى تخريجه في فصل قبله ، أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه : و إن قلع سن من أثغر قلع سنه ، و إن كان المقلوع سن لم يثغر أوقف حتى يثغر و جملة ذلك أن القصاص يجب في السن لقوله تعالى " و ألسن بألسن " و لما روى أن الربيع كسر سن جارية فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بكسر سنها ، فقال أنس بن النضر أ تكسر سن الربيع ؟ لا و الله لا تكسر ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم القصاص فعفا الانصاري فقال رسول الله إن من عاد الله من لو أقسم على الله لا بوه " إذا ثبت هذا فإنه يقال للصبي إذا سقطت رواضعه ، و هي الاسنان التي تنبت له
وقت رضاعه ثغر فهو مثغور ، فإذا نبت له مكانها قيل له أثغر و اتغر لغتان .
هكذا أفاده العمراني و قال الفيومي : و الثغر المبسم ثم أطلق على الثنايا ، و إذا كسر ثغر الصبي قيل : ثغر ثغورا بالبناء للمفعول ، و ثغرته أثغرته من باب نفع كسرته ، و إذا نبتت بعد السقوط قيل أثغر أثغار مثل أكرم إكراما ، و إذا ألقى أسنانه قيل الثغر على افتعل .
و قال في كفاية المتحفظ : إذا سقطت أسنان الصبي قبل ثغر ، فإذا نبتت قيل اثغر و اتغر بالتاء و الثاء مع التشديد .
فإذا قلع سن غيره فلا يخلو المقلوع إما أن يكون لم يثغر أو كان قد ثغر ، فإن كان لم يثغر فإن القصاص لا يجب على الجاني في الحال ، لان العادة جرت أن سن من لم يثغر تعود إذا قلعت ، و ما كان يعود إذا قلع لا يجب فيه القصاص كالشعر و يسأل الاطباء كم المدة التي تعود هذه السنة في مثلها ، و ينتظر إلى تلك المدة ، فإذا جاءت تلك المدة و لم يعد السن وجب على الجاني القصاص ، لانه قد أيس من عودها ، فإن نبتت للمجني عليه سن مكانها في تلك المدة أو أقل منها - فإن كانت الثانية مثل الاولة من زيادة و لا نقصان لم يجب على الجاني قصاص و لا دية .
و هل يجب عليه حكومة الجراح الذي جعل بقلعه ؟ ينظر فيه ، فإن جرح موضعا آخر الموضع الذي فبه السن بالقلع وجبت عليه فيه الحكومة ، و إن لم يجرح إلا الموضع الذي قلع منه السن ففيه وجهان ( أحدهما ) يجب عليه الحكومة : لانه لما قلع السن أدمى ، فإذا أدمى وجبت فيه الحكومة .
( و الثاني ) لا تجب الحكومة ، لان الحكومة انما تجب إذا جرح و أدمى فأما إذا أدمى من جرح فلا حكومة عليه ، كما لو لطمه فرعف ، فإنه لا تجب عليه لخروج الدم بالرعاف حكومة .
و ان كانت السن التي نبتت مكانه المقلوعة أنقص من التي تليها ، وجب على الجاني من ديتها بقدر ما نقص منها لان الظاهر أنها نقصت لجنايته .
و ان كانت السن التي نبتت أزيد من التي قبلها ففيه وجهان : من أصحابنا من قال
لا يجب على الجاني شين ، لان الزيادة لا تكون من الجناية .
و قال المصنف يلزمه حكومة الشين الحاصل بالزيادة كما يلزمه الشين الحاصل بالنقصان ، لان الظاهر أن ذلك من جنايته .
و إن كانت النابتة خارجة من صف الاسنان ، فإن كانت بحيث لا ينتفع بها وجبت عليه حكومة بالشين الحاصل بها ، و إن نبت له سن صغير أو خضراء أو سوادء - و كانت المقلوعة بيضاء - وجب على الجاني للشين الحاصل باللون ، و إن مات المجني عليه بعد مضى المدة التي يرجى فيها عود السن قبل أن يعود ، فلوليه أن يقتص من الجاني ، لانه مات بعد استقرار القصاص .
و هل تجب له دية سن ؟ حكى الشيخ أبو إسحاق فيها قولين ، و حكاهما الشيخ أبو حامد و ابن الصباغ وجهين : ( أحدهما ) تجب دية السن ، لانه قلع سنا لم تعد ، و الاصل عدم العود .
( و الثاني ) لا يجب لان الغالب أنها قد كانت تعود ، و إنما قطعها الموت ، و أما إذا قلع سن من ثغر - فإن قال الاطباء انها لا تعود - وجب له القصاص في الحال ، و إن قالوا انها تعود إلى مدة فهل له القصاص قبل مضى تلك المدة ؟ فيه وجهان بناء على أنه هل يسقط القصاص أو الدية إذا عاد سنه فيه قولان ، فإن قلنا يسقط ينتظر و الا فلا .
و قال الشيخ أبو حامد : ليس له أن يقتص قبل مضي تلك المدة كما قلنا فيمن قلع سن صبي لم يثغر .
و قال ابن الصباغ : له أن يقتص بكل حال ، أو أقص منه بعد الاياس من عودها ثم نبتت للمجني عليه سن في موضع السن المقلوع ففيه قولان ( أحدهما ) أن هذا السن من نبات السن المقلوع من هذا الموضع ، لان مثله في موضعه فصار كما لو نتف شعره ثم نبت ، كما لو قلع سن صبي لم يثغر ثم نبت مكانه سن ، و كما لو لطم عينه فذهب ضوؤها ثم عاد ، فعلى هذا لا يجب على المجني عليه القصاص للجاني في السن التي اقتص منه بها لانه قلعها ، و كان يجوز له قلعها ، و انما يجب عليه دية سن الجاني .
و ان كان المجني عليه عفا عن القصاص و أخذ دية سنه وجب عليه رد الدية إلى الجاني .
و القول الثالث أن السن النابت هبة مجددة من الله تعالى للمجني عليه ، لان
العادة أن سن من ثغر إذا قلعت لا تعود ، فإذا عادت علمنا أن ذلك هبة من الله له ، فعلى هذا ان كان المجني عليه قد اقتضى من الجاني أو أخذ منه الارش فقد وقع ما فعله موقعه و لا شيء عليه للجاني .
و ان قلع سن رجل فقلع المجني عليه سن الجاني ثم نبت للجاني سن مكان سنه الذي اقتص منه و لم تعد للمجني عليه مثلها - فإن قلنا ان النابت هبة من الله مجددة - فلا شيء للمجني عليه ، و ان قلنا إن النابت هو من الاول ففيه وجهان ( أحدهما ) أن للمجني عليه أن يقلعه ، و لو نبت مرارا ، لانه أعدم سنه فاستحق أن يعدم سنه .
( و الثاني ) ليس له أن يقلع سنه لانه يجوز أن يكون من المقلوع ، و يجوز أن يكون هبة مجددة ، و ذلك شبهة فسقط بها القصاص ، فعلى هذا للمجني عليه دية سن على الجاني ، فإن خالف المجني عليه و قلع هذا السن للجاني وجب عليه ديتها و يتقاصان ، و ان قلع سنه فاقتص منه فعاد للمجني عليه سن مكان سنه و لم يعد للجاني ثم عاد الجاني فقلعها وجب عليه ديتها لانه ليس لها مثله ، فإن قلنا انه من الاول فقد قلنا ان على المجني عليه دية سن الجاني فيتقاصان .
و ان قلنا ان النابت هبة مجددة فلا شيء على المجني عليه للجاني هذا و يؤخذ السن الكبير بالصغير و الصغير بالكبير كما قلنا في الانف و الاذن و لا يؤخذ سن صحيح بمكسور لانه يأخذ أكثر من حقه ، و يؤخذ المكسور بالصحيح ، لانه أنقص منه ، و يأخذ من دية سنه بقدر ما ذهب من سن الجاني و ان كسر بعض سنه من نصفها أو ربعها فهل يجب بها القصاص ؟ اختلف الشيخان ، فقال الشيخ أبو إسحاق ان أمكن أن يقتص اقتص ، و ان لم يمكن لم يقتص و قال الشيخ أبو حامد لا يقتص منه لان القصاص بالكسر لا يجب باتفاق الامة و ما روى في خبر الربيع أنها كسرت ثنية جارية فعال النبي صلى الله عليه و سلم : تكسر ثنيتها ، أراد بالكسر القلع لا الكسر من بعضها ( فرع ) و ان قلع لرجل سنا زائدا و للجانى سن زائد في ذلك الموضع يساوى السن الذي قلع وجب فيها القصاص لانهما متساويان ، و إن لم يكن للجاني سن
زائد لم يجب عليه القصاص ، لانه ليس له مثلها ، و إن كان له سن زائد في ذلك الموضع لم يجب فيه القصاص لانه ليس له مثلها ، و إن كان له سن زائد في ذلك الموضع إلا أنه أكبر من سن المجني عليه ففيه وجهان ( أحدهما ) و هو قول أكثر أصحابنا لا يجب فيها القصاص ، لان القصاص في العضو الزائد إنما يجب بالاجتهاد ، فإذا كانت سن الجاني أزيد كانت حكومتها أكثر فلم يجب قلعها بالتي هى أنقص منها ، بخلاف السن الاصلية فإن القصاص يثبت بالنص فلا يعتبر فيها التساوى ، و الثاني حكاه ابن الصباغ عن الشيخ أبى حامد و اختاره أنه يجب فيها القصاص ، لان ما ثبت بالاجتهاد يجب اعتباره بما ثبت بالنص ، و الاول هو المنصوص ( مسألة ) و يؤخذ اللسان باللسان لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لان له حدا ينتهى اليه فاقتص منه كالعين ، و لا نعلم في هذا خلافا ، و لا يوخذ لسان ناطق بلسان أخرس لانه أفضل منه ، و يؤخذ الاخرس بالناطق لانه بعض حقه و يؤخذ بعض اللسان ببعض لانه أمكن القصاص في جميعه فأمكن في بعضه كالسن و يقدر ذلك بالاجزاء و يؤخذ منه بالحساب .
هذا و تؤخذ الشفة بالشفة ، و هي ما جاوز الذقن و الخدين علوا و سفلا ، لقول الله تعالى " و الجروح قصاص " و لان له حدا ينتهى اليه يمكن القصاص منه فوجب كاليدين قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و تؤخذ اليه باليد و الرجل بالرجل و الاصابع بالاصابع و الانامل بالانامل لقوله تعالى ( و الجروح قصاص ) و لان لها مفاصل يمكن القصاص فيها من حيف فوجب فيها القصاص ، و إن قطع يده من الكوع اقتص منه لانه مفصل ، و إن قطع من نصب الساعد فله أن يقتص من الكوع لانه داخل في جناية يمكن القصاص فيها و يأخذ الحكومة في الباقي لانه كسر عظم لا تمكن المماثلة فيه فانتقل فيه إلى البدل .
و إن قطع من المرفق فله أن يقتص منه لانه مفصل ، و إن أراد أن يقتص من الكوع و يأخذ الحكومة في الباقى لم يكن له ذلك لانه يمكنه أن يتسوفى جميع حقه بالقصاص في محل الجناية فلا يجوز أن يأخذ القصاص
في غيره ، و ان قطع يده من نصف العضد فله أن يقتص من المرفق و يأخذ الحكومة في الباقى و له أن يقتص في الكوع و يأخذ الحكومة في الباقى لان الجميع مفصل داخل في الجناية و يخالف إذا قطعها من المرفق و أراد أن يقتص من الكوع لان هناك يمكنه أن يقتص في ا جميع في محل الجناية و ههنا لا يمكنه أن يقتص في موضع الجناية .
و ان قطع يده من الكتف و قال أهل الخبرة أنه يمكنه أن يقتص منه من جائفة اقتص منه لانه مفصل يمكن القصاص فيه من حيف ، و ان أراد أن يقتص من المرفق أو الكوع لم يجز لانه يمكنه أن يقتص من محل الجناية فلا يجوز أن يقتص في غيره .
و ان قال أهل الخبرة انه يخاف أن يحصل به جائفة لم يجز أن يقتص فيه ، لانه لا يأمن أن يأخذ زيادة على حقه ، و له أن يقتص في المرفق و يأخذ الحكومة في الباقى ، و له أن يقتص في الكوع و يأخذ الحكومة في الباقى لما ذكرناه ، و حكم الرجل في القصاص من مفاصلها من القدم و الركبة و الورك ، و ما يجب فيما بينهما من الحكومات حكم اليد و قد بيناه ( فصل ) و لا تؤخذ يد صحيحه بيد شلاء ، و لا رجل صحيحه برجل شلاء لانه يأخذ فوق حقه ، و ان أراد المجني عليه أن يأخذ الشلاء بالصحيحة نظرت فإن قال أهل الخبرة أنه ان قطع لم تنسد العروق و دخل الهواء إلى البدن و خيف عليه لم يجز أن يقتص منه ، لانه يأخذ نفسا بطرف و ان قالوا لا يخاف عليه فله أن يقتص لانه يأخذ دون حقه ، فإن طلب مع القصاص الارض لنقص الشلل لم يكن له ، لان الشلاء كالصحيحة في الخلقة ، و انما تنقص عنها في الصفة فلم يؤخذ الارش للنقص مع القصاص ، كما لا يأخذ ولي المسلم من الذمي مع القصاص ارشا لنقص الكفر .
و في أخذ الاشل بالاشل وجهان : أحدهما : انه يجوز لانهما متساويان و الثاني : لا يجوز ، و هو قول أبى إسحاق ، لان الشلل علة و العلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقق المماثلة بينهما
( الشرح ) تقطع اليد باليد و الرجل بالرجل و الاصابع بالاصابع و الانامل بالانامل لقول تعالى ( و الجروح قصاص ) و لان لها مفاصل يمكن القصاص فيها من حيف .
إذا ثبت هذا فإن قطع أصابعه من مفاصلها فله أن يقتص ، و إن قطع يده من وسط الكف فليس له أن يقتص من وسط الكف لان كسر العظم لا يثبت فيه القصاص لاجماع الامة ، فإن أراد أن يقتص من الاصابع من أصولها كان له ذلك ، لان الاصابع يمكن القصاص فيها .
فإن قيل فكيف يضع السكين في الموضع الذي وضعه الجاني عليه ؟ قلنا لانه لا يمكن وضعها في الموضع الذي وضعها الجاني فيه ، فإذا اقتص من الاصابع فهل له أن يأخذ حكومة فيما زاد على الاصابع من الكف ؟ فيه وجهان يأتى بيانهما و إن قطع يده من الكوع كان له أن يقتص من ذلك الموضع لانه مفصل ، و ان قطع يده من بعض الذراع فليس له أن يقتص من بعض الذراع لانه كسر عظم و إن أراد أن يقتص من الكوع و يأخذ الحكومة فيما زاد عليه كان له ذلك لانه داخل في الجناية يمكن القصاص فيه ، و ان قطع يده من المرفق فله أن يقتص من المرفق فإن أراد أن يقتص من المرفق و يأخذ الحكومة فيما زاد كان له ذلك .
و ان أراد أن يقتص من الكوع و يأخذ الحكومة فيما زاد فقد اختلف أصحابنا فيه ، و قال الشيخ أبو إسحاق له ذلك لان الجميع مفصل داخل في الجناية و قال ابن الصباغ في الشامل و الطبري في العدة : ليس له ذلك لانه يمكنه أن يقطع من المرفق ، و متى أمكنه استيفاء حقه قصاصا لم يكن له أن يستوفى بعضه قصاصا و بعضه أرشا ، كما لو قطع يده من الكوع و أراد أن يقتص من الاصابع و يأخذ الحكومة فيما زاد فليس له ذلك لانه يمكنه استيفاء حقه قصاصا و إن قالا أنه يخاف من الاقتصاص الجائفة ( 1 ) لم يكن له أن يقتص من ( الهامش ) ( 1 ) قال في اللسان .
و في الحديث " في الجائفة ثلث الدية " هي الطعنة التي تنفذ إلى الجوف ، يقال جفته إذا أصبت جوفه و أجفته الطعنة و جفته بها و قال ابن الاثير : و المراد بالجوف ههنا كل ماله قوة محيلة كالبطن و الدماغ