سراويل و لبسه لم يحنث لانه لم يلبسه و هو رداء .فإن قال و الله لا لبست هذا الثوب و لم يقل و هو رداء فارتدى به أو تعمم به أو اتزر به أو جعله قميصا أو سراويل و لبسه حنث .و من أصحابنا من قال لا يحنث لانه حلف على لبسه و هو على صفة فلم يحنث بلبسه على xغير تلك الصفة ، و الصحيح هو الاول لانه حلف على لبسه ثوبا فحمل على العموم ، كما لو قال و الله لا لبست ثوبا ( فصل ) و ان احلف لا يلبس حليا فلبس خاتما من ذهب أو فضة أن مخنفة من لؤلؤ أو غيره من الجواهر حنث لان الجميع حلى ، و الدليل عليه قوله عز و جل ( يحلون فيها من أساور من ذهب و لؤلؤا و لباسهم فيها حرير ) و إن لبس شيئا من الخرز أو السبج ، فإن كان ممن عادته التحلي به كأهل السواد حنث لانهم يسمونه حليا .و هل يحنث به غيرهم ؟ على ما ذكرناه من الوجهين في بيوت الشعر و رءوس الصيد .و إن تقلد سيفا محلى لم يحث ، لان السيف ليس بحلي .و إن لبس منطقة محلاة ففيه وجهان ( أحدهما ) يحنث لانه من حلى الرجال ( و الثاني ) لا يحنث ، لانه ليس من الآلات المحلاة فلم يحنث به كالسيف و إن حلف لا يلبس خاتما فلبسها في الخنصر ، أو حلف لا يلبس قميصا فارتدى به أو لا يلبس قلنسوة فلبسها في رجله لم يحنث ، لان اليمين يقتضى لبسا متعارفا و هذا متعارف ( فصل ) و إن من عليه رجل فحلف لا يشرب له ماء من عطش فأكل له خبزا أو لبس له ثوبا أو شرب له ماء من عطش لم يحنث ، لان الحنث لا يقع إلا على ما عقد عليه اليمين ، و الذي عقد عليه اليمين شرب الماء من عطش ، فلو حنثاه على سواه لحنثناه على ما نوى لا على ما حلف عليه .و إن حلف لا يلبس له ثوبا فوهب له ثوبا فلبسه لم يحنث لانه لم يلبس ثوبه ( الشرح ) الدرع الحديد مؤنثة في الاكثر و تصغر على دريع بغير هاء على قياس .و جاز أن يكون التصغير على لغة من ذكر ، و ربما قيل دريعة بالماء و جمعها أدرع و دروع و أدراع .
(78)
قال ابن الاثير و هي الزردية ، و درع المرأة قميصها مذكر .و قال في اللسان : الدرع لبوس الحديد تذكر و تؤنث .قال الاخرر مقلصا بالدرع ذي التقضن يمشى العرضي في الحديد المتقن و الجمع في القليل أدرع و أدراع و في الكثير دروع .و في حديث خالد " أدراعه و أعتده حبسا في سبيل الله " و الجوشن الصدر ، و قيل ما عرض من وسط الصدر و جوشن الجرادة صدرها و جوشن الليل وسطه و صدره ، و الجوشن الذي يلبس من السلاح .قال ذو الرمة يصف ثورا طعن كلابا بروقيه في صدرها فكر يمشق طعنا في جواشنها كأنه الاجر في الاقبال يحتسب و المخنقة القلادة الواقعة على المخنق ، و السبخ خرز و الواحدة سبجة مثل قصب و قصبة ، و سواد العراق سمى كذلك لخضرة أشجاره و زروعه ، و العرب تسمى الاخضر أسود لانه يرى كذلك على بعده و كل شخص من إنسان و غيره يسمى سوادا ، و جمعه أسودة ، مثل جناح و أجنحة ، و متاع و أمتعة ، و سواد المسلمين جماعتهم .أما الاحكام : فان حلف لا يلبس شيئا حنث بكل ما يلبس من الثياب و غيرها كالدرع و الجوشن و النعل و الخف في أحد الوجهين ، و به قال أحمد لانه ملبوس حقيقة و عرفا فحنث به كالثياب ، و قد استدل على هذا الوجه بحديث " أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه و سلم خفين فلبسهما " و قيل لا بن عمر انك تلبس النعال ، فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلبسهما فإذا أدخل يده في الخف أو النعل أو الدرع و الجوشن في رجليه لم يحنث ، لان ذلك ليس بلبس لهما ( و اوجه الثاني ) لا يحنث .لان اللبس عند الاطلاق لا ينصرف إلا إلى الثياب .( فرع ) ان حلف لا يلبس هذا الثوب و هو رداء ، فارتدى به أو ائتزر أو اعتم به حنث ، لان ما فعله يطلق عليه اسم اللبس فحنث به .و بهذا قال أحمد و أصحابه ، لانه لبسه و هو رداء ، فإن غيره عن كونه رداء و لبسه و لم يحنث لان اليمين وقعت على ترك لبس رداء .فإن حلف لا يلبس هذا الثوب - و كان رداء في حال حلفه - لم يقل
(79)
و هو رداء كالتي قلها - فارتدى به أو ائتزر أو اعتم به أو جعله قميصا أو سراويل أو قباء و لبسه حنث على الصحيح من المذهب لانه قد لبسه فحمل على عموم اللبس كما لو قال و الله لا لبست ثوبا ، فإنه يحنث بلبس أى ثوب على أى نحو مما قررنا ( فرع ) إذا حلف ليلبسن هو أو ليلبسن إمرأته حليا فلبس هو أو ألبس إمرأته خاتما من فضة أو مخنقة من لؤلؤ أو جوهر وحده بر في يمينه ، و به قال أحمد و قال أبو حنيفة لا يبر لانه ليس بحلي .و إذا حلف لا يلبس - بالنفي - حليا فلبس خاتما من فضة أو وضع دبوسا في صدره أو زرارا معدنيا في كم قميصه حنث لان ذلك من و سائل الزينة في عصرنا هذا كالخرز و السبج عند أهل السواد في عصر المصنف ، فإن كان ممن يلبس الجبة و القفطان فوضع دبوسا في صدره مما يوضع حلية من يلبس الملابس الافرنجية ففيه وجهان كالوجهين في بيوت الشعر و رءوس الصيد و قال الحنابلة : إن لبس عقيقا أو سبجا ، و لو كان من أهل السواد لا يحنث لانه ليس بحلي كالودع و خرز الزجاج ، و إن كان لا يلبس حليا فلبس دراهم أو دنانير في مرسلة ففيه وجهان ( أحدهما ) لا يحنث لانه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذلك إذا لبسه ( و الثاني ) يحنث لانه ذهب و فضة لبسه فكان حليا كالسوار و الخاتم ( فرع ) إذا حلف لا يلبس حليا فتقلد سيفا محلى بالذهب لا يحنث ، لان الشرع لم يعتبره حليا ، و إن لبس حزاما محلى ففيه وجهان ( أحدهما ) يحنث لانه مما يتحلى به الرجال ، و به قال أحمد رضى الله عنه ( و الثاني ) لا يحنث لانه آلة محلاة فأشبه السيف .و إن حلف لا يلبس خاتما فلبسها في مكانها من الخنصر بل جعلها في الوسطى أو السبابة لم يحنث كما لو حلف لا يلبس قميصا فارتدى به ، أولا يلبس قلنسوة فلبسها في رجله لم يحنث لمخالفة ذلك للعرف ( مسألة ) إذا أراد أن يقطع منة عليه لرجل فإن يمينه لا تتعدى ما انعقد عليه لفظه .و قال أحمد : إن الاسباب معتبرة في الايمان فيتعدى الحكم بتعديها ، فإذا امتن عليه بثوب فحلف أن لا يلبسه لتنقطع المنة به حنث بالانتفاع به في
(80)
اللبس من أخذ ثمنه ، لانه نوع انتفاع به يلحق المنة به ، و ان لم يقصد قطع المنة و لا كان سبب يمينه يقتضى ذلك لم يحنث إلا بما تناولته يمينه ، و هو لبسه خاصة فلو أبدله بثوب غيره ثم لبسه أو انتفع به في اللبس أو باعه و أخذ ثمنه لم يحنث لعدم تناول اليمين له لفظا و نية و سببا و لنا أننا لو أحنثناه هنا لاحنثناه على ما نوى لا على ما حلف عليه قال المصنف رحمه الله تعالى : و ان حلف لا يضرب إمرأته فضربها ضربا مؤلم حنث لانه يقع عليه اسم الضرب ، و ان عضها أو خنقها أو نتف شعرها لم يحنث ، لان ذلك ليس بضرب ، و ان لكمها أو لطمها أو رفسها ففيه وجهان .أحدهما يحنث لانه ضربها و الثاني لا يحنث لان الضرب المتعارف ما كان يؤلم و إن حلف ليضرب عبده مائة سوط فشد مائة سوط فضربه بها ضربة واحدة فإن تيقن أنه أصابه المائة بر في يمينه لانه ضربه مائة سوط .و ان تيقن أنه لم يصبه بالمائة لم يبر لانه ضربه دون المائة .و إن شك هل أصابه بالجميع أو لم يصبه بالجميع فالمنصوص أنه يبر و قال المازني .لا يبر ، كما قال الشافعي رحمه الله فيمن حلف ليفعل كذا في وقت إلا أن يشاء فلان : فمات فلان حنث ، و إذا لم نجعله بارا للشك في المشيئة وجب أن لا نجعله بارا للشك في الاصابة ، و المذهب الاول ، لان أيوب عليه السلام حلف ليضربن إمرأته عددا فقال عز و جل " و خذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث " و يخالف ما قاله الشافعي رحمه الله في المشيئة لانه ليس الظاهر وجود المشيئة ، فإذا لم تكن مشيئة حنث بالمخالفة ، و الظاهر إصابته بالجميع فبر .و ان حلف ليضربنه مائة مرة فضربه بالمائة المشدودة لم يبر لانه لم يضربه إلا مرة ، فإن حلف ليضربه مائة ضربة ، فضربه بالمائة المشدودة دفعة واحدة فأصابه الجميع ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا يبر لانه ما ضربه الا ضربة ، و لهذا لو رمى بسبع حصيات دفعة واحدة إلى الجمرة لم يحتسب له سبعا
(81)
( و الثاني ) أنه يبر لانه حصل بكل سوط ضربة ، و لهذا لو ضرب به في حد الزنا حسب بكل سوط جلدة ( الشرح ) قوله : فقال الله عز و جل " و خذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث " ذهب المفسرون في تفسير هذه الآية مذهب الاسرائيليات التي تغفل السياق و مواقع الكلم .و حكموا في ذلك أحاديث بعضها موقوف و بعضها مرفوع لم يصح منها سوى حديث " بينا أيوب يغتسل إذ خر عليه رجل من جراد من ذهب " الحديث .و إذ لم يصح عنه فيه إلا ما ذكر القرآن فإنا ذاكروا ما قاله ابن العربي لموافقته مذهبنا في تأويلها .قال ما ذكره المفسرون من أن إبليس كان له مكان في السماء السابعة من العام فقول باطل ، لانه أهبط منها بلغنة و سخط إلى الارض فكيف يرقى إلى محل الرضا و يحول في مقامات الانبياء و يخترق السموات العلي ، إن هذا لخطب من الجهالة عظيم ، إلى أن قال : و أما قولهم : إنه قال لزوجته أنا إله الارض ، و لو تركت ذكر الله و سجدت أنت لي لعافيته ، فاعلموا و إنكم لتعلمون أنه لو عرض لاحدكم و به ألم و قال هذا الكلام ما جاز عنده أن يكون إلها في الارض و أنه يسجد له و أنه يعافى من البلاء فكيف أن تستريب زوجة نبى ؟ و لو كانت زوجة سوادي أو قدم برجوى ما ساغ لك عندها و أما تصويره الاموال و الاهل في واد فذلك ما يقدر عليه إبليس بحال ، و لا هو في طريق السحر ، فيقال إنه من جنسه .إلى أن قال : و الذي جرأهم على ذلك و تذرعوا به إلى ذكر هذا قوله تعالى " إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب و عذاب " انتهى .قلت : الذي يتفق مع نظام الذكر الحكيم و التذكير المتين أن الله تعالى أراد أن يسلى نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم بجهاد الانبياء قبله و صبرهم على الضرر و البلاء فليس من المناسب أن يقول له : اذكر عبدنا أيوب كيف حلف أن يضرب إمرأته مائة سوط ، فقلنا له خذ عرجونا به مائة شمراخ فاضربها به و لا تحنث انا وجدناه صابرا نعم العبد انه أواب .
(82)
ان هذا كلام عجيب و فهم للآيات غريب ، و ان الذي يناسب مقام النبوة أن يكون أبواب عليه السلام بعث في قوم كان الشيطان يعبث بعقولهم ، فكان كلما آمن به فريق منهم ارتد و انحاز إلى الضلالة فشكا لربه هذا العناء " انى مسنى الشيطان بنصب و عذاب " فقال له ربه " ثبت قدمك على دعوتنا و تقدم بخطي سريعة ثابتة إلى الامام ، و هذا هو الذي يفيده معنى الركض بالرجل .ففى هذا ازالة لما يمسك من لغوب و نصب و تنقية لما تعانيه من عناد قومك من وساوس الشيطان ، و شراب هنئ لك يشرح صدرك ، و يجلو عنك الضيق و الحرج و خذ بيدك غصنا فلوح به على وجوه الناس و لا تأثم و لا تغلظ ، لان الحنث هو الاثم .قال تعالى " و كانوا يصرون على الحنث العظيم " و مما استقر في الفطر و ارتكز في الطباع أن الغصن الرطب كغصن الزيتون مثلا يضرب به المثل في الامم بالسلام .و الله أعلم .أما أحكام الفصل فإنه لا يجوز أن يضرب الرجل إمرأته فوق حد الادب ، لقوله صلى الله عليه و سلم " و اضربوهن ضربا مبرح " و قد اختلف الفقهاء في هذا الحكم الذي فهموه من الآتة ، هل هو عام أو خاص بأيوب وحده ؟ فروى عن مجاهد أنه عام و حكى عن القشيري أن ذلك خاص بأيوب .و حكى المهدوي عن عطاء بن أبى رباح أن ذلك حكم باق ، و أنه إذا ضرب بمائة قضيب و نحوه ضربة واحدة بر و روى نحوه الشافعي رضى الله عنه .و روى نحوه عن النبي صلى الله عليه و سلم في المقعد الذي حملت منه الوليدة .و أمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة .و قال القشيري و قيل العطاء هل يعمل بهذا اليوم ؟ فقال ما أنزل القرآن الا ليعمل به و يتبع .و روى عن عطاء أنها لايوب خاصة .و كذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك " من حلف ليضربن عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر و قال القرطبي ، و قال بعض علمائنا - يريد مالك - قوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا " أى ان ذلك منسوخ بشريعتنا
(83)
قال ابن المنذر و قد روينا عن على أنه جلد الوليد بن عقبه بسوط له طرفان أربعين جلدة ، و أنكر مالك هذا و تلا قوله تعالى " فاجلدوا كل واحد منها مائة جلدة " و هذا مذهب أصحاب الرأي .اه و قد احتج الشافعي رضى الله عنه بحديث خرجه أبو داود في سننه : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن أبن شهاب أخبرني أبو أسامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من الانصار " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى ، فعاد جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية لبعضهم ، فهش لها فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك و قال : استفتوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فإنى قد وقعت على جارية دخلت على ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به ، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلد على عظم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة " .قال الشافعي : إذا حلف ليضربن فلانا مائة جلدة أو ضربا و لم يقل : ضربا شديدا و لم ينو ذلك بقلبه يكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية و لا يحنث ، و قال ابن المنذر : إذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة فضربه ضربا خفيفا فهو بار عند الشافعي و أبى ثور و أصحاب الرأي و قال مالك ليس الضرب إلا الضرب الذي يؤلم .( تنبيه ) قال القرطبي في جامع أحكام القرآن ج 15 ص 215 .استدل بعض جهال المنزهدة ، و طعام المتصوفة بقوله تعالى لايوب " اركض برجلك " على جواز الرقص ، قال أبو الفرج الجوزي : و هذا احتجاج بارد ، لانه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة ، و إنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء إعجازا من الرقص ، و لئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الاسلام جاز أن يجعل قوله سبحانه " اضرب بعصاك الحجر " جوازا على ضرب المحاد بالقضبان نعوذ بالله من التلاعب بالشرع ، و قد احتج بعض قاصريهم بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلى " أنت منى و أنا منك "