أم ولد لمن ملكها من جهته ، و ان ملكها ممن لاحرمة له كالمسبية ففيه وجهان .أحدهما لا تحل له لان من حرم وطئها بحكم الاستبراء حرم التلذذ بها ، كما لو ملكها ممن له حرمة .و الثاني أنها تحل لما روى عن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال " خرجت في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها ابريق فضة ، فما ملكت نفسى أن قمت إليها فقبلتها و الناس ينظرون " و لان المسبية يملكها حاملا كانت أو حائلا فلا يكون التلذذ بها الا في ملكه ، و انما منع من وطئها حتى لا يختلط ماؤه بماء مشرك ، و لا يوجد هذا في التلذذ بالنظر و القبلة ، و ان وطئت زوجته بشبهة لم يحل له وطؤها قبل انقضاء العدة لانه يؤدى إلى اختلاط المياه و إفساد النسب و هل له التلذذ بها في الوطء على ما ذكرناه من الوجهين في المسبية لانها زوجته حاملا كانت أو حائلا ( فصل ) و من ملك أمة جاز له بيعها قبل الاستبراء لانا قد دللنا على أنه يجب على المشترى الاستبراء فلم يجب على البائع لان براءة الرحم تحصل باستبراء المشترى ، و ان أراد تزويجها نظرت فإن لم يكن وطئها جاز تزويجها من استبراء لانها لم تصر فراشا له ، و ان وطئها لم يجز تزويجها قبل الاستبراء لانها صارت بالوطء فراشا له .( فصل ) و ان أعتق أم ولده في حياته أو عتقت بموته لزمها الاستبراء لانها صارت بالوطء فراشا له و تستبرأ كما تستبرأ المسبية لانه استبراء بحكم اليمين فصار كاستبراء المسبية ، و ان أعتقها أو مات عنها و هي مزوجة أو معتدة لم يلزمها الاستبراء لانه زال فراشه قبل وجوب الاستبراء فلم يلزمها الاستبراء ، كما لو طلق إمرأته قبل الدخول ثم مات ، و لانها صارت فراشا لغيره فلا يلزمها لاجله استبراء .و ان زوجها ثم مات و مات الزوج و لم يعلم السابق منهما لم يخل اما أن يكون بين موتهما شهران و خمسة أيام فما دون أو أكثر أو لا يعلم مقدار ما بينهما فإن كان بينهما شهران و خمسة أيام فما دون لم يلزمها الاستبراء عن المولى لانه ان كان المولى مات أولا فقد مات و هي زوجة فلا يجب عليها الاستبراء ، و ان مات الزوج أولا فقد مات المولى بعده و هي معتدة من الزوج فلا يلزمها الاستبراء و عليها أن تعتد بأربعة أشهر و عشر من بعد موت أحدهما لانه يجوز أن يكون
(204)
قد مات المولى أولا فعتقت ثم مات الزوج فيلزمها عدة حرة ، و ان كان بين موتهما أكثر من شهرين و خمس ليال لزمها أن تعتد من بعد آخرهما موتا بأكثر الامرين من أربعة أشهر و عشر أو حيضة ، لانه ان مات الزوج أولا فقد اعتدت عنه بشهرين و خمسة أيام و عادت فراشا للمولى ، فإذا مات لزمها أن تستبري بحيضة ، و ان مات المولى أولا لم يلزمها استبراء فإذا مات الزوج لزمتها عدة حرة فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين ، و ان لم يعلم قدر ما بين المدتين من الزمان وجب أن تأخذ بأغلط الحالين ، و هو أن يكون بينهما أكثر من شهرين و خمسة أيام فتعتد بأربعة أشهر و عشر أو حيضة ليسقط الفرض بيقين كما يلزم من نسى صلاة من صلاتين قضأ الصلاتين ليسقط الفرض بيقين و لا يوقف لها شيء من تركة الزوج لان الاصل فيها الرق فلم تورث مع الشك ( فصل ) و ان كانت بين رجلين جارية فوطئاها ففيها وجهان ، أحدهما يجب استبراء ان لانه يجب لحقهما فلم يدخل أحدهما في الآخر كالعدتين .و الثاني يجب استبراء واحد ، لان القصد من الاستبراء معرفة براءة الرحم ، و لهذا لا يجب الاستبراء بأكثر من حيضة و براءة الرحم منهما تحصل باستبراء واحد ( فصل ) اذا استبرأ أمته ثم ظهر بها حمل فقال البائع هو منى و صدقه المشترى لحقه الولد و الجارية أم ولد له و البيع باطل ، و ان كذبه المشترى نظرت ، فإن لم يكن أقر بالوطء حال البيع لم يقبل قوله لان الملك انتقل إلى المشترى في الظاهر فلم يقبل إقراره بما يبطل حقه ، كما لو باعه عبدا ثم أقر أنه كان غصبه أو أعتقه .هل يلحقه نسب الولد ؟ فيه قولان قال في القديم و الاملاء يلحقه لانه يجوز أن يكون ابنا لواحد و مملوكا لغيره و قال في البويطى لا يلحقه لان فيه اضرارا بالمشتري لانه قد يعتقه فيثبت له عليه الولاء ، و إذا كان ابنا لغيره لم يرثه ، فإن كان قد أقر بوطئها عند البيع ، فإن كان قد استبرأها ثم باعها نظرت فإن أتت بولد لدون ستة أشهر لحقه نسبه و كانت الجارية أم ولد له و كان البيع باطلا ، و ان ولدته لستة أشهر فصاعدا لم يلحقه الولد ، لانه لو استبرأها ثم أتت بولد و هي في ملكه لم يلحقه ، فلان لا يلحقه و هي في ملك غيره أولى ، فإن لم يكن المشترى قد وطئها كنت الجارية
(205)
و الولد مملوكين له ، و إن كان قد وطئها ، فإن أتت بولد لدون ستة أشهر من حين لوطأ فهو كما لو لم يطأها ، لانه لا يجوز أن يكون منه و تكون الجارية و الولد مملوكين له ، و إن أتت بولد لستة أشهر فصاعدا لحقه الولد و صارت الجارية أم ولد له لان الظاهر أنه منه ، و إن لم يكن استبرأها البائع نظرت فإن ولدت لدون ستة أشهر من وقت البيع لحق البائع و كانت الجارية أم ولد له و كان البيع باطلا ، و إن ولدته لستة أشهر نظرت فإن لم يكن وطئها المشترى فهو كالقسم قبله لانها لم تصر فراشا له ، و إن وطئها فولدت لستة أشهر من وطئه عرض الولد على القافة فإن ألحقته بالبائع لحق ، به و إن ألحقته بالمشتري لحقه ، و قد بينا معكم الجميع ( الشرح ) حديث أبى سعيد الخدرى أخرجه أحمد و أبو داود و الحاكم و صححه و إسناده حسن ، و هو عند الدار قطنى من حديث ابن عباس و أعل بالارسال ، و عند الطبراني من حديث أبى هريرة بإسناد ضعيف و أخرج أحمد و مسلم و أبو داود عن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أتى على إمرأة مجح على باب فسطاط فقال : لعله يريد أن يلم بها ؟ فقالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد هممت أن العنة لعنة تدخل معه قبره ، و كيف يورثه و هو لا يحل له ؟ كيف يستخدمه و هو لا يحل له .و في مسند أبى داود الطيالسي : و قال " كيف يورثه و هو لا يحل له ، و كيف يسترقه و هو لا يحل له " و المجح هى الحامل المقرب و أخرج ابن أبى شيبة من حديث على مرفوعا " نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن توطأ حامل حتى تضع ، و لا حائل حتى تستبرأ بحيضة " و في إسناده ضعف و انقطاع .قوله " عام أو طاس " هو واد في ديار هوازن .قال القاضي عياض : و هو موضع الحرب بحنين ، و هو ظاهر كلام أصحاب السير .قال الحافظ بن حجر : و الظاهر أن وادي أوطاس وادي حنين ( أما بعد : ) هذا الباب من مفاخر الاسلام ، الدالة على أعظم الحكم ، و أسمى ضروب التربية على أكرم الفضائل و أطهر المثل ، ذلك أن جيش الاسلام حين يظفرون
(206)
بعدوهم فيقع في أسرهم النساء على اختلاف ألوانهن ، من عذارى كواعب ، إلى فنصف بضة تثير شبق الرجال ، و الرجل المسلم المقاتل قد بعد موضعه عن موطن أهله ، و هو في فتوته و شدة بأسه بالمحل الذي يضاعف من شبقه و شهوته ، تأتي الشريعة الغراء فنقول له : قف مكانك لاتقرب هذه السبية و لا تنزع عليها و تربص بها حيضة إن كانت حائلا ، أو وضعا ان كانت حاملا .إن لذلك من الاثر البعيد في تهذيب النفوس و تنمية الارادة و تزكية السلوك المسلم ما يضفى على هذا الركب الورانى الذي يسمى بالجيش الفاتح من الجلال و الروعة ما جعل الاسلام يسبقهم بنوره ، فتنفتح بهم قلوب غلف .و أعين عمي .و آذان صم .حتى لقد كسدت في أسواقهم تلك الاجساد النسائية المسبية .و في هذه الصورة يقول المتنبئ في نساء الروم : يبكى عليهن البطاريق في الضحى وهن لدينا ملقيات كواسد بذا قضت الايام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد ثم إن هذه المسبية على ضعفها و عزلائيتها و تجردها قد أحاطها الاسلام بدرعه المنيع و حمايتها من أن تسلب حرية العقدة فلم يبح إكراهها على الاسلام إن أرادت البقاء على دينها قال الامام الشوكاني : و لا يشترط في جواز وطء المسبية الاسلام ، و لو كان شرطا لبينه صلى الله عليه و سلم - و لم يبينه - و لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، و ذلك وقتها ، و لا سيما و في المسلمين يوم حنين و غيره من هو حديث عهد بالاسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم .و تجويز حصول الاسلام من جميع السبايا و هي في غاية الكثرة بعيد جدا ، فإن إسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من إكراه لا يقول بأنه يصح تجويزه عاقل .
(207)
قال المصنف رحمه الله تعالى : كتاب الرضاع إذا ثار للمرأة لبن على ولد فارتضع منها طفل له دون الحولين خمس رضعات متفرقات صار الطفل ولدا لها في حكمين : في تحريم النكاح ، و في جواز الخلوة و أولاد أولادها ، و صارت المرأة أما له و أمهاتها جداته ، و آباؤها أجداده ، و أولادها إخوته و أخواته ، و إخوتها و أخواتها أخواله و خالاته .و إن كان الولد ثابت النسب من رجل صار الطفل ولدا له و أولاده أولاده ، و صار الرجل أبا له ، و آباؤه أجداده و أمهاته جناته و أولاده إخوته و إخوته و إخوانه أعمامه و عماته و الدليل عليه قوله تعالى " و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم ، و أخواتكم من الرضاعة ، فنص على الامهات و الاخوات ، فدل على ما سواه و روى ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد على ابنة حمزة بن عبد المطلب فقال انها ابنة أخى من الرضاعة ، و انه يحرم من الرضاع مثل ما يحرم من النسب " و روت عائشة رضى الله عنها " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة " و روت عائشة رضى الله عنها " أن أفلح أخا أبى القعيس أستأذن عليها فأبت أن تأذن له ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أفلا أذنت لعمك ؟ فقالت يا رسول الله انما أرضعتنى المرأة و لم يرضعنى الرجل ، قال فاءذنى له فإنه عمك .و كان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رضى الله عنها " و لان اللبن حدث للولد ، و الولد ولدهما ، فكان المرضع باللبن ولدهما .( فصل ) و تنتشر حرمة الرضاع من الولد إلى أولاده و أولاد أولاده .ذكورا كانوا أو إناثا .و لا تنتشر إلى أمهاته و آبائه و إخوته و أخواته .و لا يحرم على المرضعة أن تتزوج بأبي الطفل و لا بأخيه .و لا يحرم على زوج المرضعة الذي ثار اللبن على ولده أن يتزوج بأم الطفل و لا بأخته ، لقوله صلى الله عليه و سلم
(208)
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، و حرمة النسب في الولد تنتشر إلى أولاده و لا تنتشر إلى أمهاته و آبائه ، و لا إلى إخوته و أخواته فكذلك الرضاع .( الشرح ) قوله تعالى في سورة النساء " و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة " قرأ عبد الله " اللائي " بغير تاء ، كقوله تعالى " و اللائي يئسن من المحيض " أما حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه و سلم أريد على ابنة حمزة فقال انها لا تحل لي .انها ابنة أخى من الرضاعة و يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم " و في لفظ " من النسب " أخرجه أحمد و البخارى و مسلم .و حديث عائشة أخرجه أحمد و الشيخان و أصحاب السنن الاربعة و الدارقطني .أما حديث عائشة فأخرجه البخارى في الشهادات عن محمد بن أبي كثير و عن آدم .و في النكاح عن أبى الوليد و مسلم في النكاح عن هناد .و عن عبد الله بن معاذ و عن قتببة و الحلوانى و محمد بن رافع و أبو داود فيه عن حفص بن عمرو عن محمد بن كثير و النسائي فيه عن هناد و عن قتيبة و الربع بن سليمان و إسحاق بن إبراهيم .و أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبى شيبة .أما اللغات فالرضاع بكسر الراء و فتحها و الرضاعة بالفتح لا غير .و حكى المروي الكسر فيها أيضا - أفاده بن بطال - أما الفعل رضع فهو من تعب في لغة نجد و رضع رضعا من باب ضرب لغة لاهل تهامة .و أهل مكة يتكلمون بها و بعضهم يقول أصل المصدر من هذه اللغة كسر الضاد .و انما السكون تخفيف مثل الحلف و الحلئف .و رضع يرضع بفتحتين لغة ثالثة رضاعا .و رضاعة بفتح الراء .و أرضعته أمه فارتضع فهي مرضع و مرضعة أيضا .و قال الفراء و جماعة ان قصد حقيقة الوصف بالارضاع فمرضع بغير هاء .و ان قصد مجاز الوصف بمعنى انها محل الارضاع فيما كان أو سيكون فبالهاء و عليه قوله تعالى " تذهل كل مرضعة عما أرضعت " و نساء مراضع و مراضيع .و راضعته مراضعة و رضاعا .و رضاعة بالكسر و هو رضيعي .و الراضعتان الثنيتان التان يشرب عليهما اللبن .و يقال الراضعة الثنية إذا سقطت و الجمع الرواضع .
(209)
قال أبو زيد .الراضعة كل من سن سقطت من مقادمه .و يقال لؤم و رضع على الازدواج ، و ذلك إذا مص من الخلف مخافة أن يعلم به أحد إذا حلب فيطلب منه شيئا فهو راضع ، و لو أفرد قيل رضع مثل تعب أو ضرب و الجمع رضع قوله " أريد على ابنة حمزة " أى طلب و أصله من راد يرود إذا طلب المرعى و في الخبر " ان الرائد لا يكذب أهله " و في حديث " فليرتد لبوله " و منه قوله " أنا راودته عن نفسه " و الذي أراد من النبي صلى الله عليه و سلم أن يتزوجها هو علي رضى الله عنه كما في صحيح مسلم ، و قد اختلف في اسم ابنة حمزة .أمامة و سلمى و فاطمة و عائشة و أمة الله و عمارة و يعلى ، و انما كانت ابنة أخى النبي صلى الله عليه لانه صلى الله عليه و سلم رضع من ثوبيه و قد كان أرضعت حمزة .و أفلح قال الشوكاني هو مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم .و ليس بصحيح اذ أن افلح مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم .قال ابن منده اراده هو الذي قال له النبي صلى الله عليه و سلم " ترب وجهك " قال ابن الاثير في اسد الغابة .روى له أبو نعيم حديث ام سلمة قالت " رأى النبي صلى الله عليه و آله علاما لنا يقال له افلح ينفخ إذا سجد ، فقال له " ترب وجهك " و روى حبيب المكي عن أفلح مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال " اخاف على أمتي من بعدي ضلالة الاهواء و اتباع الشهوات و الغفلة بعد المعرفة ، أخرجه ثلاثتهم - يعنى ابن منده و أبا نعيم و أبا عمر بن عبد الله - قلت و اسم افلح هذا رباح .اما افلح بن ابى القعيس أو أبو القعيس و قيل أخو أبى القعيس فقال ابن الاثير ( 1 ) صاحب الاصابة أخبرنا أبو المكارم فتيان الجوهرى بإسناده عن القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ( الهامش ) ( 1 ) ابناء الاثير ثلاثة اخوة ، الاكبر و هو مجد الدين أبو السعادات المبارك ابن محمد صاحب النهاية في غريب الحديث و اوسطهم عز الدين أبو الحسن صاحب اسد الغاية و الكامل في التاريخ .و اصغرهم هو ضياء الدين أبو الفتح نصر الله صاحب " المثل السائر في ادب الكاتب و الشاعر " و كان احد وزراء الملك الافضل ابن صلاح الدين الايوبي .