أمه .و قيل معناه و ان تضايقتم و تشاكستم فليسترضع لولده غيرها ، و هو خبر في معنى الامر .و قال الضحاك : ان أبت الام أن ترضع استأجر لولده أخرى ، فان لم يقبل أجبرت أمه على الرضاع بالاجر .و ذكر اختلاف الفقهاء على ثلاثة أقوال : فأورد قول علمائهم من المالكية أن رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية - الا لشرفها و موضعها - فعلى الاب أن رضاعه يومئذ في ماله .و الثاني قال أبو حنيفة : لا يجب على الام بحال الثالث : يجب عليها في كل حال اه قال القاضي العمراني من أصحابنا : و إذا وجد الرجل من يرضعه بدون أجرة المثل أو بغيره أجرة و طلبت الام أجرة المثل فقد تعاسرت فكان له نزعه منها ، و لان نفقة إرضاع الطفل كنفقة المراهق ، و لو وجد من يتطوع بالانفاق على المراهق لم يجب على الاب نفقته ، فكذلك إذا وجد من يتطوع بإرضاع الطفل لا يجب عليه أجرة المثل .و قال أبو إسحاق المروزي : للاب انتزاعه قولا واحدا ، و القول الآخر لا يعرف في شيء من كتب الشافعي .و قال أبو حنيفة : للاب انتزاعه و لكن لا يسقط حق الام من الحضانة ، فتأتى المرضعة و ترضعه عند الام .دليلنا أن الحضانة تابعة للرضاع ، فإذا سقط حقها من الرضاع سقط حقها من الحضانة .إذا ثبت هذا فان ادعى الاب أنه يجد من يرضعه بغير أجرة أو بدون أجرة المثل - و قلنا له انتزاعه ، فإن صدقته الام أنه يجد ذلك كان له انتزاعه منها ، و ان كذبته فالقول قوله مع يمينه ، فإذا حلف انتزعه من يد الام و يسلم إلى المرضعة و لا يمنع الام من زيارته لقوله صلى الله عليه و سلم " لا توله والدة بولدها " قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و يجب على المولى نفقة عبده و أمته و كسوتهما لما روى أبو هريرة رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : للملوك طعامه و كسوته و لا يكلف من العمل الا ما يطيق " و يجب عليه نفقته من قوت البلد لانه هو المتعارف
(316)
فإن تولى طعامه استحب أن يطعمه منه لما روى أبو هريرة رضى الله عنه قال قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم " إذا جاء أحدكم خادمه بطعام فليجلسه معه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكله أو أكلتين ، فإنه تولى علاجه وحره " فإن كانت له جارية للتسرى أستحب أن تكون كسوتها أعلى من كسوة جارية الخدمة ، لان العرف أن تكون كسوتها أعلى فوق كسوة جارية الخدمة .( فصل ) و لا يكلف عبده و أمته من الخدمة ما لا يطيقان لقوله صلى الله عليه و سلم " و لا يكلفه من العمل ما لا يطيق و لا يسترضع الجارية إلا ما فضل عن ولدها ، لان في ذلك إضرارا بولدها ، و إن كان لعبده زوجة أذن له في الاستمتاع بالليل ، لان إذنه بالنكاح يتضمن الاذن في الاستمتاع بالليل ، و إن مرض العبد أو الامة أو عميا أو زمنا لزمه نفقتهما ، لان نفقتهما بالملك ، و لهذا تجب مع الصغر فوجبت مع العمي و الزمانة ، و لا يجوز أن يجبر عبده على المخارجة لانه معاوضة فلم يملك إجباره عليها كالكتابة .و إن طلبت العبد ذلك لم يجبر المولى كما لا يجبر إذا طلب الكتابة ، فإن اتفقا عليها و له كسب جاز لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم حجمه أبو طيبة فأعطاه أجره ، و سأل مواليه أن يخففوا من خراجه ، و إن لم يكن له كسب لم يجز لانه لا يقدر على أن يدفع اليه من جهة تحل فلم يجز .( الشرح ) حديث أبى هريرة الاول أخرجه أحمد في المسند و مسلم في العتق عن حجاج ، و في الاطعمة عن حفص بن عمر ، و قال " و لا يكلف من العمل ما لا يطيق " و حديث أبى هريرة الثاني أخرجه البخارى و مسلم في النذور و الاطعمة و أبو داود في الاطعمة عن عبد الله بن مسلمة الفعنبى ، و كذا أخرجه أحمد في مسنده و بقية أصحاب السنن بلفظ " إذا أتى أحدكم خادمة بطعامه - فإن لم يجلسه معه - فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلفة أو أكلتين ، فانه ولي حره و علاجه .و حديث أبى طيبة الحجام و اسمه دينار و هو مولى بني حارثة ، و حديثه هذا أخرجه البخارى في البيوع عن عبد الله بن يوسف ، و في الاجازة عن محمد بن
(317)
يوسف و عن آدم ، و في الطب عن محمد بن مقاتل ، و أخرجه مسلم في البيوع عن أحمد بن الحسن و عن يحيى بن أيوب و قتبية على بن حجر ، و عن محمد بن يحيى بن أبى عمر و أخرجه أبو داود في البيوع عن القعنبي ، و أخرجه الترمذي عن علي بن حجر و الطبراني في الجامع عن حميد الطويل أما اللغات فقوله " إذا أتى أحدكم خادمه " بنصب أخذكم على المفعولية و نصب خادمه على الفاعلية ، و الخادم يطلق على الذكر و الانثى و الحر و المملوك .و قوله " علاجه " أى مزاولته لما استعصى من أموره ، و يقال لجبال الرمل علاج ، و الحر جمع الحرة و هو الارض ذات الحجارة النخرة السواداء ، و هي أثر من آثار البراكين ، و هو كناية عن تحمله أموره الشاقة في أبلغ تعبير لانه يعالج له إعداد الطعام و يعالجه له و يتحمل حرارة النار في إنضاجه أما الاحكام فانه يجب على المرء نفقة خادمه و كسوته لحديث أبى هريرة في الرجل الذي قال معي دينار ، قال أنفقه على نفسك ، قال أنفقه على نفسك ، قال معي آخر ، قال أنفقه على ولدك قال معي آخر ، قال أنفقه على أهلك ، قال معي آخر ، قال أنفقه على خادمك .و لحديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " للملوك طعامه و كسوته بالمعروف و لا يكلف من العمل ما لا يطيق " و هو إجماع لا خلاف فيه فان كان الخادم مكتسب ، بأن كان صغيرا أو مريضا أو كبيرا أو زمنا فنفقته على سيده .و يجب أن يكون طعامه من قوت أهل البلد لقوله صلى الله عليه و سلم " أطعموهم مما تأكلون و ألبسوهم مما تلبسون " و إن كان الخادم يقدم الطعام لسيده يلي إعداده و إصلاحه ، فيستحب للسيد أن يجلسه معه و يطعمه معه منه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " فليجلسه معه أو يطعمه منه لقمة أو لقميتن " و لان الانسان إذا تولى طعاما اشتهى أن يأكل منه فاستحب أن يطعم منه كما يستحب لمن قسم الميراث أن يرزق من حضر القسمة منها ، و أيهما أفضل ؟ ( أحدهما ) أن الافضل ان يجلسه معه ليأكل ، لان النبي صلى الله عليه و سلم بدأ به ، لانه إذا أكل معه أكل قدر كفايته و منهم من قال : ليس أحدهما
(318)
أفضل من الآخر ، بل إن شاء أجلسه معه و إن شاء أطعمة ، لان النبي صلى الله عليه و سلم خيره بين أن يجلسه معه و بين أن يغمس له لقمة أو لقمتين في الادم ، و الاول أصح .هكذا أفاده أصحابنا في كتبهم ، و ما بقي من الفصل فعلى وجهه ، و ينبغي ألا يكلفه إلا ما يطيق الدوام عليه لا ما يطيق يوما أو يومين أو ثلاثة ثم يعجز هكذا قال الشافعي في الام و الله أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و من ملك بهيمة لزمه القيام بعلفها لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " عذبت إمرأة في هرة ، حبستها حتى ماتت جوعا فدخلت فيها النار - فقيل لها و الله أعلم - لا أنت أطعمتها و سقيتها حين حبستها ، و لا أنت أرسلتها حتى تأكل من خشاش الارض حتى ماتت جوعا " و لا يجوز له أن يحمل عليها ما لا تطيق ، لان النبي صلى الله عليه و سلم منع أن يكلف العبد ما لا يطيق فوجب أن تكون البهيمة مثله ، و لا يجلب من لبنها إلا ما يفضل عن ولدها لانه غذاء للولد فلا يجوز منعه ( فصل ) و ان امتنع من الانفاق على رقيقه أو على بهيمته أجبر عليه كما يخبر على نفقة زوجته ، و ان لم يكن له مال أكرى عليه أن أمكن اكراؤه ، فان لم يمكن بيع عليه كما يزال الملك عنه في إمرأته إذا أعسر بنفقتهما و الله أعلم ( الشرح ) الحديث الاول أخرجه مسلم في صحيحه عن أبى كريب في الحيوان من حديث أبى هريرة ، و أخرجه أيضا في التوبة عن محمد بن رافع و عبد بن حميد من حديث أبى هريرة بلفظ المصنف مضى في الفصل قبله .أما اللغات فقوله " من خشاش الارض " أى من حشراتها و وزغها و مادته خش ، وخش في الشيء دخل فيه .قال زهير : فخششت بها خلال الفدفد و في حديث عبد الله بن أنيس ، فخرج يمشى حتى خش فيهم ، و منه يقال لما يدخل في أنف البعير خشاش ، و قال ابن شميل الخشاش حية صغيرة سمراء أصغر
(319)
من الارقم .و قال أبو خيرة ، الخشاش حية بيضا قلما تؤذي ، و قال أبو عبيد في حديث " أن إمرأة ربطت هرة فلم تطعمها و لم تدعها تأكل من خشاش الارض " قال يعنى من هو ام الارض و حشراتها و دوابها و ما أشبهها .قال في النهاية في الحديث ، أى هو أمها و حشراتها الواحدة خشاشة ، و في رواية من خشيشها .و هي بمعناه ، و يروى بالحاء المهملة و هو يابس النبات و هو و هم .و قيل انما هو خشيش بضم الخاء المعجمة تصغير خشاش على الحذف و خشيش من حذف و منه حديث العصفور " لم ينتفع بي و لم يدعنى أخنش من الارض " أى آكل من خشاشها .أما الاحكام فان من ملك بهيمة لزمه القيام بعلفها سواء كانت مما تؤكل أو مما لا تؤكل ، لما روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " اطلعت في النار ليلة أسرى بي فرأيت إمرأة فيها ، فسألت عنها فقيل انها ربطت هرة لم تطعمها و لم تسقها ، و لم تدعها تأكل من خشاش الارض حتى ماتت فعذبها الله بذلك ، و اطلعت في الجنة فرأيت إمرأة مومسة ( يعنى زانية ) فسألت عنها فقيل انها مرت بكلب يلهث من العطش فأرسلت ازارها في بئر ثم عصرته في حلقه فغفر الله بذلك ، و قد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن تعذيب الحيوان .و قال " في كل كبد حرى أجر " فلو قلنا لا يجب الانفاق عليها أسقطنا حرمتها ، فان كانت في المصر لزمه الانفاق عليها ، و ان كان في الصحراء - فان كان بها من الكلا ما يقوم بكفايتها فخلاها للرعي - لم يجب عليه العلف لانها تجترئ على عادة أهل مصر ، لان صحاريها يقل فيها العلف .و قال الخراسانيون : ان كانت البهيمة مشقوقة الشفة العليا فإنها تجتزي بالكلا عن العلف ، و ان كانت مشقوقة الشفة العليا فلا تجتزي بالرعى و لا يد من علفها ، و ان لم يكن بها من الكلا ما يقوم بها لزمه من العلب ما يقوم بها فان لم يعلفها - فان كانت مما يؤكل - كان له أن يذبحها و له أن يبيعها ، و ان كانت مما لا يؤكل كان له بيعها - فان امتنع من ذلك أجبره السلطان على علفها أو بيعها أو ذبحها ان كانت مما يؤكل ، و لولى الامر أن يخصص مراحا يعلفها فيه و يد و اى
(320)
مرضاها على نفقة صاحبها ، و له أن يخصص من البياطرة من ينزعون الدواب من أيدي المقصرين في حقها وردها إليهم بعد شفائها عليهم أو أجبره على بيعها .و قال أبو حنيفة لا يجبره على ذلك بل يأمره به كما يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر و دليلنا أنها نفقة واجبة فإذا امتنع منها أجبره ولي الامر على أدائها كنفقة العبد و إن كانت للبهيمة ولد لم يجلب من لبنها إلا ما فضل من ولدها ، لان لبنها غذاء للولد فلا يجوز منعه منه كما قلنا في الجارية .و الله تعالى أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى : باب الحضانة إذا افترق الزوجان و لهما ولد بالغ رشيد فله أن ينفرد عن أبويه لانه مستغن عن الحضانة و الكفالة ، و المستحب أن لا ينفرد عنهما و لا يقطع بره عنهما .و ان كانت جارية كره لها أن تنفرد ، لانها إذا انفردت لم يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، و إن كان لهما ولد مجنون أو صغير لا يميز ، و هو الذي له دون سبع سنين ، وجبت حضانته ، لانه إن ترك حضانته ضاع و هلك ( فصل ) و لا تثبت الحضانة لرقيق لانه لا يقدر على القيام بالحضانة مع خدمة المولى ، و لا تثبت لمعتوه لانه لا يكمل للحضانة و لا تثبت لفاسق ، لانه لا يوفى الحضانة حقها ، و لان الحضانة إنما جعلت لحظ الولد و لا حظ للولد في حضانة الفاسق ، لانه ينشأ على طريقته ، و لا تثبت لكافر على مسلم .و قال أبو سعيد الاصطخرى : تثبت للكافر على المسلم : لما روى عبد الحميد ابن سلمة ( 1 ) عن أبيه أنه قال : أسلم أبي و أبت أمي أن تسلم و أنا غلام ، فاختصما ( الهامش ) ( 1 ) هكذا بالمتن المطبوع ، و الصواب عبد الحميد بن جعفر ، و هو ما اعتمدناه في الشرح ، و قد وجدنا كثيرا من الفقهاء يتابعون أبا إسحاق في كونه ابن سلمة كالعمرانى في البيان ، و هذا خطأ ، و الصواب ما اعتمدناه هنا .أما عبد الحميد بن سلمة الانصاري فيقال هو ابن يزيد بن سلمة و هو مجهول ." المطيعي "
(321)
إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا غلام اذهب إلى أيهما شئت ، إن شئت إلى أبيك ، و إن شئت إلى أمك ، فتوجهت إلى أمى ، فلما رآنى النبي صلى الله عليه و سلم سمعته يقول أللهم اهده فلمت إلى أبى فقعدت في حجره " و المذهب الاول ، لان الحضانة جعلت الحظ الولد و لا حظ للولد المسلم في حضانة الكافر ، لانه يفتنه عن دينه و ذلك من أعظم الضرر ، و الحديث منسوخ ، لان الامة أجمعت على أنه لا يسلم الصبي المسلم إلى الكافر ، و لا حضانة للمرأة إذا تزوجت ، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص " أن إمرأة قالت يا رسول الله ان إبنى هذا كان بطني له وعاء ، و ثديي له سقاء ، و حجري له حواء ، و ان أباه طلقني و أراد أن ينزعه منى ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنت أحق به ما لم تنكحي " و لانها إذا تزوجت اشتغلت باستمتاع الزوج عن الحضانة .فإن أعتق الرقيق و عقل المعتوه و عدل الفاسق ، و أسلم الكافر عاد حقهم من الحضانة ، لانها زالت لعلة فعادت بزوال العلة ، و إذا طلقت المرأة عاد حقها من الحضانة و قال المزني أن كان الطلاق رجعيا لم يعد لان النكاح باق ، و هذا خطأ لانه انما سقط حقها بالنكاح لاستغالها باستمتاع الزوج ، و بالطلاق الرجعي يحرم الاستمتاع كما يحرم بالطلاق البائن ، فعادت الحضانة ( فصل ) و لا حضانة لمن لا يرث من الرجال من ذوى الارحام و هم ابن البنت و ابن الاخت و ابن الاخ من الام و أبو الام و الخال و العم من الام لان الحضانة انما تثبت للنساء لمعرفتهن بالحضانة أو لمن له قوة قرابة بالميراث من الرجال و هذا لايوجد في ذوى الارحام من الرجال و لا يثبت لمن أدلى بهم من الذكور و الاناث ، لانه إذا لم يثبت لهم الضعف قرابتهم فلان لا يثبت لمن يدلى بهم أولى ( الشرح ) حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان ، و هو أبو الحكم الانصاري الاوسى ، أخرجه أبو داود في الطلاق عن إبراهيم بن موسى الرازي و النسائي في الطلاق أيضا عن محمود بن غيلان .و رواه أحمد بلفظ " قال أخبرني أبى عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم و أبت إمرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إبنتي و هي فطيم أو شبهه ، و قال رافع إبنتي ، فقال