الحق و هذا بدله ، و قال أبو حنيفة و ابن حامد : لا يحنث .و إن كانت يمينه لا فارقتك حتى تبرأ من حقي : أولى قبلك حق لم يحنث وجها واحدا ، لانه لم يبق له قبله حق .و هذا أحد القولين عند أصحاب أحمد .10 - و كل وكيلا يستوفى له حقه ، فإن فارقه قبل استيفاء أو كيل حنث لانه فارقه قبل استيفاء حقه ، و إن استوفى الوكيل ثم فارقه لم يحنث ، لان استيفاء و كليه استيفاء له يبرأ به غريمه و يصير في ضمان الموكل ( مسألة ) إن قال : لافارقتنى حتى أستوفى حقى منك نظرت - فإن فارقه المحلوف عليه مختارا - حنث .و إن أكره على فراقه لم يحنث ، و إن فارقه الحالف مختارا لم يحنث كذا و قد مضى .فإن حلف لا فارقتك حتى أوفيك حقك فأبرأه الغريم منه فهل يحنث ؟ على قولين بناء على المكره بالضرب ، و عند الحنابلة وجهان ، و إن كان الحق عينا فوهبها له الغريم فقبلها حنث ، لانه ترك إيفاءها له باختياره ، و إن قبضها منه ثم وهبها إياه لم يحنث ، و ان كانت يمينه لا فارقتك و لك قبلى حق لم يحنث إذا أبرأه أو هب العين له .و الفرقة في هذا كله ما عده الناس فراقا في العادة ، و قد مضى في البيوع و الله تعالى أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى باب كفارة اليمين إذا حلف بالله تعالى و حنث وجبت عليه الكفارة ، لما روى عبد الرحمن بن سمرة قال ، قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الامارة فإنك ان أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، و ان أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ، و ان حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير ، و كفر عن يمينك " و ان حلف على فعل مرتين بأن قال و الله لا دخلت الدار ، و الله لا دخلت الدار ، نظرت فإن نوى بالثاني التأكيد لم يلزمه الا كفارة واحدة ، و ان نوى الاستئناف ففيه قولان ، أحدهما يلزمه كفارتان لانهما يمينان بالله عز و جل ،
(113)
فتعلق بالحنث فيهما كفارتان ، كما لو كانت على فعلين ( و الثاني ) تجب كفارة واحدة و هو الصحيح .لان الثانية لا تفيد الا ما أفادت الاولى فلم يجب أكثر من كفارة ، كما لو قصد بها التأكيد .و إن لم يكن له نية فإن قلنا انه إذا نوى الاستئناف لزمته كفارة واحدة فههنا أولى .و ان قلنا هناك تجب كفارتان ففي هذا قولان بناء على القولين فيمن كرر لفظ الطلاق و لم ينو .( فصل ) و الكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة .و هو مخير بين الثلاثة .و الدليل عليه قوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة " فإن لم يقدر على الثلاثة لزمه صيام ثلاثة أيام لقوله عز و جل " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " فإن كان يكفر بالمال فالمستحب أن لا يكفر قبل الحنث ليخرج من الخلاف فإن أبا حنيفة لا يجيز تقديم الكفارة على الحنث .و ان أراد أن يكفر بالمال قبل الحنث نظرت - فإن كان الحنث بغير معصية - جاز تقديم الكفارة لانه حق مال يتعلق بسببين يختصانه .فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر كالزكاة قبل الحول .و ان كان الحنث بمعصية ففيه وجهان أحدهما يجوز لما ذكرناه و الثاني لا يجوز لانه يتوصل به إلى معصية و اختلف أصحابنا في كفارة الظهار قبل العود .و كفارة القتل بعد الجرح و قبل الموت .فمنهم من قال فيه وجهان كما قلنا في اليمين على معصية .و منهم من قال يجوز لانه ليس فيه توصل إلى معصية .و ان كان يكفر بالصوم لم يجز قبل الحنث لانها عبادة تتعلق بالبدن لا حاجة به إلى تقديمها .فلم يجز تقديمها على الوجوب كصوم رمضان .( فصل ) ان أراد أن يكفر بالعتق لم يجز الا بما يجوز في الظهار و قد بيناه .و ان أراد أن يكفر بالاطعام أطعم كل مسكين مدا كما يطعم في الظهار و قد بيناه .
(114)
( الشرح ) حديث عبد الرحمن بن سمرة أخرجه البخارى في النذور عن أبى النعمان و فيه " و لا تحلفوا بالطواغى و لا بآبائكم " و في الاحكام عن حجاج ابن منهال و عن أبى معمر .و في الكفارات عن محمد بن عبد الله .و أخرجه مسلم في الايمان و النذور عن شيبان بن فروخ و عن أبى بكر بن أبى شيبة و في المغازي عن شيبان .و أخرجه أبو داود في الايمان و النذور عن محمد بن الصباح .و أخرجه الترمذي في الايمان و النذور عن محمد بن عبد الاعلى .و أخرجه النسائي في الايمان و النذور عن عمرو بن على و عن محمد بن عبد الاعلى و عن محمد بن يحيى و عن زياد بن أيوب .و عن أحمد بن سليمان و عن محمد بن قدامة .و أخرجه ابن ماجه في الكفارات عن أبى بكر بن أبي شيبة .و للحديث طرق عن عبد الرحمن بن سمرة بمعناه عن عدى بن حاتم عند مسلم بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها و ليأت الذي هو خير " و في لفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير و ليكفر عن يمينه " رواه مسلم و أحمد و النسائي و ابن ماجه و عن أبى هريرة عند أحمد و مسلم و الترمذي و صححه بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه و ليفعل الذي هو خير و في لفظ لمسلم " فليأت الذي هو خير و ليكفر عن يمينه " و عن أبى موسى مرفوعا عند أحمد البخارى و مسلم بلفظ " لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير و تحللتها " و فى لفظ " إلا كفرت عن يمينى و فعلت الذي هو خير و في لفظ إلا أتيت الذي هو خير و كفرت عن يمينى و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي و أبى داود مرفوعا " لا نذر و لا يمين فيما لا تملك و لا في معصية و لا في قطيعة رحم " و قال أبو داود .الاحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه و سلم " و ليكفر عن يمينه إلا ما لا يعبأ به " و قال الحافظ بن حجر في الفتح .و رواته - يعنى حديث عمرو بن شعيب - لا بأس بهم ، لكن اختلف في سنده على عمرو ، و في بعض طرقه عند أبى داود " و لا في معصية "
(115)
أما الاحكام فإن الاصل في كفارة اليمين الكتاب و السنة و الاجماع .أما الكتاب فقول الله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " و أما السنة فما مضى آنفا من أحاديث عبد الرحمن بن سمرة و غيره من الصحابة .و قد أجمع المسلمون على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى ، و الاحاديث دالة على أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ، و يختلف باختلاف حكم المحلوف عليه .فإن حلف على فعل واجب أو ترك حرام فيمينه طاعة و التمادى مستحب و الحنث معصية ، و العكس بالعكس و ان حلف على فعل نفل فيمينه طاعة و التمادى مستحب و الحنث مكروه و ان حلف على ترك مندوب فبعكس الذي قبله .و إن حلف على فعل مباح فإن كان يتجاذبه رجحان الفعل أو الترك ، كما لو حلف لا يأكل طيبا و لا يلبس ناعما ففيه عندنا خلاف .قال أبن الصباغ في الشامل - و صوبه المتأخرون - إن ذلك يختلف باختلاف الاحوال .و إن كان مستوى الطرفين فالأَصح أن التمادي أولى لانه قال " فليأت الذي هو خير " و اختلف الائمة هل تتقدم الكفارة الحنث أم تأتي بعده ؟ فاستدل القائلون بوجوب الكفارة قبل الحنث بقوله صلى الله عليه و سلم " فكفر عن يمينك ثم أئت الذي هو خير " و هذا الرواية صححها الحافظ في بلوغ المرام ، و أخرج نحوها أو عوانة في صحيحه .و أخرج الحاكم عن عائشة نحوها و أخرج الطبراني من حديث أم سلمة بلفظ " فأت الذي هو خير و كفر " لان الواو لا تدل على الترتيب إنما هى لمطلق الجمع ، على أن الواو لو كانت تفيد ذلك لكانت الرواية التي بعدها " فكفر يمينك و أئت الذي هو خير " تخالفها و كذلك بقية الروايات التي حرصنا على إثباتها هنا قال ابن المنذر .رأى ربيعة و الاوزاعى و مالك و الليث و سائر فقهاء الامصار أهل الرأي أن الكفارة تجزي قبل الحنث ، إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزى الا بعد الحنث و قال أصحاب الرأي " لا تجزى الكفارة قبل الحنث " و عن مالك روايتان .
(116)
و وافق الحنفية أشهب المالكي و داود الظاهرى ، و خالفه ابن حزم ، و احتج الطحاوي لابى حنيفة بقوله تعالى ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم .و قال القرطبي : اختلف العلماء في تقديم الكفارة على الحنث هل تجزي أم لا ؟ - بعد إجماعهم على أن الحنث قبل الكفارة مباح حسن ، و هو عندهم أولى - على ثلاثة أقوال ( أحدها ) يجزى مطلقا ، و هو مذهب أربعة عشر من الصحابة و جمهور الفقهاء و هو مشهور مذهب مالك .و قال أبو حنيفة و أصحابه : لا يجزى بوجه ، و هي رواية أشهب عن مالك .ثم ذكر وجه الجواز فأتى بحديث أبى موسى ، ثم ذكر وجه المنع فساق حديث عدي بن حاتم .و القول الثالث و هو قول الشافعي " تجزي بالاطعام و الكسوة و لا تجزئ الصوم ، لان عمل البدن لا يقدم قبل وقته ، و يجزئ في ذلك ككفارة الظاهر قبل العود ، و كفارة القتل بعد الجرح و قبل الموت على أحد الوجهين عند أصحابنا .و قال الحافظ بن حجر في الفتح و أولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر .و احتجوا أيضا بأن ظاهر الآية أن الكفارة وجبت بنفس اليمين ورده من أجازها بأنها لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث اتفاقا ، و احتجوا أيضا بأن الكفارة بعد الحنث فرض و إخراجها قبله تطوع ، فلا يقوم التطوع مقام المفروض ، هكذا أفاده الشوكاني في النيل .و قال القاضي عياض ، اتفقوا على الكفارة لا تجب إلا بالحنث ، و أنه يجوز تأخيرها بعد الحنث .أه و استحب مالك و الاوزاعى و الثورى تأخيرها بعد الحنث ، و هو مذهبا كما أثبته المصنف ، و قال القاضي عياض و منع بعض المالكية تقديم كفارة الحنث في المعصية لان فيه إعانة على المعصية ، ورده الجمهور قال ابن المنذر ، و احتج الجمهور بأن اختلاف ألفاظ الاحاديث لا يدل على تعين أحد الامرين ، و الذي يدل عليه أنه أمر الحالف بأمرين ، فإذا أتى بهما
(117)
جميعا فقد فعل ما أمر به ، و إذا دل الخبر على المنع فلم يبق إلا طريق النظر .فاحتج للجمهور بأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء و هو كلام ، فلان تحله الكفارة و هي فعل مالى أو بدني أولى ، و يرجح قولهم أيضا بالكثره .و ذكر القاضي عياض أن عدة من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشر صحابيا و تبعهم فقهاء الامصار إلا أبا حنيفة .قال الشوكاني ان المتوجة للعمل برواية الترتيب المدلول عليه بلفظ ثم ، و لو لا الاجماع المحكي على جواز تأخير الكفارة عن الحنث لكان ظاهر الدليل أن تقديم الكفارة واجب .و قال المازرى للكفارة ثلاث حالات ، أحدها قبل الحلف فلا تجزي اتفاقا ، ثانيها بعد الحلف و الحنث فتجزئ اتفاقا .ثالثها بعد الحلف و قبل الحنث ففيها الخلاف .و قد وقع في حديث عدى بن حاتم عند مسلم ما يوهم أن فعل الذي هو خير كفارته ، فإنه أخرجه بلفظ " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير و ليترك يمينه " هكذا أخرجه من وجهين و لم يذكر الكفارة ، و لكن أخرجه من وجه آخر بلفظ " فرأى غيرها خيرا منها فليكفرها و ليأت الذي هو خير " و مداره في الطرق كلها على عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدى و الذى أتى بالزيادة حافظ ، و زيادة الحافظ معتمدة و قوله " من أوسط ما تطعمون " هو المتوسط ما بين قوت الشدة و السعة و قد أخرج ابن ماجه عن سفيان بن عيينة عن سليمان بن أبى المغيرة عن سعيد بن جبير عن أبن عباس قال " كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة ، و كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة فنزلت ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) و قد ذكر الله تعالى في الكفارة الخلال الثلاث فخير فيها و عقب عند عدمها بالصيام ، و بدأ بالطعام لانه كان الافضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة اليه و عدم شبعهم ، و لا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير قال ابن عباس ما كان في كتات الله ( أو ) فهو مخير فيه ، و ما كان ( فمن لم يجد ) فالأَول الاول .هكذا ذكره الامام أحمد في التفسير .قال القاضي ابن العربي ، و الذي عندي أنها تكون بحسب الحال ، فإن علمت محتاجا فالطعام
(118)
أفضل ، لانك إذا أعتقت لم تدفع حاجتهم و زدت محتاجا حادى عشر إليهم .و كذلك الكسوة تليه و لما علم الله الحاجة بدأ بالمقدم .اه و قوله تعالى ( إطعام عشرة مساكين ) الذي عندنا أنه يجب تمليك المساكين مايخرج لهم و دفعه إليهم حتى يتملكوه و يتصرفوا فيه ، لقوله تعالى ( و هو يطعم و لا يطعم ) و في الحديث " أطعم رسول الله صلى الله عليه و سلم الجد السدس " و قال أبو حنيفة : لو غدا هم و عشاهم جاز .و هو اختيار ابن الماجشون من المالكية الذي قال : إن التمكين من الاطعام إطعام .قال تعالى ( و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتميا و أسيرا ) فبأى وجه أطعمة دخل في الآية و في قدر الاطعام خلاف ، فعندنا و عند مالك و أهل المدينة مد لكل واحد من المساكين العشرة إن كان بمدينه رسول الله صلى الله عليه و سلم .قال سليمان ابن يسار : أدركت الناس و هم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الاصغر ، و رأوا ذلك مجزئا عنهم ، و هو قول ابن عمر و ابن عباس و زيد بن ثابت ، و به قال عطاء بن أبى رباح ، و اختلف إذا كان بغيرها .و قد سبق لنا في كفارة الظهار بيان مقدار ما يعطى كل مسكين و جنسه فارجع اليه .أما قوله تعالى ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) روى أحمد في كتاب التفسير بإسناده عن ابن عمر قال " الخبز و اللبن " و في رواية عنه قال " الخبز و التمر و الخبز و الزيت و السمن " و قال أبو رزين " خبز وزيت و خل " و قال الاسود بن يزيد " الخبز و التمر " و عن على " الخبز و التمر ، الخبز و السمن ، الخبز و اللحم .و عن ابن سيرين قال : كانوا يقولون أفضله الخبز و اللحم .و أوسطه الخبز و السمن و أ خمسه الخبز و التمر ( قلت ) لا يجزئ عندنا شيء من هذا كما مضى في كفارة الظهار و كفارة الصوم ، حيث لا يجزئ دقيق و لاخبز و لا سويق ، لانه خرج عن حالة الكمال و الادخار و لا يجزئ في الزكاة فلم يجزئ في الكفارة كالقيمة ، و قال ابن القاسم يجزئه المد بكل مكان و قال ابن المواز " أفتى ابن وهب بمصر بمد و نصف ، و أشهب بمد و ثلث " قال و ان مدا و ثلثا لوسط من عيش الامصار في الغداء و العشاء .