و ان قلنا انها لا تجب على الفور كان للزوج منعها من الدخول فيها .و أما الصلوات المنذورة فهي كالصوم المنذور على ما مضى و أما صلاة التطوع ، فان كانت راتبة ، كان للزوج منعها منها ، لان حق الزوج واجب فلا يسقط بما لا يجب عليها - فان دخلت فيها بغير اذن الزوج احتمل أن يكون في سقوط نفقتها في ذلك وجهان كما قلنا ذلك في الصوم التطوع ، و ان كانت سنة راتبة فقال الشيخ أبو إسحاق : لا تسقط نفقتها بها كما قلنا في الصلوات الخمس قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و ان كان الزوجان كافرين و أسلمت المرأة بعد الدخول و لم يسلم الزوج لم تسقط نفقتها لانه تعذر الاستمتاع بمعنى من جهته هو قادر على إزالته فلم تسقط نفقتها كالمسلم إذا غاب عن زوجته و قال أبو علي بن خيران : فيه قول آخر إنها تسقط لانه امتنع الاستمتاع لمعنى من جهتها فسقطت نفقتها ، كما لو أحرمت المسلمة من اذن الزوج ، و الصحيح هو الاول ، لان الحج فرض موسع الوقت ، و الاسلام فرض مضيق الوقت فلا تسقط النفقة كصوم رمضان و إن أسلم الزوج بعد الدخول و هي مجوسية أو وثنية و تخلفت في الشرك سقطت نفقتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية فسقطت نفقتها كالناشزة ، و ان أسلمت قبل انقضاء العدة فهل تستحق النفقة للمدة التي تخلفت في الشرك ؟ فيه قولان : أحدهما تستحق لان بالاسلام زال ما تشعث من النكاح ، فصار كأن لم يكن .و القول الثاني أنها لا تستحق لانه تعذر التمكين من الاستمتاع فيما مضى فلم تستحق النفقة كالناشزة إذا رجعت إلى الطاعة و ان ارتد الزوج بعد الدخول لم تسقط نفقتها لان امتناع الوطء بسبب من جهته و هو قادر على ازالته فلم تسقط النفقة ، و ان ارتدت المرأة سقطت نفقتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية فسقطت نفقتها كالناشزة ، فان عادت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة فهل تجب نفقة ما مضى في الردة ؟ فيه طريقان من أصحابنا من قال فيه قولانه كالكافرة إذا تخلفت في الشرك ثم أسلمت .و منهم من قال
(246)
لا تجب قولا واحدا ، و الفرق بينهما و بين الكافرة أن الكافرة لم يحدث من جهتها منع بل أقامت على دينها ، و المرتدة أحدثت منعا بالردة فغلط عليها .و إن ارتدت الزوجة و عادت إلى الاسلام و الزوج غائب استحقت النفقة من حيث عادت إلى الاسلام ، و إن نشزت الزوجة و عادت إلى الطاعة و الزوج غائب لم تستحق النفقة حتى يمضى زمان لو سافر فيه لقدر على استمتاعها ، و الفرق بينهما أن المرتدة سقطت نفقتها بالردة و قد زالت بالاسلام ، و الناشزة سقطت نفقتها بالمنع من التمكين و ذلك لا يزول بالعود إلى الطاعة ( فصل ) و إن كانت الزوجة أمة فسلمها المولى بالليل و النهار وجبت لها النفقة لوجود التمكين التام .و إن سلمها بالليل دون النهار ففيه وجهان .أحدهما و هو قول أبى على بن أبى هريرة أنه يجب لها نصف النفقة اعتبارا بما سلمت .و الثاني و هو قول أبى إسحاق ، و ظاهر المذهب أنه لا تجب لانه لم يوجد التمكين التام .فلم يجب لها شيء من النفقة كالحرة إذا سلمت نفسها بالليل دون النهار .و الله أعلم ( الشرح ) إذا أسلمت الزوجة و الزوج كافر - فان كان قبل الدخول - فلا نفقة لها لان الفرقة وقعت بينهما ، و ان كان بعد الدخول فان النكاح موقوف على اسلام الزوج في عدتها ، و لها النفقة عليه مدة عدتها ، لان تعذر الاستمتاع بمعنى من جهة الزوج و هو امتناعه من الاسلام ، و يمكنه تلافى ذلك فلم تسقط نفقتها كما لو غاب عن زوجته .و حكى ابن خيران قولا آخر أن نفقتها تسقط لان الاستمتاع سقط بمعنى من جهتها فسقطت به نفقتها ، كما لو أحرمت بالحج بغير اذن الزوج ، و المشهور هو الاول ، لان الحج فرض موسع الوقت ، و الاسلام فرض مضيق الوقت فلم تسقط به نفقتها كصوم رمضان ، فان انقضت عدتها قبل أن يسلم الزوج بانت و سقطت نفقتها ( فرع ) و ان أسلم الزوج و الزوجة وثنية أو مجوسية - فان كان قبل الدخول - وقعت الفرقة بينهما و لا نفقة لها ، و ان كان بعد الدخول وقف النكاح على اسلامها قبل انقضاء عدتها فلا نفقة لها مدة عدتها ما لم تسلم ، لانها منعت
(247)
الاستمتاع بمعصية ، و هو اقامتها على الكفر .فهي كالناشزة فان انقضت عدتها قبل أن تسلم فقد بانت باختلاف الدين و لا نفقة لها .و ان أسلمت قبل انقضاء عدتها وجبت لها النفقة من حين أسلمت لانهما قد اجتمعا على الزوجية ، و هل تجب لها النفقة لما مضى من عدتها في الكفر ؟ فيه قولان .قال في القديم : تجب لها النفقة لان اسلام الزوج شعث النكاح ، فإذا أسلمت قبل انقضاء عدتها زال ذلك التشعث فصار كما لو لم يتشعث .و قال في الجديد : لا تجب لها النفقة لما مضى من عدتها و هو الاصح ، لان اقامتها على الكفر كنشوزها ، و معلوم أنها لو نشزت و أقامت مدة في النشوز ثم عادت إلى طاعته لم تجب نفقتها مدة اقامتها في النشوز فكذلك هذا مثله ( فرع ) و ان كان الزوجان مسلمين فارتد الزوج بعد الدخول وجبت عليه نفقتها مدة عدتها ، لان امتناع الاستمتاع بمعنى من جهة الزوج فلم تسقط نفقتها بذلك كما لو غاب .و ان ارتدت الزوجة بعد الدخول فأمر النكاح موقوف على اسلامها قبل انقضاء عدتها و لا تجب لها النفقة مدة عدتها لانها منعت الاستمتاع بمعصية من جهتها فو كما لو نشزت فان انقضت عدتها قبل أن تسلم فلا كلام .و ان أسلمت قبل انقضاء عدتها وجبت نفقتها من حين أسلمت لانهما قد اجتمعا على الزوجية .و هل تجب لها النفقة لما مضى من عدتها قبل الاسلام ؟ من أصحابنا من قال فيه قولان ، كما قلنا في المشركة إذا تخلفت عن الاسلام ثم أسلمت قبل انقضاء عدتها .و منهم من قال لا تجب لها النفقة قولا واحدا ، لان في التي قبلها دخلا على الكفر ، و انما الزوج شعث النكاح بإسلامه ، و ههنا دخلا على الاسلام ، و انما شعثت هى النكاح بردتها فغلظ عليها .و ان ارتدت الزوجة و الزوج غائب ، أو غاب بعد ردتها فرجعت إلى الاسلام و الزوج غائب وجبت لها النفقة من حين رجعت إلى الاسلام ، و كذلك لو أسلم الزوج و الزوجة وثنية أو مجوسية و تخلفت في الشرك و كان الزوج غائبا فأسلمت قبل انقضاء عدتها وجبت لها النفقة من حين أسلمت و لو نشزت الزوجة من منزلها و الزوج غائب أو غاب بعد نشوزها فعادت
(248)
إلى منزلها لم تجب نفقتها حتى يكون الزوج حاضرا فيتسلمها أو تجئ إلى الحاكم و تقول : أنا أعود إلى طاعته ، ثم يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي فيه الزوج فيستدعيه المكتوب اليه و يقول له : إما أن تسير إليها لتتسلمها أو توكل من يتسلمها فإن لم يسر و لم يوكل مع قدرته على ذلك و مضى زمان يمكنه الوصول إليها وجبت النفقة لها من حينئذ ، و الفرق بينهما أن نفقتها سقطت عنه بالنشوز لخروجها عن قبضته فلا يرجع إلى نفقتها إلا برجوعها إلى قبضته ، و كذلك لا يحصل إلا بتسليمه لها أو بتمكينه من ذلك ، و ليس كذلك المرتدة و المشركة ، فإن نفقتها انما سقطت بالردة أو بالاقامة على الشرك ، فإذا أسلمت زال المعنى الذي أوجب سقوطها فزال سقوطها .( فرع ) و ان دفع الوثني إلى إمرأته الوثنية أو المجوسي إلى إمرأته المجوسية نفقته شهر بعد الدخول ثم أسلم الزوج و لم تسلم هى حتى انقضت عدتها و أراد الرجوع فيما دفع إليها من النفقة نظرت ، فإن دفعه إليها مطلقا ، قال الشافعي : لم يرجع عليها بشيء ، لان الظاهر أنه تطوع بدفعها إليها و ان قال هذه النفقة مدة مستقبلة كان له الرجوع فيها لانه بان أنها لا تستحق عليه نفقة .قال ابن الصباغ في الشامل : و هذا يقتضى أن الهبة لا تفتقر إلى لفظ الايجاب و القبول ، لانه جعله تطوعا مع الاطلاق .قال فان قيل : يحتمل أن يريد أنه إباحة فليس بصحيح ، لانه لو كان إباحة بشرط أن يكون قد أتلفته حتى يسقط حقه منها ، و الله تعالى أعلم بالصواب
(249)
قال المصنف رحمه الله تعالى باب قدر ( 1 ) نفقة الزوجات إذا كان الزوج موسرا ، و هو الذي يقدر على النفقة بماله أو كسبه ، لزمه في كل يوم مدان ، و إن كان معسرا و هو الذي لا يقدر على النفقة بمال و لا كسب لزمه في كل يوم مد لقوله عز و جل " لينفق ذو سعة من سعته ، و من قدر عليه رزقه فلينق مما آتاه الله " ففرق بين الموسر و المعسر ، و أوجب على كل واحد منهما على قدر حاله و لم يبن المقدار ، فوجب تقديره بالاجتهاد ، و أشبه ما تقاس عليه النفقة الطعام في الكفارة ، لانه طعام يجب بالشرع لسد الجوعة ، و أكثر ما يجب في الكفارة للمسكين مدان في فدية الاذى ، و أقل ما يجب مد .و هو في كفارة الجماع في رمضان .فإن كان متوسطا لزمه مد و نصف ، لانه لا يمكن إلحاقه بالموسر و هو دونه ، و لا بالمعسر و لا هو فوقه ، فجعل عليه مد و نصف .و إن كان الزوج عبدا أو مكاتبا وجب عليه مد ، لانه ليس بأحسن حالا من الحر المعسر ، فلا يجب عليه أكثر من مد .و إن كان نصفه حرا و نصفه عبدا وجب عليه نفقة المعسر .و قال المزني ، إن كان موسرا بما فيه من الحرية وجب عليه مد و نصف ، لانه اجتمع فيه الرق و الحرية فوجب عليه نصف نفقة الموسر و هو مد و نصف نفقة المعسر و هو نصف مد ، و هذا خطأ .لانه ناقص بالرق فلزمه نفقة المعسر كالعبد ( فصل ) و تجب النفقة عليه من قوت البلد لقوله عز و جل " و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف ، و لقوله صلى الله عليه و سلم " و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف " و المعروف مايقتاته الناس في البلد ، و يجب لها الحب ، ( الهامش ) ( 1 ) في النسخة المطبوعة من المهذب ترجم الباب هكذا ، " باب قدر النفقة " و قد تحققنا أن الصحيح ما أثبتناه مما ذكره قدامي الاصحاب ممن تناولوا المهذب بالشرح و التعليق ." المطيعي "
(250)
فإن دفع إليها سويقا أو دقيقا أو خبزا لم يلزمها قبوله ، لانه طعام وجب بالشرع فكان الواجب فيه هو الحب كالطعام في الكفارة ، و إن اتفقا على دفع العوض ففيه وجهان : أحدهما : لا يجوز لانه طعام وجب في الذمة بالشرع فلم يجز أخذ العوض فيه كالطعام في الكفارة .و الثاني : يجوز و هو الصحيح لانه طعام يستقر في الذمة للآدمي ، فجاز أخذ العوض فيه كالطعام في القرض ، و يخالف الطعام في الكفارة فإن ذلك يجب لحق الله تعالى ، و لم يأذن في أخذ العوض عنه ، و النفقة تجب لحقها و قد رضيت بأخذ العوض .( الشرح ) الاحكام : نفقة الزوجة معتبرة بحال الزوج لا بحال الزوجة فيجب لابنة الوزير أو رئيس الدولة ما يجب لابنة الحارس ، و هي مقدرة معتبرة بكفايتها .و قال مالك : نفقتها تجب على قدر كفايتها و سعتها ، فإن كانت ضعيفة الاكل فلها قدر ما تأكل .و إن كانت أكولة فلها ما يكفيها و قال أبو حنيفة : إن كانت معسرة فلها في الشهر من أربعة دراهم إلى خمسة .و ان كانت موسرة فمن سبعة دراهم إلى ثمانية ، فإذا حولنا هذه المقادير إلى نقدنا المعاصر في مصر حرمها لله كان الدرهم يساوى خمسين قرشا .و قال أصحاب أبى حنيفة : انما قال هذا حيث كان الرخص في وقته ، فأما في وقتنا فيزاد على ذلك .و يعتبرون كفايتها كقول مالك .لما روى أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) قال لهند " خذى ما يكفيك و ولدك بالمعروف " و دليلنا قوله تعالى " لينفق ذو سعة من سعته ، و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " و أراد أن الغنى ينفق على حسب حاله ، و الفقير على حسب حاله ، و لقوله تعالى ، " و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف " و أراد بالمعروف عند الناس ، و العرف و العادة عند الناس أن نفقة الغنى و الفقير تختلف ، و لأَنا لو قلنا ان نفقتها معتبرة بكفايتها لادى ذلك إلى أن لا تنقطع الخصومة بينهما و لا يصل الحاكم إلى قدر كفايتها فكانت مقدرة
(251)
و أما خبر هند فهو حجة لنا لانه قال " خذى ما يكفيك و ولدك بالمعروف " و المعروف عند الناس يختلف بيسار الزوج و إعساره ، و لم يقل خذى ما يكفيك و يطلق ، و على أنا نحمله على أنه علم من حاله أن كفايتها لا تزيد على نفقة الموسر و كان أبو سفيان موسرا .إذا ثبت هذا فإن نفقتها معتبرة بحال الزوج ، فإن كان الزوج موسرا - و هو الذي يقدر على النفقة بماله أو كسبه - وجب لها كل يوم مدان ، و ان كان معسرا ، و هو الذي لا يقدر على النفقة بماله و لا كسبه وجب كل يوم مد و هو رطل و ثلث و هو نحو ستمأة جرام من الحنطة تقريبا ، لان أكثر ما أوجب الله تعالى في الكفارات للواحد مدان .و هو في كفارة الاذى .و أقل ما أوجب للواحد في الكفارة مد ، فقسنا نفقة الزوجات على الكفارة ، لان الله تعالى شبه الكفارة بنفقة الاهل في الجنس بقوله تعالى " من أوسط ما تطعمون أهليكم " فاعتبرنا الاكثر و الاقل في الواجب للواحد في الكفارة .و أما المتوسط فإنه يجب عليه كل يوم مد و نصف مد ، لانه أعلى حالا من المعسر و أدنى حالا من الموسر فوجب عليها من نفقة كل واحد منهما نصفها ( فرع ) و ان كان الزوج عبدا أو مكاتبا أو مدبرا أو معتقا نصف وجب عليه نفقة زوجته لقوله " و على المولود له رزقهن " الخ الآية .و هذا مولود له و لا تجب عليه الا نفقة المعسر لانه أسوأ جللا من الحر المعسر قوله " و تجب النفقة عليه من قوت البلد " و هذا صحيح فإنه يجب عليه أن يدفع اليه من غالب قوت البلد .فإذا كان غالب قوت البلد من البر أنفق منه .و ان كان من الارز أنفق منه .و ان كان من التمر أنفق منه .و لانه طعام يجب على وجه الاتساع و الكفاية فوجب من غالب قوت البلد كالكفارة .و يجب أن يدفع إليها الحب .فإن دفع إليها الدقيق أو السويق أو الخبز ، قال الشيخ أبو حامد و ابن الصباغ لم يجز و ذكر صاحب المهذب أنه لا يجوز وجها واحدا لقوله تعالى " فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " فجعل الكفارة فرعا للشفقة و محمولا عليها .