و قال فيمن قطع أصبح رجل فتأكل كفه إنه لا قصاص في الكف ، فنقل أبو إسحاق قوله في الكف إلى العين و لم ينقل قوله في العين إلى الكف فقال في ضوء العين قولان ( أحدهما ) لا يجب فيه القصاص لانه سراية فيما دون النفس فلم يجب فيه القصاص كما لو قطع أصبعه فتآكل الكف ( و الثاني ) يجب لانه لا يمكن إتلافه بالمباشرة فوجب القصاص فيه بالسراية كالنفس و من أصحابنا من حمل المسئلتين على ظاهرها فقال يجب القصاص في الضوء قولا واحدا و لا يجب في الكف ، لان الكف يمكن إتلافه بالمباشرة فلم يجب القصاص فيه بالسراية بخلاف الضوء .( فصل ) و يؤخذ الجفن بالجفن لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لانه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى مفصل فوجب فيه القصاص و يوخذ جفن البصير بجفن الضرير و جفن الضرير يجفن البصير لانهما متساويان في السلامة من النقص و عدم البصر نقص في غيره .( فصل ) و يؤخذ الانف بالانف لقوله تعالى " و الانف بالانف " و لا يجب القصاص فيه إلا في المارن لانه يتنهى إلى مفصل ، و يؤخذ الشام بالاخشم ، و الا خشم بالشام لانهما متساويان في السلامة من النقص ، و عدم الشم نقص في غيره ، و يوخذ البعض بالبعض ، و هو أن يقدر ما قطعه بالجزء كالنصف و الثلث ثم يقتض بالنصف و الثلث من مارن الجاني ، و لا يؤخذ قدره بالمساحة لانه قد يكون أنف الجاني صغيرا و أنف المجني عليه كبيرا ، فإذا اعتبرت المماثلة بالمساحة قطعنا جميع المارن بالبعض ، و هذا لا يجوز .و يؤخذ المنخر بالمنخر و الحاجز بين المنخرين بالحاجز ، لانه يمكن القصاص فيه لانتهائه إلى مفصل ، و لا يؤخذ مارن صحيح بمارن سقط بعضه بجذام أو انخرام لانه يأخذ أكثر من حقه ، فإن قطع من سقط بعض مارته مارفا صحيحا فللمجني عليه أن يأخذ الموجود و ينتقل في الباقى إلى البدل لانه وجد بعض حقه و عدم البعض ، فأخذ الموجود و انتقل في الباقى إلى البدل و ان قطع الانف من أصله اقتص من المارن لانه داخل في الجناية يمكن القصاص فيه ، و ينتقل في الباقى إلى الحكومة لانه لا يمكن القصاص فيه فانتقل فيه إلى البدل
(407)
( الشرح ) قوله " بقائمة " و هي التي بياضها و سوادها صحيحان أن صاحبها لا يبصر و لعلها الواقفة ، من قولهم .قام زيد إذا وقف و قوله " المارن " أى ما لان من الانف و موصل إلى القضيب ، و الا خشم من الخشم ، أى أصيب بداء في أنفه منعه الشم أما الاحكام فإن الاطراف يجب فيها القصاص في كل ما ينتهى منها إلى مفصل فتؤخذ العين بالعين لقوله تعالى ( و العين بالعين ) الآية .و لانها تنتهى إلى مفصل إذا ثبت هذا فإنه تؤخذ العين الصحيحة بالعين الصحيحة و القائمة بالقائمة ، و هي التي ذهب ضوؤها و بقيت حدقتها - و هي التي انفصلت شبكتيها - و هو الطبقة المبطنة لكرة العين من أسفل أو التي انفصل أو ضمر العصب البصري لها و هو الذي يتلقى المرئيات من الشبكية لنقلها إلى المخ ، أو المياه الزرقاء التي تتكون في العدسة الداخلية للعين ، أو ما شابه ذلك مما لا يظهر على شكل العين فتبدو كأنها مبصرة و ليس فيها أبصار ، فإنه لا تؤخذ صحيحة بقائمة ، و هي التي وصفناها طبقا لعلم التشريح البصري ان شاء الله ، و ذلك لانه يأخذ أكثر من حقه ، و يجوز أن يأخذ القائمة بالصحيحة لانه يأخذ أقل من حقه باختياره ( فرع ) اذا أوضح رأسه فذهب ضوء العين ، أى انفصلت الشبيكة أو نهتك عصب الابصار ، فالمنصوص أنه يجب القصاص في الضوء .و قال الشافعي رضى الله عنه فيمن قطع أصبع رجل فتآكل الكف و سقط انه لا يجب عليه القصاص في الكف .و اختلف أصحابنا في ضوء العين ، فنقل أبو إسحاق جوابه في الكف إلى العين ، و جعل في ضوء العين قولين ( أحدهما ) أنه لا يجب فيه القصاص لانه سراية فيما دون النفس فلم يجب فيه القصاص كالكف .( و الثاني ) يجب فيه القصاص بالسراية كالنفس ، و قال أكثر أصحابنا لا يجب القصاص في الكف بالسراية قولا واحدا ، و الفرق بينهما أن الكف يمكن إتلافه بالمباشرة فلم يجب فيه القصاص بالسراية ، و الضوء لا يمكن إتلافه بالمباشرة بالجناية ، و انما يتلف بالجناية على غيره فوجب القصاص فيه بالسراية كالنفس .( فرع ) قال المصنف و يؤخذ الجفن بالجفن لقوله تعالى " و الجروح قصاص "
(408)
و هذا صحيح لانه ينتهى إلى مفصل فيوخذ جفن البصير بجفن الضرير و جفن الضرير بجفن البصير لانهما متساويان في السلامة ، و عدم البصر نقص في غيره ( مسألة ) قوله تعالى " و العين بالعين و الانف بالانف " قرأ نافع و عاصم و الاعمش و حمزة بالنصب في جميعها على العطب ، و يجوز تخفيف ( أن ) و رفع الكل بالابتداء و العطف ، و قرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو و أبو جعفر بنصب الكل إلا الجروح ، و كان الكسائي و أبو عبيد يقرءان " و العين بالعين " و هكذا بالرفع فيها كلها .قال أبو عبيد : حدثنا حجاج عن هرون عن عباد بن كثير عن عقيل عن الزهرى عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ " و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الانف بالانف و الاذن بالاذن و ألسن بألسن و الجروح قصاص " و الرفع من ثلاث جهات بالابتداء و الخبر و على معنى على موضع " أن النفس " لان المعنى قلنا لهم " النفس بالنفس " و الوجه الثالث قاله الزجاج يكون عطفا على المضمر في النفس ، لان الضمير في النفس في موضع رفع لان التقدير أن النفس هي مأخوذة بالنفس ، فالأَسماء معطوفة على هى .قال ابن المنذر : و من قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام حكم في المسلمين ، و هذا أصح القولين عند القرطبي في جامعه ، و ذلك أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الخطاب للمسلمين أمروا بهذا .و من خص الجروح بالرفع فعلى القطع مما قبلها و الاستناف بها ، كأن المسلمين أمروا بهذا خاصة ، و ما قبله لم يواجهوا به إذا ثبت هذا فإن الانف الكبير يؤخذ بالصغير و الغليظ بالرقيق و الاقنى بالافطس لان الاطراف يجب القصاص فيها و ان اختلفت بالصغر و الكبر .و لا يجب القصاص في المارن و هو اللبن .و أما القصبة فلا يجب فيها القصاص لانها عظم ، و يؤخذ أنف الشام بأنف الاخشم و أنف الاخشم بأنف الشام ، لان الخشم ليس بنقص في الانف ، و إنما هو لعلة في الدماغ و الا نفان يتساويان في السلامة ، و يؤخذ الانف الصحيح بالانف المجذوم ما لم يسقط بالجذام شيء منه ، لان الطرف الصحيح يؤخذ
(409)
بالطرف العليل ، فإن سقط من الانف شيء لم يؤخذ به الصحيح لانه يأخذ أكثر من حقه ، فإن قطع من سقط بعض مارنه مارنا صحيحا قطع جميع ما بقي من مارن الجاني و أخذ منه من الدية بقدر ما كان ذهب من مارنه ، فإن قطع بعض مارن غيره نظركم القدر التي قطع - فإن كان نصف المارن أو ثلثه أو ربعه أقتص من مارنه نصفه أو ثلثه أو ربعه ، و لا يقدر بالمساحة بالطول و العرض كما قلنا في الموضحة ، لانه قد يكون أنف الجاني صغيرا و أنف المجني عليه كبيرا ، فلو قلنا يقطع من أنف الجاني قدر ما قطع من أنف المجني عليه بالمساحة طولا و عرضا لم يأمن أن يقطع جميع أنفه ببعض أنف المجني عليه ، و يؤخذ المتحد بالمتحد ، و الحاجز بينهما بالحاجز ، فإى قطع المارن و القصبة اقتص من المارن و أخذ الحكومة في القصبة لانه لا يمكن القصاص فيها قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و تؤخذ الاذن بالاذن لقوله عز و جل " و الاذن بالاذن " و لانه يمكن استيقاء القصاص فيه لانتهائه إلى حد فاصل ، و تؤخذ أذن السميع بأذن الاصم ، و أذن الاصم بأذن السميع ، لانهما متساويان في السلامة من النقص ، و عدم السمع نقص في غيره .و يؤخذ الصحيح بالمثقوب ، و المثقوب بالصحيح ، لان الثقب ليس بنقص ، و إنما تثقب للزينة ، و يؤخذ البعض بالبعض على ما ذكرناه في الانف ، و لا يؤخذ صحيح بمخزوم ، لانه يأخذ أكثر من حقه ، و يؤخذ المخزوم بالصحيح ، و يؤخذ معه من الدية بقدر ما سقط منه لما ذكرناه في الانف .و هل يؤخذ المستحشف بالمستحشف ؟ فيه قولان ( أحدهما ) أنه لا يؤخذ كما لا تؤخذ اليد الصحيحة بالشلاء ( و الثاني ) يؤخذ لانهما متساويان في المنفعة ، بخلاف اليد الشلاء فإنها لا تساوي الصحيحة في المنفعة ، فإن قطع بعض أذنه و ألصقه المقطوع فالتصق لم يجب القصاص ، لانه لا يمكن المماثلة فيما قطع منه ، و إن قطع أذنه حتى جعلها معلقة على خده وجب القصاص ، لان المماثلة فيه ممكنة بأن يقطع أذنه حيت تصير
(410)
معلقة على خده ، و إن أبان أذنه أبان أذنه فأخذه المقطوع و ألصقه فالتصق لم يسقط القصاص لان القصاص يجب بالابانة ، و ما حصل من الالصاق لا حكم له لانه يجب إزالته و لا تجوز الصلاة معه .و إن قطع أذنه فاقتص منه و أخذ الجاني اذنه فألصقه فالتصق لم يكن للمجني عليه أن يطالبه بقطعه ، لانه أقتض منه بالابانة ، و ما فعله من الالصاق لا حكم له لانه يستحق إزالته للصلاة ، و ذلك إلى السلطان و إن قطع أذنه فقطع المجني عليه بعض أذن الجاني فألصقه الجاني فالتصق فللمجني عليه أن يعود فيقطعه لانه يستحق الابانة و لم يوجد ذلك .و إن جنى على رأسه فذهب عقله أو على أنفه فذهب شمه أو على أذنه فذهب سمعه لم يجب القصاص في العقل و الشم و السمع ، لان هذه المعاني في محل الجناية فلم يمكن القصاص فيها .( فصل ) و تؤخذ الشفة بالشفة و هو ما بين جلد الذقن و الخدين علوا و سفلا و من أصحابنا من قال لا يجب فيه القصاص لانه قطع لحم لا ينتهى إلى عظم فلم يجب فيه القصاص كالباضعة و المتلاحمة و الضجيج و الاول لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لانه ينتهى إلى حد معلوم يمكن القصاص فيه فوجب فيه القصاص ( الشرح ) الصمم فقدان السمع بسبب من الاسباب الآتية ، 1 - انسداد القناة السمعية و هي المدخل الظاهرى في فتحة الاذن 2 - تهتك الغشاء الرقيق المسمى ( الطلبة ) و هو الذي يستقبل الذبذبات الصوتية الداخلة من القناة السمعية فينقلها بدوره إلى ثلاثة عظيمات في الصماخ و هذه العظيمات ( بالتصغير لصغرها و دقتها ) تكبر الصوت بالذبذبات التي تحدث عن طريق تحرك هذه العظيمات عند اصطدام الذبذبات الصوتية بها 3 - توقف العظيمات عن الحركة 4 - انفصال العصب السمعي أو تيبسه أو تهتكه ، و هو الذي يأخذ الصوت من مكبر الصوت ( العظيمات ) لينلقه إلى المخ .و الاخرم المثقوب الاذن ، و قد انخرم ثقبه أى انشق ، و المستحشف المنقبض اليابس ، مأخوذ من حشف التمر و أول الشجاج الحارصة ، سميت حارصة لانها تشق الجلد ، يقال حرص القطار الثوب
(411)
إذا شقه ، و حرص المطر الارض إذا قشرها ، و الباضعة التي تقطع الجلد و تشق اللحم و تدمى : من بضعت اللحم إذا قطعته قطعا صغارا ، و البضعة القطعة و قد سقناها آنفا في عشرة أنواع و فيها المتلاحمة و السمحاق و الهاشمة .أما الاندمال فهو برء الجرح .يقال اندمل الجرح إذا تماثل ، و أصله الاصلاح ، و دملت بين القوم أصلحت ، و دملت الارض بالسرحين أصلحتها أما الاحكام فإنه يجب القصاص في الاذن لقوله تعالى " و الاذن بالاذن " و يؤخذ منها الكبير بالصغير و العكس لما ذكرناه في الانف ، و يوخذ المثقوب بالصحيح و بالعكس ، و الاصم بالسميع و بالعكس ، و إن قطع من أذنه مخرومة أذنا صحيحة اقتص منه المجني عليه في المخرومة و أخذ من دية أذنه بقدر ما أنخرم من أذن الجاني ، و تؤخذ الاذن المستحشفة و هي الاذن اليابسة بالاذن الصحيحة لانه يأخذ أنقص من حقه باختياره ، و هل تؤخذ الاذن الصحيحة بالاذن المستحشفة ؟ فيه قولان ( أحدهما ) لا يؤخذ بها كما لا يجوز أخذ اليد الصحيحة باليد الشلاء .( و الثاني ) تؤخذ بها لان الاذن المستحشفة تساوي الاذن الصحيحة في المنفعة فأخذت الصحيحة بها بخلاف اليد الشلاء فإنها لا تساوى الصحيحة في المنفعة ( فرع ) و إن قطع بعض أذنه اقتص منه ، و يقدر ذلك بالجزء كالنصف و الثلث و الربع ، و لا يقدر بالمساحة بالطول و العرض لما ذكرناه في الانف .و حكى ابن الصباغ عن القاضي أبى الطيب أنه لا يثبت القصاص في بعض الاذن و الاول أصح لانه يمكنه القصاص فيها و قول المصنف هنا : إذا قطع بعض أذنه و ألصقه فالتصق لم يجب القصاص لانه لا يمكن المماثلة فيما قطع منه .و لعله أراد إذا اندمل القطع بنحو خياطة طبية فاختفى القطع .و إن قطع أذنه حتى جعلها معلقة فله أن يقطع كذلك لان المماثلة ممكنة .و ان قطع أذنه و أبانها فأخذها المجني عليه فألصقها فالتصقت لم يكن للمجني عليه أن يطالبه بإزالتها ، لانه قد استوفى حقه ، و الازالة إلى السلطان ، و إن قطع أذنه و أبانها و قطع المجني عليه بعض أذن الجاني فألصقه الجاني فالتصق فللمجني عليه أن
(412)
يعود و يقطعه ، لان حقه الابانة و لم يوجد .و إن جنى على رأسه فذهب عقله أو شمه أو سمعه أو ذوقه أو نكاحه أو إنزاله لم يجب القصاص ، لان هذه الاشياء ليست في موضع الجناية فيمكن القصاص فيها .( مسألة ) يجب في الشفتين القصاص ، و من أصحابنا من قال : لا قصاص فيهما لانه قطع لحما من لحم منفصل ، و الاول هو المنصوص لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لان الشفتين هما اللحم الجافي من لحم الذقن و الشدق ، مستدير على الفم طولا و عرضا ، و طولهما ما تجافى عن لحم الذقن ألى أصل الانف و ذلك من لحم له حد معلوم فوجب القصاص فيه و اختلف أصحابنا في القصاص في اللسان ، فمنهم من قال يجب القصاص في جميعها و في بعضها ، لان له حدا ينتهى اليه فهو كالانف و الاذن .و قال أبو إسحاق لا قصاص فيه ، و اليه ذهب بعض أصحاب أبى حنيفة ، و اختاره ابن الصباغ و أما المصنف فذكر أن القصاص يثبت في جميعها على وجهين قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و يؤخذ السن بألسن لقوله تعالى ( و ألسن بألسن ) و لما رويناه في أول الباب في حديث الربيع بنت النضر بن أنس ، و لانه محدود في نفسه يمكن القصاص فيه فوجب فيه القصاص ، و لا يؤخذ سن صحيح بسن مكسور لانه يأخذ أكثر من حقه ، و يؤخذ المكسور بالصحيح ، و يؤخذ معه من الدية بقدر ما انكسر منه لما ذكرناه في الانف و الاذن ، و يؤخذ الزائد إذا اتفق محلهما لانهما متساويان ، و ان قلع سنا زائدة و ليس للجاني مثلها وجبت عليه الحكومة لانه تعذر المثل فوجب البدل ، و إن كان له مثلها في موضع المقلوع لم يؤخذ كما لا يؤخذ سن أصلي بسن أخرى .و ان كسر نصف سنه و أمكن أن يقتص منه نصف سنه اقتص منه ، فإن لم يمكن وجب بقدره من دية السن ، و ان وجب له القصاص في السن فاقتص ثم نبت له مكانه سن آخر ففيه قولان ( أحدهما ) أن النابت هو المقلوع من جهة الحكم لانه مثله في محله فصار كما