( الشرح ) إذا طلق واحدة من نسائه بعينها وأنسيها فإنه يحرم عليه الجميع ، فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الاجلين إذا كن من ذوات الاقراء من عدة الطلاق و الوفاة ، لان النكاح كان ثابتا بيقين و كل واحدة منهن يحتمل أن تكون هى المطلقة و أن تكون زوجة فوجب أقصى الاجلين إن كان الطلاق بائنا ليسقط الفرض بيقين ، كمن نسى صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه أن يصلى خمس صلوات لكن ابتداء القروء من حين طلق .و ابتداء عدة الوفاة من حين الموت ، و هذا هو مذهب أحمد بن حنبل .و إن طلق الجميع ثلاثا بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من حين طلقهن ثلاثا ، و إن طلق الجميع ثم أنسيهن فهو كما لو طلق واحدة ، و إذا طلق واحدة لا بعينها من نسائه فعلى ما قلنا في التي قبلها و قال أصحاب أحمد : أخرجت بالقرعة و عينها العدة دون غيرها ، و تحسب عدتها من حين طلق لا من حين القرعة قال الشافعي رضى الله عنه : و إذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته أو طلاقة أو أى علم صادق ثبت عندها اعتدت من يوم يكون الطلاق و تكون الوفاة ، و إن لم تعتد حتى تمضى عدة الطلاق و الوفاة لم يكن عليها عدة ، لان العدة إنما هى مدة تمر عليها ، فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها .قال و إذا خفى ذلك عليها و قد استيقنت بالطلاق أو الوفاة اعتدت من يوم استيقنت أنها اعتدت منه .و قد روى عن واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : تعتد من يوم يكون الطلاق أو الوفاة .اه ( فرع ) و العشر المعتبرة في العدة هى عشر ليال بأيامها ، فتجب عشرة أيام مع الليالي ، و بهذا قال مالك و أحمد و أبو عبيد و ابن المنذر و أصحاب الرأي .و قال الاوزاعى : يجب عشر ليالي و تسعة أيام ، لان العشر تستعمل في الليالي دون الايام ، و إنما دخلت الايام اللاتي في أثناء الليل تبعا قلنا : العرب تغلب اسم التأنيث في العدد خاصه على المذكر فتطلق لفظ الليالي و تريد الليالي بأيامها ، كما قال تعالى لزكريا " آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال
(155)
سويا " يريد أيامها بدليل أنه قال في موضع آخر " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " يريد بلياليها .و لو نذر اعتكاف العشر الاخير من رمضان لزم الليالي و الايام ، و يقول القائل ( سرنا عشرا ) يريد الليالي بأيامها ، فلم يجز نقلها عن العدة إلى الاباحة بالشك .و ما في الفصل من اختلاف صفاتهن أو اتفاقها فعلى وجهه .قال المصنف رحمه الله تعالى ( فصل ) إذا فقدت المرأة زوجها و انقطع عنها خبره ففيه قولان ( أحدهما ) و هو قوله في القديم إن لها أن تنفسخ النكاح ثم تتزوج ، لما روى عمرو بين دينار عن يحيى بن جعدة " أن رجلا استهوته الجن فغاب عن إمرأته ، فأتت عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأمرها أن تمكث أربع سنين ، ثم أمرها أن تعتد ثم تتزوج " و لانه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالتعنين و تعذر النفقة بالاعسار ، فلان يجوز ههنا - و قد تعذر الجميع - أولى ( و الثاني ) و هو قوله في الجديد و هو الصحيح أنه ليس لها الفسخ ، لانه إذا لم يجز الحكم بموته في قسمة ماله لم يجز الحكم بموته في نكاح زوجته ، و قول عمر رضى الله عنه يعارضه قول علي عليه السلام " تصبر حتى يعلم موته " و يخالف فرقة التعنين و الاعسار بالنفقة ، لان هناك ثبت سبب الفرقة بالتعنين ، و ههنا لم يثبت سبب الفرقة و هو الموت فإن قلنا بقوله القديم قعدت أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج ، لما رويناه عن عمر رضى الله عنه ، و لان بمضي أربع سنين يتحقق براءة رحمها ثم تعتد : لان الظاهر أنه مات فوجب عليها عدة الوفاة قال أبو إسحق يعتبر ابتداء المدة حين أمرها الحاكم بالتربص .و من أصحابنا من قال يعتبر من حين انقطع خبره ، و الاول أظهر ، لان هذه المدة ثبتت بالاجتهاد فافتقرت إلى حكم الحاكم كمدة التعنين ، و هل يفتقر بعد انقضاء العدة إلى الحكم بالفرقة ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) أنه لا يفتقر ، لان الحكم بتقدير المدة حكم بالموت بعد انقضائها
(156)
( و الثاني ) أنه يفتقر إلى الحكم لانه فرقة مجتهد فيها فافتقرت إلى الحاكم كفرقة التعنين ، و هل تقع الفرقة ظاهرا و باطنا ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) تقع ظاهرا و باطنا ، فإن قدم الزوج و قد تزوجت لم يجز أن ينتزعها من الزوج ، لانه فسخ مختلف فيه ، فنفذ فيه الحكم ظاهرا و باطنا كفرقة التعنين ( و الثاني ينفذ في الظاهر دون الباطن ، لان عمر رضى الله عنه جعل للمفقود لما رجع أن يأخذ زوجته .و إن قلنا بالقول الجديد إنها باقية على نكاح الزوج .فإن تزوجت بعد مدة التربص و انقضاء العدة فالنكاح باطل ، فإن قضى لها حاكم بالفرقة فهل يجوز نقضه على قوله الجديد ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يجوز لانه حكم فيما يسوغ فيه الاجتهاد ( و الثاني ) أنه يجوز لانه حكم مخالف لقياس جلى ، و هو أنه لا يجوز أن يكون حيا في ماله ميتا في نكاح زوجته ( فصل ) و إن رجع المفقود ، فإن قلنا بقوله الجديد سلمت الزوجة اليه ، و إن قلنا بقوله القديم و قلنا إن حكم الحاكم لا ينفذ في الباطن سلمت اليه ، و إن قلنا إنه ينفذ ظاهرا و باطنا لم تسلم اليه ، و ان فرق الحاكم بينهما و تزوجت ثم بان أن المفقود كان قد مات وقت الحكم بالفرقة - فإن قلنا بقوله القديم - صح النكاح ، سواء قلنا إن الحكم ينفذ في الظاهر دون الباطن ، أو قلنا إنه ينفذ في الباطن دون الظاهر ، لان الحكم أباح لها النكاح و قد بان أن الباطن كالظاهر .و إن قلنا بقوله الجديد ففي صحة النكاح الثاني وجهان بناء على القولين فيمن وصى بمكاتبه ثم تبين أن الكتابة كانت فاسدة ( الشرح ) يحيى بن جعدة اختلف في صحبة أبيه جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي ، فقد تزوج هبيرة بن أبى وهب بأم هانئ بنت أبى طالب فولدت أم هانئ ثلاثة بنين : جعدة و هاني و يوسف .و قال الزبير بن بكار : أربعة بنين أحدهم جعدة ، و قد تولى جعدة على خراسان لعلي بن أبي طالب ، و هو ابن أخته و هو القائل : أبى من مخزوم ان كنت سائلا و من هاشم أمى لخير قبيل فمن الذي يبنأى ( 1 ) على بخاله كخالى على ذي الندى و عقيل ( الهامش ) ( 1 ) يبأى أى يفخر
(157)
اما ولده يحيى فليس من رواته و لكنه ثقة ، و قد أرسل عن ابن مسعود و نحوه و هو الطبقة الثالثة .أما رواية يحيى هنا فقد أخرجها ابن أبى الدنيا قال " و حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن ابن يوسف حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : انتسفت الجن رجلا على عهد عمر رضى الله عنه فلم يدروا أحيا هو أم ميتا ؟ فأتت إمرأته عمر رضى الله عنه فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه أن يطلق ثم أمرها أن تعتد و تتزوج فإن جاء زوجها خير بينها و بين الصداق " و يحيى لم يعاصر عمر بن الخطاب و لم يره فيكون في الخبر انقطاع و قد أخرج ابن أبى الدنيا هذا الخبر بإسناد آخر : حدثني اسماعيل بن اسحق حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أبى نضرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلي أن رجلا من قومة خرج ليصلى مع قومه صلاة العشاء ففقد ، فانطلقت إمرأته إلى عمر بن الخطاب فحدثته بذلك ، فسأل عن ذلك قومها فصدقوها ، فأمرها أن تتربص أربع سنين فتربصت ثم أتت عمر فأخبرته بذلك فسأل عن ذلك قومها فصدقوها ، فأمرها أن تتزوج ، ثم أن زوجها الاول قدم فارتفعوا إلى عمر فقال عمر : يغيب أحدكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته ، قال كان لي عذر ؟ قال و ما عذرك ؟ قال خرجت أصلي مع قومى صلاة العشاء فسبتنى أو قال أصابتني الجن فكنت فيهم زمنا طويلا ، فعزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم فأصابوا لهم سبايا فكنت فيمن أصابوا ، فقالوا ما دينك ؟ قلت مسلم .قالو أنت علي ديننا لا يحل لنا سبيك ، فخيرونى بين المقام و بين القفول فاخترت القفول ، فأقبلوا معي بالليل بشرا يحدونى ، و بالنهار إعصار و ريح أتبعها ، قال فما كان طعامك ؟ قال كل ما لم يذكر اسم الله عليه .قال فما كان شرابك ؟ قال الجدف قال قتادة : الجدف ما لم يخمر من الشراب قال فخيره عمر رضى الله عنه بين المرأة و بين الصداق .و في إسناده أبو نضرة و ليس كل أحد يحتج به .
(158)
و أورد العقيلي في الضعفاء ، و ذكره صاحب الكامل و لم يذكر شيئا أكثر من أنه كان عريفا لقومه ، قال الذهبي : و لكن احتج به البخارى .و أخرجه الاثرم و الجوزجانى بإسنادهما عن عبيد بن عمير و عبد الرزاق بسنده في الفقيد و مالك و الشافعي مختصرا .أما الاحكام : فإذا غاب الرجل عن إمرأته غيبة منقطعة ، يعرف فيها خبره و مكانه و يأتي كتابه ، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين ، إلا أن يعتذر الانفاق عليها من ماله ، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه .و أجمعوا على أن زوجة الاسير لا تنكح حت تعلم يقين وفاته ، و هذا قول النخعي و الزهري و يحيى الانصاري و مكحول و أحمد بن حنبل و أبى عبيد و أبى ثور و إسحاق و أصحاب الرأي ، و ان أبق العبد فزوجته على الزوجية حتى تعلم موته أو ردته ، و به قال الاوزاعى و الثورى و إسحاق .و قال الحسن : اباقه طلاقه .أما إذا غاب غيبة منقطعة بأن يفقد و ينقطع خبره و لا يعلم مكانه فهذا ينقسم قسمين .( أحدهما ) أن يكون ظاهر غيبته السلامة كسفر التجارة في مهلكة و طلب العلم و السياحة و الاسر في حبس السلطان فلا تزوج الزوجية أيضا ما لم يثبت موته ، هذا هو قوله في الجديد ، و هو مروى عن علي و ابن شبرمة و ابن أبى ليلي الثورى و أبى حنيفة و أبى قلابة و النخعى و أبى عبيد .و قال في القديم تتربص أربع سنين و تعتد للوفاة أربعة أشهر و عشرا و تحل للازواج لانه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطء بالعنة ، و تعذر النفقة بالاعسار فلان يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى ، و احتجوا بحديث عمر في المفقود مع موافقة الصحابة له و تركهم إنكاره و لم يقل بهذا من الفقهاء إلا مالك .و نقل أحمد من أصرم عن أحمد بن حنبل إذا مضى عليه تسعون سنة قسم ماله ، و هذا يقتضى أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج .قال ابن قدامة ، قال أصحابنا أنما اعتبر تسعين سنة من يوم ولادته ، لان
(159)
الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر ، فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته ، كما لو كان فقده بغيبة ظاهرها الهلاك ، و المذهب الاول لان هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قيل في الاربع سنين أو كما قبل التسعين ، و لان هذا التقدير بغير توقيف ، و التقدير لا ينبغي أن يصار اليه الا بالتوقيف لان تقديرها بتسعين سنة من يوم ولادته يفضى إلى اختلاف العدة في حق المرأة باختلاف عمر الزوج و لا نظير لهذا ، و خبر عمر ظاهر فيمن ظاهر غيبته الهلاك فلا يقاس على غيره .( القسم الثاني ) أن تكون غيبته ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلا أو نهارا ، أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع ، أو يمضى إلى مكان قريب ليقضى حاجته فلا يظهر له أثر و لا خبر أو يفقد في حومة القتال بين الصفين أو تتحطم بهم باخرة فيغرق بعض رفقته أو يفقد في مهلكة كصحراء الفيوم و منخفض القطارة من ديار مصر حرسها الله أو في صحراء الجزائر الكبرى من قطر الجزائر أيده الله ، أو الربع الخالي من البلاد الحجازية أعلى الله رأيتها .فقال في القديم : تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر و عشرا و تحل للازواج .و قال أحمد : من ترك هذا القول فأى شيء يقول ، و هو قول عمر و عثمان و على و ابن عباس و ابن الزبير .و قال في الجديد تتربص حتى يتبين موته أو فراقه لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " إمرأة المفقود إمرأته حتى يأتى زوجها " .و روى الحكم و حماد عن علي : لا تتزوج إمرأة المفقود حتى يأتى موته أو طلاقه ، لانه شك في زوال الزوجية فلم نثبت به الفرقة كما لو كان ظاهر غيبته السلامة ، و في اعتبار ابتداء المدة من حين الغيبة أو من حين ضرب الحاكم المدة وجهان .( أحدهما ) يعتبر ابتداؤهما من حين ضربها الحاكم لانها مدة مختلف فيها فافتقرت إلى ضرب الحاكم كمدة العنة .
(160)
( و الثاني ) من حين انقطع خبره و بعد أثره لان هذا ظاهر في موته ، فكان ابتداء المدة منه كما لو شهد به شاهدان ، و لاحمد روايتان كالوجهين .( فرع ) إذا قدم زوجها الاول قبل أن تتزوج فهي إمرأته .و قال بعض أصحابنا إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الاول ، و الحق أننا انما أبحنا لها التزويج ، لان الظاهر موته ، فإذا بان حيا انخرم ذلك الظاهر و كان النكاح بحاله كما لو شهدت البينة بموته ثم بان حيا .و القياس الجلي أنه لا ينبغي أن نثبت له الحياة في ملكه و لا نثبتها له في نكاحه و النكاح أحد الملكين فأشبه ملك المال ، و هذا هو أحد الوجهين عندنا .فأما ان قدم بعد أن تزوجت نظرنا ، فإن كان قبل الدخول بالثاني فهي زوجة الاول ترد اليه .أما بعد الدخول فإن قلنا : التفريق بينها و بين الزوج الاول بحكم الحاكم و أن الفرقة وقعت ، فعلى قوله الجديد تسلم الزوجة إلى زوجها الاول و لا كلام .و إن قتلا بقوله القديم : و قلنا إن حكم الحاكم يقتصر على الظاهر دون الباطن سلمت الزوجة إلى زوجها الاول .و إن قلنا : إن حكمه ينفذ ظاهرا و باطنا لم تسلم اليه .و قال أحمد : أما قبل الدخول فهي إمرأته ، و إنما التخيير بعد الدخول ، و هو قول الحسن و عطاء و خلاس بن عمرو و النخعى و قتادة و مالك و إسحاق ، و في رواية لاحمد : إذا تزوجت إمرأته فجاء خير بين الصداق و بين إمرأته .قال ابن قدامة : و الصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على أنه لا تخيير إلا بعد الدخول ، فتكون زوجة الاول رواية واحدة لان النكاح إنما صح في الظاهر دون الباطن ، فإذا قدم تبينا أن النكاح كان باطلا ، لانه صادف إمرأة ذات زوج فكان باطلا كما لو شهدت بينة بموته ، و ليس عليه صداق لانه نكاح فاسد لم يتصل به دخول ، و يعود الزوج بالعقد الاول كما لو لم تتزوج .( فرع ) إذا تزوجت إمرأة المفقود في وقت ليس لها أن تتزوج فيه مثل أن