لانه شارك في القتل عامدا فوجب عليه القصاص كشريك الاب ( و الثاني ) لا يجب عليه القصاص إذا شارك من لا ضمان عليه أولا ( فرع ) و إن جرحه رجل جراحة يقتل منها عامدا فداوى نفسه بسم فمات نظرت - فإن كان سما موحيا يقتل في الحال لم يجب على الجارح قصاص في النفس لانه قطع سراية جرحه بالسم ، فصار كما لو جرحه رجل ثم ذبح نفسه و إن كان السم قد يقتل و قد لا يقتل ، و الغالب أنه لا يقتل لم يجب على الجارح قصاص في النفس لانه مات من فعلين ، وأحدهما عمد خطأ ، فهو كما لو شارك العامد مخطئا ، و إن كان السم قد يقتل و قد لا يقتل و الغالب أنه يقتل بأن وضع سيانيد البوتاسيوم على الجرح فهل يجب القصاص على الجارح في النفس ؟ اختلف أصحابنا فيه ، فمنهم من قال فيه قولان ، لانه شارك قاصدا إلى الجناية و لا يجب عليه الضمان ، فهو كما لو جرح نفسه و جرحه آخر ، أو جرحه سبع و جرحه آخر ، و منهم من قال لا يجب عليه القصاص قولا واحدا ، لانه لم يقصد الجناية على نفسه و إنما قصد المداواة فصار فعله عمد خطأ بخلاف شريك السبع و شريك من جرح نفسه و أنهما قصدا الجناية ( فرع ) و ان جرحه رجل فخيط جرحه فمات نظرت - فإن خيط في لحم ميت كاللحم إذا قطعه السيف فإن القود يجب على الجارح لانه لا سراية للخياطة في اللحم الميت ، و ان خيط في اللحم الحى نظرت - فإن خاطه المجروح بنفسه أو خاطه غيره بأمره - فهل يجب القود على الجارح في النفس ؟ فيه طريقان كما قلنا فيه إذا داوى جرحه بسم قد يقتل و قد لا يقتل ، إلا أنه يقتل في الغالب ، و ان خاطه أجنبي بغير اذنه أو أكرهه على ذلك وجب القود على الجارح و الذي خاط الجراحة لانهما قاتلان ، و ان خاطه السلطان و أكرهه على ذلك ، فإن كان لا ولاية له عليه كان كغيره من الرعية فيجب عليه القود في النفس مع الجارح و ان كان له على المجروح ولاية بأن كان صغيرا أو مجنونا أو خاطها الولى عليه السلطان أو كان على المولى عليه سلعة فقطعها وليه فمات ، فهل يجب عليه القود فيه قولان : ( أحدهما ) يجب عليه القود لانه جرح جرحا مخوفا فوجب عليه القود ،
فعلى هذا يجب على شريكه و هو الجارح القود ( و الثاني ) لا يجب عليه القود لانه لم يقصد الجناية و انما قصد المداواة فصار فعله عمد خطأ ، فعلى هذا لا يجب عليه أو على شريكه القود في النفس .
و يجب على كل واحد منهما نصف ديته مغلظة و هل يكون ما وجب على الامام من ذلك في ماله أو في بيت المال ؟ فيه قولان يأتى بيانهما إن شاء الله تعالى ( فرع ) و إن جرح رجل رجلا جرحا و جرحه آخر مائة جرح ثم مات فهما شريكان في القتل ، فيجب عليهما القود ، لانه يجوز أن يموت من الجرح الواحد كما يجوز أن يموت من المائة ، و إذا تساوي الجميع في الجواز فالظاهر أنه مات من الجميع فصارا قاتلين فيجب عليهما القود و ان عفا عنهما وجبت الدية عليهما نصفين و لا تقسط الدية على عدد الجراحات كما قلنا في الجلاد إذا زاد جلده على ما أمر به في أحد القولين ، لان الاسواط متماثلة و الجراحات لها مور في البدن أى قطع .
و قد يجوز الواحدة منهما هى القاتلة وحدها دون غيرها ، و ان أجافه رجل جائفة و جرحه آخر جراحة جائفة ثم مات منهما فهما سواء ، و كون احداهما أعمق من الاخرى لا يمنع من تساويهما كما لا يمنع زيادة جراحات أحدهما في العدد التساوى بينهما ( فرع ) إذا قطع رجل حلقوم رجل أو ضربه ثم جاء آخر فقطعه نصفين أو خرق بطنه و قطع أمعاءه و أبانها معه ثم جاء آخر فذبحه فالأَول قاتل يجب عليه القود و لا يجب على الثاني الا التعزيز ، لان بعد جناية الاول لا يبقى فيه حياة مستقرة ، و انما يتحرك كما يتحرك المذبوح ، و لانه قد صار في حكم الموتى بدليل أنه لا يصح اسلامه و لا توتبه ، و لا يصح بيعه و لا شراؤه و لا وصيته و لا يرث و ان جنى لم يجب عليه شيء فصار كما لو جنى على ميت و ان قطع الاول يده أو رجله ثم حز الاخر رقتبه أو اجافه الاول ثم قطع الثاني رقبته فالأَول جارح يجب عليه ما يجب على الجارح و الثاني قاتل ، لان بعد جناية الاول فيه حياة مستقرة ، لانه قد يعيش اليوم و اليومين و قد لا يموت من هذه الجناية ، بدليل أنه يصح اسلامه و توبته و بيعه و شراؤه و وصيته :
و لهذا لما طعن أبو لؤلوة المجوسي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في بطنه فجاءه الطبيب و سقاه لبنا فخرج اللبن من بطنه ، فقال له اعهد إلى الناس ، فعهد عمر رضى الله عنه ثم مات فعملت الصحابة رضوان الله عليهم بعهده فصار كالصحيح ، و الله تعالى أعلم بالصواب قال المصنف رحمه الله تعالى : ( باب ما يجب به القصاص من الجنايات ) إذا جرحه بما يقطع الجلد و اللحم كالسيف و السكين و السنان ، أو بما حدد من الخشب و الحجر و الزجاج و غيرها أو بما له مور و بعد غور كالمسلة و النشاب و ما حدد من الخشب و القصب و مات منه وجب عليه القود ، لانه قتله بما يقتل غالبا ، و إن غرز فيه إبرة - فإن كان في مقتل كالصدر و الخاصرة و العين و أصول الاذن فمات منه - وجب عليه القود ، لان الاصابة بها في المقتل ، كالاصابة بالسكين و المسلة في الخوف عليه ، و إن كان في مقتل كالالية و الفخذ نظرت - فإن بقي منه ضمنا إلى أن مات - وجب عليه القود ، لان الظاهر أنه مات منه و ان مات في الحال ففيه وجهان ( أحدهما ) و هو قول أبى إسحاق أنه يجب عليه القود لان له غورا و سراية في البدن .
و في البدن مقاتل خفية ( و الثاني ) و هو قول أبى العباس و أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يجب لانه لا يقتل في الغالب فلا بجب به القود ، كما لو ضربه بمثقل صغير ، و لان في المثقل فرقا بين الصغير و الكبير ، فكذلك في المحدد ( الشرح ) اللغات : المور الموج و الاضطراب و الجريان ، و مار الدم يمور مورا جرى ، و أماره أساله ، و مار السنان في المطعون إذا قطعه و دخل فيه .
قال الشاعر : و أنتم أناس تغمضون من القنا إذا مار في أكتافكم و تأطرا و يقولون : فلان لا يدرى ما سائر من مائر ، فالمائر السيف القاطع الذي يمور
في الضربية مورا ، و السائر بيت الشعر المروي المشهور .
أما الغور فهو قعر كل شيء و قوله " ضمنا " هو الذي به الزمانة في جسده من بلاء أو كسر أو غيره .
أما الاحكام فإنه إذا جرح رجل رجلا بما يجرح بحده كالسيف و السكين أو بما حده من الرصاص و القصب و الذهب و الخشب أو بالليطة و هي القصبة المشقوقة أو بما له مور في البدن كالسنان و السهم و المغراز الذي يثقب به الاسكافى النعل و المسلة - و هي المخيط - فمات منها - وجب على الجارح القود ، سواء كان الجراح صغيرا أو كبيرا أو سواء مات في الحال أو بقي متألما إلى أن مات ، و سواء كان في مقتل أو في مقتل ، لان جميع ذلك يشق اللحم و يبضعه و يقتل غالبا و أما إذا غرز فيه إبرة فمات نظرت - فإن غرزها في مقتل مثل أصول الاذنين و العين و القلب و الانثيين وجب عليه القود لانها تقتل غالبا إذا غرزت في هذه المواضع ، و ان غرزت في مقتل كالالية و الفخذ ، قال ابن الصباغ فإن بالغ في أدخلها فيها وجب عليه القود ، و ان لم يبالغ في أدخلها بل غرزها فاختلف أصحابنا فيه فقال الشيخان أبو حامد الاسفرائينى و أبو إسحاق المروزي : ان بقي من ذلك متألما إلى أن مات فعليه القود ، لان الظاهر أنه مات منه و ان مات في الحال ففيه وجهان .
قال أبو إسحاق يجب عليه القود لان الشافعي رحمه الله قال سواء صغر الجرح أو كبر فمات المجروح فإن القود يجب فيه .
و لانه جرحه بحديدة لها مورة في البدن فوجب فيها القود كالمسلة و قال أبو العباس بن سريج و أبو سعيد الاصطخرى : لا يجب به القود لان الغالب أن الانسان لا يموت من غرز أبرة ، فإذا مات علمنا أن موته وافق غرزها فهو كما لو رماه ببعرة أو ثوب فمات ، كالذي يموت بالسكتة القلبية في الحظة التي يضربه آخر بعصا لا يموت من مثلها ، و قد دخل علم الطب الشرعي و التشريح الدارس لاسباب الجناية في مثل الحالات فحدد أسباب الوفاة بطريق قطعية أو شبيهة بالقطعية هي أقرب الوسائل للوصول إلى ما هو الحق ، إذا تولى ذلك اثنان من الاطباء الشرعيين الثقات العدول ، لانا نقول فيهما ما سبق أن قلناه في القافة في اتفاقهما و اختلافهما و تطابقهما و تناقضهما
و اعترض ابن الصباغ على هذا فقال لا وجه لهذا التفصيل عندي ، لانه إذا كانت العلة لا تقتل غالبا فلا وصل بين أن يبقى ضمنا منه أو يموت في الحال ، فإن قيل لانه إذا لم يزل ضمنا منه فقد مات منه ، و إذا مات في الحال فلا يعلم أنه مات منه ، قال فكان ينبغى أن يكون الوجهان في وجوب الضمان دون القود " فيراعى في الفعل أن يكون بحيث يقتل في الغالب ، ألا ترى أن الناس يحتجمون و يقتصدون ؟ أفترى ذلك يقتل في الغالب و هم يقدمون عليه ؟ و قال المسعودي : هل يجب عليه القود ؟ فيه وجهان من تفصيل قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و ان ضربه بمثقل نظرت فإن كان كبيرا من حديد أو خشب أو حجر فمات منه وجب عليه القود لما روى أنس رضى الله عنه أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر ، فقتله رسول الله صلى الله عليه و سلم بين حجرين ، و لانه يقتل غالبا فول لم يجب فيه القود جعل طريقا إلى إسقاط القصاص و سفك الدماء .
و ان قتله بمثقل صغير لا يقتل مثله كالحصاة و القلم فمات لم يجب القود و لا الدية ، لانا نعلم أنه لم يمت من ذلك ، و ان كان بمثقل قد يموت منه و قد لا يموت كالعصا .
فإن كان في مقتل و في مريض أو في صغيرا أو في حر شديد أو في برد شديد أو و إلى عليه الضرب فمات وجب عليه القود ، لان ذلك يقتل غالبا فوجب القود فيه .
و ان رماه من شاهق أو رمى عليه حائطا فمات وجب القود فيه ، لان ذلك يقتل في الغالب ، و ان خنقه خنقا شديدا أو عصر خصيتيه عصرا شديدا أو غمه بمخدة أو وضع يده على فيه و منعه التنفس إلى أن مات وجب القود لان ذلك يقتل في الغالب ، و ان خنقه ثم خلاه و بقى منه متألما إلى أن مات وجب القود ، لانه مات من سراية جنايته ، فهو كما لو جرحه و تألم منه إلى أن مات ، و ان تنفس و صح ثم مات لم يجب القود ، لان الظاهر أنه لم يمت منه فلم يجب القود ، كما لو جرحه و اندمل الجرح ثم مات ( فصل ) و ان طرحه في نار أو ماء و لا يمكنه التخلص منه لكثرة الماء
و النار أو لعجزه عن التخلص بالضعف ، أو بأن كتفه و ألقاه فيه و مات وجب القود لانه يقتل غالبا ، و ان ألقاه في ماء يمكنه التخلص منه فالتقمه حوت لم يجب القود ، لان الذي فعله لا يقتل غالبا ، و ان كان في لجة لا يتخلص منها فالتقمه حوت قبل أن يصل إلى الماء ففيه قولان ( أحدهما ) يجب القود لانه ألقاه في مهلكه فهلك ( و الثاني ) لا يجب لان هلاكه لم يكن بفعله ( الشرح ) حديث أنس أخرجه البخارى في الديات عن محمد و عن حجاج ابن منهال و عن إسحاق و عن مسدد و عن محمد بن بشار ، و في الطلاق و في الوصايا عن حسان بن أبى عباد و في الاشخاص عن موسى بن اسماعيل و أخرجه مسلم في الديات عن محمد بن المثنى و محمد بن بشار و عن هداب و عن عبد بن حميد و أخرجه أبو داود في الديات عن عثمان بن أبى شيبة و أحمد بن صالح و محمد بن كثير و أخرجه الترمذي في الديات عن علي بن حجر و النسائي في القود عن علي بن حجر و عن إسحاق بن إبراهيم ، و عن محمد بن عبد الله و عن اسماعيل بن مسعود ، و في المحاربة عن أحمد بن عمرو بن السرح و الحارث بن مسكين و ابن ماجه في الديات عن علي بن محمد و عن محمد بن بشار و أخرجه أيضا أحمد و الدار قطنى " أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها من فعل بك هذا ؟ فلان أو فلان حتى سمى اليهودي ، فأومأت برأسها ، فجئ به فاعترف ، فأمر به النبي صلى الله عليه و سلم فرض رأسه بحجرين " و في رواية لمسلم " فقتلها بحجر فجئ بها إلى النبي صلى الله عليه و سلم و بها رمق " و في رواية أخرى " قتل جارية من الانصار على حلى لها ثم ألقاها في قليب و رضخ رأسها بالحجارة ، فأمر به أن يرجم حتى يموت ، فرجم حتى مات " أما اللغات فالمثقل بضم الميم و فتح الثاء المثلثة و تشد القاف المفتوح بصيغة المفعول و المثقلة بالتأنيث كلاهما رخامة و نحوها يثقل بها البساط أما الا وضاح فهي جمع وضح ، يقال درهم وضح ، نقى أبيض على النسب ، و الوضح الدرهم الصحيح و الا وضاح حلى من الدراهم الصحاح .
و حكى ابن الاعرابى أعطيته دراهم أوضاحا كأنها ألبان شوك رعت بد كداك مالك : مالك رمل بعينه
و قلما ترعى الابل هنالك الا الحلى و هو أبيض ، فشبه الدراهم في بياضها بألبان الابل التي لا ترعى إلا الحلى وضح القدم بياض أخمصه و قوله " غمة بمخدة " غممته غطيته فانغم .
أما الاحكام فإن إن ضربه بمثل فمات منه - فإن كان يقتل مثل الحجر الكبير أو الخشبة أو الدبوس أو رمى عليه حائطا أو سقفا و ما أشبهه - وجب عليه القود .
و به قال مالك و ابن أبى ليلي و أبو يوسف و محمد .
و قال النخعي و الشعبى و الحسن البصري و أبو حنيفة : لا يجب القصاص بالمثقل دلينا ما روى طاوس عن أبن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول " و الخطأ دية لا قود فيه و لم يفرق و روى أنس الحديث الذي ساقه المصنف في الفصل و خرجناه آنفا ، قال العمراني و في هذا الخبر فوائد إحداها أن القود يجب بالقتل بالمثقل .
الثانية أنه يستفاد به .
الثالثة أن اليهودي يقتل بالمسلم .
الرابع أن الرجل يقتل بالمرأة .
الخامس أن الاشارة حكم لانه لو لم يكن لها حكم لانكر عليهم النبي صلى الله عليه و سلم ( قلت ) مذهبنا و مذهب الجمهور .
و حكى ابن المنذر الاجماع عليه إلا رواية عن علي ، و عن الحسن و عطاء أن الرجل يقتل بالمرأة ، و رواه البخارى عن أهل العلم .
قال الشوكاني في النيل : و روى في البحر عن عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري و عكرمة و عطاء و مالك واحد قولى الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة ، و إنما تجب الدية ، و قد رواه عن الحسن البصري أبو الوليد الباجى و الخطابى .
و حكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم ، و لكنه قال : و هو مذهب مالك و الشافعي ، و لم يقل و هو أحد قولى الشافعي ، كقول صاحب البحر ، و قد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشري و هم محض .
قال و لا يوجد في كتب المذهبين - يعنى مذهب مالك و الشافعي - تردد في قتل الذكر بالانثي و أخرج البيهقي عن أبى الزناد أنه قال : كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهى