عدتهن , اي في الزمان الذي يصلح لعدتهن ((1401)) .قـال الـزمـخـشـري : الـلام فـي ((لاول الـحـشـر)) هي اللام في قوله تعالى : (يا ليتنى قدمت
لـحـيـاتي ) ((1402)) وقولك : جئته لوقت كذا و المعنى : اخرج الذين كفروا عند اول الحشر و
مـعنى ((اول الحشر)): ان هذا اول حشرهم الى الشام , و كانوا من سبط لم يصبهم جلا قط, و هم
اول من اخرج من اهل الكتاب من جزيرة العرب الى الشام او هذا اول حشرهم ((1403)) .قـال ابـن المنيرـ في الهامش ـ : كانه يريد انها اللام التي تصحب التاريخ , كقولك : كتبت لعام كذا و
شهركذا.اذن فمعنى الاية الكريمة : فطلقوهن لمبدا عدتهن , اي في زمان يمكن بد العدة منه .والـطلاق ينقسم ـ في الشريعة ـ الى طلاق سنة و طلاق بدعة و الاول ما كان مجتمعا للشرائط,
ففي المدخول بها: ان تكون في طهر غير مواقع فيه , فتطلق تطليقة ثم تترك حتى تنقضي عدتها, ثم
يعقد عليها و تطلق ثانية على نفس الشرائط, و هكذا في الثالثة و هذا من احسن طلاق السنة .ويجوز ان يراجعها زوجها في عدتها و يطاها ثم يطلقها, او يطلقها بعد الرجوع من غير وط و هذا
مـن الطلاق العدي كل هذا من الطلاق السني الجائز بالاتفاق و يقابله الطلاق البدعي , و هو الطلاق
غير المستجمع للشرائط.قال الشيخ : الطلاق المحرم (البدعي ) هو ان يطلق مدخولا بها, غير غائب عنها غيبة مخصوصة , في
حـال الـحـيـض , او فـي طـهـر جامعها فيه فانه لا يقع عندنا (الامامية ) و العقد ثابت بحاله و قال
جـمـيـع الفقها: انه يقع و ان كان محظورا, ذهب اليه ابو حنيفة و اصحابه , و مالك , و الاوزاعي , و
الثوري , و الشافعي .وقـال ـ ايضاـ : اذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا, وقعت واحدة عند تكامل الشروط عند اكثر
اصحابنا, وفيهم من قال : لا يقع شي اصلا و قال الشافعي : المستحب ان يطلقها طلقة , فان طلقها ثنتين
او ثـلاثـا فـي طهر لم يجامعها فيه , دفعة او متفرقة , كان ذلك مباحا غير محظور, و وقع و به قال
احمد و اسحاق و ابو ثور.و قال قوم : اذا طلقها في طهر واحد ثنتين او ثلاثا, دفعة واحدة او متفرقة , فعل محرما و عصى و
اثم و في الفقهامن قال بالحرمة الا انه يقع , و هم ابو حنيفة و اصحابه و مالك ((1404)) .والخلاصة ان الشافعي و احمد لا يريان ذلك طلاق بدعة , فيجيزان الطلاق الثلاث بلفظ واحد و ان
كان الثاني و الثالث لغير عدة فانه جائز و نافذ ايضا.اما ابو حنيفة و مالك فيريانه بدعة و اثما, لكنه يقع نافذا ((1405)) .وعلى اي تقدير, فالمذاهب الاربعة متفقة على وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد قال الجزيري : فاذا
طـلـق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة , بان قال لها: انت طالق ثلاثا, لزمه ما نطق به من العدد, في
المذاهب الاربعة , و هو راي الجمهور ((1406)) .و هذا من جملة الموارد التي خالف الفقها صريح الكتاب , لزعم انه وردت السنة به , اما تاويلا لنص
الايـة اونسخا لها فيما زعموا حاشا فقها الامامية , لم يخالفوا الكتاب في شي , كما هم عملوا بالسنة
الصحيحة الواردة عن طرق اهل البيت (ع ).و قـد اصر ائمة اهل البيت على ان مثل هذا الطلاق (ثلاثا بلفظ واحد) مخالف لصريح الكتاب , و ما
كان مخالفاللكتاب فهو باطل يجب ضربه عرض الجدار.اذ قـولـه تعالى : (فطلقوهن لعدتهن ) يشمل الطلاق الثاني و الطلاق الثالث , لم يقعا للعدة , حيث كانت
العدة عدة للطلقة الاولى فحسب .قـال الامـام الصادق (ع ) لابن اشيم : ((اذا طلق الرجل امراته على غير طهر و لغير عدة كما قال
اللّه عز و جل , ثلاثااو واحدة فليس طلاقه بطلاق و اذا طلق الرجل امراته ثلاثا و هي على طهر
من غير جماع بشاهدين عدلين فقدوقعت واحدة و بطلت الثنتان و اذا طلق الرجل امراته ثلاثا على
العدة كما امر اللّه عز و جل فقد بانت منه و لاتحل له حتى تنكح زوجا غيره )) ((1407)) .اذن فالطلقة الثانية وكذا الثالثة , لم تقع للعدة حسبما ذكره اللّه تعالى في كتابه , و من ثم وقع الطلاق
الثلاث بلفظواحد, موضع انكار رسول اللّه (ص ) في الجراة على مخالفة صريح الكتاب :.اخـرج الـنسائي من طريق مخرمة عن ابيه بكير بن الاشج , قال : سمعت محمود بن لبيد قال : اخبر
رسول اللّه (ص ) عن رجل طلق امراته ثلاث تطليقات جميعا, فقام غضبان , ثم قال : ايلعب بكتاب اللّه
و انا بين اظهركم : حتى قام رجل و قال : يا رسول اللّه , الا اقتله ؟ ((1408)) .و ذكـر الـشـارح الـمـراد بـه قـوله تعالى : (الطلاق مرتان ـ الى قوله ـ و لا تتخذوا آيات اللّه
هـزوا) ((1409)) فـان مـعـنـاه : الـتطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع ,
والارسـال مـرة واحـدة و لـم يـردبـالـمـرتـيـن الـتـثنية و مثله قوله تعالى : (ثم ارجع البصر
كـرتـيـن ) ((1410)) اي كـرة بـعـد كـرة , لا كـرتـيـن اثـنـتـيـن و مـعـنى قوله : (فامساك
بمعروف ) ((1411)) تخيير لهم ـ بعد ان علمهم كيف يطلقون ـ بين ان يمسكوا النسا بحسن العشرة
ـ وهـو الرجوع اليها ـ و بين ان يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم و الحكمة في التفريق ما
يـشـيـرالـيـه قـوله تعالى : (لعل اللّه يحدث بعد ذلك امرا) اي قد يقلب اللّه تعالى قلب الزوج بعد
الطلاق ,من بغضها الى محبتها ((1412)) .وهكذا روى اصحاب السنن : ان ركانة طلق امراته ثلاثا في مجلس واحد, فحزن عليها و ندم , فاتى
رسول اللّه (ص ) و ذكر ندمه و حزنه الشديد على ذلك , فساله رسول اللّه : كيف طلقتها ثلاثا؟ قال :
في مجلس واحد و فـي حـديث ابن عباس : ان عبد يزيد طلق زوجته و تزوج باخرى , فاتت النبي (ص ) فشكت اليه
فقال النبي لعبد يزيد: راجعها, فقال : اني طلقتها ثلاثا يا رسول الل ه قال : قد علمت , راجعها, و تلا: (يا
ايها النبي اذا طلقتم النسا فطلقوهن لعدتهن ) ((1413)) .قال ابو داود:ان ركانة طلق امراته البتة (اي الثلاث البائن ) فجعلها النبي (ص )واحدة .و مـعـنـى ذلـك : ان الـثلاث بلفظ واحد ـ من غير مراجعة بينهن ـ تكون الواحدة منهن للعدة , دون
مجموع الثلاث .فـتـلاوة الـنـبي (ص ) للاية تلميح الى عدم وقوع الثلاث جميعا للعدة سوى واحدة , و من ثم كانت
رجعية و ليست بائنة .و مـن غـريـب الامر ان جمهور الفقها, مع علمهم بان الثلاث بلفظ واحد مخالف للكتاب و السنة اما
الـكتاب فلماعرفت , و اما السنة فلما رواه مسلم في الصحيح باسناده الى ابن عباس قال : كان الطلاق
على عهد رسول اللّه (ص ) و ابي بكر و سنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة , فقال عمر بن
الـخـطـاب : ان الـنـاس قـد اسـتـعـجلوافي امر قد كانت لهم فيه اناة , فلو امضيناه عليهم : فامضاه
عليهم ((1414)) .نـرى الـفـقـهـا مع علمهم بذلك , فانهم تبعوا سنة عمر, و تركوا صريح الكتاب و سنة الرسول و
الصحابة المرضيين .يـقول الجزيري : ان الائمة سلموا جميعا بان الحال في عهد النبي (ص ) كان كذلك , و لم يطعن احد
مـنهم في حديث مسلم و كل ما احتجوا به : ان عمل عمر و موافقة الاكثرين له مبنى على ان الحكم
كـان مـؤقـتا, فنسخه عمر بحديث لم يذكره لنا والدليل على ذلك الاجماع قال : و لكن الواقع انه لم
يـوجـد اجـماع , فقد خالفهم كثيرمن المسلمين و مما لا شك فيه ان ابن عباس من المجتهدين المعول
عليهم في الدين , فتقليده جائز, ولايجب تقليد عمر فيما رآه قال : و لعله كان تحذيرا للناس من ايقاع
الـطـلاق على وجه مغاير للسنة , فان السنة ان تطلق المراة في اوقات مختلفة , فاذا تجرا احد على
تطليقها دفعة واحدة فقد خالف السنة , و جزاؤه ان يعامل بقوله زجرا له ((1415)) .ونـاقـش ابن حزم الاندلسي فيما اخرجه النسائي عن طريق مخرمة عن ابيه بكير بن عبد اللّه بن
الاشـج انـه سمع محمود بن لبيد الخ بان خبر محمود مرسل لا حجة فيه و ان مخرمة لم يسمع من
ابيه شيئا.و كـذا نـاقـش فـيـمـا اخرجه مسلم عن طريق محمد بن رافع باسناده الى ابن عباس , بجهالة ابن
رافع هذا ((1416)) .امـا مـحمود بن لبيد فزعموا انه لم تصح له رؤية و لا سماع من النبي لانه كان طفلا لم يبلغ الحلم
يومذاك .لكن ذكر الواقدي : و غيره انه مات سنة ست و تسعين , و هو ابن تسع و تسعين سنة ,قال ابن حجر:
عـلـى هـذا يـكـون لـه يوم مات النبي ثلاث عشرة سنة , و هذا يقوي قول من اثبت الصحبة , و هو
قـول الـبـخـاري و من ثم قال ابن عبد البر: قول البخاري اولى , يعني في اثبات الصحبة و هو الذي
روى ان الـنـبي (ص )اسرع يوم مات سعد بن معاذ حتى تقطعت نعالنا قال الترمذي : راى النبي و هو
غلام صغير ((1417)) .قلت : لا يقل هذا عن ابن عباس الذي كان يوم مات النبي ابن ثلاث عشرة سنة ايضا.امـا عـدم سـماع مخرمة من ابيه فليس يضره , بعد ان كان يروي من كتاب ابيه قال ابو طالب : سالت
احمد عنه ,قال : ثقة و لم يسمع من ابيه انما يروي من كتاب ابيه و قال مالك : حدثني مخرمة بن بكير
و كـان رجـلاصـالـحـاقـال ابـو حاتم : سالت اسماعيل بن ابي اويس , قلت : هذا الذي يقول مالك بن
انس :حدثني الثقة , من هو ؟قال مخرمة بن بكير بن الاشج و قال الميموني عن احمد: اخذ مالك كتاب
مـخرمة فنظر فيه , فكل شي يقول فيه : بلغني عن سليمان بن يسار, فهو من كتاب مخرمة , يعني عن
ابيه عن سليمان ((1418)) .و اما المناقشة في اسناد مسلم بجهالة ابن رافع و لاحجة في مجهول فيدفعها ان مسلما رواه من طريق اسحاق بن ابراهيم و محمد بن رافع , جميعا عن عبد الرزاق .امـا محمد بن رافع فقد وثقه الائمة كلمة واحدة قال البخاري : حدثنا محمد ابن رافع بن سابور, و
كـان مـن خـيـارعباد اللّه و قال النسائي حدثنا محمد بن رافع الثقة المامون و قال ابو زرعة : شيخ
صدوق و قال الحاكم : هو شيخ عصره بخراسان في الصدق و الرحلة ((1419)) .و هـكذا اسحاق بن ابراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه المروزي , هو احد الائمة المرموقين
بـخراسان ممن قل نظيره قال ابو زرعة : ما رؤي احفظ من اسحاق و قال احمد: لم يعبر الجسر الى
خراسان مثله قال : لا اعرف له بالعراق نظيرا ((1420)) .فقد صح قول الجزيري : لم يطعن احد في حديث مسلم حيث كان طعن ابن حزم موهونا الى حد بعيد .و بـعـد فـمـمـا يبعث على الاعتزاز, ذلك موقف فقها الامامية جنبا الى جنب من صراحة الكتاب و
الـصـحـيـح مـن سـنة الرسول (ص ) حتى و ان خالفهم الجمهور و هذا من بركات تعاليم ائمة اهل
البيت (ع ) الثابتين على صلب الشريعة و الحافظين لناموس الدين , ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا و اللّه
ذو الفضل العظيم .
الثامن ـ حديث المتعة
قال تعالى : (فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن فريضة ) ((1421)) .ا ـ متعة النسا.وقـع الـخلاف في هذه الاية الكريمة هل هي منسوخة الحكم , و ما ناسخها, هل هوالكتاب ام السنة
الشريفة ؟.ذهـب ائمـة اهـل الـبيت (ع ) الى انها محكمة لا يزال حكمها ثابتا في الشريعة , ليس لها ناسخ لا في
الكتاب و لا في السنة و اليه ذهب جملة الاصحاب و التابعين .و خـالـفهم فقها سائر المذاهب , نظرا لمنع عمر ذلك , و كان يشدد عليه كما افترضوا له دلائل من
الكتاب والسنة لم تثبت عند ائمة النقد و التمحيص .قـال ابـن كثير: و قد استدل بعموم هذه الاية على نكاح المتعة و لا شك انه كان مشروعا في ابتدا
الاسلام , ثم نسخ بعد ذلك و قد روي عن ابن عباس و طائفة من الصحابة القول باباحتها للضرورة , و
هـو روايـة عـن احمد وكان ابن عباس , و ابي بن كعب , و سعيد بن جبير, و السدي يقراون (فما
اسـتمتعتم به منهن ـ الى اجل مسمى ـ فتوهن اجورهن فريضة ) ـ قراة على سبيل التفسيرـ و قال
مجاهد: نزلت في نكاح المتعة .قال : و لكن الجمهور على خلاف ذلك ((1422)) .و قـال ابـن قـيـم الجوزي : الناس في هذا (حديث المتعة ) طائفتان : طائفة تقول : ان عمر هو الذي
حرمها و نهى عنها, و قد امر رسول اللّه (ص ) باتباع ما سنه الخلفا الراشدون , و لم تر هذه الطائفة
تـصـحـيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح , فانه من رواية عبد الملك بن الربيع بن
سبرة الجهني , عن ابيه عن جده و قدتكلم فيه ابن معين و لم ير البخاري اخراج حديثه في صحيحه
مـع شـدة الـحـاجة اليه , و كونه اصلا من اصول الاسلام , و لو صح عنده لم يصبر عن اخراجه و
الاحتجاج به قالوا: و لو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود, حتى يروى عنه : انهم فعلوها, و
يـحـتـج بـالاية و ايضا لو صح لم يقل عمر: انها كانت على عهد رسول اللّه (ص ) و انا انهى عنها و
اعاقب عليها, بل كان يقول : انه (ص ) حرمها و نهى عنها قالوا: و لو صح لم تفعل على عهد الصديق و
هـو عـهـد خـلافـة الـنـبـوة حـقـا قال : و الطائفة الثانية رات صحة حديث سبرة , و لو لم يصح
فـقدصح حديث علي (ع ) ان رسول اللّه (ص ) حرم متعة النسا فوجب حمل حديث جابر على ان الذي
اخبر عنهابفعلها لم يبلغه التحريم , و لو لم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر, فلما وقع فيها النزاع
ظهر تحريمها واشتهرقال : و بهذا تاتلف الاحاديث الواردة فيها ((1423)) .و ذهب القرطبي ـ من المفسرين ـ الى ان الاية ليست بشان المتعة , و انما هي بشان النكاح التام قال :
و لا يـجـوزان تحمل الاية على جواز المتعة , لان النبي ص ـ نهى عن نكاح المتعة و حرمه , و لان
اللّه تـعالى قال :((فانكحوهن باذن اهلهن )) و معلوم ان النكاح باذن الاهلين هو النكاح الشرعي بولى
و شاهدين , و نكاح المتعة ليس كذلك .قـال : و قـال الـجـمـهـور: الـمراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام و نسختها آية ميراث
الازواج , اذ كـانـت الـمتعة لا ميراث فيها و قالت عائشة و القاسم بن محمد: تحريمها و نسخها في
الـقـرآن , و ذلـك قـولـه تـعـالـى : ( والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت
ايمانهم ) ((1424)) و ليست المتعة نكاحا و لا ملك يمين .و نسب الى ابن مسعود انه قال : المتعة منسوخة نسختها الطلاق و العدة و الميراث .و قـال بـعضهم : انها ابيحت في صدر الاسلام ثم حرمت عدة مرات قال ابن العربي : و اما متعة النسا
فـهي من غرائب الشريعة , لانها ابيحت في صدر الاسلام , ثم حرمت يوم خيبر, ثم ابيحت في غزوة
اوطـاس , ثـم حـرمت بعد ذلك , و استقر الامر على التحريم و ليس لها اخت في الشريعة الا مسالة
القبلة , لان النسخ طرا عليها مرتين ,ثم استقرت بعد ذلك .و قـال غـيره ـ ممن زعم انه جمع طرق الاحاديث في ذلك ـ : انها تقتضي التحليل والتحريم سبع
مرات .و قـال جماعة : لا ناسخ لها سوى ان عمر نهى عنها و روى عطا عن ابن عباس , قال : ما كانت المتعة
الارحمة من الل ه رحم بها عباده , و لولا نهي عمر عنها ما زنى الا شقى ((1425)) .وهكذا روى ابن جرير الطبري باسناده الى الامام امير المؤمنين (ع ) قال : ((لولا ان عمر نهى عن
الـمـتـعـة مـا زنـى الاشـقـى )) ((1426)) و يـروى ((الا شفى )) بالفا المفتوحة , اي قليل من
الناس ((1427)) .قال ابن حزم الاندلسي كان نكاح المتعة ـ و هو النكاح الى اجل ـ حلالا على عهد رسول اللّه (ص )
ثم نسخهااللّه تعالى على لسان رسوله , نسخا باتا الى يوم القيامة .و قـد ثـبـت عـلى تحليلها بعد رسول اللّه (ص ) جماعة من السلف , منهم من الصحابة : اسما بنت ابي
بـكـر ((1428)) وجـابـر بن عبد اللّه الانصاري ((1429)) و ابن مسعود ((1430)) و ابن
عـبـاس ((1431)) و عمرو بن حريث ((1432)) و ابو سعيدالخدري ((1433)) و سلمة و
معبد ابنا امية بن خلف ((1434)) .قال : و رواه جابر عن جميع الصحابة , مدة رسول اللّه (ص ) و مدة ابي بكر و عمر الى قرب آخر
خلافته .قال : و من التابعين : طاووس و عطا و سعيد بن جبير و سائر فقها مكة ((1435)) .و بعد فالذي يشهد به التاريخ و متواتر الحديث , ان المتعة (النكاح المؤقت ) كانت مما احله الكتاب و
جرت به السنة و عمل بها الاصحاب , منذ عهد الرسالة و تمام عهد ابي بكر و نصفا من خلافة عمر
حتى نهى عنها و شددعليه لاسباب وعلل , كان يرى انها تخوله صلاحية المنع .اخـرج مـسـلم من طريق عبد الرزاق قال : اخبرنا ابن جريج عن عطا, قال : قدم جابر بن عبد اللّه
مـعـتـمـرا فجئناه في منزله , فساله القوم عن اشيا ثم ذكروا المتعة , فقال : نعم , استمتعنا على عهد
رسول اللّه (ص ) و ابي بكر وعمر.وايـضـا عـن ابـن جريج قال : اخبرني ابو الزبير قال : سمعت جابر بن عبد اللّه يقول : كنا نستمتع
بـالـقبضة من التمر والدقيق , الايام على عهد رسول اللّه (ص ) و ابي بكر, حتى نهى عنه عمر في
شان عمرو بن حريث ((1436)) .و فـي حـديـث قـيس عنه قال : رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب الى اجل ثم قرا عبد اللّه : (يا ايها
الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل اللّه لكم و لا تعتدوا ان اللّه لا يحب المعتدين ) ((1437)) .و كـان استشهاده بهذه الاية تدليلا على ان اللّه يحب ان يؤخذ برخصه و لا سيما الطيبات ما لم ينه
عنه الشارع الحكيم ذاته اشارة الى ان نهي مثل عمر لا تاثير له في حكم شرعي مستدام بذاته .امـا قـضـيـة عمرو بن حريث فهو ما اخرجه الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج , قال :
اخـبـرني ابو الزبيرعن جابر قال : قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة , فاتي بها عمر و
هي حبلى , فساله فاعترف , قال :فذلك حين نهى عنها عمر ((1438)) .و قريب منها قصة سلمة و معبد ابني امية بن خلف :.اخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس , قال :لم يرع عمر
الا ام اراكة قد خرجت حبلى , فسالها عمر, فقالت : استمتع بي سلمة بن امية ((1439)) .وذكر ابن حجرـ في الاصابة ـ ان سلمة استمتع من سلمى مولاة حكيم بن امية الاسلمي فولدت له
فجحدولدها.وزاد الـكـلـبـي : فـبـلـغ ذلـك عـمـر فنهى عن المتعة و روى ايضا ان سلمة استمتع بامراة فبلغ
عمرفتوعده ((1440)) .قـال ابـن حـجـر: الـقـصـة بـشـان سلمة و معبد ابني امية واحدة , اختلف فيها هل وقعت لهذا او
لهذا ((1441)) .و اخرج مالك و عبد الرزاق عن عروة بن الزبير: ان خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب ,
فقالت : ان ربيعة بن امية استمتع بمراة مولدة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب ـ يجر رداه فزعا
فقال : هذه المتعة ((1442)) اي لو اعلنت بالمنع قبل ذلك .و اخـرج ابو جعفر الطبري في تاريخه بالاسناد الى عمران بن سوادة , قال : صليت الصبح مع عمر
ثـم انـصـرف وقمت معه , فقال : احاجة ؟ قلت : حاجة قال : فالحق فلحقت , فلما دخل اذن لي , فاذا هو
على سرير ليس فوقه شي فقلت : نصيحة ؟ فقال : مرحبا بالناصح غدوا و عشيا قلت : عابت امتك عليك
اربعا فوضع راس درته في ذقنه و وضع اسفلها على فخذه , ثم قال : هات .فذكر اولا: انه حرم العمرة في اشهر الحج ((1443)) و لم يفعل ذلك رسول اللّه (ص ) و لا ابو
بكر و هي حلال فاعتذرعمر: انهم لو اعتمروا في اشهر الحج لراوها مجزية عن حجهم .والـثاني : انه حرم متعة النسا, و قد كانت رخصة من اللّه نستمتع بقبضة و نفارق عن ثلاث فاعتذر
عمر: ان رسول اللّه احلها في زمان ضرروة و الان قد رجع الناس الى السعة .والثالث : انه حكم بعتاق الامة ان وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها ((1444)) فقال عمر: الحقت
حرمة بحرمة و مااردت الا الخير و استغفر اللّه .والـرابـع : انـه يـاخـذ الـرعـية بالشدة و العنف فاجاب عمر بما حاصله : ان ذلك مما لا بد منه في
انتظام الرعية ((1445)) .
قصة المنع من المتعتين
و الـذي يـبت من الامر بتا ان عمر هو الذي حال دون تداوم شريعة المتعة , و انها كانت محللة حتى اصدر الخليفة المنع منها لا عن سابقة نسخ او تحريم تلك قولته المعروفة : ((متعتان كانتا على عهدرسول اللّه , و انا محرمهما ومعاقب عليهما: متعة النسا و متعة الحج )).و هذا الكلام و ان كان ظاهره منكراـ كما قال ابن ابي الحديد المعتزلي ((1446)) ـ فله مخرج و
تاويل اختلف الفقها فيه .و في ذلك يقول الامام الرازي : ظاهر قول عمر: و انا انهى عنهما انهما مشروعتان غير منسوختين
, و انه هوالذي نسخهما و ما لم ينسخه الرسول فلا ناسخ له ابدا.ثـم اخذ في تاويل كلامه بان المراد: انا انهى عنهما لما ثبت عندي ان النبي نسخها قال : لانه لو كان
مـراده ان الـمتعة كانت مباحة في شرع محمد(ص ) و انا انهى عنها, لزم تكفيره و تكفير كل من لم
يـحـاربـه , و يـفـضـي ذلـك الـى تـكـفـيـر امـير المؤمنين , حيث لم يحاربه و لم يرد عليه ذلك
القول ((1447)) .و اغـرب الـقـسـطـلانـي في شرحه على البخاري , حيث قوله : ان نهي عمر كان مستنداالى نهي
الـنـبـي (ص ) و كـان خـافـيـا عـلـى سـائر الـصـحـابـة , فـبـينه عمر لهم , و لذلك سكتوا او
وافقوا ((1448)) .اللهم ان هذا الا تخرص بالغيب و تفسير كلام بما لا يرضى صاحبه و اشد غرابة ما ذكره القوشجي ـ في شرحه على تجريد الاعتقاد للخواجه نصير الدين الطوسي
ـ قـال : ان عـمرقال على المنبر: ايها الناس ثلاث كن على عهد رسول اللّه (ص ) و انا انهى عنهن و
احرمهن و اعاقب عليهن :متعة النسا, و متعة الحج , و حي على خير العمل ثم اعتذر بان ذلك ليس مما
يوجب قدحا فيه , فان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع ((1449)) .انـظـر الـى هذا الرجل العالم المتجاهل , كيف يجعل من صاحب الرسالة الذي لا ينطق الا عن وحي
يـوحـى الـيه , كيف يجعله عدلا لفرد من آحاد امته , و لا سيما مثل ابن الخطاب الذي اعلن صريحا
ومرارا: كل الناس افقه منه ((1450)) .و بعد فلنعطف الكلام عن حديث المتعتين الذي اعلن به عمر على رؤوس الاشهاد:.1ـ اخـرج الـبيهقي في سننه بالاسناد الى ابي نضرة قال : قلت لجابر بن عبد اللّه الانصاري : ان ابن
الـزبـيـر يـنهى عن المتعة و ان ابن عباس يامر بها اللّه (ص ) و مع ابي بكر, فلماولي عمر خطب الناس فقال :.((ان رسـول اللّه هـذا الرسول , و ان هذا القرآن هذا القرآن و انهما كانتا متعتان على عهد رسول
اللّه , و انـا انهى عنهما و اعاقب عليهما, احداهما: متعة النسا, و لا اقدر على رجل تزوج امراة الى
اجل الا غيبته بالحجارة والاخرى : متعة الحج )) ((1451)) .2ـ و اخـرج مـسـلـم في صحيحه ايضا عن ابي نضرة , قال : كان ابن عباس يامر بالمتعة ,و كان ابن
الـزبـيـر يـنهى عنها, فذكرت ذلك لجابر, فقال : على يدى دار الحديث تمتعنا مع رسول اللّه (ص )
فلماقام عمر قال : ((ان اللّه كان يحل لرسوله ما شا بما شا, و ان القرآن قد نزل منازله , فاتموا الحج
و الـعمرة للّه كماامر اللّه , و ابتوا نكاح هذه النسا, فلن اوتي برجل نكح امراة الى اجل الا رجمته
بالحجارة )) ((1452)) .3ـ و اخـرج ابـو بـكـر الجصاص باسناده الى شعبة عن قتادة قال : سمعت ابا نضرة يقول : كان ابن
عـبـاس يـامـربـالـمتعة و كان ابن الزبير ينهى عنها, قال : فذكرت ذلك لجابر فقال : على يدى دار
الـحـديـث , تمتعنا مع رسول اللّه (ص ) فلما قام عمر قال : ((ان اللّه كان يحل لرسوله ما شا بما شا,
فاتموا الحج و العمرة كما امر اللّه , وانتهوا عن نكاح هذه النسا, لا اوتي برجل نكح امراة الى اجل
الا رجمته .قال الجصاص : فذكر عمر الرجم في المتعة , و جائز ان يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر
الناس عنها ((1453)) .4ـ و ذكر بشان متعة الحج , و هي احدى المتعتين اللتين قال عمر بن الخطاب : ((متعتان كانتا على
عهد رسول اللّه (ص ) انا انهى عنهما و اضرب عليهما: متعة الحج و متعة النسا)) ((1454)) .و هكذا رواه الحافظ ابو عبد اللّه بن القيم الجوزي قال : ثبت عن عمر انه قال ((1455)) .وقـال شـمـس الـديـن الـسـرخـسـي : و قـد صـح ان عـمـر نهى الناس عن المتعة , فقال : متعتان
كانتا ((1456)) .و ذكـره الـقـرطـبـي بـنـفـس الـلـفـظ ((1457)) , و الـفـخر الرازي بلفظ: ((متعتان كانتا
مشروعتين )) ((1458)) .الـى غـيـرذلـك مـن تـصريحات اعلام الفقه ((1459)) و التفسير, تنبؤك عن تواتر حديث منع
المتعتين منعا مستندا الى عمر بالذات و ليس مستندا الى شريعة السما.الا مر الذي دعا بكثير من النبها ان ياخذوا من قولة عمر هذه دليلا على الجواز استنادا الى روايته
تاركين رايه الى نفسه , او لا حجية لراي في مقابلة الشريعة , كما لا اجتهاد في مقابلة النص .يـذكر ابن خلكان ـ في ترجمة يحيى بن اكثم ـ ان المامون العباسي امر فنودي بتحليل المتعة فدخل
عليه ابن اكثم فوجده يستاك , و يقول ـ و هو مغتاظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه و على عهد
ابي بكر و انا انهى عنهما ((1460)) .و في لفظ الخطيب : و من انت يا احول حتى تنهى عما فعله النبي و ابو بكر؟ ((1461)) .و ذكر الراغب ان يحيى بن اكثم ـ و كان قاضيا في البصرة نصبه المامون ـ قال لشيخ بالبصرة : بمن
اقـتديت في جواز المتعة ؟ قال : بعمر بن الخطاب الخبر الصحيح انه صعد المنبر فقال : ان اللّه و رسوله قد احلا لكم متعتين و اني محرمهما عليكم و
معاقب عليهما فقبلنا شهادته و لم نقبل تحريمه ((1462)) .وهـنـاك مـن الـصـحابة و التابعين من ثبتوا على القول بالتحليل الاول منذ عهد الرسول (ص ) و لم
يستسلموا لنهي عمر, و جاهروا في مخالفته اما في حياته او بعد مماته .هذا جابر بن عبد اللّه الانصاري هو اول من جاهر بالتحليل و اعلن بالمخالفة لنهي عمر.وهذا ابو سعيد الخدري قد عرفت مواكبته مع جابر في اعلام المخالفة .وعبد اللّه بن مسعود قرا: (الى اجل مسمى ) بملا من الناس .و ابي بن كعب كان يقرا قراة ابن مسعود.وسـعيد بن جبير, و طاووس , و عطا, و مجاهد, و سائر فقها مكة و اضرابهم حسبما تقدم الكلام
عنهم .ويـقـول الامـام امـيـر الـمـؤمـنـيـن (ع ): لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شفى ـ او ـ الا
شقي , ((1463)) على ما سبق بيانه .وكـذلـك ابـن عـبـاس فـي قوله : يرحم اللّه عمر, ما كانت المتعة الا رحمة من اللّه رحم بها امة
محمد(ص ) و لولانهيه ما احتاج الى الزنى الا شقي ـ او ـ الا شفى ((1464)) .و قـد عـرض ابن الزبير بابن عباس في قوله :ان ناسا اعمى اللّه قلوبهم كما اعمى ابصارهم يفتون
بالمتعة فناداه ابن عباس : انك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين ـ يريد
رسـول اللّه (ص ) ـفـقـال لـه ابـن الـزبـيـر: فـجـرب بـنـفـسـك فو اللّه لئن فعلتها لارجمنك
باحجارك ((1465)) .وهذا ابنه عبد اللّه تراه لا يكترث بنهي نهاه ابوه تفاديا دون سنة سنها رسول اللّه (ص ) و نطق بها
الـكـتـاب فـقداخرج احمد في مسنده عن ابي الوليد قال : سال رجل ابن عمر عن المتعة و انا عنده
(متعة النسا), فقال : و اللّه ما كنا على عهد رسول اللّه (ص ) زانين و لا مسافحين ((1466)) .وهـكـذا نـجـد كبار الصحابة و التابعين و من ورائهم الفقها لم يابهوا بنهي عمر عن متعة الحج مع
تصريحه بالمنع واردافه لها مع متعة النسا و ما ذلك الا من جهة عدم اعتبار اى اجتهاد في مقابلة نص
الشريعة .هذا ابن عمر نراه كما لم يكترث بنهي ابيه عن متعة النسا, كذلك لم يكترث بنهيه عن متعة الحج :.روى الـتـرمذي باسناده الى ابن شهاب ان سالما حدثه انه سمع رجلا من اهل الشام و هو يسال عبد
اللّه بـن عـمـرعـن التمتع بالعمرة الى الحج , فقال عبد اللّه : هي حلال فقال الشامي : ان اباك قد نهى
عـنـها اللّه ؟ فقال الرجل : بل امر رسول اللّه (ص )فقال : لقد صنعها رسول اللّه (ص ) ((1467)) .وكـذلـك روى ابـن اسحاق عن الزهري عن سالم قال : اني لجالس مع ابن عمر في المسجد, اذ جاه
رجل من اهل الشام فساله عن التمتع بالعمرة الى الحج , فقال ابن عمر: حسن جميل قال : فان اباك كان
ينهى عنها ام بامر رسول اللّه ؟ قم عني ؟ قال القرطبي : اخرجه الدار قطني ((1468)) .وهـكـذا نرى سعد بن ابي وقاص لم يابه بمنع عمر تجاه سنة سنها رسول اللّه (ص )رواه الترمذي
ايضا باسناده الى شهاب عن محمد بن عبد اللّه بن الحارث : انه سمع سعد بن ابي وقاص و الضحاك بن
قـيس , و هما يذكران التمتع بالعمرة الى الحج فقال الضحاك : لا يصنع ذلك الا من جهل امر اللّه فقال
سـعد: بئس ما قلت , يا ابن اخي اللّه , و صنعناها معه ((1469)) .و هذا عمران بن الحصين يحذو حذوهما في جراة و صراحة ,يقول : ((ان اللّه انزل في المتعة آية
و ما نسخها بية اخرى و امرنا رسول اللّه (ص ) بالمتعة و ما نهانا عنها قال رجل فيها برآيه ما شا)),
يـريد عمر بن الخطاب , على ما صرح به الرازي ((1470)) و ابن حجر ((1471)) اخرجه ابن
ابي شيبة و البخاري ومسلم ((1472)) .واخـرجه ايضا احمد في مسنده عنه قال : ((نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تبارك وتعالى , و عملنا
بها مع رسول اللّه (ص ) فلم تنزل آية تنسخها, و لم ينه عنها النبي حتى مات ((1473)) .وعـمـران هذا من فضلا الصحابة و فقهائهم , و قد بعثه عمر ليفقه اهل البصرة , ثقة بمكان فقهه و
امانته قال ابن سيرين : كان افضل من نزل البصرة من الصحابة ((1474)) .قـال الـشـيخ ابو عبد اللّه المفيد ـ في جواب من ساله عن قول مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع )
((ليس منا من لم يقل بمتعتنا)) ـ : ان المتعة التي ذكرها الامام الصادق (ع ) هي النكاح المؤجل الذي
كـان الـنبي (ص ) اباحها لامته في حياته و نزل بها القرآن ايضا, فتؤكد ذلك باجماع الكتاب و السنة
فـيـه , حـيـث يـقول اللّه : (و احل لكم ماورا ذلك ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين , فما
اسـتـمتعتم به منهن فتوهن اجورهن فريضة ) ((1475)) , فلم يزل على الاباحة بين المسلمين لا
يـتـنـازعون فيها حتى راى عمربن الخطاب النهي عنها فحظرها و شدد في حظرها و توعد على
فـعلها, فتبعه الجمهور على ذلك , و خالفهم جماعة من الصحابة و التابعين فاقاموا على تحليلها الى ان
مـضـوا لـسبيلهم , و اختص باباحتها جماعة من الصحابة و التابعين وائمة الهدى من آل محمد(ع ),
فلذلك اضافها الصادق (ع )بقوله : متعتنا ((1476)) .
لا نسخ و لا تحريم
و بـعـد اذ عرفت ان القوم لم يكد ان يصدقوا منع عمر ذاته لشريعة سنها الكتاب والسنة , التمسوا لتبرير موقفه ذاك معاذير و تعاليل لا تكاد تشفي العليل و لا تروي الغليل .قال الشيخ محمد عبده : و العمدة عند اهل السنة في تحريمها وجوه :.اولها: ما علمت من منافاتها لظاهر القرآن في احكام النكاح و الطلاق و العدة , ان لم نقل لنصوصه .ثـانـيـها: الاحاديث المصرحة بتحريمها تحريما مؤبدا الى يوم القيامة , و قد جمع متونها و طرقهامسلم في صحيحه .ثالثها: نهي عمر عنها في خلافته , و اشادته بتحريمها على المنبر, و اقرار الصحابة له على ذلك .قال : و كان اسناد التحريم الى نفسه (انا محرمهما) فمجاز, و معناه : انه مبين لتحريمهما.و قد شاع مثل هذا الاسناد, كما يقال : حرم الشافعي النبيذ و احله او اباحه ابو حنيفة لم يعنوا انهما
شـرعـا ذلك من عند انفسهما, و انما يعنون انهم بينوه بما ظهر لهم من الدليل قال : و قد كنا قلنا: ان
عمر منع المتعة اجتهادا منه ثم تبين لنا ان ذلك خطا فنستغفر اللّه منه ((1477)) .و لننظر في هذه البنود باختصار:.اما التنافي مع ظاهر الكتاب او نصه فلم يتبين وجهه بوضوح اذ المتمتع بها زوجة عند القائل بها, و
لـهـا احـكام تغاير احكام الدائمة , فطلاقها انقضا اجلها و عدتها كعدة الامة ((1478)) : نصف عدة
الحرة الدائمة .قال المحقق : و لا يقع بها طلاق , و تبين بانقضا المدة و عدتها: حيضتان اوخمسة و اربعون يوما و لا
يثبت بينهما ميراث , الا اذا شرط على الاشهر و لو اخل بالمهر مع ذكر الاجل بطل العقد و لو اخل
بالاجل بطل متعة وانعقد دائما ((1479)) .و ذكـر الشيخ محمد عبده وجها آخر للتنافي مع القرآن , حيث قوله عز و جل في صفة المؤمنين :
(و الذين هم لفروجهم حافظون , الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين ,فمن ابتغى
ورا ذلك فاولئك هم العادون ) ((1480)) قال : و المراة المتمتع بها ليست زوجة ليكون لهامثل الذي
عـلـيها بالمعروف و الشيعة انفسهم لا يعطونها احكام الزوجة و لوازمها, فلا يعدونها من الاربع و
لايـكـون بها احصان و ذلك قطع منهم بانه لا يصدق على المستمتعين ((محصنين غير مسافحين ))
وليس لها ميراث و لا نفقة و لا طلاق و لا عدة ((1481)) .لـكن اسبقنا انها زوجة و ان كانت تخالف احكامها احكام الدائمة و استدل الشهيد الثاني ((1482))
على انها زوجة بنفس الاية , حيث عد ابتغا ما ورا الزوجة و ملك ليمين سفاحا و السورة مكية , نزلت
قـبـل الهجرة بفترة طويلة , حيث نزلت بعدها ـ و هي برقم 74 ـ اثنتا عشرة سورة الى تمام العدد
(86) الـسـورة المكية و لا شك انهاكانت محللة ذلك العهد, و آخر تحريمها ـ على الفرض ـ بعد
سنة الفتح (عام اوطاس سنة 8 للهجرة ) و لازمه ان المسلمين كانوا مسافحين في تلك الفترة , اذا لم
يكن المتمتع بها زوجة , اذ لم تكن ملك يمين ايضا.كما ان تحليل الامة عند القائل باباحته داخل في ملك يمين بنفس دليل الحصر في الاية ((1483)) .نعم ذكرنا ان طلاقها انقضا امدها, و ان لها عدة نصف عدة الدائمة , و نفقتها اجرتها و الميراث حكم
تعبدي خاص , يمكن ان لا يجعله الشارع في موارد, منها: القاتل , و خارج الملة , و المتقرب بالاب مع
وجود المتقرب بالابوين او الام و غير ذلك مما هو تخصيص في عموم الكتاب .عـلـى ان فـقها اهل السنة يجيزون نكاح الكتابية و لا يقولون بالتوارث بينهما, ((1484)) و ذلك
تخصيص في عموم الكتاب كما هنا حرفا بحرف كما انهم لا يرون الاحصان بملك يمين ((1485))
فكذلك المتعة عندنا و هو حكم خاص ثابت في الشريعة بالتعبد.اما مسالة العدة فقد عرفت ان الشيخ اشتبه عليه الامر فتدبر.و امـا الاحـاديـث الـتـي هـي عـمـدة اسـتـدلالـهم على التحريم , فقد ادعى ابن رشد الاندلسي
تـواترها ((1486)) لكنه كلام ملقى على عواهنه اذ لا تعدو رواية التحريم اسنادها الى ثلاثة من
اصحاب النبي (ص ):..1ـ علي بن ابي طالب (ع ).2ـ سلمة بن الاكوع .3ـ سبرة بن معبد الجهني .اما الرواية عن امير المؤمنين (ع ) فمفتعلة عليه بلا شك , لانه (ع ) كان من اشد الناقمين على عمر
فـي تـحـريمه المتعة , و لولا نهيه ما زنى الا شفى فكيف يؤنب على عمر امرا سبقه تحريم رسول
اللّه , لا سيما و روايته هوبذلك ؟ عـلـى ان الـرواي فـي ذلـك ـ حسب اسناد البخاري ((1487)) ـ هو سفيان بن عيينة المعروف
بالكذب و التدليس عن لسان الثقات ((1488)) .وكذا الرواية عن سلمة ايضا لا اصل لها, و انما هي فرية الصقوها بصحابي كبير و من ثم لم يورد
الـبـخـاري روايـة الـتـحـريـم عـنـه , بـل الـعـكس اورد عنه رواية الاباحة , رغم عقد الباب
للتحريم ((1489)) .فقد اسند عنه و جابر, قالا: كنا في جيش فاتانا رسول اللّه (ص ) فقال : انه قد اذن لكم ان تستمتعوا
فـاسـتمتعوا وايضا عنه قال : قال رسول اللّه (ص ) : ايما رجل وامراة توافقا فعشرة ما بينمها ثلاث
ليال , فان احبا ان يتزايدا اويتتاركا تتاركا.وهنا ياتي البخاري ليجتهد في الموضوع قائلا: قال ابو عبد اللّه : و بينه على عن النبي انه منسوخ و كذلك روى مسلم عن سلمة و جابرـ الى قوله ـ ((اذن لكم ان تستمتعوا)) فقال مسلم : يعني متعة
النسا ((1490)) .نـعم تفرد مسلم عن البخاري في اسناد حديث النهي الى سلمة , عن طريق فيه ضعف ,تركه البخاري
لذلك .روى مـسـلم عن ابي بكر بن ابي شيبة عن يونس بن محمد عن عبد الواحد ابن زيادعن ابي عميس
عـن ايـاس بـن سـلـمـة عـن ابيه قال : ((رخص رسول اللّه (ص ) عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثم
نهى عنها)) ((1491)) .وابو بكر بن ابي شيبة هذا, هو عبد الرحمان بن عبد الملك الحزامي ضعفه ابو بكر بن ابي داود, و
قـال ابـو احـمـدالـحـاكـم : لـيـس بالمتين عندهم و ابن حبان مع عده في الثقات وصفه بانه ربما
اخـطـا ((1492)) و فـي لـفـظ ابـن حـجـر: ربـماخالف قال : و لم يخرج عنه البخاري سوى
حديثين ((1493)) .