إلى قولهم ، منهم سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و القاسم بن محمد و أبو بكر بن عبد الرحمن و خارجة بن زيد بن ثابت و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة و سليمان بن يسار في جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه و فضل أن المرأة تقاد من الرجل عينا بعين و أذنا بأذن و كل شيء من الحراج على ذلك ، و إن قلتها قتل بها ، و رويناه عن الزهرى و غيره و عن النخعي و الشعبى و عمر بن عبد العزيز قال البيهقي و روينا عن الشعبي و إبراهيم خلافه فيما دون النفس و عن حمل بن مالك ( و هو ابن النابغة الهذلي و هو يعد في بصريى الصحابة ، و حديثه الآتى مخرج عند المدينين و البصريين ) قال رضى الله عنه " كنت بين إمرأتين فضربت أحدهما الاخرى بمسطح فقتلتها و جنينها ، فقضى النبي صلى الله عليه و سلم في جنينها بغرة و أن تقتل بها " رواه أبو داود في الديات و النسائي في القود و ابن ماجه في الديات و الدار قطنى ، و ليس لحمل حديث سواه عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و المسطح الخشبة الكبيرة تركز في وسط الخيمة .و إن ضرب بمثقل لا يقتل مثله غالبا كالقلم و الحصى فمات لم يجب عليه القود و لا الدية و لا الكفارة ، لانا نعلم أنه لا يموت منه ، و إنما وافق موته ضربته ، و إن ضربه بمثقل قد يقتل و قد لا يقتل كالسوط و العصا الخفيف فمات ، فإن و إلى عليه الضرب إلى أن بلغ عددا يقتل مثله في الغالب على حسب حال المضروب ، أو رمى به بأن يضربه خمسمائة أو ألفا ، فإن ذلك يقتل في الغالب ، و كذلك إذا كان المضروب نضو الخلق أو في حر شديد أو في برد شديد فضربه دون ذلك فمات لم يجب عليه القود لانه عمد خطأ و يجب عليه الدية ( فرع ) و إن خنقه بيده أو بحبل أو طرح على وجهه مخدة أو منديلا و اتكأ عليه حتى مات - فإن فعل ذلك مدة يموت المخنوق من مثلها غالبا وجب على قاتلها القود ، لانه تعمد قتله بما يقتل مثله غالبا .و إن كان في مدة يجوز أن يموت مثله من مثلها ، و بجوز أن لا يموت لم يجب عليه القود و عليه دية مغلظة ، لان فعله عمد خطأ .و إن خنقه يموت مثله من مثله ثم أرسله حيا ثم مات - فإن كان قد أورثه الخنق شيئا حتى لا يخرج نفسه ، أو بقي متألما إلى أن مات ، وجب على الخانق القود
(379)
لانه مات بسراية فعله .و إن جعل في رقبته خراطة حبل و تحت رجليه كرسيا و شد الحبل إلى سقف بيت و ما أشبهه و نزع الكرسي من تحته فاختنق و مات وجب عليه القود لانه أوحى الخنق ( مسألة ) و إن طرحه في نار في حفير فلم يمكنه الخروج منها حتى مات وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا .و إن كانت النار في بسيط من الارض ، فإن كان لا يمكنه الخروج منها لكثرتها أو لشدة التهابها ، أو بأن كتفه و ألقاه فيها ، أو بأن كان ضعيفا لا يقدر على الخروج وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا ، و ان أمكنه الخروج منها فلم يخرج حتى مات ، و يعلم إمكان الخروج بأن يقول أنا أقدر على الخروج و لا أخرج لم يجب القود ، و هل يجب عليه الدية فيه قولان : ( أحدهما ) يجب عليه الدية ، لانه ضمنه بطرحه في النار ، فلم تسقط عنه الضمان بتركه الخروج مع قدرته عليه ، كما لو جرحه جراحة و أمكنه مداواتها فلم يداوها حتى مات .( و الثاني ) لا يجب عليه الدية لان النفس لم يخرج بالطرح بالنار ، و إنما خرجت ببقائه فيها باختياره ، فهو كما لو خرج منها ثم عاد إليها ، و يفارق ترك المداواة لانه لم يحدث أمرا كان به التلف بخلاف بقائه في النار فإنه أحدث أمرا حصل به التلف ، و لان البرء في الدواء أمر مظنون فلم تسقط به الدية ، و السلامة بالخروج أمر متحقق فسقط بتركه الضمان ، فإذا قلنا بهذا وجب على الطارح أرش ما عملت فيه النار من حين طرحه فيها إلى أن أمكنه الخروج فلم يخرج ( فرع ) قال الشافعي رحمه الله : لو طرحه في لجة بحر و هو يحسن العوم أو لا يحسن العوم فغرق فيها فعليه القود .و جملة ذلك أنه إذا طرحه في لجة البحر فهلك فعليه القود ، سواء كان يحسن السباحة أو لا يحسن ، لان لجة البحر مهلكة و ان طرحه بقرب الساحل فغرق فمات - فإن كان مكتوفا أو مكتوف و هو لا يحسن السباحة - فعليه القود ، و ان كان يحسن السباحة و أمكنه أن يخرج فلم يخرج حتى غرق و مات أو طرحه فيما يمكنه الخروج منه فلم يخرج منه حتى مات فلا يجب عليه القود ، و هل تجب عليه الدية ؟ فيه طريقان .من أصحابنا من قال
(380)
فيه قولان كما لو طرحه في نار يمكنه الخروج منها فلم يخرج منها حتى مات ، و منهم من قال لا يجب عليه الدية قولا واحدا ، لان العادة لم تجر بأن يخوض النار في النار ، و العادة بأن الناس يخوضون في الماء .و إن طرحه في البحر بقرب الساحل و هو ممن يمكنه الخروج منه فابتلعه حوت فلا قود عليه لانه كان يمكنه الخروج لو لم يبلعه الحوت ، قيل عليه القود لانه لو لم يبتعله الحوت لما كان يتخلص .و الثاني لا يجب عليه القود بل عليه الدية ، لان الهلاك لم يكن بفعله ، و الاول أصح و إن طرحه في ساحل بحر قد يزيد اليه الماء و قد لا يزيد فزاد الماء و أغرقه لم يجب عليه القود لانه لا يقصد قتله ، و بجب عليه دية مغلظة لانه عمد خطأ و إن كان الموضع لا يزيد الماء إليها فزاد و غرق لم يجب عليه القود ، و تجب عليه دية مخففة لانه خطأ عمد .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إن حبسه و منعه الطعام و الشراب مدة لا يبقى فيها من طعام و لا شراب فمات وجب عليه القود ، لانه يقتل غالبا ، و إن أمسكه على رجل ليقتله فقتله وجب القود على القاتل دون الممسك ، لما روى أبو شريح الخزاعي " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن من أعتى الناس على الله عز و جل من قتل قاتله أو طلب بدم الجاهلية في الاسلام أو بصر عينيه في النوم ما لم تبصره " و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال " ليقتل القاتل و يصبر الصابر " و لانه سبب ملجئ ضامه مباشرة فتعلق الضمان بالمباشرة دون السبب كما لو حفر بئرا فدفع فيها آخر رجلا فمات .( فصل ) و إن كتف رجلا و طرحه في أرض مسبعة أو بين يدى سبع فقتله لم يجب القود لانه سبب ملجئ فصار كمن أمسكه على من يقتله فقتله .و ان جمع بينه و بين السبع في زبية أو بيت صغير ضيق فقتله وجب عليه القود لان السبع يقتل إذا اجتمع مع الادمي في موضع ضيق و إن كتفه و تركه في موضع فيه حيات فنهسته فمات لم يجب القود ، ضيقا كان
(381)
المكان أو واسعا ، لان الحية تهرب من الآدمى فلم يكن تركه معها ملجئا إلى قتله و ان أنهشه سبعا أو حية يقتل مثلها غالبا فمات منه وجب عليه القود لانه ألجاه إلى قتله ، و إن كانت حية لا يقتل مثلها غالبا ففيه قولان ( أحدهما ) يجب القود لان جنس الحيات يقتل غالبا ( و الثاني ) لا يحب لان الذي ألسعه لا يقتل غالبا ( الشرح ) حديث أبى شريح الخزاعي رواه أحمد و أخرجه الدار قطنى و الطبراني و الحاكم ، و رواه الطبراني و الحاكم من حديث عائشة بمعناه ، و روى البخارى في صحيحه عن ابن عباس مرفوعا " أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرام ، و متبع في الاسلام سنة جاهلية ، و مطلب دم بغير حق ليهريق دمه " و أخرجه أحمد أيضا عن عبد الله بن عمر .و كذلك ابن حبان في صحيحه بلفظ " ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أعدى الناس على الله عز و جل من قتل في الحرم ، أو قتل قاتله ، أو قتل بذحول الجاهلية " و أخرج عمر بن أبى شبة عن عطاء بن يزيد قال " قتل رجل بالمزدلفة - يعنى في غزوة الفتح - فذكر القصة و فيها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : و ما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة : رجل قتل في الحرم ، أو قتل قاتله ، أو قتل بذحل الجاهلية " و أبو شريح الخزاعي اسمه خويلد بن عمرو ، و قيل عمرو بن خويلد ، و قيل كعب بن عمرو ، و قيل هانئ بن عمرو و أصحها خويلد بن عمرو ، أسلم قبل فتح مكة و كان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة يوم الفتح ، و كانت وفاته بالمدينة سنة ثمان و ستين يعد في أهل الحجاز .روى عنه عطاء بن يزيد الليثي و أبو سعيد المقبري و سفيان بن أبى العوجاء .و قال مصعب : سمعت الواقدي يقول : كان أبو شريح الخزاعي من عقلاء أهل المدينة فكان يقول : إذا رأيتموني أبلغ من أنكحته أو نكحت اليه إلى السلطان فاعلموا إني مجنون فاكوونى ، و إذا رأيتموني أمنع جارى أن يضع خشبته في حائطي فاعلموا أنى مجنون فاكوونى ، و من وجد لابى شريح سمنا أو لبنا أو جداية فهو له حل فليأكله و يشربه .اتفق له الشيخان على حديثين .
(382)
و روى له الترمذي ثلاثة أحاديث و أبو داود ثلاثة أحاديث و ابن ماجه حديثان و قوله " ان أعتى " و في رواية : إن أعدى الناس و هما تفضيل ، أى الزائد في التعدي أو العتو على غيره ، و العتو التكبر و التجبر و قد أخرج البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاب : إن أعدى الناس على الله .الحديث قال تعالى " و عتوا عتوا كبيرا " أى تجبروا و عصوا أما حديث " ليقتل القاتل و يصير الصابر " فقد رواه ابن المبارك عن معمر عن سفيان عن اسماعيل يرفعه قال " اقتلوا القاتل و اصبروا الصابر " و رواه الدار قطنى عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " إذا أمسك الرجل الرجل و قتله الآخر ، يقتل الذي قتل و يحبس الذي أمسك " و رواه الشافعي من فعل علي رضى الله عنه " أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا و أمسكه آخر : قال يقتل القاتل و يحبس الآخر في السجن حتى يموت " و أخرجه الدار قطنى من طريق الثورى عن اسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ، و رواه معمر و غيره عن اسماعيل .قال الدار قطنى و الارسال أكثر .و أخرجه أيضا البيهقي و رجح المرسل و قال إنه موصول محفوظ و قال في بلوغ المرام و رجاله ثقات و صححه ابن القطان و قد روى أيضا عن اسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعا ، و الصواب عن اسماعيل قال " قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم " الحديث و قوله " و يصبر الصابر " معناه يحبس الحابس .و في أسماء الله تعالى الصبور و هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام و هو من أبنية المبالغة ، و معناه قريب من معنى الحليم ، و الفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم و صبره عن الشيء حبسه .قال الخطئية : قلت لها أصبرها جاهدا ويحك أمثال طريف قليل و الصبر نصب نفس الانسان للقتل و قد مضى في كتاب الايمان معنى اليمين الصبر و معان في كلمة الصبر ، و منه صبر النفس أى حبسها عند الجزع .قال تعالى
(383)
( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ) و قوله " أرض مسبعة " بالاضافة و فتح الميم أى ذات سباع ، و الزبية حفرة تحفر لينشب فيها السبع و جمعها زبا .قال ابن بطال فيها لغتان الضم و الكسر ، و نهسته بالسين المهملة ، أى أخذته بمقدم أسنانها ، و نهس الحية عضها .قال الراجز : و ذات قرنين طحون الضرس تنهس لو تمكنت من نهس و يقال نهسته بالشين .قال الزمخشري في الاساس : الفرق أن النهس بأطراف الاسنان و النهش بالاضراس .أما الاحكام فإنه إذا حبس حرا و أطعمه و سقاه فمات و هو في الحبس فلا قود عليه و لا دية ، سواء مات حتف أنفه أو بسبب كلدغ الحية و سقوط الحائط و ما أشبهه .و قال أبو حنيفة ان كان صغيرا فمات حتف أنفه فلا شيء عليه ، و ان مات بسبب كلدغ الحية و سقوط الحائط فعليه الدية .دليلنا أنه حر فلا يضمنه باليد كما لو مات حتف أنفه ، و أما إذا حبسه و منعه الطعام و الشراب أو أحدهما حتى مات نظرت - فإن حبسه عن ذلك مدة يموت مثله في مثلها غالبا - وجب عليه القود لانه قتله بما يقتل غالبا ، فهو كما لو قتله بالسيف ، و إن كان مدة لا يموت مثله في مثلها بمنع الطعام و الشراب فلا قود عليه و لا دية لانا نعلم أنه مات بسبب آخر ، و يعتبر حال المجوس : فإن حبسه و هو جائع فإنه لا يصبر عن الطعام إلا المدة القليلة ، و إن كان شبعان فإن يصبر أكثر من مدة الجائع و يعتبر الطعام على انفراده و الشراب على انفراده لان الانسان يصبر عن الطعام أكثر مما يصبر عن الشراب .و إن أمكنه الخروج إلى الطعام و الشراب فلم يخرج حتى مات قال الطبري فلا قود .أما إذا أمسك رجل رجلا فجاء آخر فقتله وجب القود على القاتل دون المسمك إلا أن الممسك إن كان أمسكه مداعبة أو ليضربه فلا إثم عليه و لا تعزير و إن أمسكه ليقتله الآخر أثم بذلك و عزر .هذا مذهبنا و به قال أبو حنيفة و أصحابه .و قال ربيعة يقتل القاتل و يحبس الممسك حتى يموت .و قال مالك إن حبسه ليضربه الآخر أو أمسكه ليضربه أو أمسكه مداعبة فجاء الآخر فقتله فلا قود عليه و لا دية ، و ان أمسكه ليقتله الآخر فعليه القود ، و مذهب أحمد أنه
(384)
لا خلاف في أن القاتل يقتل ، لانه قتل من يكافئه عمدا بغير حق .و أما الممسك فإن يعلم أن القاتل يقتله فلا شيء عليه لانه متسبب و القاتل مباشر فسقط حكم المتسبب به ، و ان أمسكه له ليقتله مثل أن ضبطه له حتى ذبحه له ، فأختلف الرواية عن أحمد ، فروى عنه أنه يحبس حتى يموت ، و هو قول عطاء و ربيعة ، و روى ذلك عن علي ، و روى عن أحمد أنه يقتل أيضا ، و هو قول مالك .قال سليمان بن موسى الاجتماع فينا أنه يقتل لانه لو لم يمسكه ما قدر على قتله و بإمساكه تمكن من قتله ، فالقتل حاصل بفعلهما فكان شريكين فوجب عليهما القصاص كما لو جرحاه .دليلنا حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " إذا أمسك الرجل و قتله الاخر يقتل الذي قتل و يحبس الذي أمسك " و لانه حبسه حتى الموت فيحبس حتى الموت ، كما لو حبسه عن الطعام و الشراب حتى مات فإننا نفعل به ذلك حتى يموت .و قوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) فلو أوجبنا على الممسك القود كنا قد اعتدينا عليه بأكثر مما اعتدى ، و هذا يدخل تحت طائلة وعيده صلى الله عليه و سلم حيث يقول " ان من أعتى الناس على الله من قتل قاتله ، أو طالب بدم الجاهلية في الاسلام ، أو بصر عينه في النوم ما لم تبصره " فلو قتل الولى الممسك لكان قتل قاتله ، و قد أراد النبي صلى الله عليه و سلم بصبر الصابر التعزيز بالحبس ، لانه سبب ملجئ اجمتع مع المباشرة فتعلق الضمان بالمباشرة دون السبب ، كما لو حفر بئرا أو نصب سكينا فدفع آخر عليها رجلا فمات ، و لانه لو كان بالامساك شريكا لكان إذا أمسك الرجل إمرأة و زنى بها آخر أنه يجب عليهما الحد ، فلما لم يجب الحد على الممسك لم يجب القود على الممسك .قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و ان سقاه سما مكرها فمات وجب عليه القود لانه سبب يقتل