و إن اختارت الفسخ قال الطبري في العدة : قولان .أحدهما قال : و لم يذكر الشيخ أبو حامد غيره : إنها لا تفسخ بنفسها ، بل ترفع الامر إلى الحاكم حتى يأمره بالطلاق أو يطلق عليه - لانه موضع اجتهاد و اختلاف - فكان إلى الحاكم كالفسخ بالعنة ، و الثاني أنها تفسخ بنفسها كالمعتقة تحت عبد .و هل يؤجل ؟ فيه قولان ( أحدهما ) لا يؤجل لان الفسخ للاعسار و قد وجد الاعسار فثبت الفسخ في الحال كالعيب في الزوجين ( و الثاني ) يؤجل ثلاثة أيام لان المكتسب قد ينقطع كسبه ثم يعود و الثلاث في حد القلة فوجب إنظاره ثلاثا و لا يلزمها المقام معه في هذه الثلاث في منزله ، لانه لا يلزمها التمكين من نفقة ، فإذا قلنا بهذا فوجد في اليوم الثالث نفقتها و تعسرت عليه النفقة في اليوم الرابع فهل يجب أن يستأنف لها إمهال ثلاثة أيام ؟ فيها وجهان ( أحدهما ) يجب لان العجز الاول ارتفع ( و الثاني ) لا يجب لانها تستضر بذلك .( فرع ) و إن كانت الزوجة صغيرة أو مجنونة فأعسر زوجها بالنفقة لم يكن لوليها أن يفسخ النكاح ، لان ذلك يتعلق بشهوتها و اختيارها ، و الولي لا ينوب عنها في ذلك ، و ان زوج الرجل أمته من رجل فأعسر الزوج بنفقتها .فإن كانت الزوجة معتوهة أو مجنونة قال ابن الحداد فلا يثبت الفسخ للسيد ، لان الخيار إليها و ليست من أهل الخيار فلا ينوب عنها السيد في الفسخ كما لو عن الزوج عنها و يلزم السيد أن ينفق عليها ان كان موسرا بحكم الملك ، و تكون نفقتها في ذمة زوجها إلى أن يوسر ، فإذا أيسر قال القاضي أبو الطيب : فإنها تطالب زوجها بها فإذا قبضتها أخذها السيد منها لانها لا تملك المال ، و حاجتها قد زالت بإنفاق السيد عليها ، قال ابن الصباغ : و هذا فيه نظر ، لان الامة إذا كانت لا تملك العين فكذلك الدين ، فيجب أن يكون ما ثبت من الدين للسيد و له المطالبة به دونها .
(274)
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) إذا وجد التمكين الموجب للنفقة و لم ينفق حتى مضت مدة صارت النفقة دينا في ذمته و لا تسقط بمضي الزمان ، لانه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة فلا يسقط بمضي الزمان كالثمن و الاجرة و المهر ، و يصح ضمان ما استقر منها بمضي الزمان ، كما يصح ضمان سائر الديون و هل يصح ضمانها قبل استقرارها بمضي الزمان ؟ فيه قولان على القولين في النفقة هل تجب بالعقد أو بالتمكين ؟ فيه قولان .قال في الجديد تجب بالتمكين و هو الصحيح ، لانها لو وجبت بالعقد لملكت المطالبة بالجميع كالمهر و الاجرة .و على هذا لا يصح ضمانها لانه ضمان ما لم يجب و قال في القديم : تجب بالعقد لانها في مقابلة الاستمتاع و الاستمتاع يجب بالعقد فكذلك النفقة ، و على هذا يضمن منها نفقة موصوفة لمدة معلومة ( فصل ) إذا اختلف الزوجان في قبض النفقة فادعى الزوج أنها قبضت و أنكرت الزوجة فالقول قولها مع يمنها لقوله عليه السلام " اليمين على المدعى عليه " و لان الاصل عدم القبض .و ان مضت مدة لم ينفق فيها و ادعت الزوجة أنه كان موسرا فيلزمه نفقة الموسر ، و ادعى الزوج أنه كان معسرا فلا يلزمه الا نفقة المعسر نظرت - فإن عرف لها مال - فالقول قولها - لان الاصل بقاؤه ، و ان لم يعرف له مال قبل ذلك القول قوله لان الاصل عدم المال .و ان اختلفا في التمكين فادعت المرأة أنها مكنت و أنكر الزوج فالقول قوله لان الاصل عدم التمكين و براءة الذمة من النفقة ، و ان طلق زوجته طلقة رجعية و هي حامل فوضعت و اتفقا على وقت الطلاق و اختلفا في وقت الولادة فقال الزوج طلقتك قبل الوضع فانقضت العدة فلا رجعة لي عليك و لا نفقة لك على .و قالت المرأة بل طلقتني بعد الوضع فلك على الرجعة ولي عليك النفقة ، فالقول قول الزوج أنه لا رجعة لي عليك ، لانه حق له فقبل إقراره فيه .و القول قول المرأة في وجوب العدة لانه حق عليها فكان القول قولها ، و القول قولها مع يمينها في وجوب النفقة ، لان الاصل بقاؤها .و الله أعلم
(275)
( الشرح ) الاحكام : نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان ، فإذا مكنت المرأة الزوج من نفسها زمانا و لم ينفق عليها وجبت لها نفقة ذلك الزمان ، سواء فرضها الحاكم أو لم يفرضها ، و به قال مالك و أحمد .و قال أبو حنيفة : يسقط عنه إلا أن يفرضها الحاكم .دليلنا أنه حق يجب مع اليسار و الاعسار فلا يسقط بمضي الزمان كالدين .و فيه احتراز من نفقة الاقارب - فإن أعسر الزوج بنفقة ما مضى - لم يثبت لها الفسخ ، لان الفسخ جعل ليرجع إليها ما في مقابلة بالنفقة ، و النفقة للزمان الماضي في مقابلة تمكين قد مضى .فلو فسخت النكاح لاجلها لم يرجع إليها ما في مقابلتها ، فهو كما لو أفلس المشترى و المبيع بألف ، فإنه لا يثبت للبائع الرجوع إلى المبيع .و إن أبرأت الزوج عنها صحت براءتها ، لانه دين معلوم فصحت البراءة منه كسائر الديون .( فرع ) إذا تزوج الرجل إمرأة و مكنته من نفسها زمانا ثم اختلفا في النفقة فادعى الزوج أنه قد أنفق عليها ، و قالت لم ينفق على و لا بينة للزوج فالقول قول الزوجة مع يمينها ، سواء كان الزوج معها أو غائبا عنها ، و به قال أبو حنيفة و أحمد و قال مالك إن كان الزوج غائبا عنها فالقول قولها ، و إن كان حاضرا معها فالقول قول الزوج مع يمينه ، لان الظاهر أنها لا تسلم نفسها اليه إلا بعد أن تتسلم النفقة و هكذا قال في الصداق و دليلنا قوله صلى الله عليه و سلم " البينة على المدعى و اليمين على من أنكر " و الزوجة تنكر القبض فكان القول قولها ، و لانهما زوجان اختلفا في قبض النفقة فكان القول قولها ، كما لو سلمت نفسها و الزوج غائب و إن سلمت نفسها اليه زمانا و لم ينفق عليها فيه أو أنفق عليها فيه نفقة معسر و ادعت أنه كان موسرا فيه ، و ادعى أنه كان معسرا و لا بينة لها على يساره ذلك الوقت فإن عرف لها مال قبل ذلك فالقول قولها مع يمينها ، لان الاصل بقاء المال ، و ان لم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم اليسار ( فرع ) إن ادعت الزوجة أنها مكنت الزوج من نفسها و أنكر فالقول قوله مع يمينه ، لان الاصل عدم التمكين و إن طلق إمرأته طلقة رجعيه و ولدت و اتفقا على وقت الطلاق و اختلفا في
(276)
الولادة فقال الزوج ولدت بعد الطلاق فلا رجعة لي و لا نفقه لك ، و قالت المرأة بل ولدت قبل الطلاق فلى العدة و لك الرجعة ولي عليك النفقة فلا رجعة للزوج لانه أقر بسقوط حقه منها و له أن يتزوج بأختها و بأربع سواها ، و على الزوجة العدة لانها مقرة بوجوبها عليها ، و تحلف المرأة أنها ولدت قبل أن يطلقها و تستحق النفقة لانهما اختلفا في وقت ولادتها و هي أعلم بها ، و لانهما اختلفا في سقوط النفقة و الاصل بقاؤها حتى يعلم سقوطها ، و الله أعلم قال المصنف رحمه الله تعالى باب نفقة المعتدة إذا طلق إمرأته بعد الدخول طلاقا رجعيا وجب لها السكنى و النفقه في العدة لان الزوجية باقيه التمكين من الاستمتاع موجود ، فإن طلقها طلاقا بائنا وجب لها السكنى في العدة ، حائلا كانت أو حاملا ، لقوله عز و جل " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ، و لا تضاروهن لتضيقوا عليهن " و أما النفقة فإنها إن كانت حائلا لم تجب ، و ان كانت حاملا وجبت لقوله عز و جل " و ان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فأوجب النفقة مع الحمل ، فدل على أنها لا تجب مع عدم الحمل ، و هل تجب النفقة للحمل ؟ أو للحامل بسبب الحمل ؟ فيه قولان قال في القديم تجب للحمل لانها تجب بوجوده و تسقط بعدمه و قال في الام تجب للحامل بسبب الحمل و هو الصحيح - لانها لو وجبت للحمل لتقدرت بكفايته ، و ذلك يحصل بما دون المد فإن قلنا تجب للحمل لم تجب إلى على من تجب عليه نفقة الولد ، فإن كانت الزوجة أمة و الزوج حرا وجبت نفقتها على مولاها ، لان الولد مملوك له ، و ان قلنا تجب النفقة للحامل وجبت على الزوج ، لان نفقتها تجب عليه و ان كان الزوج عبدا و قلنا ان النفقة للحامل وجبت عليه .و ان قلنا تجب للحمل لم تجب لان العبد لا يلزمه نفقة ولده
(277)
( فصل ) إذا وجبت النفقة للحمل أو للحامل بسبب الحمل ففي وجوب الدفع قولان ( أحدهما ) لا يجب الدفع حتى تضع الحمل لجواز أن يكون ريحا فانفش ، فلا يجب الدفع مع الشك ( و الثاني ) يجب الدفع يوما بيوم ، لان الظاهر وجود الحمل ، و لانه جعل كالمتحقق في منع النكاح و فسخ البيع في الجارية المبيعة و المنع من الاخذ في الزكاة و وجوب الدفع في الدية فجعل كالمتحقق في دفع النفقة فإن دفع إليها ثم بان أنه لم يكن بها حمل - فإن قلنا تجب يوما بيوم - فله أن يرجع عليها لانه دفعها على أنها واجبه ، و قد بان أنها لم تجب فثبت له الرجوع .و ان قلنا انها لا تجب الا باوضع ، فإن دفعها بأمر الحاكم فله أن يرجع لانه إذا أمره الحاكم لزمه الدفع فثبت له الرجوع ، و ان دفع من غيره أمره فإن شرط أن ذلك عن نفقتها ان كانت حاملا فله أن يرجع لانه دفع عما يجب و قد بان أنه لم يجب .و ان لم يشرط لم يرجع لان الظاهر أنه متبرع ( الشرح ) الاحكام : إذا طلق إمرأته بعد الدخول طلاقا رجعيا فإنها تستحق على الزوج جميع ما تستحق الزوجة إلا القسم إلى أن تنقضى عدتها ، و هو إجماع و إن كان الطلاق بائنا وجب لها السكنى حائلا كانت أو حاملا .و أما النفقة فإن كانت حائلا لم يجب لها .و ان كانت حاملا وجبت .و قال ابن عباس و جابر : لا سكنى للبائن و به قال أحمد و إسحاق .و قال أبو حنيفة تجب النفقة للبائن سواء كانت حاملا أو حائلا .و دليلنا قوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم و لا تضاروهن لتضيقوا عليهن ، و ان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ، فأوجب السكنى للمطلقات بكل حال ، و أوجب لهن النفقة بشرط ان كن أولات حمل .فدل على أنهن إذا لم يكن أولات حمل لا نفقة لهن .و روى أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها ثلاثا و هو غائب بالشام فحمل إليها وكيله كفا من شعير فسخطته ، فقال لها لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا ، إنما هو متطوع عليك ، فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته بذلك فقال لها لا نفقة لك الا أن تكوني حاملا ، و اعتدى عند أم شريك
(278)
إذا ثبت هذا فهل تجب النفقة للحمل أو للحامل لاجل الحمل ؟ فيه قولان .( أحدهما ) أنها تجب للحمل لانها تجب عليه بوجوده و لا تجب عليها مع عدمه فدل على أنها تجب له .( و الثاني ) أنها تجب للحامل لاجل الحمل و هو الاصح ، لانه تجب عليه نفقة الزوجة مقدرة .و لو وجبت للحمل لتقدرت بقدر كفايته كنفقة الاقارب .و الجنين يكتفي بدون المد .و ان تزوج الحر أمة فطلقها طلاقا بأئنا و هي حامل ، فإن قلنا ان النفقة تجب للحمل لم تجب عليه النفقة لان ولده منها مملوك لسيدها ، و نفقة المملوك على سيده ، و ان قلنا ان النفقة للحامل وجب على الزوج نفقتها ، و ان تزوج العبد بحرة أو أمة فأبانها و هي حامل - فإن قلنا ان النفقة للحمل - لم يجب عليه النفقة ، لان ولده من الامة مملوك لسيد الامة ، و ولده من الحرة لا تجب عليه نفقته لان العبد لا يجب عليه نفقة ولده و لا والده ، و ان قلنا ان النفقة للحامل وجبت عليه النفقة .و ان كان الحامل غنيا و قلنا ان النفقة للحمل فهل تجب على أبيه ؟ فيه وجهان حكاهما القاضي في كتاب الخناثى قال الشاشي من أصحابنا : و يصح إبراء الزوجة عنها على القولين .و ان طلق إمرأة طلاقا بائنا و هي حامل فأرتدت الزوجة فقد قال ابن الحداد تسقط نفقتها ، فمن أصحابنا من وافقه و قال تسقط نفقتها قولا واحدا لانها تتعلق بمصلحتها و هي المستحقة لها فسقطت بردتها .و منهم من خالفه و قال : إذا قلنا ان النفقة للحامل سقطت بردتها ، و ان قلنا ان النفقة للحمل فلا تسقط بردتها لان الحمل محكوم بإسلامه فلا يسقط حقه بردتها و ان أسلمت الزوجة و تخلف الزوج في الشرك فعليه نفقتها إلى أن تنقضى عدتها حائلا كانت أو حاملا ، فمن أصحابنا من وافقه و منهم من خالفه و قال : هذا إذا قلنا ان النفقة للحامل .فأما إذا قلنا ان النفقة للحمل وجبت له النفقة ، لانه محكوم بإسلامه .و ان مات الزوج قبل وضع الحمل و خلف أبا فقد قال أبو إسحاق المروزي تسقط النفقة لانه محكوم بإسلامه ، و ان مات الزوج قبل وضع الحمل و خلف أبا
(279)
فقد قال أبو حامد إذا قلنا ان النفقة تجب للحمل أوجبت على جده ، لانه تجب عليه نفقة ولده .( مسألة ) إذا طلق إمرأته و هي حامل فهل يحب عليه أن يدفع إليها النفقة يوما بيوم أو لا يجب عليه الدفع حتى تضع ؟ فيه قولان ( أحدهما ) لا يجب عليه دفع النفقة حتى تضع ، فإذا وضعت الولد وجب عليه دفع نفقتها لما مضى لانه لا يجب عليه الدفع بالشك و الحمل متحقق الوجود قبل الوضع ، بل يجوز أن يكون ريحا فينفش .و القول الثاني : أنه يجب عليه أن يدفع إليها نفقة يوم بيوم و هو الاصح ، لقوله تعالى " و ان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فأمرنا بالانفاق عليهن حتى يضعن حملهن ، و هذا يقضتى وجوب الدفع ، و لان للحمل أمارات و علامات ، فإذا وجدت تعلق الحكم بها في وجوب فدفع النفقة ، كما تعلق الحكم بها في منع أخد الحمل في الزكاة ، و في جواز رد الجارية المبيعة ، و في منع وطء الجارية المسبية و المشتراة و في جواز أخذ الخلفة في الدية فإذا قلنا لا يجب الدفع حتى تضع لم تحتج إلى علامة و أمارة بل تعتد ، فإذا وضعت ولدا يجوز أن يكون منه لزمه أن يدفع إليها النفقة من حين الطلاق إلى حين الوضع ، فإن ادعت أنها وضعت و صدقها فلا كلام .و ان كذبها فعليها أن تقيم البينة على الوضع شاهدين أو شاهدا و إمرأتين أو أربع نسوة ، لانه يمكنها اقامة البينة على ذلك .و ان قلنا يجب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم بيوم فادعت أنها حامل فان صدقها الزوج جب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم من وقت الطلاق إلى حين الحكم بقولهن أنها حامل دفعة واحدة ، و وجب عليه أن يدفع إليها نفقة كل يوم بيوم من حين الحكم بقولهن إلى حين الوضع و لو سألته أن يحلف لها ما يعلم أنها حامل : فالذي يقتضى المذهب أنه يلزمه أن يحلف لجواز أن يخاف من اليمين فيقر أنها حامل أو ينكل عن اليمين فيرد عليها فإذا حلفت وجب عليه الدفع لان يمينها مع نكوله كإقراره في أحد القولين ، و كبينة يقيمها في القول الآخر .و الجميع يجب به الدفع