الآ خر بل يكونا سواء ، لانه قد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا تكلم تكلم ثلاثا ، فيحتمل أن يكون في إعادته قدم الولد مرة ، و مرة قدم الزوجة ، فصارا سواء .قال الصنعاني في سبيل السلام : هذا حمل بعيد ، فليس تكريره لما يقوله ثلاثا بمطرد ، بل عدم التكرير غالب ، و إنما يكرر إذا لم يفهم عنه .و مثل هذا الحديث جواب سؤال لا يجرى فيه التكرير لعدم الحاجة اليه لفهم السائل للجواب ، ثم رواية جابر التي لا تردد فيها تقوى رواية تقديم الاهل اه أما الاحكام فقد قال الشافعي رضى الله عنه : في كتاب الله و سنة رسوله عليه السلام بيان أن على الاب أن يقوم بالمنونة في إصلاح صغار ولده من رضاع و نفقة و كسوة و خدمة اه و جملة ذلك أنه يجب على الاب أن ينفق على ولده ، و الاصل فيه قوله تعالى ( و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) فمنع الله قتل الاولاد خشية الاملاق و هو الفقر ، فلو لا أن نفقة الاولاد عليهم لما خافوا الفقر .و قوله تعالى ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) فأوجب أجرة رضاع الولد على الاب ، فدل على أن نفقته تجب عليه و حديث أبى هريرة عن الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه و سلم يقول عندي دينار و الرسول يجبيه فيقول عندي آخر و أخذ يردد الاسئلة ، و قد خرجناه آنفا و كذلك حديث هند بنت عتبة أن أبا سفيان رجل شحيح .و قول النبي صلى الله عليه و سلم لها " خذى ما يكفيك و ولدك بالمعروف " و لان الولد بعض من الاب فكما يلزمه أن ينفق على نفسه فكذلك يلزمه أن ينفق على ولده ، فإن لم يكن هناك أب أو كان و لكنه معسر و هناك جد موسر وجبت عليه نفقة ولد الولد و إن سفل .و به قال أبو حنيفة و قال مالك : لا تجب نفقة ولد الولد على الجد .دليلنا قوله تعالى " يا بني آدم " فسمى الناس بني آدم ، و إنما هو جدهم .و كذلك قوله تعالى " و اتبعت ملة آبائى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق " فسماهم آباء ، و إنما هم أجداد ، أو لان بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة وجبت النققة على الام ، و به قال أبو حنيفة و أحمد ،
(295)
و قال مالك " لا تجب النفقة على الام " و قال أبو يوسف و محمد " تجب على الام و لكن ترجع بها على الاب إذا أيسر دليلنا على مالك أن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأوجبت النفقة كالابوة ، و لان النفقة إذا وجبت على الجد و ولادته من طريق الظاهر ، فلان تجب على الام و ولادتها من طريق القطع أولى فلم ترجع و دليلنا على أبى يوسف و محمد أنها نفقة واجبة على من تيقن نسبه فلم يرجع بها كالجد لا يرجع بما أنفق على الاب ، و قولنا على من تيقن نسبه احتراز ممن ولد على فراشين و أشكل الاب منهما ، فإن لم يكن هناك أم و هناك أبو أم أو أم أم وجبت عليه نفقة ولد الولد و إن سفل ، فتجب نفقة الولد على من يقع عليه اسم الاب أو الام حقيقة أو مجازا ، سواء كان من قبل الاب أو الام ، و يشترك في وجوبها العصبات و ذووا الارحام ، لانها تتعلق بالقرابة من جهة الولادة ، فاستوى العصبات و ذوو الارحام ، لانها تتعلق بالقرابة من جهة الولادة ، فاستوى للعصبات و ذوو الارحام من جهة الوالدين ، كما قلنا في منع الشهادة و القصاص و العتق .قوله : فتجب على الولد الخ ، فجملة ذلك أنه يجب على الولد نفقة الاب لقوله تعالى و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا " و قوله تعالى " و صاحبهما في الدينا معروفا " و من الاحسان و المعروف أن ينفق عليه و روى ابن المنكدر " أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي ما لا و عيالا و لابي مال و عيال و يريد أن يأخذ من مالى ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنت و مالك لابيك " و روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، و ولده من كسبه " و روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن أولادكم هبه من الله لكم يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور " و أموالهم لكم إذا احتجتم إليها "
(296)
و ساق العمراني رواية نسوقها لطرافتها ، و لنا عليها نظر ( 1 ) .قال روى عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم و قال : يا رسول الله إن أبى يأخذ مالى فينفقه فقال الاب : إنما أنفقه يا رسول الله على إحدى عمله أو إحدى خالاته ، فهبط جبريل و قال : يا رسول الله سل الاب عن شعر قاله ، فسأله النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك ، فقال الاب إن الله و له الحمد يزيدنا بك بيانا يا رسول الله كل يوم لقد قلت هذا الشعر في نفسى فلم تسمعه أذناى ثم أنشأ يقول : غدوتك مولودا و علتك يافعا تعل بما أدنى إليك و تنهل إذا ليلة نابتك بالشكوى لم أبت لشكوك إلا ساهرا أتملل كاني أن المطروق دونك بالذي طرقت به دوني و عيني تهمل فلما بلغت السن و الغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي منك جبها و غلظة كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتى فعلت كما الجار المجاور يفعل تراه معدا للخلاف كأنه يرد على أهل الصواب موكل اه ( فرع ) و يجب على الولد نفقة الام .و قال مالك لا يجب .دليلنا ما ذكرناه من القرآن و السنة آنفا .و ما روياه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم و قال يا رسول الله من أبر ؟ قال أمك ، قال ثم من ؟ قال أمك ، قال ثم من ؟ قال أمك ، إلى أن قال في الرابعة ثم أباك .و من البر أن تتفق عليها .و لانها تعتق عليه إذا ملكها ، و لا يجب عليها القصاص بجنايتها عليه ، و لا تقبل شهادته لها .فوجبت لها النفقة عليه كالأَب ، و تجب على الولد نفقه الاجداد و الجدات و إن علوا من قبل الاب و الام .و بهذا قال أحمد و الثورى و أصحاب الرأي ( الهامش ) ( 1 ) ذلك أن أبا القاسم الطبراني قد رواها بإسناد فيه نظر .و قد روى هذه الابيات أبو تمام في ديوان الحماسة عزاها لامية بن أبي الصلت في ابنه .و قال بعضهم هي لغيره .و قال أبورياش هي لابي العباس الاعمى ، و قال التبريزي : و تروى لا بن عبد الاعلى - قال أبو هلال " أوردها أبو عبيدة في أخبار العققة و البررة " .
(297)
و قال مالك : لا تجب النفقة عليهم و لا لهم ، لان الجد ليس بأب حقيقى .دليلنا أن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأوجبت النفقة كالابوه .( فرع ) نفقة القرابة تجب مع اتفاق الدين و مع اختلافه ، فإن كان أحدهما مسلما و الآخر كافرا لم يمنع ذلك من وجوب النفقة ، لانه حق يتعلق بالولادة فوجب مع اتفاق الدين و اختلافه كالعتق بالملك ، و لا تجب النفقة لغير الوالدين و المولودين من القرابة كالاخ و ابن الاخ و العم و ابن العم و قال أبو حنيفة تجب لكل ذي رحم محرم ، فتجب عليه نفقة الاخ و أولاده و العم و العمة و الخال و الخالة ، و لا تجب عليه نفقة أولاد العم و لا أولاد الخال و لا أولاد الخالة .و تفصيل قول أحمد أنه تجب عليه نفقة كل من كان وارثا كالاخ و ابن الاخ و العم و ابن العم و لا تجب عليه نفقة ابنة الاخ و العمة و ابنة العمة و ابنة العم .و قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه تجب عليه نفقة كل قريب معروق النسب منه و دليلنا حديث أبى هريرة في الرجل الذي معه دينار و آخر حتى قال أنت أعلم ، و لم يأمره أن ينفقه على أقاربه ، فدل على أنها لا تجب عليه نفقه أقاربه ، فإن قيل فلم يذكر الولد و مع ذلك فنفقته واجبه .قلنا قد نص على نفقة الولد فنبه بذلك على نفقة الوالد ، لانه أكد حرمة من الولد ، و لان من سوى الوالدين و المولودين من القرابة لا يلحق بهم في الحرمة فلم يلحق بهم بوجوب نفقتهم ، و لانها قرابة لا تستحق بها نفقه مع اختلاف الدين فلم يستحق بها نفقة مع اتفاق الدين كابن العم مع أبى حنيفه و كغير الوارث مع أحمد قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و لا تجب نفقة القريب إلا على موسر أو مكتسب يفضل عن حاجته ما ينفق على قريبه ، و أما من لا يفضل عن نفقته شيء فلا تجب عليه لما روى جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، فإن كان فضل فعلى عياله ، فإن كان فضل فعلى قرابته " فإن لم يكن فضل ما ينفق على زوجته لم يلزمه نفقة القريب ، لحديث جابر رضى الله
(298)
عنه ، و لان نفقة القريب مواساة و نفقة الزوجة عوض ، فقدمت على المواساة ، و لان نفقة الزوجة تجب لحاجته فقدمت على نفقة القريب كنفقة نفسه ( فصل ) و لا يستحق القريب النفقة على قريبه من حاجة ، فإن كان موسرا لم يستحق لانها تجب على سبيل المواساة ، و الموسر مستغن عن المواساة ، و إن كان معسرا عاجزا عن الكسب لعدم البلوغ أو الكبر أو الجنون أو الزمانة استحق النفقة على قريبه : لانه محتاج لعدم المال و عدم الكسب .و إن كان قادرا على الكسب بالصحة و القوة - فإن كان من الوالدين - ففيه قولان ( أحدهما ) يستحق لانه محتاج فاستحق النفقة على القريب كالزمن .( و الثاني ) لا يستحق لان القوة كاليسار ، و لهذا سوى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما في تحريم الزكاة فقال " لا تحل الصدقة لغنى و لا لذى مرة قومى " و إن كان من المولودين ففيه طريقان ، من أصحابنا من قال فيه قولان كالوالدين و منهم من قال لا يستحق قولا واحدا لان حرمة الوالد آكد فاستحق بها مع القوة و حرمة الولد أضعف فلم يستحق بها مع القوة ( الشرح ) حديث جابر أخرجه أحمد و مسلم و أبو داود و النسائي بلفظ " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل : ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلا هلك ، فإن فضل عن أهلك شيء فلذى قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا و هكذا " أما حديث " لا تحل الصدقة لغنى و لا لذى مرة قوى " فقد أخرجه النسائي عن أبى هريرة في الزكاة عن هناد بن السري و ابن ماجه فيه أيضا عن محمد بن الصباح ، و أخرجه أبو داود عن عباس بن موسى الختلى في الزكاة من حديث عبد الله بن عمرو و الترمذى في الزكاة عن محمد بن بشار من حديث عبد الله بن عمرو أيضا و حسنه ، و ذكر أن شعبة لم يرفعه ، و في إسناده ريحان بن يزيد وثقه يحيى بن معين .و قال أبو حاتم الرازي شيخ مجهول ، و قال بعضهم : لم يصح إسناد هذا الحديث ، و إنما هو موقوف على عبد الله بن عمرو و قال أبو داود : الاحاديث الاخر عن النبي صلى الله عليه و سلم بعضها " لذى
(299)
مرة سوى ، و بعضها " لذى مرة قومي " ( أما اللغات : فالمره القوة و الشدة .قال تعالى " ذو مرة فاستوى " و السوي الصحيح الاعضاء .و أخرجه أحمد من طريق أبى هريرة و من طريق ابن عمر أما الاحكام فإنه لا يستحق القريب على قريبه حتى يكون المنفق منهما موسرا بنفقة قريه ، و هو أن يفضل عن قوت نفسه و قوت زوجته في يومه و ليلته ، لحديث جابر الذي ساقه المصنف .و إنما قدمت نفقة الزوجة على نفقة القريب ، لانها تجب لحاجته إليها ، و نفقة القريب مواساة ، فقدمت نفقتها عليها كما تقدم نفسه ، و لان نفقة الزوجة تجب بحكم المعاوضة فقدمت على نفقة القريب كما يقدم الدين ، فإن كان مكتسبا ما ينفق على نفسه و زوجته و يفضل عن قوت يومه و ليلته لزمه أن ينفق على قرابته ، لان الكسب في الانفاق يجرى مجرى الغنى .و لهذا روى أن رجلين سألا النبي صلى الله عليه و سلم أن يعطيهما من الصدقة ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم " أعطيكما بعد أن أعلمكما أنه لاحظ فيها لغنى قوى و لا لقوى مكتسب " فجعل الاكتساب بمنزلة الغنى و المال .و ان كان للمنفق عقار وجب بيعه للانفاق على قريبه .دليلنا أن نفقة القريب تجب فيما فضل عن قوت المنفق في يومه و ليلته ، و العقار يفضل عن قوت يومه و ليلته فوجب بيعه للانفاق على القريب كالأَب .و لا يستحق القريب النفقة على قريبه حتى يكون المنفق عليه معسرا قادر على الكسب لصغر أو جنون أو زمانة أو كبر - فإن كان له مال يكفيه - لم تجب نفقته على قريبه ، لان إيجاب نفقة القريب على قريه مواساة ، و الغني بماله لا يستحق المواساة .و إن كان له كسب و هو قادر على أن يكتسب ما يكفيه لم تجب له نفقة على قريبة ، لان الكسب في باب الانفاق يجرى مجرى الغنى بالمال .و ان كان صحيحا إلا أنه مكتسب - فإن كان من الوالدين ففيه قولان : أحدهما : تجب نفقته على الولد الموسر ، و به قال أبو حنيفة و أحمد ، لانه محتاج الا الانفاق فأشبه الزمن .و الثاني : لا تجب نفقته على الولد لانه قادر على الاكتساب فأشبه المكتسب .
(300)
و إن كان الولد بالغا صحيحا محتاجا مكتسب ففيه طريقان .من أصحابنا من قال فيه قولان كالوالدين .و منهم من قال لا تجب نفقته قولا واحدا ، لان حرمة الوالد آكد فاستحق مع الصحة ، و الولد أضعف حرمة فلا يستحق مع الصحة .هذا مذهبنا و قال أبو حنيفة : إذا بلغت الابنة لم تسقط نفقتها حتى تزوج لانه لا يمكنها الاكتساب فهي كالصغيرة .و دليلنا إن كان معنى أسقط نفقة الابن أسقط نفقة الابنة كاليسار ، و ما ذكره فلا يصح لانه يمكنها أن تعمل كاتبة أو حائكة أو عاملة في مصانع الدواء أو مدرسة أطفال أو ما إلى ذلك من أعمال مع التصون و التحشم و طلب الرزق الحلال ، و قد كانت المرأة على عهد أبى حنيفة تشتغل بالغزل و تبيعه .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) فإن كان للذي يستحق النفقة أب وجد أو جد و أبو جد و هما موسر ان ، كانت النفقة على الاقرب منهما ، لانه أحق بالمواساة من الابعد ، و إن كان له أب و ابن موسر ان ففيه وجهان ( أحدهما ) أن النفقة على الاب لان وجوب النفقة عليه منصوص عليه .و هو قوله تعالى ( و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف ) و وجوبها على الولد ثبت بالاجتهاد .( و الثاني ) أنهما سواء لتساويهما في القرب و الذكورية ، و إن كان له أب وأم موسر ان كانت النفقة على الاب لقوله تعالى ( فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن ) فجعل أجرة الرضاغ على الاب .و روت عائشة رضى الله عنها " أن هندا أم معاوية جاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح و أنه لا يعطينى ما يكفينى و ولدي إلا ما أخذت منه سرا و هو لا يعلم فهل على في ذلك من شيء ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : خذى ما يكفيك و ولدك بالمعروف ، و لان الاب ساوى الام في الولادة و انفرد بالتعصيب فقدم .