الـمسالة المهمة هي ان الاديان الالهية قد تقدمت على المدارس المادية بخطوات كثيرة في مجالات الـقـضـا والـحكومة والقواعد التي تقتضيها المجالس القضائية , بل لا يمكن المقايسة بينهما في هذا المجال , وما ذاك الا من اجل الاسس الاخلاقية القوية التي تمتكلها الاديان الالهية في تلك المجالات .
ففي هذه الاحكام نجد لطائف ودقائق كثيرة , وعلى الرغم من ان بعضها مرتبطبالزمان السابق وقد لا يكون له اليوم مورد, ولكنها من وجهة النظر الاصولية تمتازبمفهوم قيم بالنسبة للمسائل القضائية .
ويـكفينا للاستشهاد على ذلك ماجا على لسان ((المحقق )) في الشرائع في بحث آداب القضا والذي يعتبر في الواقع عصارة ما ورد في الروايات الاسلامية وكلمات الفقها.
يقول : يستحب للقاضي رعاية عدة امور:.
1 ـ ان يـطـلب من اهل ولايته من يساله عما يحتاج اليه في امور بلده (اي يتعرف على عادات الناس واوضاعهم الاقتصادية , وان يتعرف على العلما والصالحين وحتى القضا السابقين ليحصل على بصيرة كافية في عمله , اذ ان الاطلاع باوضاع المنطقة والمحل والثقافة الحاكمة على الناس , له تاثير بالغ في مسالة القضاوالحكومة العادلة ).
2 ـ ان يسكن عند وصوله في وسط البلد حتى ترد الخصوم عليه ورودا متساويا.
3 ـ وان ينادى بقدومه ان كان البلد واسعا لا ينتشر خبره فيه الا بالندا.
4 ـ ان يجلس للقضا في موضع بارز, مثل رحبة او فضا ليسهل الوصول اليه (لاخلف الابواب المغلقة محاصرا بالحرس ).
5 ـ ان يـبـدا بـاخذ ما في الحاكم المعزول من حجج الناس وودائعهم , لان نظرالاول سقط بولايته (وقد كانت العادة في تلك الازمنة ان يودع الناس ودائعهم عندالحاكم , وكذا الاموال المتنازع فيها).
6 ـ لـو حـكـم في المسجد, صلى عند دخوله تحية المسجد, ثم يجلس مستدبرالقبلة ليكون وجوه الخصوم اليها (ليستشعر الخصوم انهم في محضر اللّه ).
7 ـ ويـسـال عن اهل السجون , ويثبت اسماهم وينادي في البلد بذلك ليحضرالخصوم ويجعل لذلك وقـتا فاذا اجتمعوا اخرج اسم واحد واحد, ويساله عن موجب حبسه , وعرض قوله على خصمه , فان ثبت محبسه موجب اعاده , والا اشاع حاله بحيث ان لم يظهر له خصم اطلقه .
وكـذا يسال عن الاوصيا على الايتام , وامنا الحاكم , والحافظين لاموال الايتام (الذين يليهم الحاكم ) فيعزل الخائن ويسعد الضعيف بمشارك , ويستبدل به بحسب ما يقتضيه رايه .
8 ـ ان يحضر من اهل العلم من يشهد حكمه , فان اخطا نبهوه .
9 ـ ان لا يـتـولـى الـبـيـع والـشرا بنفسه (حذرا من مراعاة الناس لحاله فيبيعونه باقل من القيمة السوقية , فيتاثر بذلك ).
10 ـ ان لا يـقطب وجهه في مجلس القضا, فيخاف الناس من بيان مطالبهم بصراحة , وان لا يكون لينا فيتجرا الخصوم .
11 ـ ان لا يرتب للشهادة قوما دون غيرهم لاستوا العدول في موجب القبول .
12 ـ ان يجمع الدعاوى المقدمة في كل اسبوع مرة , ويرتبها ويحفظها, وكذا ينظم الدعاوى المقدمة في كل شهر وكل سنة , فينظمها بتواريخها (او يصدر اوامره بهذاالصدد).
ويقول هذا الفقيه البارع في بحث وظائف القاضي وما يلزم عليه مراعاته :.