( مسألة ) إذا قطع أصبع رجل فتأكل منها الكف و سقط فللمجني عليه القصاص للاصبع المقطوعة و له دية الاصابع الاربع و ما تحت الاصابع الاربع من الكف يتبعها في الدية و ما تحت الاصبع التي اقتص فيها ، هل يتبعها في القصاص أو يجب له حكومة ؟ فيه وجهان .هذا مذهبنا و قال أبو حنيفة : لا يجب له القصاص في الاصبع المقطوعة دليلنا قوله تعالى ( و الجروح قصاص ) و قوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) و قد اعتدى بقطع الاصبع فوجب أن يقطع منه .و لانها جناية لو لم يستوجب فيها القصاص فوجب إذا سرت إلى الاقتصاص فيه أن لا يسقط القصاص كالمرأة إذا قطعت يد المرأة فأسقطت جنينا فلا يسقط القصاص في اليد .( فرع ) قال القفال : لو كان له قدمان على ساق واحد يمشى عليها أو يمشى على احداهما و الاخرى زائلة عن سنن منبت القدم فقطعها رجل له قدم قطعت رجله و طولب بحكومة للزيادة ، و إن قطع احداهما - فإن قطع الزائدة - فعليه حكومة ، و إن استويا في المنبت و كان يمشى عليها ففي المقطوعة ربع الدية و زيادة حكومة ، و إن كان الجاني هو صاحب القدمين - فإن عرفنا الزائدة من الاصلية و أمكن قطعها من أن تتلف الزائدة - قطعت و ان لم تعرف أو عرفت : و لا يمكن قطعها الا بإتلاف الاخرى لم تقطع و عليه دية الرجل المقطوعة قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و تؤخذ الاليتان بالاليتين و هما النائتان بين الظهر و الفخذ .و قال بعض أصحابنا لا تؤخذ ، و هو قول المزني رحمة الله عليه لانه لحم متصل بلحم فأشبه لحم الفخذ ، و المذهب الاول لقوله تعالى ( و الجروح قصاص ) و لانهما ينتهيان إلى حد فاصل فوجب فيهما القصاص كاليدين ( فصل ) و يقطع الذكر بالذكر لقوله تعالى و الجروح قصاص ، و لانه ينتهى إلى حد فاصل يمكن القصاص فيه من حيف فوجب فيه القصاص و يؤخذ بعضه ببعضه .
(428)
و قال أبو إسحاق : لا يؤخذ بعضه ببعض كما قال في اللسان و المذهب الاول لانه إذا أمكن القصاص في جميعه أمكن في بعضه ، و يؤخذ ذكر الفحل بذكر الخصى لانه كذكر الفحل في الجماع و عدم الانزال لمعنى في غيره ، و يقطع الاغلف بالمختون لانه يزيد على المختون بجلدة يستحق إزلاتها بالختان ، و لا يؤخذ صحيح بأشل لان الاشل ناقص بالشلل فلا يؤخذ به كامل ( فصل ) و يقطع الانثيان بالانثيين لقوله تعالى ( و الجروح قصاص ) و لانه ينتهى إلى حد فاصل يمكن القصاص فيه فوجب فيه القصاص .فإن قطع إحدى الانثيين و قال أهل الخبرة إنه يمكن أخذها من إتلاف الاخرى اقتص منه ، و إن قالوا انه يؤدى قطعها إلى إتلاف الاخرى لم يقتص منه ، لانه يقتص من أنثيين بواحدة ( الشرح ) قول المصنف رضى الله عنه " و تؤخذ الاليتان بالاليتين " و هما اللحمان النائتان بين الظهر و الفخذين و قد صنعهما الله تعالى كالمخدتين لحماية ما تحتهما من مفاصل الفخذ و الحقو و فتحة الدبر و عجب الذنب و منبت الفقرات الظهرية ، و هما كالمقعد يعتمد عليهما الانسان في قعوده فتبارك الله أحسن الخالقين ، فكان على من حرم أخاه هذه النعمة أن يحرم منها قصاصا .هذا و من أصحابنا من قال لا تؤخذ ، و هو قول المزني لانه لحم متصل بلحم فأشبه لحم الفخذين ، و المذهب الاول لانهما ينتهيان إلى حد فاصل فهما كاليدين ( مسألة ) يقطع الذكر بالذكر لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لانه عضو ينتهى إلى مفصل فوجب فيه القصاص كاليد إذا ثبت هذا فيقطع ذكر الرجل بذكر الصبي ، و يقطع ذكر الشاب بذكر الشيخ لان كل عضو جرى القصاص فيه بين الرجل و الرجل جرى فيه القصاص بين الصبي و الرجل كاليد و الرجل ، و يقطع ذكر الفحل بذكر الخصى و العنين .و قال مالك و أحمد رضى الله عنهما لا يقطع به و لنا أنهما متساويان في السلامة ، و انما عدم الانزال و الجماع لمعنى في غيره فلم يمنع القصاص ، كأذن السميع بأذن الاصم ، و لا يقطع الذكر الصحيح
(429)
بالذكر الاشل لانه لا يساويه ، مثل أن كان لا ينمو بنمو صاحبه فبقى كما هو ، فلو شل و صاحبه في العاشرة من عمره لوقف نموه و لا ينتصب و لا يجامع و قد تنسد فتحته فلا يبول و يعمل له الاطباء فتحة أخرى يبول منها فمثل هذا لا يقطع به ذكر سليم ، و ان قطع بعض ذكره انتقض منه و قال أبو إسحاق لا يقتص منه كما قال في اللسان ، و الاول أصح ، لانه إذا أمكن في جميعه أمكن في بعضه : فعلى هذا يعتبر المقطوع بالحد كالنصف و الثلث و الربع كما قلنا في الاذن و الانف .قال الشافعي : و يقاد ذكر الا غلف بذكر المختون ، كما تقطع اليد السمينة بالمهزولة ، و لان تلك الجلدة مستحقة بالقطع فلا يمنع من القصاص ( فرع ) و ان قطع أنثييه اقتص منه لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لانه طرف يمكن اعتبار المماثلة في أخذ القصاص به فشابه سائر الاطراف ، فإن قطع احدى أنثييه قال الشافعي رضى الله عنه : سألت أهل الخبرة - فإن قالوا يمكن أن يقتص من أحدى البيضتين من القاطع و لا تتلف الاخرى - اقتص منه ، و ان قيل تتلف الاخرى لم يقتص منه - لانه لا يجوز أخذ اثنتين بواحدة - و يجب له نصف الدية .و هل يبتعها جلدتها أو تفرد بحكم ؟ فيه وجهان حكاهما في الفروع .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و اختلف أصحابنا في الشفرين ، فمنهم من قال لا قصاص فيهما .و هو قول الشيخ أبى حامد الاسفرائينى رحمه الله لانه لحم و ليس له مفصل ينتهى اليه فلم يجب فيه القصاص كلحم الفخذ .و منهم من قال يجب فيه القصاص ، و هو المنصوص في الام ، لانهما لحمان محيطان بالفرج من الجانبين يعرف انتهاؤهما فوجب فيهما القصاص .( فصل ) و ان قطع رجل ذكر خنثى مشكل و أنثييه و شفريه و طلب حقه قبل أن يتبين حالة أنه ذكر أو أنثى نظرت فان طلب القصاص لم يكن له لجواز أن يكون إمرأة فلا يجب لها عليه في شيء من ذلك قصاص ، و ان طلب المال
(430)
نظرت فإن عفا عن القصاص أعطى أقل حقيه و هو حق إمرأة ، فيعطى دية عن الشفرين و حكومة في الذكر و الانثيين ، فإن بان أنه إمرأة فقد استوفت حقها و إن بان أنه رجل تمم له الباقي من دية الذكر و الانثيين و حكومة عن الشفرين ، فإن لم يعف عن القصاص وقف القصاص إلى أن يتبين لانه يجوز أن يكون إمرأة فلا يجب عليه القصاص .و أما المال ففيه وجهان ( أحدهما ) و هو قول أبى علي بن أبى هريرة أنه لا يعطى لان دفع المال لا يجب مع القود و هو مطالب بالقود فسقطت المطالبة بالمال .و الوجه الثاني و هو قول أكثر أصحابنا بأنه يعطى أقل ما يستحق مع القود لانه يستحق القود في عضو و المال في غيره فلم يكن دفع المال عفوا عن القود فيعطى حكومة في الشفرين و يوقف القود في الذكر و الانثيين و قال القاضي أبو حامد المروروذي في جامعه : يعطي دية الشفرين .و هذا خطأ ، لانه ربما بان أنه رجل فيجب القود في الذكر و الانثيين ، و الحكومة في الشفرين .( الشرح ) هذا البحث قائم على سؤال : هل يجب القصاص في الشفرين ؟ و هما اللحم المحيط بالفرج ، فيه وجهان ( أحدهما ) يجب .لقوله تعالى " و الجروح قصاص " و لانهما لحمان محيطان بالفرج من الجنين يعرف انتهاؤهما فوجب فيهما القصاص ( و الثاني ) لا يجب ، و هو قول الشيخ أبى حامد لانه لحم و ليس له مفصل ينتهى اليه فلم يجب فيه القصاص كلحم الفخذ ، و الاول هو المنصوص في الام .( فرع ) إذا قطع ذكر خنصى مشكل و أنثييه و شفريه فلا يخلو القاطع إما أن يكون رجلا أو إمرأة أو خنثى مشكلا - فإن كان القاطع رجلا - لم يجب عليه القصاص في الحال لجواز أن يكون الخنثى إمرأة بالذكر و الانثيان فيه زائدات ، فلا تؤخذ الاصليان بالزائدين .و قيل له أنت بالخيار بين أن تصبر إلى أن يبين حالك فيجب لك القصاص إن بان أنك رجل ، و بين أن تعفو و تأخذ المال .فإن قال أعطونى ما وجب لي من المال نطرت - فإن عفا عن القصاص
(431)
في الذكر و الانثيين ، أو لم يكن للجاني ذكر و لا أنثيين إن كان قد قطعا .قال أصحابنا البغداديون : فإنه يعطى دية الشفرين ، و حكم الذكر و الانثيين لا يبلغ ديتها لانه يستحق ذلك بيقين و يشك في الزيادة .و إن قال : لا أقف و لا أعفو عن القصاص و طلب المال فهل يعطى شيئا ؟ فيه وجهان .قال أبو علي بن أبي هريرة .لا يعطى لانه مطالب بالقود ، و لا يجوز أن يأخذ المال و هو مطالب بالقود .و قال أكثر أصحابنا يعطى ، و هو الاصح لانه يستحقه بيقين ، فإذا قلنا بهذا فكم القدر الذي يعطى ؟ اختلف أصحابنا فيه فقال القفال يعطى حكومة في الشفرين لانه يستحق ذات بيقين و قال القاضي أبو حامد : يعطى دية الشفرين : لانا لا نتوهم وجوب القصاص فيهما .و من أصحابنا الخراسانيين من قال يعطى أقل الحكومتين في آلة الرجال أو آلة النساء لان ذلك هو اليقين .و من أصحابنا من قال : يعطي الحكومة في الذي قطعه آخر .و الاول أصح .و ان كان القاطع إمرأة - فإن قلنا بقول الشيخ أبى حامد و أنه لا قصاص في الشفرين - فإنا لا نتوهم وجب القصاص ، فيعطى حكومة في آله الرجل و حكومة في آلة النساء ، فإن بان رجلا تمم له دية الذكر و الانثيين و حكومة الشفرين ، و إن بان إمرأة تمم له دية الشفرين و حكومة للذكر و الانثيين .و ان قلنا بالمنصوص و أنه يجب القصاص فيهما فإنه لا يجب للخنثى القصاص في الحال لجواز ان يكون رجلا فلا يجب القصاص على المرأة في الفرج الزائد ، فإن طلب المال نظرت - فإن عفا عن القصاص أو لم يعف و لكن ليس للقاطعة شفراوان فعلى قول البغداديين من أصحابنا يعطى دية الشفرين و حكومة عن الذكر و الانثيين فإن بان إمرأة فقد استوفت حقها و ان بان إمرأة فقد استوفت حقها و ان بان رجلا تمم له دية الذكر ودية الانثيين و حكومة الشفرين ، و على قول الخراسانيين يعطى حكومة للشفرين و حكومة للذكر و الانثيين .و ان لم يعف عن القصاص و كان للقاطعة شفرتان فعلى قول أبى علي بن هريرة لا يعطى و على قول أكثر أصحابنا يعطى ، فإذا قلنا بهذا فكم يعطى ؟ و على قول القفال يعطى حكومة في الذكر و الانثيين و على قول القاضي أبى حامد يعطى دية الذكر
(432)
و الانثيين ، و على قول بعض أصحابنا الخراسانيين يعطى أقل الحكومتين في آلة الرجال و آلة النساء ، و إن كان القاطع خنثى مشكلا فإنه لا يجب القصاص في الحال لانا لا نتيقن عين الزائد من الاليتين فيهما و لا عين الاصلى ، فلو أوجبنا القصاص في الحال لم نأمن أن يأخذ أصليا بزائد و ذلك لا يجوز ، فإن طلب حقه من المال نظرت - فإن عفا عن القصاص - قال أصحابنا البغداديون : أعطى دية الشفرين و حكومة للذكر و الاليتين لانه يستحق ذلك بيقين و قال الخراسانيون : يعطى الحكومة في الذكر و الانثيين و الشفرين ، و ان لم يعف عن القصاص فهل يعطى شيئا ؟ إن قلنا بقول علي بن أبى هريرة لا يعطى شيئا إذا كان القاطع رجلا أو إمرأة فههنا أولى أن لا يعطى .و إن قلنا هناك يعطى فها هنا وجهان : ( أحدهما ) لا يعطى و هو قول القفال لان القصاص متوهم في جميع الآلات ( و الثاني ) يعطى أقل الحكومتين في آلة الرجال و النساء ، و الصحيح أنه لا يعطى شيئا .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و ما وجب فيه القصاص من الاعضاء وجب فيه القصاص ، و ان اختلف العضوان في الصغر و الكبر و الطول و القصر و الصحة و المرض ، لانا لو اعتبرنا المساواة في هذه المعاني سقط القصاص في الاعضاء ، لانه لا يكاد أن يتفق العضوان في هذه الصفات فسقط اعتبارها ( فصل ) و ما انقسم من الاعضاء إلى يمين و يسار كالعين و اليد و غيرهما لم تؤخذ اليمين فيه باليسار و لا اليسار باليمين ، و ما انقسم إلى أعلى و أسفل كالشفة و الجفن لم يؤخذ الاعلى بالاسفل و لا الاسفل بالاعلى ، و لا يؤخذ سن بسن غيرها و لا أصبع بأصبع غيرها و لا أنملة بأنملة غيرها لانها جوارح مختلفة المنافع و الاماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض ، كالعين بالانف و اليد بالرجل و ما لا يؤخذ
(433)
بعضه ببعض ما ذكرناه لا يؤخذ : و ان رضى الجاني و المجني عليه ، و كذلك ما لا يوخذ من الاعضاء الكاملة بالاعضاء الناقصة ، كالعين الصحيحة بالقائمة ، و اليد الصحيحة بالشلاء ، لا يؤخذ و إن رضى الجاني و المجني عليه بأخذها ، لان الدماء لا تستباح بالاباحة .( فصل ) و إن جنى على رجل جناية يجب فيها القصاص ثم قتله وجب القصاص فيهما لانهما جنايتان يجب القصاص في كل واحدة منهما ، فوجب القصاص فيهما عند الاجتماع كقطع اليد و الرجل ( الشرح ) كل عضو وجب فيه القصاص فإنه يجب فيه ، و ان اختلف العضوان في الصغر و الكبر ، و الصحة و المرض ، و السمن و الهزال ، لقوله تعالى ( و العين بالعين و الاذن بالاذن و ألسن بألسن ) و لم يفرق ، و لأَنا لو اعتبرنا هذه الاشياء لشق و ضاق فسقط اعتباره كما سقط اعتبار ذلك في النفس ، و ما كان من الاعضاء منقسما إلى يمين و يسار كالعينين و الاذنين و اليدين و الرجلين لا يجوز أخذ اليمنى منه باليسرى و لا اليسرى منه باليمنى .و قال ابن شبرمة يجوز .و لنا أن كل واحد منهما يختص بإسم ينفرد به فلا يوخذ بغيره ، كما لا يؤخذ اليد بالرجل ، و كذا لا يؤخذ الجفن الاعلى بالجفن الاسفل ، و لا العكس ، و كذلك الشفتان مثله ، و لا يؤخذ سن بسن غيرها ، و لا أصبع بأصبع غيرها ، و لا أنملة بأنملة غيرها ، كما لا تؤخذ نفس بجنايتة نفس غيرها و لا يؤخذ أى شيء من ذلك و إن رضى كل من الجاني و المجني عليه ، و كذلك إذا رضى الجاني بأن يؤخذ العضو الكامل بالناقص ، و الصحيح بالاشل ، لم يجز لان الدماء لا تستباح بالاباحة ( مسألة ) إذا قطع يد رجل ثم عاد فقتله كان له أن يقطع يده ثم يقتله ، و به قال أبو حنيفة .و قال أبو يوسف و محمد : ليس له إلا القتل .دليلنا قوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) و هذا قد اعتدى بقطع اليد فلم يمنع من قطع يده ، و لانهما جنايتان يجب القصاص في كل واحدة منهما إذا انفردت فوجب القصاص فيهما عند الاجتماع كقطع اليد و الرجل