رسول الله صلى الله عليه و سلم أقعد ناحية ، و قال لها اقعدى ناحية ، فأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعوها فمالت إلى أمها ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها " و وقعت هذه الصيغة في رواية عند أبى داود ، كما وردت بلفظ " فجاء بإبن له صغير " و أخرجه بلفظ الانثى النسائي و ابن ماجه و الدار قطنى و في إسناده اختلاف كثير و ألفاظه مختلفة مضطربة ، و قد رجح ابن القطان رواية الابن .و قال ابن المنذر : لا يثبته أهل النقل و في إسناده مقال .قلت : قد صححه الحاكم و ذكر الدارقطني أن البنت المخيرة اسهما عميرة .و قال ابن الجوزي : رواية من روى أنه كان غلاما أصح .و قال ابن القطان : لو صحت رواية من روى أنها بنت لاحتمل أنهما قصتان لاختلاف المخرجين و قد اختلف انقاد في عبد الحميد بن جعفر ، فقال ابن حجر في التقريب صدوق رمى بالقدر و ربما و هم .و قال الذهبي في الميزان : عبد الحميد بن جعفر عن أبيه و نافع و محمد بن عمرو بن عطاء و عنه يحيى القطان و أبو عاصم وعدة .قال النسائي ليس به بأس ، و كذا قال أحمد .و قال ابن معين ثقة ، و قد نقم عليه الثورى خروجه مع محمد بن عبد الله .و قال أبو حاتم لا يحتج به ، و قيل كان يرى القدر و الله أعلم ، نعم قال على بن المديني : كان يقول بالقدر ، و هو عندنا ثقة ، و كان سفيان يضعفه .اه أما حديث عبد الله بن عمرو فقد رواه أحمد بلفظ " أن إمرأة قالت يا رسول الله إن ابنى هذا كان بطني له وعاء و حجري له حواء و ثديي له سقاء و زعم أبوه أنه ينزعه منى ، فقال أنت أحق به ما لم تنكحي " و أخرجه أبو داود في الطلاق عن محمد بن خالد و لكن في لفظه " و أن أباه طلقني و زعم أنه يتنزعه منى " و أخرجه البيهقي و الحاكم و صححه ، و هو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .أما اللغات فإن الحضانة مشتقة من الحضن و هو ما دون الابط إلى الكشح .و قيل هو الصدر و العضدان و ما بينهما ، و الجمع أحضان و منه الاحتضان ، و هو احتمالك الشيء و جعله في حضنك ، كما تحتضن المرأة ولدها فتحتمله في أحد شقيها
(323)
و في الحديث أنه خرج محتضنا أحد ابنى ابنته ، أى حاملا له في حضنه ، و الحضن الجنب و هما حضنان .و في حديث أسيد بن الحضير أنه قال لعامر بن الطفيل أخرج بذمتك لئلا أنفذ حضنيك ، و المحتضن الحضن .قال الكميت كما خامرت في حضنها أم عامر لدى الحبل حتى غال أوس عيالها و حضنا الليل جانباه ، و حضن الجبل ما يطيف به ، و في حديث علي كرم الله وجهه " عليكم بالحضنين " يريد يجنتبى العسكر ، و حضن الطائر بيضه و على بيضه يحضن حضنا و حضانة و حضانا و حضونا رجن عليه للتفريخ .قال الجوهرى حضن الطائر بيضه إذا ضمنه إلى نفسه تحت جناحيه ، و كذلك المرأة إذا حضنت ولدها ، و حمامة حاضن بغير هاء ، و اسم المكان المحضن ، و المحضنة المعمولة للحمامة كالقصعة الروحاء من الطين .و حضن الصبي يحضنه حضنا رباه ، و الحاضن و الحاضنة الموكلان بالصبي يحفظانه و يربيانه .و في حديث عروة بن الزبير " عجبت لقوم طلبوا العلم حتى إذا ناوا منه صاروا حضانا لاباء الملوك " أى مربين و كافلين ، و حضان جمع حضان ، لان المربى و الكافل يضم الطفل إلى حضنه و به سميت الحاضنة ، و هي التي تربى الطفل ، و الحاضنة بالفتح فعلها ، و الحجر بمعنى و حواء أى يحويه و يحيط به .أما الاحكام فإذا بانت الزوجة و بينهما ولد - فإن كان بالغا رشيدا لم يجبر على الكون مع أحدهما ، بل يجوز له أن ينفرد عنهما ، إلا أن المستحب له أن لا ينفرد عنهما لئلا ينفطع بره و خدمته عنهما ، و هل يكره له الانفراد عنهما ؟ ينظر فيه - فإن كان رحلا - لم يكره له الانفراد عنهما و ان كانت إمرأة ، فإن كانت بكرا ، كره لها الانفصال عنهما لانها لم تجرب الرجال و لا يؤمن أن تخدع و إن كانت ثيبا فارقها زوجها لم يكره لها الانفراد عنهما لانها قد جربت الرجال و لا يخشى عليها أن تخدع و قال مالك يجب على الابنة أن لا تفارق أمها حتى تتزوج و يدخل بها الزوج دليلنا أنها إذا بلغت رشيدة فقد ارتفع الحجر عنها : فكان لها أن تنفرد بنفسها و لا اعتراض عليها ، كما لو تزوجت ثم بانت عنه ، و ان كان الولد صغيرا لا يميز
(324)
و هو الذي له دون سبع سنين أو كبيرا إلا أنه مجنون أو ضعيف العقل وجبت حضانته ، لانه إذا ترك منفردا ضاع .و لا تثبت الحضانة لمعتوه - و هو ناقص العقل - و لا لمجنون لانه لا يصلح للحضانة ، و لا تثبت الحضانة لفاسق لانه لا يؤمن أن ينشأ الطفل على منزعه ، و إن كان أحد الابوين مسلما فالولد و لا تثبت عليه الحضانة للكافر .و قال أبو سعيد الاصطخرى تثبت الحضانة للكافر على المسلم لحديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، و قد أوردنا طرقه آنفا ، و قد قال المصنف إنه منسوخ ، و نقول : إن هذا الحديث استدل به القائلون بثوبت الحضانة للام الكافرة كأبي حنيفة و أصحابه و ابن القاسم المالكي و أبو ثور ، و ذهب إلى الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم .و أجابوا عن الحديث بما تقدم من المقال فيه و بما فيه من الاضطراب ، و لكن الحديث بأسانيده و طرقه يصلح للاحتجاج به ، و الاضطراب ممنوع باعتبار محل الحجة ، و هو كفر الام و ثبوت التخيير .و هذا العنصران هما ما يدور حولهما الحكم .و لعل المصنف يحتج في النسخ بأدلة عامة ، كقوله تعالى " و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " و بنحو " الاسلام يعلو " و قد استدل ابن القيم بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا " على أن المراعى أولا في التخيير أو الاستهام بالقرعة ما هو أصلح للصغير ، و أن أيا ما كان الامر من التخيير أو التعيين أو الاقتراع ، فإن أولئك مقيد بقوله تعالى " قوا أنفسكم و أهليكم نارا " و حكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال : تنازع أبوان صبيا عند الحاكم فخير الولد بينهما فاختار أباه ، فقالت أمه سله لاي شيء يختاره ؟ فسأله فقال : أمى تبعثني كل يوم للكاتب و الفقيه يضربانى و أبى يتركنى ألعب مع الصبيان فقضى به للام .و رجح هذا ابن تيمية فإذا كانت روح الشرع تقضى بمراعاة صالح الصغير .فإن مما لا شك فيه أن إلقاءه في أحضان قضأ على صلاحه دنيا و أخرى .و من ثم يتعين خطا أبى سعيد الاصطخرى و أبى حنيفة و أصحابه و ابن القاسم و أبى ثور
(325)
و قال العمراني ان الحضانة لحظ الولد و لا حظ له في حضانة الكافر ، لانه لا يؤمن أن يفتن عن دينه .ثم قال : أما الحديث فغير معروف عند أهل النقل و إن صح فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم علم أنه يختار أباه ، فلهذا خيره ، فيكون ذلك خاصا لذلك الولد دون غيره اه ( فرع ) و إذا تزوجت المرأة سقطت حقها من الحضانة ، و به قال مالك و أبو حنيفة و قال الحسن البصري لا يسقط حقها لقولها تعالى " و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم " و لان النبي صلى الله عليه و سلم تزوج أم سلمة و معها بنتها زينب فكانت عندها .و روى ابن عباس أن عليا و جعفر ابنى أبى طالب و زيد بن حارثة تنازعوا في حضانة ابنة حمزة بن عبد المطلب ، و اختصموا إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال جعفر أنا أحق بها أنا ابن عمها و خالتها تحتي ، و قال على أنا أحق بها أنا ابن عمها و ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم تحتي - يعنى إبنة ابن عمها .و قال زيد أنا أحق بها لانها إبنة أخى - و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بين زيد بن حارثة - فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لخالتها و قال الخالة أم .فقضى بها للخالة و هي مزوجة و دليلنا ما روى عبد الله بن عمرو " أن إمرأة أتت النبي صلى الله عليه و سلم و قالت يا رسول الله ان ابنى هذا كان بطني له وعاء ، و حجري له حواء ، و ثديي له سقاء ، و إن أباه طلقني و يرد أن ينزعه منى ، فقال صلى الله عليه و سلم أنت أحق به ما لم تنكحي " و روى أبو هريرة النبي صلى الله عليه و سلم قال " الام أحق بولدها ما لم تتزوج " و لانها إذا تزوجت استحق الزوج الاستمتاع بها إلا في وقت العبادة ، فلا تقوم بحضانة الولد .و أما الآية فالمراد بها إذا لم يكن هناك أب أو كان و رضى و أما زينب و ابنة حمزة فلانه لم يكن هناك من النساء من تستحق الحضانة خالية من الازواج .إذا ثبت هذا فإن طلقت الزوجة طلاقا بائنا أو رجعيا عاد حقها من الحضانة و قال مالك لا يعود حقها من الحضانة بحال
(326)
و قال أبو حنيفة و المزني : ان كان الطلاق بائنا عاد حقها ، و إن كان رجعيا لم يعد حقها ، لان الزوجية باقية بينهما ، و دليلنا أن حقها إنما سقط لاشتغالها عن الحضانة باستمتاع الزوج ، و لا يملك الزوج الاستمتاع بها بعد الطلاق البائن و الرجعى ، فعاد حقها من الحضانة .و إن أعتق الرقيق ، أو عقل المجنون و المعتوه ، أو عدل الفاسق ، أو أسلم الكافر عاد حقهم من الحضانة ، لان الحضانة زالت بمعنى ، و قد زال المعنى فعادت الحضانة .( مسألة ) قوله " و لا حضانة لمن لا يرث من الرجال من ذوى الارحام " و هذا صحيح مثل ابن الاخت و ابن الاخ للام و أبى الام و الخال و ابن العم لانه ذكر لا يرث فأشبه الاجنبي .و قال المصنف هنا : و لا تثبت الحضانة لا بن البنت و هذا الذي قال لا يتصور في حضانة الصغير ، و إنما يتصور في الكبير و المجنون لانا قد قلنا يجب حضانتة الصغير ، و لا تثبت الحضانة لمن أدلى من النساء و الرجال بهولاء الرجال ، لان الحضانة إذا لم تثبت لهم بأنفسهم لم تثبت لمن أدلى بهم .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إن اجتمع النساء دون الرجال وهن من أهل الحضانة فالأَم أحق من غيرها ، لما روى عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " أنت أحق به ما لم تنكحي " و لانها أقرب اليه و أشفق عليه ، ثم تنتقل إلى من يرث من أمهاتها ، لمشاركتهن الام في الولادة و الارث ، و يقدم الاقرب فالأَقرب ، و يقدمن على أمهات الاب ، و إن قربن لتحقق ولادتهن ، و لانهن أقوى في الميراث من أمهات الاب ، لانهن لا يسقطن بالاب ، و تسقط أمهات الاب بالام ، فإذا عدم من يصلح للحضانة من أمهات الام ففيه قولان .قال في القديم تنتق إلى الاخت و الخالة ، و يقدمان على أم الاب ، لما روى البراء بن عازب رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى في بنت حمزة لخالتها و قال الخالة بمنزلة الام " و لان الخالة تدلي بالام ، وأم الاب تدلي بالاب ، و الام تقدم
(327)
على الاب فقدم من يدلى بها على من يدلى به ، و لان الاخت ركضت مع الولد في الرحم ، و لم تركض أم الاب معه في الرحم ، فقدمت عليها ، فعلى هذا تكون الحضانة للاخت من الاب و الام ، ثم الاخت من الام ثم الخالة ثم لام الاب ثم للاخت من الاب ثم للعمة و قال في الجديد : إذا عدمت أمهات الام انتقلت الحضانة إلى أم الاب و هو الصحيح ، لانها جدة وارثه فقدمت على الاخت و الخالة كأم الام .فعلى هذا تكون الحضانة لام الاب ثم لامهاتها و ان علون ، الاقرب فالأَقرب ، و يقدمن على أم الجد كما يقدم الاب على الجد ، فإن عدمت أمهات الاب انتقلت إلى أمهات الجد ثم إلى أمهاتها و ان علون ، ثم تنتقل إلى أمهات أب الجد ، فإذا عدم أمهات الابوين انتقلت إلى الاخوات و يقدمن على الخالات و العمات ، لانهن راكضن الولد في الرحم و شاركنه في النسب ، و تقدم الاخت من الاب و الام ثم الاخت للاب ثم الاخت للام .و قال أبو العباس ابن سريج ، تقدم الاخت للام على الاخت للاب ، لان احداهما تدلي بالام و الاخرى تدلي بالاب ، فقدم المدلى بالام على المدلى بالاب كما قدمت الام على الاب ، و هذا خطأ لان الاخت من الاب أقوى من الاخت من الام في الميراث و التعصيب مع البنات ، و لان الاخت من الاب تقوم مقام الاخت من الاب و الام في الميراث ، فقامت مقامها في الحضانة .فإن عدمت الاخوات انتقلت إلى الخالات ، و يقدمن على العمات ، لان الخالة تساوي العمة في الدرجة و عدم الارث و تدلى بالام و العمة تدلي بالاب : و الام تقدم على الاب فقدم من يدلى بها ، و تقدم الخالة من الاب و الام على الخالة من الاب ، ثم الخالة من الاب ثم الخالة من الام ، ثم تنتقل إلى العمات لانهن يدلين بالاب ، و تقدم العمة من الاب و الام ثم العمة من الاب ثم العمة من الام ، و على قياس قول المزني و أبى العباس تقدم الخالة و العمة من الام على الخالة و العمة من الاب ( الشرح ) حديث عبد الله بن عمرو مضى تخريجه آنفا .أما حديث البراء بن عازب فقد أخرجه البخارى في الحج و فيه " اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم في
(328)
ذي القعدة قبل أن يحج و فيه قوله لجعفر " أشبهت خلقى و خلقي " و فيه صلح المشركين يوم الحديبية ، و أخرجه في الجزية عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، و في الصلح عن عبيد الله بن موسى و عن محمد بن بشار .و أخرجه مسلم في المغازي عن محمد بن المثنى و منمد بن بشار و عن عبيد الله بن معاذ و عن إسحاق بن إبراهيم و أحمد ابن خباب و أبو داود في الحج عن أحمد بن حنبل و الترمذى في الحج عن عباس ابن محمد الدوري و في البر عن سفيان بن وكيع و عن محمد بن أحمد بن بدوية و في المناقب عن محمد بن .اسماعيل البخارى .و رواه أحمد من حديث على و فيه " و الجارية عند خالتها فإن الخالة والدة " و أخرجه عن على أبو داود و الحاكم و البيهقى بمعناه و اللفظ المتفق عليه في رواية أحمد و البخاري و مسلم " أن إبنة حمزة اختصم فيها على و جعفر و زيد ، فقال على أنا أحق بها هى إبنة عمي ، و قال جعفر بنت عمي و خالتها تحتي ، و قال زيد إبنه أخى ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم لخالتها و قال " الخالة بمنزلة الام " قوله " و خالتها تحتي " يعنى أسماء بنت عميس و قد طعن ابن حزم في حديث البراء في كتابه و قال في إسناده إسرائيل و قد ضعفه على بن المديني ، و قد رد عليه بأنه قد وثقه سائر أهل الحديث ، و لا يضره أن ينفرد ابن المديني بتضعيفه و قد تعجب أحمد بن حنبل من حفظه و قال ثقة و قال أبو حاتم هو أتقن أصحاب أبى إسحاق ، و كفى باتفاق الشيخين على إخراج هذا الحديث دليلا أما الاحكام فإذا اجتمع النساء من القرابة وهن يصلحن للحضانة ، أو لا رجل معهن و تنازعن في حضانة المولود قدمت الام على غيرها لقوله صلى الله عليه و سلم " الام أحق بولدها ما لم تتزوج " و لانها أقرب اليه و أشفق عليها ، فإن عدمت الام انتقلت الحضانة إلى أمها ثم إلى أم أمها و إن علت ، فأما أمهات أبيها فلا مدخل لهن في الحضانة ، فإن عدمت الجدات من قبل الام ففيه قولان قال في القديم تنتقل الحضانة إلى الاخوات و الخالات و تقدمن على أمهات الاب لانهن يدلين بالام ، و أمهات الاب يدلين بالاب ، و الام تقدم على الاب فقدم من يدلى بها على من يدلى بالاب ، فعلى هذا تكون الحضانة للاخت للاب