( أحدهما ) أنها على قولين ، أحدهما تستأنف العدة من حين الفسخ ، و الثاني لا تستأنف .و الطريق الثاني أنها تستأنف العدة من الفسخ قولا واحدا لان إحدى العدتين من طلاق و الاخرى من فسخ فلا تبنى احداهما على الاخرى .( الشرح ) إذا خالع الرجل أو فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول جمهور الفقهاء ، و به قال سعيد بن المسيب و عطاء و طاووس و الزهري و الحسن و قتادة و مالك و الشافعي و أصحاب الرأي : و شذ المزني و بعض أصحابنا فقال لا يجوز و لا يحل له نكاحها و لا خطبتها لانها معتدة و وجه كون هذا القول خطأ أن العدة لحفظ نسبه و صيانة مائه و لا يصان ماؤه عن مائه إذا كانا من نكاح صحيح ، فإذا تزوجها انقطعت العدة ، لان المرأة تصير فراشا له بعقده و لا يجوز أن تكون زوجة معتدة ، فان وطئها ثم طلقها لزمتها عده مستأنفة ، و لا شيء عليها من الاول لانها انقطعت و ارتفعت .و ان طلقها قبل أن يمسها فهل تستأنف العدة أو تبنى على ما مضى ؟ مذهبنا أنه لا يلزمها استئناف عدة ، و به قال محمد بن الحسن ، و هو احدى الروايتين عن أحمد .و قال أبو حنيفة " تستأنف " لانه طلاق لا يخلو من عدة ، فأوجب عدة مستأنفة كالأَول .دليلنا أنه طلاق في نكاح قبل المسيس فلم يوجب عدة لعموم قوله تعالى " ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " ( فرع ) إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم ارتجعها في عدتها و وطأها ثم طلقها انقطعت العدة الاولى برجعته ، لانه زال حكم الطلاق و تستأنف عدة من الطلاق الثاني ، لانه طلاق من نكاح اتصل به المسيس ، و ان طلقها قبل أن يمسها فهل تستأنف عدة أو تبنى على العدة الاولى ؟ فيه قولان و لاحمد روايتان كالقولين عندنا 1 - أن تستأنف لان الرجعة أزالت شعث الطلاق الاول وردتها إلى النكاح الاول ، فصار الطلاق الثاني طلاقا من نكاح اتصل به المسيس 2 تبنى لان الرجعة لا تزيد على النكاح الجديد ، و لو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمها لذلك الطلاق عدة فكذلك الرجعة ، فان فسخ نكاحها
(197)
قبل الرجعة بخلع أو غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق ، لان موجبه في العدة موجب الطلاق ، و قد مضى في شرح الفصول قبله ما فيه من طرق و أوجه تداخل العدتين فلا داعي للتكرار قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إذا خلا الرجل بإمرأته ثم اختلفا في الاصابة ، فادعاه أحدهما و أنكر الآخر ففيه قولان .قال في الجديد قول المنكر ، لان الاصل عدم الاصابة .و قال في القديم قول المدعى لان الخلوة تدل على الاصابة ( فصل ) و إن اختلفا في انقضاء العدة بالاقراء فادعت المرأة انقضاءها لزمان يمكن فيه انقضاء العدة و أنكر الزوج ، فالقول قولها ، و إن اختلفا في وضع ما تنقضى به العدة ، فادعت المرأة أنها وضعت ما تنقضى به العدة و أنكر الزوج فالقول قولها لقوله عز و جل " و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " فخرج النساء على كتمان ما في الارحام كما حرج الشهود على كتمان الشهادة فقال : و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فإنه آثم قلبه .ثم يجب قبول شهادة قول الشهود فوجب قبول قول النساء ، و لان ذلك لا يعلم إلا من جهتها فوجب قبول قولها فيه كما يجب على التابعى قبول ما يخبره به الصحابي عن رسول الله صلى عليه و سلم حين لم يكن له سبيل إلى معرفته إلا من جهته .و إن ادعت المرأة انقضاء العدة بالشهور و أنكر الزوج فالقول قوله ، لان ذلك اختلاف في وقت الطلاق فكان القول فيه قوله .( فصل ) و إن طلقها فقالت المرأة طلقني و قد بقي من الطهر ما يعتد به قرءا و قال الزوج طلقتك و لم يبق شيء من الطهر فالقول قول المرأة لان ذلك اختلاف قي وقت الحيض ، و قد بينا أن القول في الحيض قولها .( فصل ) و إن طلقها و ولدت و اتفقا على وقت الولادة و اختلفا في وقت الطلاق ، فقال الزوج طلقتك بعد الولادة فلى الرجعة ، و قالت المرأة طلقتني قبل الولادة فلا رجعة لك فالقول قول الزوج ، لانهما لو اختلفا في أصل الطلاق كان
(198)
القول قوله فكذلك إذا اختلفا في وقته ، و لان هذا اختلاف في قوله و هو أعلم به فرجع اليه .و إن اتفقا في وقت الطلاق و اختلفا في وقت الولادة ، فقال الزوج ولدت قبل الطلاق فلى الرجعة ، و قالت المرأة بل ولدت بعد الطلاق فلا رجعة لك فالقول قولها لانهما لو اختلفا في أصل الولادة كان القول قولها فكذلك إذا اختلفا في وقتها .و ان جهلا وقت الطلاق و وقت الولادة و تداعيا السبق فقال الرجل تأخر الطلاق و قالت المرأة تأخرت الولادة ، فالقول قول الزوج لان الاصل وجوب العدة و بقاء الرجعة ، فإن جهلا وقتهما ، أو جهل السابق منهما لم يحكم بينهما لانهما لا يدعيان حقا .و إن ادعت المرأة السبق و قال الزوج لا أعرف السابق قال له الحاكم ليس هذا بجواب ، فإما أن تجيب جوابا صحيحا أو نجعلك ناكلا ، فإن استفتى أفتيناه بما ذكرناه في المسألة قبلها ، و أن للزوج الرجعة لان الاصل وجوب العدة و بقاء الرجعة ، و الورع أن لا يراجعها ( فصل ) فإن أذن لها في الخروج إلى بلد آخر ثم طلقها و اختلفا ، فقالت المرأة نقلتنى إلى البلد الآخر ففيه أعتد ، و قال الزوج بل أذنت لك في الخروج لحاجة فعليك أن ترجعي فالقول قول الزوج لانه أعلم بقصده ، و ان مات و اختلفت الزوجة و الوارث فالقول قولها لانهما استويا في الجهل بقصد الزوج و مع الزوجة ظاهر ، فان الامر بالخروج يقتضى خروجا من عود قال الشافعي رضى الله عنه في القديم : إذا اختلفا في الاصابة بعد الخلوة فالقول قول المدعى لان الخلوة تدل على الاصابة .و قال في الجديد ، قال الله تبارك و تعالى " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فكان بينا في حكم الله عز و جل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس ، و أن المسيس هو الاصابة ، و لم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا و يرخى سترا و هي محرمة و لا صائمة ، فقال ابن عباس و شريح و غيرهما لا عدة عليها الا بالاصابة نفسها ، لان الله عز و جل هكذا قال
(199)
أخبرنا مسلم عن أبن جريح عن ليس عن طاوس عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها و لا يمسها و لا يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق ، لان الله عز و جل يقول " و إن طلتقموهن من قبل أن تمسوهن و قد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ، قال الشافعي و بهذا أقول و هو ظاهر كتاب الله عز ذكره اه قلت ، قال تعالى " و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال عكرمة و الزهري و النخعى من الحيض .و قال عمر و ابن عباس الحمل ، و قال مجاهد الحيض و الحمل معا ، و هذا على أن الحامل تحيض ، و المعنى المقصود من الآية أنه لما دار أمر العدة على الحيض و الاطهار و لا إطلاع عليهما إلا من جهة النساء جعل القول قولها إذا ادعت انقضاء العدة أو عدمها ، و جعلهن مؤتمات على ذلك و هو مقتضى قوله تعالى " و لا يحل لهن أن يكتمن " الاية و قال سليمان بن يسار : و لم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن ، و لكن و كل ذلك إليهن إن كن مؤتمات .و معنى النهى عن الكتمان النهى عن الاضرار بالزوج و إذهاب حقه ، فإذا قالت المطلقة حضت و هي لم تحض ذهب حقه الارتجاع .و إذا قالت لم أحض و هي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فأضرت به ، أو تقصد بكذبها في نفى الحيض ألا ترتجع حتى تنقضى العدة و يقطع الشرع حقه ، و كذلك الحامل تكتم الحمل لتقطع حقه من الارتجاع .قال قتادة : كانت عادتهن في الجاهلية أن يكتمن الحمل ليلحقن الولد بالزوج الجديد ، ففى ذلك نزلة الاية .قال ابن المنذر : و قال كل من حفظت عنه من أهل العلم ، إذا قالت المرأة في عشرة أيام قد حضت ثلاث حيض و انقضت عدتي إنها لا تصدق و لا يقبل ذلك منها إلا أن تقول قد أسقطت سقطا قد استبان خلقه ، و اختلفوا في المدة التي تصدق بها المرأة .فقال مالك " إذا قالت انقضت عدتي في أمد تنقضى في مثله العدة قبل قولها ، فإن أخبرت بانقضاء العدة في مدة تقع نادرا فقولان ، قال في المدونة إذا قالت حضت ثلاث حيض في شهر صدقت إذا صدقها النساء .و به قال شريح و قال له على بن أبي طالب " قالون " أى أصبت و أحسنت ، و قال في كتاب
(200)
محمد " لا تصدق إلا في شهر و نصف " و نحوه قول أبى ثور .قال أبو ثور أقل ما يكون في ذلك سبعة و أربعين يوما ، و ذلك أن أقل الطهر خمسة عشر يوما .و أقل الحيض يوما و قال الشافعي لا تصدق في أقل من سنين يوما و قال به أبو حنيفة .( فرع ) قال الشافعي رضى الله عنه " و لو طلق الرجل إمرأته و ولدت فلم تدر هي أوقع الطلاق عليها قبل ولادها أو بعده .و قال هو وقع بعد ما ولدت فلى عليك الرجعة و كذبته ، فالقول قوله و هو أحق بها ، لان الرجعة حق له و الخلو من العدة حق لها ، فإذا لم تدع حقها فتكون أملك بنفسها لانه فيها دونه لم يزل حقه إنما يزول بأن تزعم هى أنه زال .قال و لو لم يدر هو و لا هى أوقع الطلاق قبل الولاد أو بعده بأن كان عنها غائبا حين طلقها بناحية من مصرها أو خارج منه كانت عليها العدة ، لان العدة تجب على المطلقة فلا نزيلها عنها إلا بيقين أن تأتي بها و كان الورع أن لا يرتجعها لانى لا أدري لعلها قد خلت منه ، و لو ارتجعها لم أمنعه لانه لا يجوز لي منعه رجعتها إلا بيقين أن قد حلت منه ( فرع ) قال الشافعي رضى الله عنه ، و لو قال لها اخرجي إلى مصر كذا أو موضع كذا فخرجت اليه ، أو منزل كذا من مصر فخرجت اليه و لم يقل لها حجى و لا أقيمى و لا ترجعي منه و لا لا ترجعي الا ان تشائي و لا تزورى فيه أهلك أو بعض معرفتك و لا تتنزهى اليه كانت هذه نقلة و عليها ان تعتد في ذلك الموضع من طلاقه و وفاته .فإذا اختلفا فقالت نقلتنى إلى البلد الآخر ففيه أعتد و نفى هو فعلى ما بينه المصنف .و الله تعالى أعلم .
(201)
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( باب استبراء الامة وأم الولد ) من ملك أمة ببيع أو هبة أو ارث أو سبى أو غيرها من الاسباب لزمه أن يستبرئها لما روى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه " ان النبي صلى الله عليه و سلم نهى عام أو طاس ان لا توطأ حامل حتى تضع ، و لا حائل حتى تحيض حيضة .فإن كانت حاملا استبرأها بوضع الحمل لحديث أبى سعيد الخدرى ، و إن كانت حائلا نظرت فإن كانت مما تحيض استبرأها بقرء ، و في القرء قولان ( أحدهما ) أنه طهر لانه استبراء فكان القرء فيه الطهر كالعدة ( و الثاني ) أن القرء حيض ، و هو الصحيح ، لحديث أبى سعيد ، و لان براءة الرحم لا تحصل إلا بالحيض - فإن قلنا إن القرء هو الطهر - فإن كانت عند وجوب الاستبراء طاهرا كانت بقية الطهر قرءا ، فإن طعنت في الحيض لم تحل حتى تحيض حيضة كاملة ليعلم براءة رحمها ، فإذا طعنت في الطهر الثاني حلت و إن كانت حائضا لم تشرع في القرء حتى تطهر ، فإذا طعنت في الحيض الثاني حلت .و إن قلنا إن القرء هو الحيض ، فإن كانت حال وجوب الاستبراء طاهرا لم تشرع في القرء حتى تحيض ، فإذا طعنت في الطهر الثاني حلت ، و ان كانت حائضا لم تشرع في القرء إلا في الحيضة الثانية لان بقية الحيض لا تعد قرءا فإذا طعنت في الطهر الثاني حلت .و إن وجب الاستبراء و هي ممن تحيض فارتفعت حيضتها كان حكمها في الانتظار حكم المطلقة إذا ارتفع حيضها ، و إن وجب الاستبراء و هي ممن لا تحيض لصغر أو كبر ففيه قولان ( أحدهما ) تستبرأ بشهر لان كل شهر في مقابلة قرء ( و الثاني ) تستبرأ بثلاثة أشهر - و هو الصحيح - لان ما دونها لم يجعل دليلا على براءة الرحم .( فصل ) و إن ملكها و هي مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو ذات زوج لم يصح استبراؤها في هذه الاحوال ، لان الاستبراء يراد للاستباحة و لا توجد
(202)
الاستباحة في هذه الاحوال ، و ان اشتراها فوضعت في مدة الخيار أو حاضت في مدة الخيار ، فإن قلنا انها لا تملك قبل انقضاء الخيار لم يعتد بذلك عن الاستبراء لانه استبراء قبل الملك ، و إن قلنا إنها تملك ففيه وجهان ، أحدهما لا يعتد به لان الملك تام لانه معرض للفسخ ( و الثاني ) يعتد به لانه استبراء بعد الملك و جواز الفسخ لا يمنع الاستبراء ، كما لو استبرأها و بها عيب لم يعلم به ، و ان ملكها بالبيع أو الوصية فوضعت أو حاضت قبل القبض ففيه وجهان ( أحدهما ) لا يعتد به لان الملك تام ( و الثاني ) يعتد به لانه استبراء بعد الملك ، و للشافعي رحمه الله ما يدل على كل واحد من الوجهين ، و إن ملكها بالارث صح الاستبراء و ان لم تقبص لان الموروث قبل القبض كالمقبوض في تمام الملك و جواز التصرف ( فصل ) و إن ملك أمة و هي زوجته لم يجب الاستبراء لان الاستبراء لبراءة الرحم من ماء غيره و المستحب أن يستبرئها لان الولد من النكاح مملوك و من ملك اليمين حر فاستحب أن يميز بينهما ( فصل ) و ان كانت أمته ثم رجعت اليه بالفسخ ، أو باعها ثم رجعت اليه بالاقالة لزمه أن يستبرئها لانه زال ملكه عن استمتاعها بالعقد و عاد بالفسخ فصار كما لو باعها ثم استبرأها ، فإن رهنها ثم فكها لم يجب الاستبراء لان بالرهن لم يزل ملكه عن استمتاعها لان له أن يقبلها و ينظر إليها بالشهوة .و إنما منع من وطئها لحق المرتهن و قد زال حقه بالفكاك فحلت له .و ان ارتد المولى ثم أسلم أو ارتدت الامة ثم أسلمت وجب استبراؤها لانه زال ملكه عن استمتاعها بالردة و عاد بالاسلام .و إن زوجها ثم طلقت ، فإن كان قبل الدخول لم تحل له حتى يستبرئها ، لانه زال ملكه عن استمتاعها و عاد بالطلاق ، و ان كان بعد الدخول و انقضاء العدة ففيه وجهان ( أحدهما ) لا تحل له حتى يستبرئها لانه تجدد له الملك على استمتاعها فوجب استبراؤها ، كما لو باعها ثم اشتراها ( و الثاني ) تحل له و هو قول أبى علي بن أبى هريرة لان الاستبراء يراد لبراءة الرحم و قد حصل ذلك بالعدة ( فصل ) و من وجب استبراؤها حرم وطؤها ، و هل يحرم التلذذ بها بالنظر و القبلة ؟ ينظر فيه فإن ملكها ممن له حرمة لم يحل له ، لانه لا يؤمن أن تكون