الله تعالى " و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم " و لانه لبن إمرأة فتعلق به التحريم ، كما لو ثان بوطء ، و لان ألبان النساء خلقت لغذاء الاطفال ، فإن كان هذا نادرا فجنسه معتاد .( مسألة ) يشترط في نشر الحرمة بين المرتضع و بين الرجل الذي ثار اللبن بوطئه أن يكون لبن حمل ينتسب إلى الواطي ، إما لكون الوطء في نكاح أو ملك يمين أو نكاح شبهة .فأما لبن الزاني أو النافي للولد باللعان فلا ينشر الحرمة بينهما هذا هو مذهبنا و به قال أبو عبد الله بن حامد و الخرقى من أصحاب أحمد ، و قال أبو بكر بن عبد العزيز منهم : تنتشر الحرمة بين المرتضع و بين الزاني أو النافي باللعان لانه معنى ينتشر الحرمة ، فاستوى في ذلك مباحه و محظوره كاوطء يحققه أو الواطي حصل منه لبن و ولد ثم ان الولد ينتشر الحرمة بينه و بين الواطي كذلك اللبن ، و لانه رضاع ينشر الحرمة إلى المرضعة بالاتفاق فنشرها إلى الواطي كصورة الاجماع .و دليلنا أن التحريم بينهما فرع لحرمة الابوة ، فلما لم تثبت حرمة الابوة لم يثبت ما هو فرع لها .فأما المرضعة فإن الطفل المرتضع محرم عليها و منسوب إليها عند الجميع ، و كذلك يحرم جميع أولادها و أقاربها الذين يحرمون على أولادها على هذا المرتضع كما في الرضاع باللبن المباح قال المصنف رحمه الله تعالى ( فصل ) إذا ثار لها لبن على ولد من زوج فطلقها و تزوجت بآخر ، فاللبن للاول إلى أن تحبل من الثاني ، و ينتهى إلى حال ينزل اللبن على الحبل ، فإن أرضعت طفلا كان ابنا للاول زاد اللبن أو لم يزد انقطع ثم عاد أو لم ينقطع ، لانه لم يوجد سبب يوجب حدوث اللبن الاول ، فإن بلغ الحمل من الثاني إلى حال ينزل فيه اللبن نظرت - فان لم يزد اللين - فهو للاول ، فان أرضعت به طفلا كان ولداللاول ، لانه لم يتغير اللبن : فان زاد فارتضع به طفل ففيه قولان
(225)
قال في القديم هو ابنهما لان الظاهر أن الزيادة لاجل الحبل ، و المرضع به لبنهما فكان ابنهما .و قال في الجديد هو ابن الاول ، لان اللبن للاول يقين ، و يجوز أن تكون الزيادة لفضل الغذاء ، و يجوز أن تكون للحمل ، فلا يزال اليقين بالشك فإن انقطع اللبن ثم عاد في الوقت الذي ينزل اللبن على الحبل فأرضعت به طفلا ففيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنه ابن الاول ، لان اللبن خلق غذاء للولد دون الحمل ، و الولد للاول فكان المرضع به ابنه .( و الثاني ) أنه من الثاني ، لان لبن الاول انقطع فالظاهر أنه حدث للحمل و الحمل للثاني فكان المرضع باللبن أبنه ( و الثالث ) أنه ابنهما ، لان لكل واحد منهما إمارة تدل على أن اللبن له ، فجعل المرضع باللبن ابنهما ، فإن وضعت الحمل و أرضعت طفلا كان إبنا للثاني في الاحوال كلها ، زاد اللبن أو لم يزد ، اتصل أو انقطع ثم عاد ، لان حاجة المولود إلى اللبن تمنع أن يكون اللبن لغيره ( الشرح ) إذا ثار لبن منها على ولده من زوج طلقها فتزوجت أخر لم يخل من خمسة أحوال : 1 - أن يبقى لبن الاول بحاله لم يزد و لم ينقص و لم تلد من الثاني فهو للاول سواء حملت من الثاني أو لم تحمل ، لا نعلم فيه خلافا ، لان اللبن كان للاول و لم يتجدد ما يجعله من الثاني فبقى للاول 2 - أن لاتحمل من الثاني فهو للاول ، سواء زاد أو لم يزد ، أو انقطع ثم عاد أو لم ينقطع .3 - أن تلد من الثاني فاللبن له خاصة .قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه ، و هو قول أبى حنيفة و أحمد ، سواء زاد لم يزد ، انقطع أو اتصل ، لان لبن الاول ينقطع باولادة من الثاني ، فان حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره .4 - إذا انتهى الحمل إلى حال ينزل به اللبن فزاد به ففيه قولان ، أحدهما قوله
(226)
في القديم هو لهما و تنتشر الحرمة بينه و بينهما ، لان زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنها منه ، و بقاء لبن الاول يقتضى كون أصله منه فجيب أن يضاف إليهما ، و بهذا قال الحنابلة ، الثاني هو للاول لان اللبن له بيقين ، و يجوز أن تكون الزيادة بسبب التغذية أو استدرار الطفل للثدي فينشط الثدي نتيجة الاحساس بالامومة لدى المرضعة فيثور لبنها لاسباب نفسية من الرحمة يقذفها الله في قلب المرأة ، و قد حدث لي و أنا رضيع فقد ماتت الام بعد ولادتي بستة أشهر و كانت جدتي لابى تبلغ من العمر زهاء الثمانين عاما فثار اللبن في ثدييها رحمة بي و إشفاقا على من الهلاك : و هذا من الاسباب التي هيأها الله لي أن أعيش و قد حرمت على بنات أعمامى و بنات عمانى ، و ظل اللبن في ثدييها إلى ان أدركتها المية على رأس المائة ، و إنما يخلق الله اللبن للولد عند وجوده سدا لحاجته و حفظا لحياته ، و قال أبو حنيفة هو للاول ما لم تلد من الثاني 5 - انقطع اللبن من الاول ثم ثاب بالحمل من الثاني ففيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنه ابن الاول و هو قول أبى حنيفة ، لان الحمل لا يقتضى اللبن ، و انما يخلقه الله تعالى للولد عند وجوده لحاجته اليه ، و قد سبق عند الكلام على قوله في الجديد ( الثاني ) أنه ابن الثاني ، و هو اختيار أبى الخطاب من الحنابله ، لان لبن الاول انقطع فزال حكمه بانقطاعه و حدث بالحمل من الثاني ، فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الاول ( و الثالث ) أنه ابنهما ، و ذلك لان اللبن كان للاول فلما عاد بحدوث الحمل ، فالظاهر أن لبن الاول ثاب بسبب الحمل الثاني ، فكان مضافا إليهما كما لو لم ينقطع قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إن وطي رجلان إمرأة وطئا يلحق به النسب فأتت بولد و أرضعت بلبنه طفلا ، كان الطفل إبنا لمن يلحقه نسب الولد ، لان اللبن تابع للولد ، فإن مات الولد و لم يثبت نسبه بالقافة و لا بالانتساب إلى أحدهما - فإن كان له ولد - قام مقامه في الانتساب ، فإذا انتسب إلى أحدهما صار المرضع ولد من انتسب اليه ، و إن لم يكن له ولد ففي المرضع بلبنه قولان
(227)
( أحدهما ) أنه إبنهما ، لان اللبن قد يكون من الوطء ، و قد يكون من الولد ( و القول الثاني ) أنه لا يكون ابنهما ، لان المرضع تابع للمناسب و لا يجوز أن يكون المناسب إبنا لاثنين ، فكذلك المرضع ، فعلى هذا هل يخير المرضع في الانتساب إلى أحدهما ؟ فيه قولان ( أحدهما ) لا يخير لانه لا يعرض على القافة فلا يخير بالانتساب ( و الثاني ) يخير لان الولد قد يأخذ الشبه بالرضاع في الاخلاق و يميل طبعه إلى من ارتضع بلبنه ، و لهذا روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " أنا أفصح العرب و لا فخر ، بيد أنى من قريش و نشأت في بني سعد و ارتضعت في بني زهرة و لهذا يقال يحسن خلق الولد إذا حسن خل المرضعة ، و يسوء خلقه إذا ساء خلقها فإذا قلنا إنه يخير فانتسب إلى أحدهما كان إبنه من الرضاعة ، فإذا قلنا لا يخير فهل له أن يتزوج بنتيهما ؟ فيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) و هو الاصح ، أنه لا يحل له نكاح بنت واحد منهما ، لانا و إن جهلنا عين الاب منهما إلا أنا نحققأن بنت أحدهما أخته و بنت الآخر أجنبية فلم يجز له نكاح واحدة منهما ، كما لو اختلطت أخته بأجنبية ( و الثاني ) أنه يجوز أن يتزوج بنت من شاء منهما ، فإذا تزوجها حرمت عليه الاخرى ، لان الاصل في بنت كل واحد منهما الاباحة و هو يشك في تحريمها و اليقين لا يزال بالشك ، فإذا تزوج أحدهما تعينت الاخوة في الاخرى فحرم نكاحها على التأييد ، كما لو اشتبه ماء طاهر و ماء نجس فتوضأ بأحدهما بالاجتهاد ، فإن النجاسة تتعين في الآخر ، و لا يجوز أن يتوضأ به .( و الثالث ) أنه يجوز ان يتزوج بنت كل واحد منهما ثم يطلقها ثم يتزوج الاخرى ، لان الحظر لا يتعين في واحده منهما ، كما يجوز أن يصلى بالاجتهاد إلى جهة ثم يصلى بالاجتهاد إلى جهة أخرى ، و يحرم أن يجمع بينهما ، لان الحظر يتعين في الجميع فصار كرجلين رأيا طائرا فقال أحدهما إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر ، و قال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ، فطار و لم يعلم أنه غراب و لا غيره ، فإنه لا يعتق على واحد منهما لانفراده بملك مشكوك فيه ، و إن اجتمع العبدان لواحد عتق أحدهما لاجتماعهما في ملكه
(228)
( فصل ) و إن أتت إمرأته بولد و نفاه باللعان فأرضعت بلبنه طفلا كان الطفل إبنا للمرأة و لا يكون إبا للزوج ، لان الطفل تابع للولد ، و الولد ثابت النسب من المرأة دون الزوج فكذلك الطفل ، فإن أقر بالولد صار الطفل إبنا له لانه تابع للولد .( فصل ) و إن كان لرجل خمس أمهات أولاد فثار لهن منه لبن فارتضع صبي من كل واحدة منهن رضعة ففيه وجهان ( أحدهما ) و هو قول أبى العباس بن سريج و أبى القاسم الانماطي و أبى بكر ابن الخداد المصري : إنه لا يصير المولى أبا للصبي لانه رضاع لم يثبت به الامومة فلم تثبت به الابوة ( و الثاني ) و هو قول أبى إسحاق و أبى العباس بن القاص : إنه يصير المولى أبا للصبي ، و هو الصحيح ، لانه ارتضع من لبنه خمس رضعات فصار إبنا له ، و إن كان لرجل خمس أخوات فارتضع طفل من كل واحده منهن رضعة فهل يصير خالا له ؟ على الوجهين ( الشرح ) ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم رضع من ثويبة مولاة أبى لهب أرضعته أياما و أرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الاشد المخزومي بلبن ابنها مسروح و أرضعت معهما حمزة بن عبد المطلب و اختلف في اسلامهما - ثم أرضعته حلمية السعدية بلبن ابنها عبد الله أخى أنيسة و جذ امة ، و هي الشيماء أولاد الحرث بن عبد العزي بن رفاعة السعدي ، و اختلف في اسلام أبويه من الرضاعة ، و أرضعت معه ابن عمه أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، و كان شديد العدواة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم أسلم عام الفتح و حسن اسلامه و كان عمه مسترضعا في بني سعد بن بكر ، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو عند أمه حليمة ، فكان حمزة رضيع رسول الله صلى و سلم من وجهين ، من جهة ثويبة و من جهة السعدية أما حواضنه صلى الله عليه و سلم فإن أمه هى آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب .و منهن ثويبة و حليمة و الشيماء ابنتها - و هي أخته من
(229)
الرضاعة كانت تحضنه مع أمها ، و هي التي قدمت عليه في وفد هوازن فبسط لها رداءه ، و أجلسها عليه رعاية لحقها .أما بعد : فإن هذه الفصول الثلاثة على وجوهها الذي أوضحناه في الفصول التي قبلها فليراجع .قال المصنف رحمه الله تعالى ( فصل ) و إن كان لرجل زوجة صغيرة فشربت من لبن أمه خمس رضعات انفسخ بينهما النكاح لانها صارت أخته ، و إن كانت له زوجة كبيرة و زوجة صغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة خمس رضعات انفسخ نكاحهما ، لانه لا يجوز أن يكون عنده إمرأة و ابنتها ، فإن كان له زوجتان صغيرتان فجاءت إمرأة فأرضعت احداهما خمس رضعات ، ثم أرضعت الاخرى خمس رضعات ففيه قولان ( أحدهما ) ينفسخ نكاحهما ، و هو اختيار المزني لانهما صارتا أختين فانفسخ نكاحهما ، كما لو أرضعتهما في وقت واحد ( و الثاني ) أنه ينفسخ نكاح الثانية ، لان سبب الفسخ حصل بالثانية فاختص نكاحها بالبطلان ، كما لو تزوج إحدى الاختين بعد الاخرى .( فصل ) و من أفسد نكاح إمرأة بالرضاع فالمنصوص أنه يلزمه نصف مهر المثل و نص في الشاهدين بالطلاق إذا رجعا على قولين ( أحدهما ) يلزمهما مهر المثل ( و الثاني ) يلزمهما نصف مهر المثل .و اختلف أصحابنا فيه ، فنقل أبو سعيد الاصطخرى جوابه من إحدى المسئلتين إلى الاخرى و جعلها على قولين ( أحدهما ) يجب مهر المثل لانه أتلف البضع فوجب ضمان جميعه ( و الثاني ) يجب نصف مهر المثل لانه لم يغرم للصغيره إلا نصف بدل البضع فلم يجب له أكثر من نصف بدله و قال أبو إسحاق : يجب في الرضاع نصف المهر و في الشهادة يجب الجميع ، و الفرق بينهما أن في الرضاع وقعت الفرقة ظاهرا و باطنا و تلب البضع عليه .و قد رجع اليه بدل النصف فوجب له بدل النصف .و في الشهادة لم يتلف البضع في الحقيقة ، و إنما حيل بينه و بين ملكه فوجب ضمان جميعه ، و الصحيح طريقة
(230)
أبي إسحاق و عليها التفريغ .و ان كان لرجل زوجة صغيرة فجاء خمسة أنفس و أرضع كل واحد منهما الصغيرة من لبن أم الزوج أو أخته زضعة وجب على كل واحد منهم خمس نصف المهر لتساويهم في الاتلاف ، و إن كانوا ثلاثة فأرضعها أحدهم رضعة و أرضعها كل واحد من الآخرين رضعتين ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه يجب على كل واحد منهم ثلث النصف ، لان كل واحد منهم وجد منه سبب الاتلاف فتساووا في الضمان كما لو طرح رجل في خل قدر دانق من نجاسة ، و آخر قدر درهم ( و الثاني ) يقسط على عدد الرضعات فيجب على من أرضع رضعة الخمس من نصف المهر ، و على كل واحد من الآخرين الخمسان ، لان الفسخ حصل بعدد الرضعات فيقسط الضمان عليه ( فصل ) إذا ارتضعت الصغيرة من أم زوجها خمس رضعات و الام نائمة سقط مهرها لان الفرقة قد حصلت بفعلها فسقط مهرها و لا يرجع الزوج عليها بمهر مثلها و لا بنصفه ، لان الاتلاف من جهة العاقد قبل التسليم لا يوجب المسمى ، فإن ارتضعت من أم الزوج رضعتين و الام نائمه و أرضعتها الام تمام الخمس و الزوجه نائمه ففيه وجهان ( أحدهما ) أنه يسقط من نصف المسمى نصفه و هو الربع ، و يجب الربع .( و الثاني ) يقسط على عدد الرضعات فيسقط من نصف المسمى خمسان و يجب ثلاثة أخماسه وجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها و بالله التوفيق ( الشرح ) إذا تزوج الرجل صغيرة فأرضعتها أمه أو أخته أو إمرأة ينفسخ النكاح برضاعها خمس رضعات متفرقات ، فإن كان قد سمى لها صداقا فاسدا وجب لها نصف مهر المثل ، و إن سمى لها صداقا صحيحا وجب لها نصف المسمى و يرجع الزوج على المرضعة بضمان ما أتلفته من البضع ، سواء تعمدت فسخ النكاح أو لم تتعمد ، و قال مالك لا يرجع عليها بشيء و قال أبو حنيفة : ان تعمدت فسخ النكاح رجع عليها ، و ان لم تتعمد فسخ النكاح لم يرجع عليها .