قوله " فتعق بغصن منها و نزل الخ " و جملة ذلك أنه إن تعلق بغضن شجرة في الدار و لم يكن بين حيطانها لم يحنث ، فإن نزل حنث ، و في وجه عند الحنابلة و أبى ثور و أصحاب الرأي أنه إذا تعلق بغصن شجرة في الدار و إن لم ينزل بين حيطانها لانه في هوائها ، و هواؤها ملك لصاحبها فأشبه ما لو قام على سطحها لانه يحنث بصعود السطح عندهم كما ذكرنا آنفا ، و كذلك إن كانت الشجرة في الدار فتعلق بفرع ماد على الدار في مقابلة سطحها ، فإن قام على حائط الدار احتمل عندهم وجهين .
أحدهما أنه يحنث لانه داخل في حدها فأشبه القائم على سطحها و الوجه الثاني و هو المذهب عندنا : لا يحنث لانه لا يسمى دخولا ، و إن قام في طاق الباب فكذلك لانه بمنزلة حائطها .
و إن حلف أن لا يضع قدمه في الدار فدخلها راكبا أو ماشيا منتعلا أو حافيا حنث ، كما لو حلف أن لا يدخلها و بهذا قال أصحاب الرأي و أحمد .
و قال أبو ثور : إن دخلها راكبا لم يحنث لانه لم يضع قدمه فيها .
دليلنا أنه قد دخل الدار فحنث ، كما لو دخلها ماشيا ، و لا نسلم أنه لم يضع قدمه فيها ، فإن قيمه موضوعة ، فإن كان في الدار نهر فدخلها في سفينة أو زورق فقدمه في الزورق أو على الدابة فأشبه ما لو دخلها منتعلا قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إن حلف لا يدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث ، لان اليمين على عين مضافة إلى مالك فلم يسقط الحنث فيه بزوال الملك ، كما لو حلف لا يكلم زوجة فلان هذه فطلقها ثم كلمها و إن حلف لا يدخل دار زيد فدخل دارا لزيد و عمر و لم يحنث لان اليمين معقودة على دار جميعها لزيد .
و إن حلف لا يدخل دار زيد فدخل دارا يسكنها زيد بإعارة أو إجارة أو غصب - فإن أراد مسكنه - حنث لانه يحتمل ما نوى ، و إن لم يكن له نية لم يحنث .
و قال أبو ثور : يحنث ، لان الدار تضاف إلى الساكن ، و الدليل عليه قوله
تعالى " لا تخرجوهن من بيوتهن " فأضاف بيوت أزواجهن إليهن بالسكنى ، و هذا خطأ ، لان حقيقة الاضافة تقتضي ملك العين ، و لهذا لو قال : هذه الدار لزيد جعل ذلك إقرارا له بملكها ( فصل ) و إن حلف لا يدخل هذه الدار فانهدتمت و صارت ساحة أو جعلت حانوتا أو بستانا فدخلها لم يحنث لانه زال عنها اسم الدار .
و إن أعيدت بغير تلك الآلة لم يحنث بدخولها لانها تلك الدار ، و إن أعيدت بتلك الآلة ففيه وجهان ، أحدهما لا يحنث ، و هو قول أبي على بن أبى هريرة لانها تلك الدار و الثاني أنه يحنث لانها عادت كما كانت ( الشرح ) إن حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا له يسكنها بأجرة أو عارية أو غصب لم يحنث .
و قال أحمد و أبو ثور و أصحاب الرأي يحنث ، لان الدار تضاف إلى ساكنها كإضافتها إلى مالكها .
قال تعالى " لا تخرجوهن من بيوتهن " أراد بيوت أزواجهن التي يسكنها .
و قال تعالى " و قرن في بيوتكن " و لان الاضافة للاختصاص ، و كذلك ساكن الدار مختص بها فكانت إضافتها اليه صحيحة ، و هي مستعمله في العرف فوجب أن يحنث بدخولها كالمملوكة له و لنا أن الاضافة في الحقيقة إلى المالك بدليل أنه لو قال هذه الدار لفلان كان مقرا له بملكها ، و لو قال أردت أنه يسكنها لم يقبل لان حقيقة الاضافة تقتضي ملك العين ، و أن اضافة البيت إلى ساكنه اضافة مجازية ، و لو سلمنا بإحلال المجاز مكان الحقيقة لا نسلخ الناس من أيمانهم .
و ان حلف لا يدخل دار زيد هذه و اسم الاشارة هنا ينصرف إلى عين مضافة إلى زيد حنث و لا يسقط الحنث هنا بزوال الملك .
و مثاله لو حلف لا يكلم زوجة فلان فطلقها ثم كلهما حنث ( فرع ) و لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة أستأجرها فلان هذا فقياس المذهب أنه لا يحنث لما قررنا من أن الاضافة تقتضي حقيقة الملك ، و كذلك ان ركب دابة استعارها فلان لم يحنث و عند الحنابلة أنه يحنث في الاولى
و لم يحنث في الثانية ، و كذلك القول فيما إذا اغتصبها فإنه لا يحنث في قول الجميع .
و ما بقي من الفصلين فعلى وجهه .
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إن حلف لا يدخل هذه الدار من هذا الباب فقلع الباب و نصبه في مكان آخر و بقى الممر الذي كان عليه الباب فدخلها من الممر حنث .
و إن دخلها من الموضع الذي نصب فيه الباب لم يحنث .
و من أصحابنا من قال : إن دخل من الممر الذي كان فيه الباب لم يحنث لانه لم يدخل من ذلك الباب ، لان الباب نقل و هذا خطأ لان الباب هو الممر الذي يدخل و يخرج منه دون المصراع المنصوب و الممر الاول باق فتعلق به الحنث و إن حلف لا يدخل هذه الدار من بابها أو لا يدخل من باب هذه الدار فسد الباب و جعل الباب في مكان آخر فدخلها منه ففيه وجهان أحدهما أنه لا يحنث .
و هو قول أبى علي بن أبى هريرة ، و هو المنصوص في الام ، لان اليمين انعقدت على باب موجود مضاف إلى الدار ، و ذلك هو الباب الاول فلا يحنث بالثاني ، كما لو حلف لا يدخل دار زيد فباع زيد داره ثم دخلها و الثاني و هو قول أبى إسحاق انه يحنث و هو الاظهر لان اليمين معقودة على بابها و بابها الآن هو الثاني فتعلق الحنث به ، كما لو لا يدخل دار زيد فباع زيد داره و اشترى أخرى .
فإن الحنث بتعلق بالدار الثانية دون الاولى ( فصل ) و ان حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو بيتا في الحمام لم يحنث لان المسجد و بيت الحمام لا يدخلان في إطلاق اسم البنت ، و لان البيت اسم لما جعل للايواء و السكنى ، و المسجد و بيت الحمام لم يجعل لذلك ، فإن دخل بيتا من شعر أو أدم نظرت ، فإن كان الحالف ممن يسكن بيوت الشعر و الادم حنث و إن كان ممن لا يسكنها ففيه وجهان أحدهما و هو قول أبى العباس بن سريج أنه لا يحنث لان اليمين تحمل على العرف ، و لهذا لو حلف لا يأكل الرموس حمل على ما يتعارف أكله منفردا و بيت الشعر و الادم متعارف للقروى فلم يحنث به
و الثاني و هو قول أبى إسحاق و غيره أنه يحنث لانه بيت جعل للايواء و السكنى فأشبه بيوت المدر .
و قولهم انه متعارف في حق أهل القرى يبطل بالبيت من المدر فإنه متعارف في حق أهل البادية ثم يحنث به ، و خبز الارز متعارف في حق الطبري ثم يحنث بأكله إذا حلف لا يأكل الخبز ( الشرح ) إن حلف لا يدخل هذه الدار من بابها بهذا فدخلها من الباب أى من الممر بعد تجريده من الباب حنث ، و إن دخلها من الممر الآخر الذي وضع فيه الباب لم يحنث ، و من أصحابنا من قال : إن دخل من الممر الذي كان فيه الباب لم يحنث لان الباب قد انتزع و هو قد حلف على الدخول منه ، فإن دخل من الممر الذي ركب فيه حنث ، و إلى هذا ذهب أحمد و أصحابه .
و هذا خطأ ، لان الباب هو الممر الذي منه الدخول و الخروج ، و ليس هو المصراع القائم المتحرك ، و لما كان الممر باقيا تعلق الحنث به و إن حلف لا يدخل من باب هذه الدار فعمل لها باب آخر في مكان آخر فدخلها منه ففيه وجهان أحدهما المنصوص في الام ، و اليه ذهب أبو علي بن أبى هريرة أنه لا يحنث لتعلق اليمين بباب قائم مضاف إلى الدار ، و هو الباب الاول ، فلا تنعقد اليمين على الباب الثاني .
و الثاني و هو قول أبي إسحاق الاسفرائينى ، و هو مذهب أحمد رضى الله عنه أنه يحنث ، لانه دخلها و قد حلف أن لا يدخلها من بابها ، و قد صار هذا الباب الاخير بابها فينعقد اليمين به ، كما لو حلف لا يدخل دار زيد فباع زيد داره و اشترى أخرى ، فإن الحنث يرتبط بالاخرى ارتباطه بالاولى قبل بيعها ، و لا يتعلق اليمين بالاول بعد بيعها .
و ان قلع الباب و نصب في دار أخرى و بقى الممر حنث بدخوله و لم يحنث بدخوله من الموضع الذي نصب فيه الباب لانها دار أخرى : لان الدخول من الممر لا من المصراع ( مسألة ) إذا حلف أن لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أوحماما عاما ، و مثل ذلك ما صنع على الشواطئ من أكشاك الاستراحة و خلع الملابس فإنه
لا يحنث بدخولها .
و إن كان من أهل الحضر فحلف أن لا يدخل بيتا فدخل خباء من الشعر أو الوبر فإنه لا يحنث في وجه قال به أبن سريج و يحنث في وجه قال به أبو اسحق الاسفرائينى و غيره ، لان وظيفة البيت الايواء ، و به قال أحمد بن حنبل و أكثر الفقهاء و منهم أصحاب أحمد أنه لا يحنث لانه لا يسمى بيتا في العرف و رجح ابن قدامة أن المذهب الحنث لانهما بيتان حقيقة لقوله تعالى " في بيوت أذن الله أن ترفع " و قال " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا " و روى " بئس البيت الحمام " و قوله صلى الله عليه و سلم " ستفتح لكم بلاد الروم و ستجدون فيها بيوتا تسمى الحمامات ، فإذا دخلتموها فائتزروا بالمآزر " و قالوا : إذا دخل الحضري بيتا من الشعر أو غيره حنث ، سواء كان الحالف حضريا أو بدويا لقوله تعالى " و الله جعل لكم من بيوتكم سكنا و جعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم و يوم إقامتكم " فأما ما لا يسمى بيتا في العرف كالخمية و الكشك فالأَظهر أن لا يحنث بدخوله من لا يسميه بيتا لان يمينه لا تنصرف اليه قوله " في حق الطبري " قلت نسبة إلى طبرستان بفتح الباء و كسر الراء لالتقاء الساكنين و سكون السين اسم بلاد بالعجم ، و هي مركبة من كلمتين واليها ينسب أبو علي الطبري و ابن جرير المفسر و جماعة من أصحابنا .
و أما طبرية و هي مدينة من أعمال فلسطين - أعادها الله إلى الاسلام من يد اليهود - فإن النسبة إليها طبراني على قياس - واليها ينسب صاحب المعاجم الثلاثة رحمه الله - و أهل طبرستان كانوا يصنعون الخبز من الارز ، و مراد المصنف أن الطبري إذا حلف أن لا يأكل الخبز فإنه يحنث إذا أكل خبز الارز و قوله " المصراع " هو الشطر و هما مصراعان أى لوحان .
و قوله " القروي " نسبة إلى القرية و هي الضيعة و قال في كفاية المتحفظ : القرية كل مكان اتصلت به الابنية و اتخذ قرارا .
و تقع على المدن و غيرها و الجمع قرى على قياس .
قال بعضهم : لان ما كان على فعلة من المعتل فبابه أن يجمع على فعال بالكسر مثل ظبية و ظباء ، و ركوة و ركاء و النسبة إليها قروى بفتح الراء على قياس
و قال ابن بطال : القرية سميت بذلك لانها تجمع الناس من قرى إذا جمع و يقال قرية لغة يمانية و لعلها جمعت على قرى مثل لحية و لحى .
و قوله " بيوت المدر " و المدر جمع مدرة مثل قصب و قصبة ، و هو التراب المتلبد .
قال الازهرى : المدر قطع الطين و بعضهم يقول : الطين العلمك الذي لا يخالطه رمل .
و العرب تسمى القرية مدرة ، لان بنيانها غالبا من المدر و فلان سيد مدرته ، اى قريته ، و مدرت الحوض مدرا من باب قتل ، أصلحته بالمدر و هو الطين .
( فرع ) إذا حلف أن لا يدخل البيت فوقف في الدهليز أو الفناء أو الصفة هل يحنث ؟ وجهان .
الاول لا يحنث ، و اليه ذهب أحمد ، لانه لا يسمى بيتا ، حيث يقال ما دخلت البيت إنما وقفت في الدهليز أو الصحن أو الفناء .
الثاني : يحنث لانه يمكن أن يقال : أمان أهل مكة أن من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن ، و يشمل ذلك من كان في الفناء أو الصحن أو الصفة - و بهذا قال أبو حنيفة لان جميع الدار بيت .
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فصل ) و ان حلف لا يأكل هذه الحنطة فجعلها دقيقا ، أو لا يأكل هذا الدقيق فجعله عجينا ، أو لا يأكل هذا العجين فجعله خبزا لم يحنث بأكله و قال أبو العباس يحنث لان اليمين تعلقت بعينه فتعلق الحنث بها .
و ان زال الاسم ، كما لو حلف لا يأكل هذا الحمل فذبحه و أكله ، و المذهب الاول ، لانه علق اليمين على العين و الاسم ثم لا يحنث بغير العين ، فكذلك لا يحنث بغير الاسم و يخالف الحمل لانه لا يمكن أكله حيا ، و الحنطة يمكن أكلها حبا ، و لان الحمل .
ممنوع من أكله في حال الحياة من يمين فلم يدخل في اليمين ، و الحنطة ممنوع من أكلها فتعلق بها اليمين .
و ان حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله و هو تمر ، أو لا يأكل هذا الحمل فأكله و هو كبش ، أو لا يكلم هذا الصبي فكلمه و هو شيخ ، ففيه وجهان
( أحدهما ) و هو قول أبى على بن أبي هريرة إنه لا يحنث كما لا يحنث في الحنطة إذا صارت دقيقا فأكله .
( و الثاني ) أنه يحنث لان الانتقال حدث فيه من صنعة ، و في الحنطة الانتقال حدث فيها بصنعة ، و هذا لا يصح لانه يبطل به إذا حلف لا يأكل هذا البيض فصار فرخا ، أو لا يأكل هذا الحب فصار زرعا فإنه لا يحنث .
و إن كان الانتقال حدث فيه من صنعة و إن حلف لا يشرب هذا العصير فصار خمرا ، أو لا يشرب هذا الخمر فصار خلا فشربه لم يحنث كما قلنا في الحنطة إذا صارت دقيقا .
و إن حلف لا يلبس هذا الغزل فنسج منه ثوبا حنث بلبسه ، لان الغزل لا يلبس إلا منسوجا فصار كما لو حلف لا يأكل هذا الحيوان فذبحه و أكله .
( فصل ) و إن حلف لا يشرب هذا السويق فأستفه ، أو لا يأكل هذا الخبز فدقه و شربه أو ابتلعه من مضغ لم يحنث ، لان الافعال أجناس مختلفة كالاعيان ، ثم لو حلف على جنس من الاعيان لم يحنث بجنس آخر ، فكذلك إذا حلف على جنس من الافعال لم يحنث بجنس آخر و إن حلف لا يذوق هذا الطعام فذاقه و لفظه ففيه وجهان .
أحدهما لا يحنث لانه لايوجد حقيقة الذوق ما لم يزدرده ، و لهذا لا يبطل به الصوم .
و الثاني أنه يحنث لان الذوق معرفة الطعم و ذلك يحصل من ازدراد ، و إن حلف لا يذوقه فأكله أو شربه حنث لانه قد ذاق و زاد عليه .
و إن حلف لا يأكل و لا يشرب و لا يذوق فأوجر في حلقه حتى وصل إلى جوفه لم يحنث ، لانه لم يأكل و لم يشرب و لم يذق .
و ان قال : و الله لا طعمت هذا الطعام فأوجر في حلقه حنث ، لان معناه لا جعلته لي طعاما و قد جعله طعاما له .
( الشرح ) ان حلف على شيء بعينه وصفته فتغيرت صفته تبعا لتغير هيئته كمن حلف لا يأكل هذه الحنطة فطحنها دقيقا ، فإنها سميت دقيقا ، أو حلف لا يأكل هذا الدقيق فعجنه عجينا ، أو لا يأكل هذا العجين في التنور خبزا .