و قال المزني : فالضمان على عاقلته ، سواء علم القاضي أو جهل ، و إن كان الولى جاهلا ففيه وجهان ، سواء علم القاضي أو جهل بناء على القولين في إطعام الطعام فإن قلنا إن ضمانه على الطاعم فالضمان ههنا على الولى ، و إن قلنا على المطعم كان الضمان هاهنا على الحاكم قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و ان كان القصاص في الطرف فالمستحب أن لا يستوفى الا بعد استقرار الجناية بالاندمال أو بالسراية إلى النفس .لما روى عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة قال " طعن رجل رجلا بقرن في رجله ، فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال أقدنى ، فقال دعه حتى يبرأ ، فأعادها عليه مرتين أو ثلاثا ، و النبي صلى الله عليه و سلم يقول حتى يبرأ ، فأبى فأقاده منه ، ثم عرج المستقيد فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال بري صاحبي و عرجت رجلي ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم لاحق لك " فذلك حين نهى أن يستقيد أحد من جرح حتى يبرأ صاحبه ، فإن استوفى قبل الاندمال جاز للخبر .و هل يجوز أخذ الارش قبل الاندمال ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) يجوز كما يجوز استيفاء القصاص قبل الاندمال ( و الثاني ) لا يجوز لان الارش لا يستقر قبل الاندمال ، لانه قد يسرى إلى النفس و يدخل في دية النفس ، و قد يشاركه غيره في الجناية فينقص بخلاف القصاص ، فإنه لا يسقط بالسراية و لا تؤثر فيه المشاركة ، فإذا قلنا يجوز ففي القدر الذي يجوز أخذه وجهان ( أحدهما ) يجوز أخذه بالغا ما بلغ لانه قد وجب في الظاهر فجاز أخذه .( و الثاني ) و هو قول أبى إسحاق انه يأخذ أقل الامرين من أرش الجناية أو دية النفس ، لان ما زاد على دية النفس لا يتيقن استقراره ، لانه ربما سقط ، فعلى هذا ان قطع يديه و رجليه وجب في الظاهريتان و ربما سرت الجناية إلى النفس فرجع إلى دية فيأخذ دية ، فإن سرت الجناية إلى النفس فقد أخذ حقه ، و ان اندملت أخذ دية أخرى .
(456)
( فصل ) و ان قلع سن صغير لم يثغر أو سن كبير قد أثغر ، و قال أهل الخبرة أنه يرجى أن ينبت إلى مدة لم يقتص منه قبل الاياس من بناته ، لانه لا يتحقق الاتلاف فيه قبل الاياس كما لا يتحقق إتلاف الشعر قبل الاياس من نباته فان مات قبل الاياس لم يجب القصاص ، لانه لم يتحقق الاتلاف فلم يقتص مع الشك ( الشرح ) حديث عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة أخرجه الشافعي و البيهقى في السنن الكبرى هكذا مرسلا ، و محمد بن طلحة ثقة محتج به و لا عبرة بقول النسائي " ليس بالغوى " أو قول بن معنى : ثلاثة يتقى حديثهم محمد بن طلحة الخ ذلك لانه صدوق مشهور محتج به في الصحيحين و قال أبو زرعة " صدوق " على أن هذا الخبر قد ورد متصلا و مرسلا من طرق بعضها بلفظ المصنف و بعضها بمعناه ، فعند أحمد و الدار قطنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أقدنى ، فقال حتى تبرأ ، ثم جاء اليه فقال أقدنى فأقاده ثم جاء اليه فقال يا رسول الله عرجت ؟ قال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله و بطل عرجك ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه " و روى الدار قطنى عن جابر " أن رجلا جرح فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح " و أخرجه أبو بكر ابن أبى شيبة عن ابن علية عن عمرو بن دينار عن جابر ، و أخرجه عثمان بن أبى شيبة بهذا الاسناد .و قال الدار قطنى : أخطأ فيه ابنا أبى شيبة و خالفهما أحمد بن حنبل و غيره ، فرووه عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا .و كذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه و هو المحفوظ ، يعنى المرسل ، و أخرجه أيضا البيهقي من حديث جابر مرسلا بإسناد آخر و قال تفرد به عبد الله الاموى عن ابن جريح و عنه يعقوب ابن حميد ، و أخرجه أيضا من وجه آخر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
(457)
" تقاس الجراحات ثم يتأتى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت اليه " و في إسناده ابن لهيعه .و كذا رواه جماعة من الضعفاء عن أبى الزبير و قد استدل بهذه الاحاديث القائلون بوجوب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح و يندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك ، و به قال أبو حنيفة و مالك و المذهب عندنا أنه مندوب اليه فقط دليلنا حديث محمد بن طلحة الذي سقنا طرقة آنفا ، و هو يدل بمفهومه من تمكينه صلى الله عليه و سلم الرجل المطعون بالقرن قبل البرء .و استدل القائلون بالوجوب بحديث " اصبروا حتى يسفر الجرح " عندما طعن رجل حسان بن ثابت فاجتمعت الانصار ليأخذ لهم النبي صلى الله عليه و سلم القصاص ، فقال انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم ، فبرئ حسان ثم عفا قال العلامة الشوكاني : و هذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي ، كما أنه قرينة لصرف النهى المذكور في حديث جابر إلى الكراهة .و أما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى الله عليه و سلم قرينة أن أمره الانصار بالانتظار للوجوب ، لان دفع المفاسد واجب ، كما قال في ضوء النهار ، فيجاب عنه بأن محل الحجة هو إذنه صلى الله عليه و سلم بالاقتصاص قبل الاندمال ، و هو لا يأذن إلا بما كان جائزا ، و ظهور المفسدة قادح في الجواز المذكور ، و ليس ظاهرها بكلي و لا أكثرى حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال ، لان لفظ " ثم " يقتضى الترتيب ، فيكون النهى الواقع بعدها ناسخا للاذن الواقع قبلها اه .إذا ثبت هذا فإنه إذا قطع طرفه و أراد المجني عليه أن يقتص فالمستحب له أن لا يقتص حتى تستقر الجناية بالاندمال أو السراية إلى النفس ، فإن عفا عن القود و طلب الارش قبل الاستقرار فهل يعطى الارش ؟ فيه قولان .أحدهما يعطى كما يجوز له استيفاء القصاص .و الثاني لا يعطى لان الارش لا يستقر قبل الاندمال لانه ربما سرى إلى النفس فدخل في ديتها أو يشارك غيره في الجناية فمات من الجميع ، فإذا قلنا يعطى قبل الاندمال فكم يعطي ؟ فيه وجهان
(458)
( أحدهما ) يعطى أقل الامرين من أرش الجناية أو دية النفس ، لان ما زاد على دية النفس لا يتيقن استقراره قبل الاندمال ( و الثاني ) يعطى أرش الجناية بالغا ما بلغ ، لانه قد وجب له في الظاهر ، فإن اقتص المجني عليه قبل الاندمال ، ثم سرت الجناية على المجني عليه إلى عضو آخر و اندمل ، كانت السراية مضمونة بالدية و قال أحمد رحمه الله : لا تكون مضمونة لقوله صلى الله عليه و سلم " اذهب فلا حق لك " و دليلنا أن هذه جناية مضمونة كما لو لم يقتص ، و الحديث محمول على أنه أراد صلى الله عليه و سلم لاحق لك في القصاص .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) إذا قتل بالسيف لم يقتص منه الا بالسيف لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتى عليكم " و لان السيف أجرى الآلات ، فإذا قتل به و اقتص بغيره أخذ فوق حقه ، لان حقه في القتل و قد قتل و عذب ، فإن أحرقه أو غرقه أو رماه بحجر ، أو رماه من شاهق أو ضربه بخشب ، أو حبسه و منعه الطعام و الشراب فمات ، فللولى أن يقتص بذلك لقوله تعالى " و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " و لما روى البراء رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من حرق حرقناه و من غرق غرقناه " و لان القصاص موضوع على المماثلة و المماثلة ممكنة بهذه الاسباب ، فجاز أن يستوفى بها القصاص ، و له أن يقتص منه بالسيف ، لانه قد وجب له القتل و التعذيب ، فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز .فإن قتله بالسحر قتل بالسيف ، لان عمل السحر محرم فسقط و بقى القتل فقتل بالسيف .و ان قتله باللواط أو بسقي الخمر ففيه وجهان : ( أحدهما ) و هو قول أبى إسحاق أنه ان قتله بسقي الخمر قتله بسقي الماء .و ان قتله باللواط فعل به مثل ما فعله بخشبة ، لانه تعذر مثله حقيقة ففعل به ما هو أشبه بفعله .( و الثاني ) أنه يقتل بالسيف لانه قتله بما هو محرم في نفسه فاقتص بالسيف
(459)
كما لو قتله بالسحر ، و إن ضرب رجلا بالسيف فمات فضرب بالسيف فلم يمت كرر عليه الضرب بالسيف ، لان قتله مستحق و ليس ههنا ما هو أرجى من السيف فقتل به ، و إن قتله بمثقل أو رماه من شاهق أو منعه الطعام و الشراب مدة ففعل به مثل ذلك فلم يمت ففيه قولان ( أحدهما ) يكرر عليه ذلك إلى أن يموت كما قلنا في السيف ( و الثاني ) أنه يقتل بالسيف ، لانه فعل به مثل ما فعل و بقى ازهاق الروح فوجب بالسيف ، و إن جنى عليه جناية يجب فيها القصاص بأن قطع كفه أو أوضح رأسه فمات فللولى أن يستوفى القصاص بما جنى فيقطع كفه و يوضح رأسه لقوله تعالى ( و الجروح قصاص ) فإن مات به فقد استوفى حقه ، و ان لم يمت قتل بالسيف ، لانه لا يمكن أن يقطع منه عضوا آخر ، لانه يصير قطع عضوين بعضو و إيضاح موضحتين بموضحة .و ان جنى عليه جناية لا يجب فيها القصاص ، كالجائفة و قطع اليد من الساعد فمات منه ففيه قولان ( أحدهما ) يقتل بالسيف و لا يقتص منه في الجائفة و لا في قطع اليد من الساعد ، لانه جناية لا يجب فيها القصاص فلا يستوفى بها القصاص كاللواط ( و الثاني ) يقتص منه في الجائفة و قطع اليد من الساعد ، لانه جهة يجوز القتل بها في القصاص ، فجاز القتل بها في القصاص ، كالقطع من المفصل و حز الرقبة ، فإن اقتص بالجائفة أو قطع اليد من الساعد فلم يمت قتل بالسيف لانه لا يمكن أن يجاف بجائفة أخرى ، و لا أن يقطع منه عضو آخر فتصير جائفتان بجائفة ، و قطع عضوين بعضو ( الشرح ) حديث البراء بن عازب ذكره الحافظ في تلخيص الحير في كتاب الجراح من باب ما جاء في التشديد في القتل الحديث 1631 " من حرق حرقناه و من غرق أغرقناه " هكذا بالهمز في المضارع و قال أخرجه البيهقي في المعرفة من حديث عمران بن نوفل بن زيد بن البراء عن أبيه عن جده ، و قال في الاسناد : بعض من يجهل ، و إنما قاله زياد في خطبته أه و قال في الدراية في تخريج أحاديث الهداية : حديث من غرق غرقناه .
(460)
البيهقي من رواية عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده بهذا و فيه : من حرق حرقناه و من عرض عرضنا له .و في إسناده من لا يعرف اه ( قلت ) و قد رجعت إلى كتب الرجال فلم أجد ذكرا لعمران بن نوفل ، و لا نوفل بن زيد و لا زيد بن البراء ، ثم عدت إلى الرواية الاخرى التي ذكرها في الدراية فلم أجد إلا ذكر عمران بن يزيد موصوفا بالجهالة ، أما يزيد بن البراء فقد قال في التقريب " صدوق من الثالثة " أما الاحكام فإنه إذا قتل بالسيف لم يقتص منه إلا بالسيف لقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " و لانه أوحى الآلات ، و إن حرقه أو غرقه أو رماه بحجر أو من شاهق فمات أو صر به بخشبة أو حبسه و منعه الطعام و الشراب حتى مات ، فللولى أن يقتص منه بهذه الاشياء ، و به قال مالك و أما أبو حنيفة فإنه يقول : هذه الجنايات لا توجب القصاص إلا التحريق بالنار فإنه يوجب القصاص ، و لكن لا يجوز أن يقتص منه إلا بالسيف ، دليلنا قوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " و لحديث " أن يهوديا رض رأس جارية من الانصار بين حجرين فوجدت و بها رمق ، فقيل من فعل بك هذا ؟ فلان ؟ فأومأت أن لا إلى أن سئلت عن اليهودي فأومأت برأسها أى نعم ، فأخذوا اليهودي فأعترف ، فأمر به النبي صلى الله عليه و سلم فرضح رأسه بين حجرين " و لانها آلة يجوز بها قتل المشركين فجاز استيفاء القصاص بها كالسيف و للولي أن يقتله بالسيف لانه أوحى و أروح من التعذيب أما إذا قتله بالسحر فإنه يقتله بالسيف لان السحر ليس سلاحا في الاسلام لقتال المشركين ، و ليس آلة للقصاص و ليس له مثل أما إذا قتله باللواط فهل يجب فيه القصاص ؟ فيه وجهان حكاهما أصحابنا الخراسانيون ( أحدهما ) لا يجب فيه القصاص ، لان المقصود به طلب اللذة فكان عمد خطأ ( و الثاني ) و هو قول البغداديين - و هو الاصح - أنه يجب به القصاص لانه قتله بما يقتل مثله غالبا فوجب عليه القصاص ، كما لو قتله بالسيف .فعلى هذا في كيفية استيفاء القصاص منه وجهان ( أحدهما ) يقتل بسيف لان اللواط محرم فقتل بالسيف كالسحر
(461)
( و الثاني ) يعمل به مثل ما عمل بخشبة إلى أن يموت ، لانه أقرب إلى ما فعله .و إن قتله بشرب الخمر وجب عليه القصاص ، و كيف يتسوفى منه القصاص ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) يقتل بالسيف لان الخمر محرم فهو كالسحر ( و الثاني ) يقتل بشرب الماء لانه أقرب إلى فعله .فأما حديث " لا قود إلا بالسيف " فقال أحمد ليس إفاد بجيد ، هكذا نقله ابن قدامة في المغني .إذا ثبت هذا فإنه إذا ضربه بالسيف فلم يمت فإنه يوالى عليه الضرب إلى أن يموت لانه أوحى الآلات ، و ان فعل به مثل ما فعل به من الضرب بالمثقل و الرمى من شاهق أو منعه من الطعام و الشراب مثل الذي منعه فلم يمت ففيه قولان ( أحدهما ) يكرر عليه ذلك إلى أن يموت ، كما قلنا في السيف ( و الثاني ) لا يكرر عليه ذلك بل يقتله بالسيف لانه قد فعل به مثل ما فعل به : و لم يبق إلا إزهاق الروح فوجب بالسيف ، و إن جنى عليه جناية يجب فيها القصاص بأن أوضح رأسه أو قطع يده أو رجله من المفصل فمات فللمجني عليه أن يوضح رأسه و يقطع يده .و قال أبو حنيفة .ليس له قطع الطرف ، و هو إحدى الروايتين عن أحمد ، لان ذلك يفضى إلى الزيادة على ما جناه الاول ، و القصاص يعتمد المماثلة ، فمتى خيف فيه الزيادة سقط ، كما لو قطع يده من نصف الذراع و الرواية الثانية عن أحمد يجب القصاص في الطرف فإن مات به و الا ضربت عنقه ( قلت ) هذا هو مذهبنا لانه ليس بزيادة لان فوات النفس بسراية فعله و سراية فعله كفعله ، فأشبه ما لو قطعه ثم قتله ، و لان زيادة الفعل في الصورة محتمل في الاستيفاء ، كما لو قتله بضربة فلم يمكن قتله في الاستيفاء إلا بضربتين ، فإن جنى عليه جناية مثل أن هشم رأسه أو أجافه أو قطع يده من بعض الساعد أو العقد فمات ففيه قولان ( أحدهما ) لا يجوز له الاقتصاص بهذه الجنايات بل يقتله بالسيف لما روى العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " ليس في المنقلة قصاص " و لانها جناية لا يجب بها القصاص إذا لم تسر إلى النفس ، فلم يجب بها القصاص