بسم الله الرحمن الرحمن الحمد الله رب العالمين و الصلوة و السلام على خيرخقله محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين كتاب الرهن و النظر فيه أى في الكتاب يستدعي فصولا لبيان ما هية الرهن و شرائطه و الحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه و ما يشترط في الراهن و في المرتهن و ما يستدعيه من اللواحق ألفصل ألاول في حقيقة الرهن و هو لغة الثبات و الدوام يقال رهن الشيء إذا ثبت و النعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة و عن المصباح المنير أو الحبس بأي سبب كان قال الله تعالى كل نفس بما كسبت رهينته أى محبوسة بما كسبت من المعاصي مفكوكة كذا نسب إلى جماعة منهم العلامة ( قده ) و في التذكرة و لكنه حكى عن الزمخشري أنه فسره بقوله كان نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو يطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه فإن عمل صالحا فكها و خلصها و إلا أوثقها و لعل التفسير ألاول أوفق بظاهر الآية و ألاستثناء الواقع عقيبها في سورة المدثر و هو قوله تعالى إلا أصحاب اليمين و الله العالم لظهور قوله كسبت في الماضي و كونها صادرة عن أرادته النفسانية و كذا ألاستثناء الواقع عقيبها في سورة المدثر و هو قوله تعالى إلا أصحاب اليمين إذا الظاهر أنها ليست مرهونة لا أنها مفكوكة عن الرهن و حملها على المنقطع أبعد و كيف كان فقد يظهر عن بعضهم معنى ثالث للرهن و هو المخاطرة كما يقال أرهن أبنه إذا جعل في معرض المخاطرة و ظني إن المعنيين ألاخيرين تعبير عن معنى واحد مرتكز في الذهن بملاحظته موارد أستعمالاته و ما ذكره تفسير لفظى منطبق على تمام حقيقته و إلا فمعناه معروف و لذا أعرض بعض المحققين من اللغو يين على ما قيل عن تفسيره و قال الرهن معروف و ما هو المعروف عند الفقهاء أيضا قسم خاص منه لا بمعنى أن لهم فيه أصطلاحا خاصا بل بمعنى أنهم يريدون به ما يترتب عليه الاثر شرعا و ليس للشارع و لا للمتشرعة فيه عرف خاص إذا المتبادر منه في كلماتهم ليس إلا معناه المعروف لكن الشارع اعتبر في ترتب الاثر عليه شرائط كسائر ألفاظ المعاملات مثل البيع و الصلح و ألاجارة و غيرها مما هو أسم للمعاملة الخاصة و قد يستعمل بمعنى المرهون كالرهين و الرهينة و التاء فيه للمبالغة كما عن المجمع و يستوى فيه المذكر و المؤنث و الحاصل إنه ليس للشارع و لا للمتشرعة أصطلاح خاص في الرهن فما قيل من إنه شرعا وثيقة لدين المرتهن ليس على ما ينبغي فإلاولى ترك التقييد بقوله شرعا كما في المتن و إن كان يتوجه عليه أيضا أن الوثيقة مرهونة لا رهن و إطلاق الرهن عليها أحيانا توسع و المقام مبني عليه فنقول الرهن مثل البيع قد يطلق على معناه المصدري و قد يطلق على الاثر الحاصل منه و هو المعاملة الخارجية و هذا هو المراد في كلمات الفقهاء في صدر عناوينهم غالبا حيث يقولون كتاب البيع كتاب الصلح و غير ذلك و لذا تريهم يقولون في تعريف البيع و نظائره إنه عقد مشتمل على الايجاب و القبول فالرهن أيضا كذلك عقد يفتقر تحققه ألى الايجاب و القبول هذا إن عممنا الايجاب و القبول بحيث يندرج فيهما اللفظ حتى يشمل المعاطاة و إلا فدعوى أفتقار تحققه عرفا إلى اللفظ ممنوع فضلا عن اللفظ الخاص و إن قلنا إنه لا يترتب عليه أثرشرعا أو أنه لازم عند الشارع و ذلك لما عرفت في كتاب البيع من أن المعاطاة بيع حقيقة و قد أدعى المحقق الثاني الاتفاق على كونها بيعا حيث قال في مقام ألاستدلال على صحتها و قوله تعالى و أحل الله البيع يتنا و لها لانها بيع بألاتفاق و حتى من القائلين بفسادها لانهم يقولون بيع فاسد و على هذا فالتفرقة بين البيع و الرهن بدعوى الصدق في البيع دون الرهن مما لا وجه له فالعجب من المحقق المذكور حيث أستشكل على ما ذكره العلامة أعلى الله مقامه في التذكرة حيث قال إن الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و ألايجاب المذكورة في البيع آت هيهنا بقوله أن باب البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع بخلاف ما هنا أما ألاستيجاب و ألايجاب فيعم مع إنك قد عرفت أنه أثبت حكم المعاطاة أعنى الصحة في البيع بألاطلاقات لا بألاجماع و ألاتفاق الذي أدعاه في كلامه إنما هو في صدق البيع لا في صحته فيتوجه عليه حينئذ سؤال الفرق بين البيع و الرهن و حيث يتمسك في البيع بألاطلاقات دون الرهن هذا و لكنه جمع سيد مشايخنا بين كلاميه بتوجيه ليس بالبعيد في مقام التوجيه بدعوى أن غرضه من حكم المعاطاة هو نفي اللزوم لا الصحة و حاصل التوجيه إنه ربما يظهر من كلمات واحد منهم إن العقود اللازمة لا تتحقق إلا بالفظ بل يظهر من بعضهم أنه مسلم بينهم و أنه إجماعي فهذا ينتج أن المعاطاة لو صحت في عقد إنما ينعقد جائز لا لازما فعلى هذا يصح أن يقال عدم لزوم بيع المعاطاة إجماعي و لا ينافي نفي اللزوم حقيقة البيع فلا مانع عن شمول الاطلاقات له و هذا بخلاف الرهن حيث إن الجواز الذي هو من لوازم المعاطاة على ما أدعى عليه الاجماع ينافي حقيقة الرهن حيث إنه شرع للاستيثاق و لا وثوق مع الجواز بل نسب إلى بعض دعوى الاجماع عليه إنه الجواز ينافي حقيقة الرهن و قد حكى عن المحقق المذكور دعوى الاجماع في كلا المقامين فعلى هذا يشكل القول بكفاية المعاطاة في الرهن و لكنه يمكن أن يخدش في ألاجماعين أما في ألاول فبعدم الثبوت و في الثاني بوجود الخلاف فإذا الاقوى هو الصحة لاطلاق الادلة و أصالة اللزوم مؤيدا بالسيرة المستمرة بين المسلمين من عدم تقيدهم بإنشاء قولي رأسا فضلا عن لفظ خاص بل يكتفون بمجرد المعهودية و المقاولة السابقة و نظائرها مما ليس بإنشاء قولي ثم لو سلمنا انعقاد الاجماع على عدم انعقاد العقود اللا زمة إلا باللفظ فالأَقوى عدم اختصاصه بلفظ دون لفظ أو لغة دون أخرى أقتصارا في تقييد الادلة على القدر الثابت فألايجاب كل لفظ دل على ألارتهان كقوله رهنتك أو هذا وثيقة عندك و ما أدى هذا المعنى بأى لغة كانت و لو ملحونة بعد فرض إفادة المعنى و وجهه ظاهر و لو عجز عن النطق بألايجاب و لو لخرس عارضي كفت الاشارة المفهمة للمقصود و لو كتبه بيده و الحال هذه و عرف ذلك من قصده جاز بلا إشكال في شيء منهما لما عرفت من لزوم الاقتصار في التقييد على القدر الثابت و حيث لا إجماع على الفساد فليحكم بالصحة مضافا إلى نقل عدم وجدان الخلاف في الاكتفاء و إستظهار قيامهما مقام اللفظ فيما يحتاج إلى اللفظ مما ورد في تلبية ألاخرس و تشهده فيتأمل و قد بان لك أيضا قوة القول بأن القبول هو الرضا بذلك الايجاب لو أقترن بكاشف كالقبض مثلا لما عرفت في مبحث المعاطاة من الاشكال بل المنع في صدق العقد بمجرد ألتراضي من دون كاشف رأسا نعم لا يحتاج في الصدق إلى خصوص اللفظ فيكفي في القبول ما يدل على الرضا مطلقا و إن قلنا أن إيجابه لا ينعقد إلا باللفظ كما يظهر من عبارة المنصف ( ره ) و وجهه عدم اقتضاء