قال الازهرى : هو الصواب ، و الاصل تسررت ، و لكن لما توالت ثلاث راءات أبدلوا إحداهن ياء ، كما قالوا تظنيت من الظن ، و قصيت أظفاري و الاصل قصصت ، و إنما ضمت سينه .لان الا بينة قد تغير في النسبة خاصة ، كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهرى و إلى الارض السهلة سهلى ، و الجمع السراري و في حديث عائشة و ذكر لها المتعة فقالت " و الله ما نجد في كتاب الله إلا النكاح و الاستسرار " تريد اتخاذ السراري ، و كان القياس الاستسراء من تسريت إذا اتخذت سرية ، لكنها ردت الحرف إلى الاصل ، و هو تسررت من السر النكاح و هو السرور ، فأبدلت إحدى الراءات ياء و في حديث سلامة : فاسترنى أى اتخذني سرية ، و القياس أن تقول .تسررنى أو تسرانى ، فأما استسرنى فمعناه ألقى إلى سره .و أما قول المصنف من الظهر فعلى وجهه و لم أره في اللسان أما الاحكام فإنه إذا حلف لا تسريت ففيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) حنث بوطء الجارية ، و به قال أبو الخطاب من أصحاب أحمد ( و الثاني ) لا يحنث إلا بتحصينها و حجبها عن الناس ، لان التسري مأخوذ من الصر ، و به قال أبو حنيفة .و الوجه الثالث لا يحنث إلا بالتحصين و الوطء و الانزال .و قال القاضي من أصحاب أحمد : لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا و وجه الاول أنه مأخوذ من السر - و يؤخذ على المصنف التعبير عن هذا الوجه بقيل ، مع أنه أحرى من الظهر .قال تعالى " و لكن لا تواعدوهن سرا " و قال الشاعر : فلن تطلبوا سرها للغنى و لن تسلموها لازدهادها و قال آخر : ألا زعمت بسباسة اليوم انني كبرت و ألا يحسن السر أمثالي ( مسألة ) إذا حلف ألا مال له و له دين حال حنث لوجوب الزكاة فيه ،
(99)
و هو قول الحنابلة و مالك .و قال أبو ثور و أصحاب الرأي لا يحنث ، كما لو قضأ دينه فجاءت النقود زيوفا و جملة ذلك أنه إذا حلف لا يملك ما لا حنث يملك كل ما يسمى ما لا ، سواء كان من الاثمان أو غيرها من العقار و الاثاث و الحيوان .و عن أحمد أنه إذا نذر الصدقة بجميع ماله إنما يتناول نذره الصامت من ماله ، ذكرها ابن أبي موسى : لان إطلاق المال ينصرف اليه و قال أبو حنيفة : لا يحنث إلا ان ملك ما لا زكويا استحسانا .لان الله تعالى قال " و في أموالهم حق للسائل و المحروم " فلم يتناول الا الزكوية و لنا أن الزكوية أموال : قال الله تعالى أن تبتغوا بأموالكم " و هي مما يجوز ابتغاء النكاح بها .و قال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه و سلم : أن أحب أموالي إلى بنيرحاء .يعنى حديقة .و قال عمر : أصبت ما لا بأرض خبير لم أصب ما لا قط أنفس عندي منه .و قال أبو قتادة اشتريت مخرفا فكان أول مال تأثلته و في الحديث " خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة " و يقال " خير المال عين قرارة في أرض خوارة " و لانه يسمى ما لا فحنث به كالزكوى .و أما قوله " و في أموالهم حق " فألحق ههنا الزكاة : لان هذه الآية مكية نزلت قبل فرض الزكاة فإن الزكاة انما فرضت بالمدينة ثم لو كان الحق الزكاة فلا حجة فيها ، فإن الحق إذا كان في بعض المال فهو في المال ، كما أن من هو في بيت من دار أو في بلدة فهو في الدار و البلدة .قال تعالى " و في السماء رزقكم و ما توعدون و لا يلزم أن يكون في كل أقطارها .ثم لو اقتضى هذا العموم لوجب تخصيصه : فإن ما دون النصاب مال و لا زكاة فيه .فإن حلف لامال له و له دين حنث و قال أبو حنيفة لا يحنث لانه لا ينتفع به دليلنا أنه ينعقد عليه حول الزكاة و يصح إخراجها عنه و يصح التصرف فيه بالابراء و الحوالة و المعاوضة عنه لمن هو في ذمته و التوكيل في استيفائه فيحنث به كالمودع ( فرع ) ان كان له مال مغصوب حنث لانه باق على ملكه ، فإن كان له مال ضائع أو ضال ففيه ، جهان ( أحدهما ) يحنث ، لان الاصل بقاؤه على ملكه
(100)
( و الثاني ) لا يحنث لانه لا يعلم بقاؤه .و إن ضاع على وجه قد يئس من عوده كالذي يسقط في بحر لم يحنث ، لان وجوده كعدمه ، و يحتمل ألا يحنث في كل مال لا يقدر على أخذه كالمجحود و المغصوب و الذي على ملئ لانه لا نفع فيه و حكمه حكم المعدوم في جواز الاخذ من الزكاة ، و انتفاء وجوب أدائها .و قد مضى في الزكاة للامام النووي مزيد بحث و تفصيل ( فرع ) إذا تزوج لم يحنث لان ما يملكه ليس ما لا ، و إن وجب له حق شفعة لم يحنث لانه لم يثبت له الملك به .و إن استأجر عقارا أو غيره لم يحنث لانه لا يسمى مالك لمال ، و ما بقي من الفصول فعلى وجهه قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فصل ) و إن حلف لا يكلم فلانا حينا أو دهرا أو حقبا أو زمانا بر بأدنى زمان ، لانه اسم للوقت ، و يقع على القليل و الكثير ، و إن حلف لا يكلمه مدة قريبة أو مدة بعيدة بر بأدنى مدة ، لانه ما من مدة إلا و هي قريبة بالاضافة إلى ما هو أبعد منها ، بعيدة بالاضافة إلى ما هو أقرب منها ( فصل ) و ان حلف لا يستخدم فلانا فخدمه و هو ساكت لم يحنث ، لانه حلف على فعله و هو طلب الخدمة و لم يوجد ذلك منه ، و إن حلف لا يتزوج أو لا يطلق فأمر غيره حتى تزوج له أو طلق عنه لم يحنث ، لانه حلف على فعله نفسه و لم يفعل .و إن حلف لا يبيع أو لا يضرب فأمر غيره ففعل - فإن كان ممن يتولى ذلك بنفسه - لم يحنث لما ذكرناه ، و إن كان ممن لا يتولى ذلك بنفسه كالسلطان فالمنصوص أنه لا يحنث .و قال الربيع : فيه قول أخر أنه يحنث ، و وجه أن العرف في حقه أن يفعل ذلك عنه بأمره ، و اليمين يحمل على العرف ، و لهذا لو حلف لا يأكل الرءوس حملت على روؤس الانعام ، و الصحيح هو الاول ، لان اليمين على فعله و الحقيقة لا تنتقل بعادة الحالف ، و لهذا لو حلف السلطان أنه لا يأكل الخبز أو لا يلبس الثوب فأكل خبز الذرة و لبس عباءة حنث .و إن لم يكن ذلك من عادته
(101)
و إن حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه ففيه طريقان ( أحدهما ) أنه على القولين كالبيع و الضرب في حق من يتولاه بنفسه ( و الثاني ) أنه يحنث قولا واحدا ، لان العرف في الحلق في حق كل أحد أن يفعله غيره بأمره ثم يضاف الفعل إلى المحلوق .( فصل ) و إن حلف لا يدخل دارين فدخل احداهما ، أو لا يأكل رغيفين فأكل أحدهما ، أو لا يأكل رغيفا فأكله الا لقمة ، أولايأكل رمانة فأكلها الا حبة ، أو لا يشرب ماء حب فشربه الا جرعة : لم يحنث لانه لم يفعل المحلوف عليه .و ان حلف لا يشرب ماء هذا النهر أو ماء هذه البئر ففيه وجهان ( أحدهما ) و هو قول أبى العباس أنه يحنث بشرب بعضها ، لانه يستحيل شرب جميعه فانعقدت اليمين على مالا يستحيل و هو شرب البعض ( و الثاني ) و هو قول أبى إسحاق أنه لا يحنث بشرب بعضه لانه حلف على شرب جميعه فلم يحنث بشرب بعضه ، كما لو حلف على شرب ماء في الحب ( فصل ) و ان حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه زيد و عمرو لم يحنث لانه ليس فيه شيء يمكن أن يشار اليه ان اشتراه زيد دون عمرو فلم يحنث و ان اشترى كل واحد منهما طعاما ثم خلطاه فأكل منه ففيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه لا يحنث لانه ليس فيه شيء يمكن أن يقال هذا الطعام اشتراه زيد دون عمرو ، فلم يحنث ، كما لو اشترياه في صفقة واحدة ( و الثاني ) أنه ان أكل النصف فما دونه لم يحنث ، و ان أكل أكثر من النصف حنث ، لان النصف فما دونه يمكن أن يكون مما اشتراه عمرو فلم يحنث بالشك .و فيما زاد يتحقق أنه أكل مما اشتراه زيد ( و الثالث ) و هو قول أبى إسحاق أنه ان أكل الحبة و العشرين حبة لم يحنث لجواز أن يكون مما اشتراه عمرو ، و ان أكل الكف و الكفين حنث ، لانه يستحيل فيما يختلط أن يتميز في الكف و الكفين ما اشتراه زيد عما اشتراه عمرو ( فصل ) و ان حلف لا يدخل دار زيد فحمله غيره باختياره فدخل به حنث لان الدخول ينسب اليه كما ينسب إذا دخلها راكبا على البهيمة أو دخلها برجله
(102)
فإن دخلها ناسيا لليمين أو جاهلا بالدار ، أو أكره حتى دخلها ففيه قولان ( أحدهما ) يحنث لانه فعل ما حلف عليه فحنث ( و الثاني ) لا يحنث و هو الصحيح لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه " و لان حال النسيان و الجهل ، و الاكراه لا يدخل في اليمين كما لا يدخل في الامر و النهى في خطاب الله عز و جل و خطاب رسول الله صلى الله عليه و سلم .و إذا لم يدخل في اليمين لم يحنث به ، و إن حمله غيره مكرها حتى دخل به ففيه طريقان ، من أصحابنا من قال فيه قولان ، كما لو أكره حتى دخلها بنفسه ، لانه لما كان في حال الاختيار دخوله بنفسه و دخوله محمولا واحدا ، وجب أن يكون في حال الاكراه دخوله بنفسه و دخوله محمولا واحدا و منهم من قال لا يحنث قولا واحدا ، لان الفعل إنما ينسب اليه ، إما بفعله حقيقة أو بفعل غيره بأمره مجازا ، و ههنا لم يوجد واحد منهما فلم يحنث ( الشرح ) الحين الوقت ، و الدهر الامد الممدود ، و قيل الدهر ألف سنة ، قال ابن سيدة : و قد حكى فيه الدهر بفتح الهاء ، فإما أن يكون الدهر و الدهر لغتين كما ذهب اليه البصريون في هذا النحو فيقتصر على ما سمع منه ، و إما أن يكون ذلك لمكان حروف الحق فيطرد في كل شيء ، كما ذهب اليه الكوفيون قال أبو النجم : و جبلا طال معدا فاشمخر أشم لا يسطيعه الناس الدهر قال ابن سيده : و جمع الدهر دهر و دهور .و كذلك جمع الدهر ، لانا لم نسمع أدهارا ، و لا سمعنا فيه جمعا الا ما قدمنا من جمع دهر دهر .فأما قوله صلى الله عليه و سلم " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " فمعناه أن ما أصابك من الدهر فالله فاعله ليس الدهر ، فإذا شتمث به الدهر فكأنك أردت به الله .قال الجوهرى : لانهم كانوا يضيفون النوازل إلى الدهر ، فقيل لهم " لا تسبوا فاعل ذلك بكم فإن ذلك هو الله تعالى ، و في رواية " فإن الدهر هو الله تعالى "
(103)
قال الازهرى ، قال أبو عبيد قوله " فإن الله هو الدهر " مما لا ينبغي لاحد من أهل الاسلام أن يجهل وجهه ، و ذلك أن المعطلة يحتجون به على المسلمين ، قال و رأيت بعض من يتهم بالزندقة أو الدهرية يحتج بهذا الحديث و قول ، ألا تراه يقول فإن الله هو الدهر ؟ قال فقلت و هل كان أحد يسب الله في أباد الدهر و قد قال الاعشى في الجاهلية استأثر الله بالوفاء و بالمحمد الملامة الرجلا و قال الازهرى ، قال الشافعي الحين يقع على مدة الدينا : و يوم قال و نحن لا نعلم للحين غاية ، و كذلك زمان و دهر و أحقاب .ذكر هذا في كتاب الايمان حكاه المزني في مختصره عنه .و قال شمر الزمان و الدهر واحد و أنشد إن دهرا يلف حبلى بجمل لزمان يهم بالاحسان فعارض شمرا خالد بن يزيد و خطأه في قوله " الزمان و الدهر واحد " و قال الزمان زمان الرطب و الفاكهة و زمان الحر و زمان البرد ، و يكون الزمان شهرين إلى ستة أشهر و الدهر لا ينقطع .قال الازهرى يقع عند العرب على بعض الدهر الاطول ، و يقع على مدة الدنيا كلها .قال و قد سمعت واحد من العرب يقول أقمنا على ماء كذا و كذا دهرا ، دارنا التي حللنا بها تحملنا دهرا ، و إذا كان هذا هكذا جاز أن يقال الزمان و الدهر واحد في معنى ، قال و السنة عند العرب أزمنة ، ربيع و قيظ و خريف و شتاء ، و لا يجوز أن يقال الدهر أربعة أزمنة ، فهما يفترقان و روى الازهرى بسنده عن أبى بكر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال " ألا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات و الارض السنة إثنا عشر شهرا أربعة منها حرم ، ثلاثة منها متواليات ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مفرد " قال الازهرى أراد بالزمان الدهر .و قوله " ماء حب " الحب الخابية فارسي معرب و هو السرداب أما الاحكام فإنه إذا حلف ألا يكلمه حينا فإنه يبر بأدنى زمن ، لانه لا قدر له ، و لانه اسم مبهم يقع على القليل و الكثير .قال تعالى " و لتعلن نبأه بعد حين "
(104)
قيل أراد يوم القيامة .و قال ( هل أتى على الانسان حين من الدهر ؟ ) و قال تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين ) و قال ( حين تمسون و حين تصبحون ) و يقال منذ حين و إن كان أتاه من ساعة .و بهذا قال أبو ثور و قال أحمد : إذا حلف لا يكلمه حينا - فإن قيد ذلك بلفظه أو بنيته بزمن - تقيد به .و إن أطلقه انصرف إلى ستة أشهر .روى ذلك عن أبن عباس ، و هو قول أصحاب الرأي .و قال مجاهد و الحكم و حماد و مالك " هو سنة " لقوله تعالى ( تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ) أى كل عام و قال عكرمة و سعيد بن جبير و أبو عبيد في قوله تعالى " تؤتى أكلها كل حين " إنه ستة أشهر ، فيحمل مطلق كلام الآدمى على مطلق كلام الله تعالى .فإن حلف لا يكلمه حقبا ، فإنه ينصرف إلى أدنى زمان كالحين ، و به قال القاضي من أصحاب أحمد .و قال أكثر أصحابه و فيهم ابن قدامة : إن حلف لا يكلمه حقبا فذلك ثمانون عاما ، لما روى عن أبن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " الحقب ثمانون سنة .و في قوله تعالى عن موسى " أو أمضي حقبا " ما يجعل كونه ثمانين سنة بعيدا لان موسى لم يعس بعد هذا مثل هذا القدر ، فضلا عن مضاعفته أضعافا كثيرة " حقبا " إذا ثبت هذا فإنه إذا حلف لا يكلمه زمنا أو وقتا أو دهرا أو عمرا أو مليا أو طويلا أو بعيدا أو قريبا بر بالقليل و الكثير .و به قال أبو الخطاب من الحنابلة لان هذه الاسماء لاحد لها في اللغة ، و تقع على القليل و الكثير ، فوجب حمله على أقل ما يتناوله اسمه ، و قد يكون التقريب بعيدا بالنسبة لما هو أقرب منه ، و قريبا بالنسبة لما هو أبعد منه ، و لا يجوز التحديد بالتحكم ، و إنما يصار اليه بالتوقيف و لا توقيف ههنا ، فيجب حمله على اليقين و هو أقل ما يتناوله الاسم .و قال ابن أبى موسى : الزمان ثلاثة أشهر .و قال طلحة العاقولى : الحين و الزمان و العمر واحد ، لانهم لا يفرقون في العادة بينهما ، و الناس يقصدون بذلك التبعيد فلو حمل على القليل حمل على خلاف قصد الحالف