تفسیر والمفسرون فی ثوبه القشیب

محمد هادی معرفت

جلد 1 -صفحه : 25/ 19
نمايش فراداده

فـتـلـك قـصـة داود و اوريا ـ على ما جات في الاساطير الاسرائيلية ـ جات في هذاالتفسير مع الاسف ((1305)) .

و هكذا قصة زينب بنت جحش على ما ذكرته القصص العامية ((1306)) .

وقصة شك زكريا و عقوبته بصوم ثلاثة ايام و قلق لسانه ((1307)) .

وقـصـة حجر موسى ((1308)) و ابتلا ايوب و نتن جسده ((1309)) , و فوات سليمان صلاة الـعـصـر ((1310)) , و هـم يـوسـف بـارتـكـاب الـفـاحشة ((1311)) , و انه الذي نسي ذكر ربـه ((1312)) , و ان مـوسى دفن بلا غسل و لا كفن ((1313)) , و قوله للرب : ان لم تغضب لي فلست لك بنبي ((1314)) .

وما الى ذلك من اساطير الصقت بانبيا اللّه العظام , و حاش الائمة (ع ) ان يتكلموا بمثلها.

و جا فيه ما ينافي العلم , فقد ورد بشان الخسوف و الكسوف غرائب و عجائب :.

جـا فـي تـفـسـيـر قـوله تعالى : (و جعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا اية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة ) ((1315)) .

ان من الاوقات التي قدرها اللّه البحر الذي بين السما و الارض , و ان اللّه قدر فيها مجاري الشمس و الـقـمر والنجوم و الكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك , يديرون الفلك , فاذادارت الشمس و القمر والنجوم و الكواكب معه , نزلت في منازلها.

و اذا كـثرت ذنوب العباد و اراد اللّه ان يستعتبهم بية , امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عـلـيـه مجرى الشمس و القمر و النجوم و الكواكب فيامر الملك اولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الـفـلك عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في البحر فيطمس حرها و يغير لونها و كذلك يفعل بالقمرفاذااراد اللّه ان يخرجهما و يردهما امر الملك ان يردالفلك الى مجاريه , فتخرج الشمس من الما و هي كدرة والقمر مثل ذلك .

و جـا في مساحة الارض و الشمس و القمر: ان الارض مسيرة خمسمئة عام , مسيرة اربعمئة عام خـراب , ومـسيرة مائة عام عمران و الشمس ستون فرسخا في ستين و القمر اربعون فرسخا في اربعين .

و عل ل احرية الشمس من القمر بما يلي :.

ان اللّه خـلـق الشمس من نور النار و صفو الما, طبقا من هذا و طبقا من هذا, حتى اذا صارت سبعة اطباق , البسهااللّه لباسا من نار, فمن هنالك صارت الشمس احر من القمر.

قلت : فالقمر؟ قال : ان اللّه خلق القمر من ضؤ النار و صفو الما طبقا من هذا و طبقا من هذا, حتى اذا صارت سبعة اطباق البسها اللّه لباسا من ما, فمن هناك صار القمر ابرد من الشمس ((1316)) .

و جا فيه من قصص اساطيرية ما ينافي العقل و العادة .

كقصة الرجل الذي عقلت رجله بالهند او من ورا الهند, و قد عاش ما عاشت الدنيا ((1317)) .

و قـصة ملك الروم و حضور الامام الحسن و يزيد لديه , و محاكمته لهما في اسئلة غريبة , طرحها عليهما ((1318)) .

و قصة عناق كانت لها عشرون اصبعا في كل اصبع ظفران كالمنجلين ((1319)) .

و قصة اسرافيل كان يخطو كل سما خطوة , و انه حاجب الرب تعالى ((1320)) .

و كان الوزغ ينفخ في نار ابراهيم و الضفدع يطفئها ((1321)) .

و ان ياجوج و ماجوج ياكلون الناس ((1322)) .

كما فسرت كلمات باشيا او باشخاص لا مناسبة بينهما.

فقد فسرت البعوضة بامير المؤمنين (ع ) ((1323)) و كذا دابة الارض به ((1324)) , و هكذا الـسـاعة في قوله تعالى : (بل كذبوا بالساعة ) اي بعلي (ع ) ((1325)) و الورقة بالسقط, والحبة بـالـولد ((1326)) و المشرقين برسول اللّه و على (ع )والمغربين بالحسن والحسين (ع ) و كذا البحرين بعلي و فاطمة (ع ) و البرزخ برسول اللّه (ص ) ((1327)) و كذا الثقلان في قوله تعالى : (سـنـفـرغ لـكـم ايـهـاالـثـقـلان ) بـالـعـتـرة و الـكـتـاب ((1328)) و فـسـر الـفـاحشة بالخروج بالسيف ((1329)) .

نماذج مختارة من صحاح التفاسير الماثورة عن ائمة اهل البيت (ع )

و بـعـد فاليكم نماذج من تفاسير ماثورة عن اهل البيت (ع ) هي مناهج تعليمية لكيفية دراسة القرآن الـكـريـم وطريقة استنباط معانيه الحكيمة اخذنا الاهم منها ماخوذة من كتب ذوات اعتبار, و في اسانيد صحيحة لا غبارعليها.

فـمـنـهـا: ما ورد في تفسير آية الوضؤ و آية التقصير في الصلاة و آية خمس الغنائم و قطع يد الـسـارق و تحريم الخمر و جزا قتل المؤمن و الطلاق الثلاث ومتعة النسا و الحج و الرجعة قبل الحشر الاكبر و مساله البدا في التكوين .

و اليك :.

الاول ـ آية الوضؤ

قوله تعالى : (و امسحوا برؤوسكم و ارجلكم الى الكعبين ) ((1330)) . ا ـ مسح الراس :.

روى ثـقـة الاسلام ابو جعفر الكليني باسناده عن طريق علي بن ابراهيم الى زرارة ,سال ابا جعفر الباقر(ع ) قال : الا تخبرني من اين علمت و قلت : ان المسح ببعض الراس ؟.

فـضحك الامام (ع ) ثم قال : يا زرارة , قال رسول اللّه (ص ) و نزل به الكتاب ثم فصل الكلام فيه و قـال : لان اللّه عـز و جل يقول : (فاغسلوا وجوهكم ) فعرفنا ان الوجه كله ينبغي ان يغسل , ثم قال : (و ايـديـكـم الـى المرافق ) ثم فصل بين الكلامين فقال : (و امسحوا برؤوسكم ) فعرفنا حين قال : ((برؤوسكم )) ان المسح ببعض الراس , لمكان البا ((1331)) .

يـعـنـي انـه غير الاسلوب و زاد حرف الربط ((البا)) بين الفعل و متعلقه , مع عدم حاجة اليه في ظـاهـر الكلام , حيث كلا الفعلين (الغسل و المسح ) متعديان بانفسهما, يقال : مسحه مسحا, كما يقال : غسله غسلا ((1332)) فلا بد هناك من نكتة معنوية في هذه الزيادة غير اللازمة حسب الظاهر, اذ زيادة المباني تدل عل زيادة المعاني .

و قـد اشار(ع ) الى هذا السر الخفي بافادة معنى التبعيض في المحل الممسوح , استنباطا من موضع البا هنا ذلك انه لو قال : و امسحوا رؤوسكم , لاقتضى الاستيعاب كما في غسل الوجه .

فـقـولـه : (و امـسـحـوا برؤوسكم ) يستدعي التكليف بالمسح مرتبطا بالراس , اي ان التكليف هو حـصـول ربط المسح بالراس , الذي يتحقق باول امرار اليد المبتلة باول جز من اجزا الراس اذ حين وضع اليد على مقدم الراس ـ مثلا ـ و امرارها, يحصل ربط المسح بالراس , و عنده يسقط التكليف , لان المكلف به قد حصل بذلك و لا تعدد في الامتثال , كما قرر في الاصول .

فـكـانـت زيـادة ((البا)) هي التي دلتنا على هذه الدقيقة في شريعة المسح , بعد و رود القول به من رسول اللّه (ص )فيا له من استنباط رائع مستند الى دقائق الكلام .

هـذا و غـيـر خفي ان هذه الاستفادة الكلامية لا تعني استعمال البا في معنى التبعيض ـ كما وهمه الـبـعـض ـ بل ان بنية الكلام و تركيبه الخاص (بزيادة ما لا لزوم فيه ظاهرا) هو الذي افاد هذا الـمعنى , اي كفاية مسح بعض الراس فالتبعيض في الممسوح مستفاد من جملة الكلام لا من خصوص البا اذ ليس التبعيض من معاني الباالبتة , فلا موضع لما نازع بعضهم في كون البا تفيد التبعيض .

قـال الشيخ محمد عبده : و نازع بعضهم في كون البا تفيد التبعيض , قيل : مطلقا, وقيل : استقلالا, و انما تفيده مع معنى الالصاق و لا يظهر معنى كونها زائدة .

قـال : و التحقيق ان معنى البا الالصاق لا التبعيض او الالة , و انما العبرة بما يفهمه العربي من : مسح بـكـذا او مـسـح كذا فهو يفهم من : مسح راس اليتيم او على راسه , و مسح بعنق الفرس او ساقه او بـالركن او الحجر, انه امر يده عليه , لا يتقيد ذلك بمجموع الكف الماسح و لا بكل اجزا الراس او العنق او الساق او الركن او الحجرالممسوح فهذا ما يفهمه كل من له حظ من هذه اللغة , مما ذكر, و من قوله تعالى : (فطفق مسحا بالسوق والاعناق ) ((1333)) ـ على القول الراجح المختار ان المسح باليد لا بالسيف ـ و من مثل قول الشاعر:.

ولما قضينا من منى كل حاجة ـــــ و مسح بالاركان من هو ماسح .

واخـيـرا ينتهي الى القول بان ظاهر الاية الكريمة ان مسح بعض الراس يكفي في الامتثال , و هو ما يـسـمى مسحافي اللغة , و لا يتحقق الا بحركة العضو الماسح ملصقا بالممسوح فلفظ الاية ليس من المجمل ((1334)) .

و هكذا استدل الامام (ع ) لعدم وجوب استيعاب الوجه و اليدين في مسحات التيمم بدخول ((البا)) فـي قـوله تعالى : (فامسحوا بوجوهكم و ايديكم منه ) ((1335)) اذ لم يقل : امسحوا وجوهكم و ايديكم , لئلا يفيدالاستيعاب فيهما.

و لـم يحتمل محمد بن ادريس الشافعي في آية الوضؤ ((وامسحوا برؤوسكم )) غير هذا المعنى , اي المسح لبعض الراس قال : ((وكان معقولا في الاية ان من مسح من راسه شيئا فقد مسح براسه , و لـم تحتمل الاية الاهذا, و هو اظهر معانيها او مسح الراس كله قال : و دلت السنة على ان ليس على الـمـر مـسـح راسـه كـلـه و اذا دلـت الـسـنة على ذلك , فمعنى الاية : ان من مسح شيئا من راسه اجزاه )) ((1336)) .

و زاد ـ في الام ـ ((اذا مسح الرجل باي راسه شا ان كان لا شعر عليه , و باي شعر راسه , باصبع واحـدة او بـعـض اصـبـع او بطن كفه , او امر من يمسح به اجزاه ذلك فكذلك ان مسح نزعتيه او احداهما او بعضهما اجزاه , لانه من راسه )) ((1337)) .

و قـد بـين وجه المعقولية في الاية بقوله : ((لانه معلوم ان هذه الادوات موضوعة لافادة المعاني , فـمتى امكننااستعمالها على فوائد مضمنة بها وجب استعمالها على ذلك , و ان كان قد يجوز و قوعها صـلـة للكلام و تكون ملغاة لكن متى امكننا استعمالها على وجه الفائدة , لم يجز لنا الغاؤها, و من اجل ذلـك قـلـنـا: ان الـبا في ((الاية ))للتبعيض و يدل على ذلك انك اذا قلت : مسحت يدي بالحائط كان معقولا مسحها ببعضه دون جميعه , و لو قلت :مسحت الحائط كان المعقول مسحه جميعه دون بعضه , فـقـد وضـح الـفـرق بـيـن ادخـال الـبا و بين اسقاطها, في العرف و اللغة ثم ايد ذلك بما رواه عن ابـراهـيم ((1338)) قال : اذا مسح ببعض الراس اجزاه , قال : و لو كانت ((امسحوارؤوسكم )) كـان مـسـح الـراس كله قال : فاخبر ابراهيم ان ((البا)) للتبعيض , و قد كان عند اهل اللغة مقبول القول فيها ((1339)) .

قال الرازي : حجة الشافعي انه لو قال : مسحت المنديل , فهذا لا يصدق الا عند مسحه بالكلية , اما لو قال :مسحت يدي بالمنديل , فهذا يكفي في صدقه مسح اليدين بجز من اجزا ذلك المنديل ((1340)) .

و هذا الذي ذكره الشافعى , و ان كان يتوافق ـ في ظاهره ـ مع نظرة الامام الصادق (ع )و لعله ناظر اليه , لكنه يتخالف معه في مواضع :.

احدها: زعمه ان ((البا)) استعملت ـ هنا ـ بمعنى التبعيض نظير ((من )) التبعيضية في حين انه لم تـات ((الـبـا))فـي اللغة للتبعيض و لا شاهد عليه البتة و استناده الى كلام ابراهيم النخعي غير وجـيـه , لانه لم يصرح بذلك , بل ان كلامه ككلام الامام الصادق يهدف الى ـ ان موضع ((البا)) هنا افاد اجزا مسح بعض الراس ـ بالبيان الذي تقدم ـ و هذا يعني ان ((البا)) ـ في موضعها الخاص هنا ـ تفيد التبعيض في مسح الراس ـ و هذا غير كونهامستعملة ـ في معنى التبعيض , كما عرفت .

الـثاني : ان التمثيل بالمنديل غير صحيح , لان المنديل مما يمسح به و ليس ممسوحا, اذ لا يقال ـ في الـعـرف والـلـغة ـ : مسحت المنديل فقولنا: مسحت يدي بالمنديل , يفيد كون اليد هي الممسوحة لا المنديل .

الـثـالـث : ان الـشـافـعـي لـم يشترط ان يكون المسح باليد, قال : فاذا رش الما على جز من راسه ((1341)) و لعله اخذ بالملاك قياسا و لانـدري كيف يكون الرش مسحا؟ ((1342)) , خروجا عن مدلول لفظ الشرع ؟.

والـخـنـفـى ة قالوا بكفاية مسح ربع الراس من اى الاطراف , و يشترط ان يكون بثلاث اصابع اما المالكية والحنابلة فقد اوجبوا مسح الراس كله , و اغفلوا موضع ((البا)) ((1343)) .

كـمـا ان المذاهب الاربعة جميعا اغفلوا جانب ((البا)) في آية التيمم فاوجبوا مسح الوجه كله , و كذا مسح اليدين مع المرفقين ((1344)) .

يـقـول القرطبي ـ و هو مالكي المذهب ـ : و اما الراس فهو عبارة عن الجملة التي منهاالوجه , فلما عـيـن اللّه الـوجـه لـلغسل بقي باقيه للمسح , و لو لم يذكر الغسل للزم مسح جميعه , ما عليه شعر من الراس و ما فيه العينان و الانف و الفم قال : و قد اشار مالك في وجوب مسح الراس الى ما ذكرناه , فـانـه سـئل عـن الـذي يترك بعض راسه في الوضؤ, فقال : ارايت ان ترك غسل بعض وجهه اكان يـجـزئه ؟ قـال : و وضـح بهذا الذي ذكرناه ان الاذنين من الراس , و ان حكمهما حكم الراس و اما ((الـبـا)) فـجـعـلـهـا مـؤكـدة زائدة لـيـسـت لافادة معنى في الكلام قال : و المعنى : و امسحوا رؤوسكم ((1345)) .

ب ـ مسح الرجلين .

مـن الـمـسـائل المستعصية التي اشغلت فراغا كبيرا في التفسير و الادب الرفيع , هي مسالة مسح الارجل في الوضؤ مستفادا من كتاب اللّه تعالى .

فـقـد زعم بعضهم ان القراة بالخفض تتوافق مع مذهب الشيعة الامامية في وجوب المسح , و القراة بـالـنـصـب تتوافق مع سائر المذاهب و لكل من الفريقين دلائل و شواهد من السنة او الادب و لغة العرب , يجدها الطالب في مظانها.

غـيـر ان الـوارد عـن ائمة اهل البيت (ع ) في تفسير الاية الكريمة هو التصريح بان القرآن نزل بـالـمـسح على الارجل , و هكذا نزل به جبرائيل , و عمل به رسول اللّه (ص ) و امير المؤمنين و اولاده الاطهار و هكذا خيارالصحابة و جل التابعين لهم باحسان .

فـقـد روى الشيخ باسناده الصحيح الى سالم و غالب ابني هذيل عن ابي جعفر(ع )سالاه عن المسح على الرجلين ؟ فقال : هوالذي نزل به جبرئيل (ع ) ((1346)) .

يـعـنـي : ان الـذي يبدو من ظاهر الكتاب هو وجوب مسح الرجلين , عطفا على الرؤوس و لايجوز كونه عطفا على الوجوه و الايدي , لاستلزامه الفصل بالاجنبي و هو لا يجوز في مثل القرآن و هذا سـوا قـرئ بخفض الارجل ام بنصبها اما على قراة الخفض فظاهر, و قد قرا بها ابن كثير و ابو عـمـرو وحمزة من السبعة , و شعبة احد راويي عاصم لكن مقتضاها المسح لبعض الارجل كما في الراس .

ام قـرئ بالنصب عطفا على المحل , لان محل ((برؤوسكم )) نصب مفعولا به لامسحوا و هو فعل متعد يقتضي النصب و قد اقحمت ((البا)) اقحاما لحكمة افادة التبعيض حسبما عرفت .

و قد قرا النصب ايضا ثلاثة من السبعة : نافع و ابن عامر و الكسائي و حفص الراوي الاخر لعاصم و هـي الـقـراة المسندة الى ابي عبد الرحمان السلمي عن امير المؤمنين (ع ) و قد مضى شرحها في فصل القراات من التمهيد ((1347)) .

غـيـر ان القراة بالنصب تستدعي الاستيعاب , ((1348)) لتعلق الفعل ((امسحوا)) بالممسوح بلا واسـطـة , و حـيـث حددت الارجل بالكعبين كالايدي بالمرفقين , كان ظاهره ارادة استيعاب ما بين الـحـدين (من رؤوس الاصابع الى الكعبين ), الامر الذي يؤكد صحة قراة النصب و هي القراة التي جـرى عـليها المسلمون , و هي المختارة حسب الضوابط التي قدمناها و على اى تقدير, سوا اقرئ بـالخفض ام بالنصب , فهو عطف على الرؤوس , وليس عطفا على الايدي , فلا موجب لارادة الغسل في الارجل .

و من ثم فظاهر الكتاب هو المسح كما نص عليه ائمة اهل البيت و عن مولانا امير المؤمنين (ع ): ما نـزل الـقـرآن الا بـالمسح ((1349)) و عن ابن عباس : ان في كتاب اللّه المسح , و يابى الناس الا الغسل ((1350)) .

و هذا استنكار على العامة في مخالفتهم لظاهر القرآن المتوافق مع قواعد الفن في الادب و الاصول .

قال الشيخ محمد عبده : و الظاهر انه عطف على الراس , اي وامسحوا بارجلكم الى الكعبين .

قال : اختلف المسلمون في غسل الرجلين و مسحهما, فالجماهير على ان الواجب هو الغسل , و الشيعة الامـامـيـة انـه المسح و ذكر الرازي عن القفال ان هذا قول ابن عباس و انس بن مالك وعكرمة و الشعبي و ابي جعفر محمد بن علي الباقر قال : و عمدة الجمهور في هذا الباب عمل الصدر الاول و مـايـؤيده من الاحاديث القولية و قد اسهب المقال و نقل عن الطبري اختياره الجمع بين الامرين ثم اردفـه بكلام الالوسي و تحامله على الشيعة بما يوجد مثله في كتب اهل السنة في كلام يطول و ان شئت فراجع ((1351)) .

الثاني ـ آية قصر الصلاة

مـن الايـات الـتـي وقعت موضع بحث و جدل من حيث دلالتها على المراد, هل المقصود بيان صلاة الخوف فقط ام يعم صلاة المسافر ايضا فما وجه دلالتها؟.

ذهب المفسرون الى تعميم دلالتها استنادا الى فعل النبي (ع ) و الائمة و سائر المسلمين , منذ العهد الاول كـانـوايـقصرون من الصلاة استنادا الى هذه الاية الكريمة , الواردة ـ بظاهرها ـ في صلاة الخوف فقط.

قـال تعالى : (و اذا ضربتم في الا رض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة , ان خفتم ان يفتنكم الـذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا و اذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك و لياخذوا اسلحتهم , فاذا سجدوافليكونوا من ورائكم , و لتات طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا مـعـك و لـيـاخـذواحـذرهـم و اسـلـحـتـهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم و امتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) ((1352)) .

ظـاهـر الـعـبارة ,ان جملة الشرط ((ان خفتم )) قيد في الموضوع , يعني القصر في الصلاة ـ عند الضرب في الارض ـمشروط بوجود الخوف و من ثم جا شرح صلاة الخوف في الاية التالية لها.

والـفـتـنة ـ هناـ : الشدة و المحنة و البلا, اي خوف ان يفجعوكم بالقتل و النهب والاسر, كما في قـولـه تـعالى :(على خوف من فرعون و ملئهم ان يفتنهم ), و قوله : (واحذرهم ان يفتنوك ), و (و ان كادوا ليفتنونك ) ((1353)) اي يفجعوك ببلية و شدة و مصيبة .

قـال الطبرسي : ظاهر الاية يقتضى ان القصر لا يجوز الا عند الخوف لكنا قد علمنا جواز القصر عـند الامن ببيان النبي (ص ) و يحتمل ان يكون ذكر الخوف في الاية قد خرج مخرج الاعم الاغلب عليهم في اسفارهم , فانهم كانوا يخافون الاعدا في عامتها و مثلها في القرآن كثير ((1354)) .

قـال الـمـحـقق الفيض : قيل : كانهم الفوا الاتمام و كان مظنة لان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في التقصير, فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر و يطمئنوا اليه ((1355)) .

و روى ابو جعفر الصدوق باسناده الصحيح عن زرارة و محمد بن مسلم , انهما قالا: قلنا للامام ابي جعفرالباقر(ع ): ما تقول في الصلاة في السفر, كيف هي , و كم هي ؟.

فـقـال : ان اللّه عـز و جـل يـقـول : (و اذا ضـربـتـم في الا رض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ) ((1356)) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.

قـالا: قـلـنا: انما قال اللّه ـ عز و جل ـ : (فليس عليكم جناح ) و لم يقل : افعلوا, فكيف اوجب ذلك كمااوجب التمام في الحضر؟.

فقال (ع ): او ليس قد قال اللّه ـ عز و جل ـ : (ان الصفا و المروة من شعائر اللّه فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) ((1357)) الا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض , لان اللّه ـعز و جل ـ ذكره في كتابه و صنعه نبيه (ع ), و كذلك التقصير في السفر شي صنعه رسول اللّه (ص ) و ذكره اللّه تعالى ذكره في كتابه .

قالا: قلنا له : فمن صلى في السفر اربعا ايعيد ام لا؟.

قال : ان كان قد قرئت عليه آية التقصير و فسرت له , فصلى اربعا اعاد, و ان لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلااعادة عليه و الصلاة كلها في السفر, الفريضة ركعتان , كل صلاة , الا صلاة المغرب , فانها ثلاث ليس فيها تقصير,تركها رسول اللّه (ص ) في السفر و الحضر ثلاث ركعات و قد سافر رسول اللّه (ص ) الى ذي خشب ((1358)) و هي مسيرة يوم من المدينة , يكون اليها بريدان : اربعة و عشرون ميلا, فقصر و افطر, فصارت سنة , و قد سمى رسول اللّه (ص ) قوما صاموا حين افطر العصاة .

قال : فهم العصاة الى يوم القيامة , و انا لنعرف ابناهم و ابنا ابنائهم الى يومنا هذا ((1359)) .

و هذا الحديث ـ على طوله ـ مشتمل على فوائد جمة :.

اولا: عـدم مـنـافـاة بين وجوب التقصير في السفر, و بين قوله تعالى في الاية الكريمة : ((فليس عليكم جناح )),نظير نفي الجناح الوارد في السعي بين الصفا و المروة , فانه واجب بلا شك .

وانما جا هذا التعبير لدفع توهم الحظر, حيث شعر المسلمون بان التكليف هو التمام , كما في سائر العبادات , لاتختلف سفرا و حضرا, سوى الصوم و الصلاة فدفعا لهذا الوهم نزلت الاية الكريمة .

ثانيا: ان الاية دلت على مشروعية القصر في السفر, و قد فعله رسول اللّه (ص ) و فعله المسلمون , و كذلك الائمة بعده , و لم يتم احد منهم الصلاة في السفر فمقتضى قواعد علم الاصول , عدم جواز الاتمام , لان الصلاة عبادة , و هي توقيفية , و لم يعلم مشروعية التمام في السفر, لا من الايه و لا من فعل الرسول و صحابته الاخيارفمقتضى القاعدة عدم الجواز.

لان الـشـك دائر بـيـن الـتـعـيـين و التخيير, و الشك في التكليف في مقام الامتثال , يقتضي الاخذ بالاحتياط, الذي هو القصر في الصلاة اذ يشك في مشروعية ما زاد على الركعتين , و لا تصح عبادة مع الشك في مشروعيتها.

ثـالـثا: ان الامام (ع ) لم يتعرض للخوف الذي جا شرطا في الاية , فكانه (ع ) فهم انه موضوع آخر مستقل موضوع السفر و ليس قيدا فيه فالخوف بذاته سبب مجوز للتقصير, كما ان السفر ايضا سبب , و لا ربطلاحدهما بالاخر.

فـالايـة و ان كانت ظاهرة في القيد, و ان احدهما قيد للاخر, لكن فعل الرسول (ص )و اصحابه و سـائر الائمـة ,دلـنا على هذا التفصيل , و ان كلا منهما موضوع مستقل لجواز القصر, و هكذا فهم الامام (ع ) و فهمه حجة علينابالاضافة الى عمل الرسول (ص ).

الثالث ـ آية الخمس

قال تعالى : (و اعلموا ان ما غنمتم من شي فان للّه خمسه و لرسول و لذى القربى ) ((1360)) . نـزلت هذه الاية بعد واقعة بدر, حيث لم يخمس رسول اللّه (ص ) غنائم بدر قال عبادة بن الصامت : فاستقبل رسول اللّه (ص ) بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر ((1361)) و هي عامة تـشـمل كل الغنائم الحربية عن ابن عباس , قال : كان رسول اللّه (ص ), اذا بعث سرية فغنموا, خمس الغنمية ((1362)) .

ولـكن جا في تفسير اهل البيت : شمول الاية لكل ما يغنمه الانسان في حياته من تجارة او صناعة او زراعـة فـكـل مـا ربـحـه الانـسـان في مكاسبه , مما هو فاضل مؤونته ـ مؤونة نفسه و عياله ـ طول السنة , ففيه الخمس ((1363)) .

هكذا ورد عن ائمة اهل البيت (ع ) حيث اخذوا من لفظ ((الغنيمة )) عمومها اللغوي الشامل لكل ربح و فائدة لان الغنم , مطلق الفوز بالشي ,كما قاله الخليل في العين فقوله : ((ما غنمتم )) كان الموصول عاما يشمل كل ما فاز به الانسان من غنيمة او ربح او فائدة .

قـال الامام ابو جعفر محمد بن علي الجواد(ع ) :((فاما الغنائم و الفوائد, فهي واجبة عليهم في كل عـام قـال اللّه تـعـالـى : (واعلموا ان ما غنمتم من شي فان للّه خمسه و للرسول و لذى القربى ) و الـغنائم و الفوائد ـ يرحمك اللّه ـ فهي الغنيمة يغنمها المر, و الفائدة يفيدها, و الجائزة من الانسان للانسان التي لهاخطر, و الميراث الذي لا يحتسب )) ((1364)) .

وعـن الامـام ابـي الـحسن موسى (ع ) ساله سماعة عن الخمس , فقال : في كل ما افاد الناس من قليل اوكثير ((1365)) .

قـال الـطـبرسي : قال اصحابنا: ان الخمس واجب في كل فائدة تحصل للانسان من المكاسب و ارباح التجارات و في الكنوز و المعادن و الغوص و غير ذلك قال : و يمكن ان يستدل على ذلك بهذه الاية , فان في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم ((الغنم )) و ((الغنيمة )) ((1366)) .

و اما مستحق هذا الخمس , فهم آل الرسول و ذريته الاطيبون ان شاؤوا اخذوه و ان شاؤوا تركوه للمعوزين من فقرا المسلمين , او في وجوه البر و في سبيل اللّه .

و قد سال نجدة الحروري عبد اللّه بن عباس عن ذوي القربى الذين يستحقون الخمس , فقال : انا كنا نرى اناهم , فابى ذلك علينا قومنا فقال : لمن تراه ؟ فقال ابن عباس , هو لقربى رسول اللّه (ص ) قسمه لـهـم رسول اللّه (ص ) و قد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رايناه دون حقنا فرددناه عليه و ابـينا ان نقبله و كان عرض عليهم ان يعين ناكحهم , و ان يقضي عن غارمهم , و ان يعطي فقيرهم , و ابى ان يزيدهم على ذلك .

واخـرج ابـن المنذر عن عبد الرحمان بن ابي ليلى , قال : سالت عليا(ع ) عن الخمس , فقلت : يا امير الـمـؤمنين ,اخبرني كيف كان صنع ابي بكر و عمر في الخمس نصيبكم ؟ فقال : اما ابو بكر فلم تكن فـي ولايـتـه اخـمـاس و امـاعـمـر, فلم يزل يدفعه الى في كل خمس حتى كان خمس السوس و جـنديسابور, فقال ـ و انا عنده ـ : هذانصيبكم اهل البيت من الخمس , و قد احل ببعض المسلمين و اشتدت حاجتهم فقلت : نعم فوثب العباس بن عبدالمطلب , فقال : لا تعرض في الذي لنا ثم قال : فو اللّه ما قبضناه و لا قدرت عليه في ولاية عثمان .

وعـن زيـد بن ارقم , قال : آل محمد(ص ) الذين اعطوا الخمس , آل علي و آل عباس و آل جعفر و آل عقيل ((1367)) .

و فـي الصحيح عن الامام ابي جعفر محمد بن علي الباقر(ع ) قال : ذو القربى هم قرابة الرسول و الـخـمس للّه وللرسول و لنا و في حديث الرضا(ع ) :فما كان للّه فلرسوله , و ما كان لرسول اللّه فهو للامام ((1368)) .

والصحيح عندنا: ان الخمس كله للامام ـ الذي هو ولى امر المسلمين ـ يضعه حيث يشا, نعم عليه ان يـعول منه فقرا بني هاشم من نصف الخمس , فان احتاجوا زادهم من عند نفسه و المسالة محررة في الفقه , على اختلاف في الاقوال .

الرابع ـ آية القطع

روى ابو النضر محمد بن مسعود العياشي باسناده الى زرقان صاحب ابن ابي داودقاضي القضاة , قال : اتـي بـسارق الى محضر المعتصم و قد اقر على نفسه بالسرقة و سال الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه فجمع الخليفة لذلك الفقها و قد احضر محمد بن علي الجواد(ع ) فسالهم عن موضع القطع .

فقال ابن ابي داود: من الكرسوع (طرف الزند) و استدل بية التيمم و وافقه قوم و قال آخرون : من المرفق , نظراالى آية الوضؤ.

فالتفت الخليفة الى الامام الجواد مستفهما رايه في ذلك , فاستعفاه الامام لكنه اصرعلى معرفة رايه , و اقسم عليه بالل ه ان يخبره برايه .

فقال الامام : اما اذا اقسمت على باللّه , اني اقول : انهم اخطاوا فيه السنة , فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصابع , فيترك الكف .

قال الخليفة : و ما الحجة في ذلك ؟.

قـال الامـام : قـول رسـول اللّه (ص ) :((السجود على سبعة اعضا, الوجه و اليدين و الركبتين و الـرجـلين )) فاذاقطعت يده من الكرسوع او المرفق , لم يبق له يد يسجد عليها و قد قال اللّه تعالى (و ان الـمـسـاجـد للّه )يـعـنـي بـه هـذه الاعـضا السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع اللّه احدا) ((1369)) و ما كان للّه لم يقطع .

فاعجب المعتصم ذلك و امر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف ((1370)) .

انـظـر الى هذه الالتفاتة الرقيقة التي تنبه لها الامام و لم يلتفت اليها سائر الفقها, ذلك ان اليد في آية الـقـطـع وقـعـت مـجملة قد ابهم المراد منها, فلا بد من تبيينها اما من السنة او الكتاب ذاته و قد التفت الامام (ع ) لوجه التبيين الى السنة مدعمة بنص الكتاب فبين ان راحة الكف هي احدى المواضع السبعة التي يجب على المصلي ان يسجد عليها و ذلك بنص الحديث الوارد عن الرسول (ص ) و هذا كبيان الصغرى ثم اردفه ببيان الكبرى المستفادة من الاية الكريمة الشاملة بعمومها لكل مسجد, سوا الـمـوضـع الذي يسجد فيه ,او العضو الذي يسجد عليه , كل ذلك للّه و ما كان للّه لا تشمله عقوبة الـحـد لان الـعـقوبة انما ترجع الى ما للعبدالمذنب , و لا تعود على ما كان للّه تعالى و هو استنباط ظريف جدا.

و مـمـا يستغرب في المقام ما ذكره الجزيري تعليلا بوجوب القطع من مفصل الكف , اي الزند, قال : لان الـسـرقـة تـقع بالكف مباشرة , و الساعد و العضد يحملان الكف , و العقاب انما يقع على العضو المباشر للجريمة و لذلك تقطع اليمنى اولا, لان التناول يكون بها في غالب الاحيان ((1371)) .

قلت : هذا التعليل يقتضي وجوب القطع من مفصل الاصابع , كما عليه فقها الامامية و به رواياتهم , لان الاصابع هي التي تناوش المتاع المسروق , و الكف تحمل الاصابع .

و قد ذكر ابن حزم الاندلسي ان عليا(ع ) كان يقطع الاصابع من اليد و نصف القدم من الرجل و كان عمر يقطع كل ذلك من المفصل و اما الخوارج فراوا القطع من المرفق او المنكب ((1372)) .

الخامس ـ تحريم الخمر

لم ترد آية في المنع عن شرب الخمر, بلفظ التحريم صريحا, و انما هو امر بالاجتناب عنه او مما يـنـبـغـي الانـتـهـا منه , مما هو ظاهر في الارشاد الى حكم العقل محضا الامر الذي قد يوهم انها غيرمحرمة في شريعة الاسلام ومن ثم سال المهدى العباسى الامام موسى بن جعفر(ع ) عن ذلك , قال : هل هي محرمة في كتاب اللّه عز وجل ؟ فان الناس انما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون التحريم لها.

فقال له الامام : بل هي محرمة في كتاب اللّه , يا امير المؤمنين .

قال : في اى موضع هي محرمة في كتاب اللّه , يا ابا الحسن ؟.

فـقال : في قول اللّه عز و جل : (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الا ثم والبغي بغير الحق ) ((1373)) .

قـال (ع ) : امـا مـا ظهر فهو الزنى المعلن و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية و اما مابطن فيعني ما نكح من الابا, كان الناس قبل البعثة اذا كان للرجل زوجة و مات عنها, تزوجها ابنه من بعده اذا لم تكن امه .

قـال : و امـا الاثـم فـانـهـا الخمرة بعينها و قد قال تعالى في موضع آخر: (يسالونك عن الخمر و الميسرقل فيهما اثم كبير و منافع للناس , و اثمهما اكبر من نفعهما) ((1374)) .

فالتفت المهدى الى علي بن يقطين ـ و كان حاضر المجلس و من وزرائه ـ و قال : ياعلى , هذه و اللّه فـتوى هاشمية مـنـكـم اهـل الـبـيـت فـمـا صـبـر الـمهدى ان قال : صدقت يا رافضي و كان يعرف منه الولا لال البيت ((1375)) .

وبهذه المقارنة الدقيقة بين آيتين قرآنيتين يعرف التحريم صريحا في كتاب اللّه الامر الذي اعجب المهدى العباسي و استعظم هذا التنبه الرقيق و الذ كا المرهف الذي حظي به البيت الهاشمي الرفيع .

وهكذا روي عن الحسن تفسير ((الاثم )) في الاية ((بالخمر)) ((1376)) .

قال العلامة المجلسي : المراد بالاثم ما يوجبه , و حاصل الاستدلال انه تعالى حكم في تلك الاية بكون مـا يـوجـب الاثم محرما, و حكم في الاية الاخرى بكون الخمر والميسر مما يوجب الاثم , فثبت بمقتضاهما تحريمهما ((1377)) .

والكناية بالاثم عن الخمر, لانها ام الخبائث و راس كل اثم ((1378)) , كان قد شاع ذلك الوقت و قبله و تعارف استعماله انشد الاخفش :.

شربت الاثم حتى ضل عقلي ـــــ كذاك الاثم تذهب بالعقول .

وقال آخر:.

نهانا رسول اللّه ان نقرب الخنا ـــــ و ان نشرب الاثم الذي يوجب الوزرا ((1379)) .

و ايضا قال قائلهم في مجلس ابي العباس :.

نشرب الاثم بالصواع جهارا ـــــ و ترى المسك بيننا مستعارا ((1380)) .

و قـد صـرح الجوهري بوروده في اللغة , قال : و قد تسمى الخمر اثما ثم انشد البيت الاول كذلك عدهاالفيروزآبادي احد معانيه .

و امـا انـكـار جـماعة ان يكون الاثم اسما للخمر, فهو انما يعني الاطلاق الحقيقي دون المجاز و الاسـتـعـارة , فكل معصية اثم , غير ان الخمر لشدة تاثيمها سميت اثما, لانها راس المثم و اصلها و اسـاسها, كما نبهنا و الى هذايرجع كلام ابن سيده , قال : وعندي انه انما سماها اثما, لان شربها اثم فهو من الاطلاق الشائع الدائر على الالسن , وضعا ثانويا عرفيا بكثرة الاستعمال نعم ليس من الوضع اللغوي الاصل .

و الـى هـذا الـمـعـنـى ايـضـا يـرجع انكار ابن الانباري ابي بكر النحوي ان يكون الاثم من اسما الخمر ((1381)) لا انكار استعماله فيها مجازا شائعا قال الزبيدي : و قد انكر ابن الانباري تسمية الـخـمر اثما, وجعله من المجاز, و اطال في رد كونه حقيقة ((1382)) قلت : وهو كذلك بالنظر الى اصل اللغة .

وانـكره ابن العربي راسا قال : ((لا حجة فيما انشده الاخفش , لانه لو قال : شربت الذنب او شربت الـوزر لـكـان كذلك , و لم يوجب ان يكون الذنب او الورز اسما من اسما الخمر, كذلك الاثم قال : و الذي اوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة و بطريق الادلة في المعاني )).

لـكـن الفارق ان العرب استعملت ((الاثم )) في الخمر و تعارف استعماله في عرفهم ,حتى خص به على اثر الشياع اما ((الذنب )) و ((الوزر)) فلم يتعارف استعمالهما في ذلك و لو تعارف لكان كذلك .

قال القرطبي ـ في رده ـ : انه مروى عن الحسن , و ذكره الجوهري مستشهدا بما انشده الاخفش , و هكذا انشده الهروي في غريبيه , على ان الخمر: الاثم قال : فلا يبعد ان يكون الاثم يقع على جميع المعاصي و على الخمرايضا لغة , فلا تناقض ((1383)) .

السادس ـ قتل المؤمن متعمدا

قال تعالى : (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب اللّه عليه ولعنه و اعد له عذابا عظيما) ((1384)) .

هـذه الايـة دلت على ان قاتل المؤمن مخلد في النار, و لا يخلد في النار الا الكافر الذي يموت على كـفـره , لان الايـمـان مـهما كان فانه يستوجب المثوبة , و لا بد ان تكون في نهاية المطاف , على ما اسلفنا ((1385)) .

كـما انها صرحت بان اللّه قد غضب عليه و لعنه و لا يلعن اللّه المؤمن اطلاقا, كما في الحديث عن الامام ابي جعفر(ع ) ((1386)) .

ومن ثم وقعت اسئلة كثيرة من اصحاب الائمة بشان الاية الكريمة :.

روى الـكـليني باسناده الى سماعة بن مهران , سال ابا عبد اللّه (ع ) عن الاية فقال : ((من قتل مؤمنا عـلى دينه فذلك المتعمد الذي قال اللّه عز و جل : و اعد له عذابا عظيما)) قال : فالرجل يقع بينه و بين الرجل شي فيضربه بسيفه فيقتله ؟ قال : ((ليس ذلك المتعمد الذي قال اللّه عز و جل )).

و هكذا اسئلة اخرى من عبد اللّه بن بكير و عبد اللّه بن سنان و غيرهما بهذا الشان ((1387)) .

فـقـد بين الامام (ع ) ان من يقتل مؤمنا لايمانه , انما عمد الى محاربة اللّه و رسوله وابتغا الفساد في الارض , ولـيـس عـمـلـه لغرض شخصي يرتبط بذاته , انما هو ارادة محق الايمان من على وجه الارض و لا شـك انـه كافرمحارب للّه و رسوله , و مخلد في النارـ ان مات على عقيدة الكفرـ و غضب اللّه عليه و لعنه و اعد له عذاباعظيما.

وهكذا سار مفسرو الشيعة على هدى الائمة في تفسير الاية ((1388)) .

امـا سـائر الـمفسرين ففسروه بقتل العمد الموجب للدية ((1389)) و لم يبينوا وجه الخلود في النار و الغضب و اللعنة من اللّه .

السابع ـ الطلاق الثلاث

مـمـا وقـع الخلاف بين الفقها قديما و لا يزال هي مسالة الطلاق الثلاث بلفظ واحد, فقد ذهب فقها الامامية الى انها طلاق واحد لعدم فصل الرجوع بينهن اما باقي الفقها فاقروها ثلاثا و كانت بائنة .

و قد عد ائمة اهل البيت (ع ) ذلك مخالفا للكتاب و السنة , قال تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ) ((1390)) وقال :(الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان ـ الى قوله ـ فان طلقها فلاتحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) ((1391)) .

فـقد روى عبد اللّه بن جعفر باسناده الى صفوان الجمال عن ابي عبد اللّه الصادق (ع ) ان رجلا قال لـه : اني طلقت امراتي ثلاثا في مجلس ؟ قال : ليس بشي ثم قال : اما تقرا كتاب اللّه : (يا ايها النبي اذا طـلـقـتـم الـنـسـافـطـلـقـوهن لعدتهن ) كلما خالف كتاب اللّه و السنة فهو يرد الى كتاب اللّه و السنة ((1392)) .

و باسناده الى اسماعيل بن عبد الخالق , قال : سمعت الصادق (ع ) يقول : طلق عبد اللّه بن عمر امراته ثلاثا,فجعلها رسول اللّه (ص ) واحدة , و رده الى الكتاب والسنة ((1393)) .

قـال الشيخ : معنى قوله تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ): ان يطلقها و هي طاهر من غير جماع و يستوفى باقي الشروط ((1394)) اي يكون الطلاق في حالة تمكنها ان تعتد عدتها.

فمعنى ((لعدتهن )): لقبل عدتهن و هكذا قرئ ايضا قال الشيخ : و لاخلاف انه اراد ذلك اي تفسيرا و توضيحاللاية ـ و ان لم تصح القراة به ((1395)) .

و فـي سـنـن الـبـيهقي عن ابن عمر: قرا النبي ـ ص ـ ((في قبل عدتهن )) و في رواية : ((لقبل عدتهن )) ((1396)) .

و في شواذ ابن خالويه : (فطلقوهن في قبل عدتهن ) عن النبي و ابن عباس ومجاهد ((1397)) .

قـال الـطبرسي : انه تفسير للقراة المشهورة : ((فطلقوهن لعدتهن )) اي عند عدتهن , و مثله قوله : ((لا يجليها لوقتها))اي عند وقتها ((1398)) .

فقال الزمخشري : فطلقوهن مستقبلات لعدتهن , كقولك : اتيته ليلة بقيت من الشهر, اي مستقبلا لها و في قراة رسول اللّه (ص ) : ((في قبل عدتهن )) ((1399)) .