لـم يـسـلم الناقة الى النبي , و انكر البيع راسا, حتى جا علي (ع ) فقضى قضاه المبرم ((722)) و
ظاهر الصدوق اعتماده و قد عده الشيخ من اصحاب الامام الصادق (ع ) ((723)) .نعم ذكر ابو عمرو الكشي : ان محمد بن اسحاق , و محمد بن المنكدر, و عمرو بن خالد الواسطي ,
و عـبـد الملك بن جريج , و الحسين بن علوان الكلبي , هؤلا من رجال العامة , الا ان لهم ميلا و محبة
شديدة ((724)) بالنسبة لال البيت (ع ).قال المامقاني : لايبعد ان يكون بنا الكشي ـ على كونه عاميا ـ ناشئا من شدة تقيته , فان مثل ذلك كثير
في رجال الشيعة ((725)) .السادس ـ حسن ايضا ـ : طريق الضح اك بن مزاحم الهلالي الخراساني قال ابن شهر آشوب : اصله
مـن الكوفة , و كان من اصحاب السجاد ((726)) و قال ابن قتيبة : هو من بني عبد مناف بن هلال بن
عامر بن صعصعة , وكان معلما, اتى خراسان فاقام بها مات سنة (102) ((727)) .و ذكـره ابـن حبان في الثقات , و قال : لقى جماعة من التابعين , و لم يشافه احدا من الصحابة , و كان
معلم كتاب وقال عبد اللّه بن احمد عن ابيه : ثقة مامون و قال ابن معين و ابو زرعة : ثقة .قال ابوداود سلمة بن قتيبة عن شعبة : حدثني عبد الملك بن ميسرة , قال : لم يلق الضحاك ابن عباس ,
انما لقى سعيد بن جبير بالري فاخذ عنه التفسير ((728)) .قـال الـذهـبـي : الضحاك بن مزاحم البلخي المفسر, ابو القاسم , و كان يؤدب , فيقال : كان في مكتبه
ثلاثة آلاف صبي , و كان يطوف عليهم ((729)) .و نـقـل المامقاني عن ملحقات الصراح : انه كان يقيم ببلخ و بمرو, و ايضا ببخارا وسمرقند مدة , و
يعلم الصبيان احتسابا, و له التفسير الكبير و التفسير الصغير ((730)) .و عـده الـشـيـخ مـن اصـحـاب الامـام زيـن العابدين , قال : الضحاك بن مزاحم الخراساني , اصله
الكوفة ,تابعي ((731)) .و اسـتـظهر المامقاني من عبارة الشيخ هذه كونه اماميا, و لعله من جهة كونه من الكوفة مهد التشيع
آنذاك .نـعـم روى عـنه القمي (على بن ابراهيم بن هاشم ) في تفسيره , و قد تعهد في مقدمة التفسير ان لا
يـروي الا عن مشايخه الثقات ((732)) , فقد روى ـ عند تفسير سورة الناس ـ باسناده عن مقاتل
بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس ((733)) و قد جعل سيدنا الاستاذ الامام الخوئي
ـ عـافاه اللّه و اعاذه من شر الاعدا الظلمة الطغاة ـ تبعا للحر العاملي , ذلك دليلا على وثاقة كل من
وقع في اسناد هذاالكتاب ((734)) .و انـمـا غمزوا فيه جانب ارساله في الحديث , و لا سيما عن ابن عباس قال ابن حجر في التقريب :
صـدوق كثيرالارسال ((735)) قلت : لا ضير في الارسال بعد معلومية الواسطة , و كون الرجل
صدوقا كما ذكره ابن حجر بشان على بن ابي طلحة الهاشمي .اذن لا وجه لما ذكره السيوطي : ان طريق الضحاك الى ابن عباس منقطعة , فان الضحاك لم يلقه .و اضاف : فان انضم الى ذلك رواية بشر بن عمارة عن ابي روق عنه , فضعيفة لضعف بشر قال : و قد
اخرج من هذه النسخة ابن جرير و ابن ابي حاتم كثيرا قال : و ان كان من رواية جويبر عن الضحاك
فـاشـد ضـعـفا, لان جويبرا شديد الضعف متروك و لم يخرج ابن جرير و لا ابن ابي حاتم من هذا
الطريق شيئا, و انما اخرجها ابن مردويه و ابو الشيخ ابن حبان ((736)) .الـسابع : طريق صالح , هو طريق ابي الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الخراساني ,المروزي اصله
من بلخ و انتقل الى البصرة و دخل بغداد و حدث بها و كان مشهورا بتفسير كتاب اللّه العزيز, وله
التفسير المشهور قال ابن خلكان : اخذ الحديث عن مجاهد بن جبر و عطا بن ابي رباح و الضحاك و
غـيـرهـم ,و كـان مـن العلما الاجلا قال الامام الشافعي : الناس كلهم عيال على مقاتل بن سليمان في
التفسير ((737)) توفي سنة (150).قـال احـمـد بن سى ار: كان من اهل بلخ , و تحول الى مرو, و خرج الى العراق توفي بالبصرة سنة
(150).كان تفسيره موضع اعجاب العلما من اول يومه , غير انهم كانوا يتهمونه باشيا هو منها برا قال القاسم
بن احمد الصفار: قلت لابراهيم الحربي : ما بال الناس يطعنون على مقاتل ؟ قال : حسدا منهم له .فـعـن ابن المبارك ـ لما نظر الى شي من تفسيره ـ : يا له من علم , لو كان له اسناد عبد الملك , عنه قال : ارم به , و ما احسن تفسيره , لوكان ثقة قـال عـبد الرزاق : سمعت ابن عيينة يقول : قلت لمقاتل : تحدث عن الضحاك , و زعموا انك لم تسمع
مـنـه يبادله الحديث ساعات طوال ((738)) .و رمـاه ابـو حنيفة بالتشبيه و لكن لما ساله بعضهم عن ذلك , فقال : بلغني انك تشبه ؟ قال : انما اقول :
(قـل هـو اللّه احـد, اللّه الـصـمـد, لـم يـلـد و لم يولد و لم يكن له كفوا احد)فمن قال غير ذلك
فقدكذب ((739)) .و اخـرج الـخـطـيب عن القاسم بن احمد الصفار, قال : كان ابراهيم الحربي ياخذ مني كتب مقاتل ,
فـيـنـظر فيهافقلت له ذات يوم : اخبرني يا ابااسحاق , ما للناس يطعنون على مقاتل ؟ قال : حسدا منهم
لمقاتل , قال : و قال مقاتل :اغلق على و على الضحاك باب اربع سنين .قـال الـخـطيب : و كان له معرفة بتفسير القرآن , و لم يكن في الحديث بذاك و اخرج عن احمد بن
حـنبل , قال :كانت له كتب ينظر فيها, الا اني ارى انه كان له علم بالقرآن و عن يحيى بن شبل , قال :
قـال لـي عباد بن كثير: مايمنعك من مقاتل ؟ قال : قلت : ان اهل بلادنا كرهوه بـقي احد اعلم بكتاب اللّه منه و كان عند سفيان بن عيينة كتاب مقاتل , كان يستدل به و يستعين به و
قـال مـقاتل بن حيان ـ لما سئل انت اعلم ام مقاتل بن سليمان ـ : ما وجدت علم مقاتل في علم الناس الا
كـالبحر الاخضر (المحيط) في سائر البحور و عن بقية بن الوليد, قال : كنت كثيرا اسمع شعبة و
هو يسال عن مقاتل , فما سمعته قط ذكره الابخير.و مـن طريف ما يذكر عنه ـ و هو حال ببغداد ـ : ان ابا جعفر المنصور كان جالسا ذات يوم , و كان
ذبـاب قـد الـح عليه يقع على وجهه و الح في الوقوع مرارا حتى اضجره فارسل من يحضر مقاتل
بـن سليمان , فلما دخل عليه قال له : هل تعلم لماذا خلق اللّه الذباب ؟ قال : نعم , ليذل اللّه به الجبارين ,
فسكت المنصور ((740)) .نعم كان الرجل صريحا في لهجته , واسع العلم , بعيد النظر, شديدا في دينه , صلبافي عقيدته و فوق
ذلـك كان يميل مع مذهب اهل البيت , ذلك المنهج الذي انتهجه اشياخه من قبل , من المتاثرين بمدرسة
ابـن عـبـاس رضوان اللّه عليه , الامر الذي جعل من نفسه مرمى سهام الضعفا القاصرين , و كم له من
نظير.يـدلك على استقامة الرجل في المذهب , كما يدل على وثاقته و اعتماد الاصحاب عليه ايضا, ما رواه
ابـوجعفر الصدوق باسناده الصحيح الى الحسن بن محبوب ـ و هومن اصحاب الاجماع ـ عن مقاتل
بن سليمان عن الامام ابي عبد اللّه الصادق (ع ) ـ يرفعه الى رسول اللّه (ص )قال : قال : انا سيد النبيين
و وصيي سيد الوصيين و اوصياؤه سادة الاوصيا ـ ثم جعل يذكر الانبيا واوصياهم حتى انتهى الى
بردة , من اوصيا عيسى بن مريم (ع ) ـ قال : و دفعها (اي الوصاية ) الى بردة , و اناادفعها اليك يا على
ـ الى قوله ـ و لتكفرن بك الامة , و لتختلفن عليك اختلافا شديدا, الثابت عليك كالمقيم معي ,و الشاذ
عنك كالشاذ مني , و الشاذ منى في النار, والنار مثوى الكافرين ((741)) .هـذه الرواية ان دلت فانما تدل على كون الرجل من اخص الخواص لدى الامام (ع ) وقد عده الشيخ
ابوجعفرالطوسي , من اصحاب الباقر و الصادق (ع ) ((742)) .و له رواية اخرى , رواها الكليني باسناده الصحيح الى ابن محبوب عنه عن الصادق (ع ) ((743))
.و عده ابو عمرو الكشي من البترية (الزيدية ) ((744)) لكن يبعده ان عقيدته كانت امتدادا لعقيدة
ابن عباس .و بـعـد, فـلـعـلـك تـعرف السبب فيما ذكره السيوطي بشانه : الكلبي يفضل عليه , لما في مقاتل من
الـمـذاهـب الرديئة ((745)) اما الخليلي فقد انصف حيث قال : فمقاتل في نفسه ضعفوه , و قد ادرك
الكبار من التابعين و الشافعي اشار الى ان تفسيره صالح ((746)) .الـثـامـن ـ ايضا صالح ـ : طريق ابي الحسن عطيه بن سعد بن جنادة , العوفي الكوفي المتوفى سنة
(111) قـال الذهبي : تابعي شهير ((747)) , روى عن ابن عباس و عكرمة و زيد بن ارقم و ابي
سـعـيـدقال عطية : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات على وجه التفسير, و اما على وجه
القراة فقرات عليه سبعين مرة و عن ملحقات الصراح : ان له تفسيرا في خمسة اجزا ((748)) قال
ابـن عـدى : قـد روى عـن جماعة من الثقات , و هو مع ضعفه يكتب حديثه , و كان يعد مع شيعة اهل
الـكـوفة كتب الحجاج الى عامله محمد بن القاسم ان يعرضه على سب على (ع ) فان لم يفعل فاضربه
اربـعـمـائة سـوط و احـلق لحيته , فاستدعاه فابى ان يسب ,فامضى فيه حكم الحجاج ثم خرج الى
خراسان , فلم يزل بها حتى ولى عمر بن هبيرة العراق , فقدمها فلم يزل بها الى ان توفي سنة (111)
و قـال ابـن حجر: و كان ثقة ان شا اللّه , و له احاديث صالحة , قال : و من الناس من لا يحتج به و قال
ابن معين : صالح الحديث .قـال ابوبكر البزار: كان يعد في التشيع , و روى عنه جلة الناس و قال الساجي : ليس بحجة , و كان
يقدم علياعلى الكل ((749)) .قال السيوطي : و طريق العوفي عن ابن عباس , اخرج منها ابن جرير و ابن ابي حاتم كثيرا و العوفي
ضعيف ليس بواه و ربما حسن له الترمذي ((750)) .قـلـت : لا قدح فيه بعد ان كان منشا الغمز هو تشيعه لال بيت الرسول (ص ) و الدفاع عن حريمهم
الطاهر و من ثم فقد اعتمده القوم وراوا احاديثه صالحة و كان عندهم مرضيا.فقد ذكر ابوعبد اللّه الذهبي ـ في ترجمة ابان بن تغلب , بعد ان يصفه بانه شيعي جلد, لكنه صدوق ,
فـلنا صدقه وعليه بدعته , و قد وثقه ابن حنبل و ابن معين و ابوحاتم ـ : فلقائل ان يقول : كيف ساغ
توثيق مبتدع , و حد الثقة العدالة و الاتقان ؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة ؟ قـال : و جـوابـه , ان الـبـدعة على ضربين , فبدعة صغرى كغلو التشيع او كالتشيع بلا غلو و لا
تـحـرف , فـهذا كثير في التابعين و تابعيهم , مع الدين و الورع و الصدق فلو رد حديث هولا, لذهب
جملة من الاثار النبوية , و هذه مفسدة بينة ((751)) .قـال ابن حجر ـ بعد ان ذكر توثيق ابن عدى لابان بن تغلب قائلا: له نسخ عامتهامستقيمة , اذا روي
عـنه ثقة و هو من اهل الصدق في الروايات , و ان كان مذهبه مذهب الشيعة , و هو في الرواية صالح
لا بـاس بـه ـ قـال ابـن حـجـر: هـذا قـول مـنـصـف , و امـا الـجوزجاني فلاعبرة بحطه على
الكوفيين ((752)) .و ذكـر الـنجاشي ان عطية العوفي , روى عنه ابان بن تغلب , و خالد بن طهمان السلولي , و زياد بن
المنذر (ابو الجارود) ((753)) .قال المحدث القمي : عطية العوفي احد رجال العلم و الحديث يروي عنه الاعمش و غيره , و روي
عـنـه اخباركثيرة في فضائل امير المؤمنين (ع ), و هو الذي تشرف بزيارة الحسين (ع ) مع جابر
الانصاري يوم الاربعين ,الذي يعد من فضائله انه كان اول من زاره بعد شهادته قال : و يظهر من كتاب
بلاغات النسا انه سمع عبد اللّه الحسن يذكر خطبة فاطمة الزهرا(س ) في امر فدك ((754)) .و مـن مـواقـفـه الحاسمة دون بني هاشم , انه كان راس الفريق الذين انتدبهم ابو عبد الل ه الجدلي
مـبـعوث المختاربن ابي عبيدة الثقفي في اربعة آلاف لانقاذ بني هاشم ـ و فيهم محمد ابن الحنفية و
عـبـد اللّه بن عباس ـ من دورقد جمع عبد اللّه بن الزبير لهم حطبا ليحرقهم بالنار, ان لم يبايعوا,
فـدخـل عطية بن سعد بن جنادة العوفي مكة ,فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير, فانطلق هاربا حتى
دخـل دار الـنـدوة , و يقال : تعلق باستار الكعبة , و قال : اناعائذ اللّه فاقبل عطية فاخر الحطب عن
الابواب , و انقذهم في تفصيل ذكره محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات ((755)) .قال الدكتور شواخ : كان عطية شيعيا و عده الكلبي حجة في تفسير القرآن و هذا التفسير مروي ,
فـقـد نـقل الطبري من هذا التفسير نقولا استخدمها في (1560) موضعا من تفسيره بالسند التالي :
((حـدثـنـي محمد بن سعد,قال : حدثني ابي , قال : حدثني عمي الحسين بن الحسن عن ابيه عن جده
(عـطية بن سعد العوفي ) عن ابن عباس )) كما استخدم الطبري في تاريخة ايضا نقولا و شواهد من
هذا التفسير و قد استخدم الثعلبي السند السابق في كتابه ((الكشف و البيان )) و هذا التفسير يدخل
ضـمن الكتب التي حصل الخطيب البغدادي على حق روايتهامن اساتذته في دمشق , كما في مشيخته ,
و تاريخ التراث العربي (1/187ـ 188) ((756)) .و ذكر ابو جعفر محمد بن جرير الطبري ـ في المنتخب من ذيل المذيل ـ فيمن توفي سنة (111),
قـال : و منهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس و يكنى ابا الحسن قال ابن سعد: اخبرنا
سـعيد بن محمد بن الحسن بن عطية , قال : جا سعد بن جنادة الى على بن ابي طالب (ع ) و هو بالكوفة
فـقـال : يـا امـير المؤمنين , انه ولد لي غلام فسمه , فقال : هذا عطية اللّه , فسمي عطية و كانت امة
رومـيـة و خرج عطية مع ابن الاشعث هرب عطية الى فارس , و كتب الحجاج الى محمد بن القاسم
الـثـقفي ان ادع عطية فان لعن على بن ابي طالب (ع ) و الافاضربه اربعمائة سوط و احلق راسه و
لـحيته فدعاه و اقراه كتاب الحجاج , و ابى عطية ان يفعل , فضربه اربعمائة سوط و حلق راسه و
لـحـيـتـه فلما ولى قتيبة بن مسلم خراسان خرج اليه عطية , فلم يزل بخراسان حتى ولى عمر بن
هـبـيـرة الـعراق , فكتب اليه عطية يساله الاذن له في القدوم فاذن له , فقدم الكوفة فلم يزل بها الى
ان توفي سنة (111) و كان كثير الحديث ثقة ان شا اللّه ((757)) .الـتـاسـع ـ و هـو ايضا طريق صالح على الارجح ـ : طريق ابي النضر محمد بن السائب بن بشر
الكلبي الكوفي ,النسابة المفسر الشهير عن ابي صالح مولى ام هانئ , عن ابن عباس .و قـد وصـفـه الـسـيوطي بانه اوهى الطرق , و اضاف : فان انضم الى ذلك رواية محمد بن مروان
الـسـدي الـصـغـيـر,فـهـي سـلـسـلـة الكذب قال : و كثيرا ما يخرج منها الثعلبي ((758)) و
الواحدي ((759)) .ثم استدرك ذلك بقوله : لكن قال ابن عدى في الكامل : للكلبي احاديث صالحة , وخاصة عن ابي صالح , و
اخيرا قال : و هو ـ الكلبي ـ معروف بالتفسير, و ليس لاحد تفسير اطول و لا اشبع منه ((760)) .قال ابن خلكان : صاحب التفسير و علم النسب , كان اماما في هذين العلمين ((761)) .قال ابن سعد: كان محمد بن السائب عالما بالتفسير و انساب العرب و احاديثهم , وتوفي بالكوفة سنة
(146) في خلافة ابي جعفر المنصور ((762)) .و كـان يتشيع عن ارث تليد, و ليس طارفا قال ابن سعد: و كان جده بشر بن عمرو و بنوه : السائب
و عبيد و عبدالرحمان , شهدوا الجمل مع على بن ابي طالب (ع ) ((763)) .و لـلكليني شهادة راقية بشان الكلبي , يذكر قصة استبصاره , ثم يعقبها بقوله :((فلم يزل الكلبي يدين
اللّه بحب آل هذا البيت حتى مات )) ((764)) .و مـن ثـم رموه بالضعف تارة و بالابتداع اخرى , و مع ذلك فلم يجدوا بدا من الانصياع لمقام علمه
الـرفـيـع , و ان يـلـمـسـوا اعـتابه بكل خضوع و بخوع فقد اعتمده الائمة و جهابذة التفسير و
الحديث ((765)) .اما ما الصقوه به من الغلو في التشيع فلا اساس له , و انما وضعوه عليه قصدا لتشويه سمعته , بعد ان
لـم يـكـن رمـيه بمجرد التشيع قدحا فيه فعن المحاربي قال : قيل لزائدة بن قدامة : ثلاثة لا تروي
عـنهم , ابن ابي ليلى , و جابرالجعفي , و الكلبي ؟ قال : اما ابن ابي ليلى فلست اذكره , و اما جابر فكان
يؤمن بالرجعة ((766)) , و اما الكلبي ـ وكنت اختلف اليه ـ فسمعته يقول : مرضت مرضة فنسيت ما
كنت احفظ, فاتيت آل محمد, فتفلوا في في فحفظت ما كنت نسيت ((767)) و عن ابي
عوانة : سمعت الكلبي بشي , من تكلم به كفر قال الاصمعي :فراجعت الكلبي و سالته عن ذلك , فجحده
قال الساجي : كان ضعيفا جدا, لفرطه في التشيع ((768)) .هـذا, و لـكـن ابـن عدى قال بشانه : له غير ذلك (الذي رموه بالغلو) احاديث صالحة , وخاصة عن
ابي صالح , و هو معروف بالتفسير, و ليس لاحد اطول من تفسيره قال : و حدث عنه ثقات من الناس و
رضوه في التفسير ((769)) .و لابي حاتم ـ هنا ـ كلام غريب , ننقله بلفظه :.قـال : يـروي الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس التفسير, و ابوصالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه
شـيـئا, و لا سـمـع الـكـلـبـي من ابي صالح الا الحرف بعد الحرف , فجعل لما احتيج له , تخرج له
الارض افلاذ كبدها قـال : لا يـحـل ذكـره فـي الكتب , فكيف الاحتجاج به كلامه ((770)) و محال ان يامر اللّه نبيه ان يبين لخلقه مراده و يفسره لهم , ثم لا يفعل , بل ابان عن
مـراد اللّه و فـسر لامته ما يهم الحاجة اليه , و هو سننه (ص ) فمن تت بع السنن , حفظها و احكمها,
فقد عرف تفسير كلام اللّه , و اغناه عن الكلبي وذويه .قـال : و مـا لـم يبينه من معاني الاي , و جاز له ذلك , كان لمن بعده من امته اجوز و ترك التفسير لما
تـركـه رسـول اللّه (ص ) احـرى و مـن اعـظم الدليل على ان اللّه لم يرد تفسير القرآن كله , ان
الـنـبى (ص ) ترك من الكتاب متشابها من الاي , و آيات ليس فيها احكام , فلم يبين كيفيتها لامته , فدل
ذلك على ان المراد من قوله : (لتبين للناس ما نزل اليهم ) كان بعض القرآن لا كله ((771)) .قـلت : هذا كلام ناشئ عن عصبية عميا كيف يجرا مسلم متعهد ان ينسب الى رسول اللّه (ص ) انه لم
يفسرلامته جميع ما ابهم في القرآن ابهاما, و قد امره تعالى بذلك : و قد اثبتنا فيما قبل ان النبى (ص )
بين الجميع اما في ايجاز او تفصيل , و لم يترك شيئا تحتاج اليه امته ـ و منها فهم معاني القرآن كله ـ
لم يبينه لهم , انما عليه البيان كما كان عليه البلاغ .امـا تـوسـع الكلبي في التفسير فامر معقول , بعد كونه ناجما عن توسعه في العلم , و تربيته في مهد
العلم كوفة العلما الاعلام من صحابة الرسول الاخيار و هذا لا يعد عيبا في الرجل .و لا عيب فيهم غير ان سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب .و تفسير الكلبي هذا لا يزال موجودا منعما بالحياة , و قد استقصى الدكتور شواخ نسخه المخطوطة
في المكتبات اليوم , منذ نسخته التي كتبت سنة (144) ه حتى القرن (12) ((772)) .و اما ابوصالح ـ و يقال له : باذام او باذان , مولى ام هانئ بنت ابي طالب ـ فقد روى عن علي (ع ) و ابن
عـبـاس و مـولاتـه ام هانئ , و روى عنه الاجلا كالاعمش و السدي الكبير و الكلبي و الثوري و
غيرهم .قال على بن المديني عن يحيى القطان : لم ار احدا من اصحابنا تركه , و ما سمعت احدا من الناس يقول
فيه شيئا.قـال ابـن حـجر: و ثقه العجلي وحده قال : و لما قال عبد الحق ـ في الاحكام ـ : ان ابا صالح ضعيف
جـدا, انـكرعليه ابو الحسن ابن القطان في كتابه ((773)) و قال ابن معين : ليس به باس و قال ابن
عدى : عامة ما يرويه تفسير ((774)) .قلت : ما وجه تضعيفه الا ما ضعف به نظراؤه ممن حام حول هذا البيت الرفيع , اذ من الطبيعي ان مولى
ام هـانـئ اخـت الامـام امـيـر الـمؤمنين , و قد كانت كاخيها الامام موضع عناية النبى (ص ) من اول
يومها ((775)) , و كانت ذات علاقة باخيها امير المؤمنين (ع ) تخلص له الولا, فلايكون مولاها ـ
و هو تحت تربيتها ـ بالذي يختار غيرسبيلها المستقيم , فلا غرو اذن ممن لا يعرف ولا لهذا البيت
ان يتهم الموالين لهم , و اقله الرمي بالضعف هـذا الجوزجاني يقول : كان يقال له : ذو راي غير محمود ((776)) نعم غير محمود عندهم ,و لا
كان مرضيا لديهم , مادام لم ينخرط في زمرتهم من ذوي الراي العام .و بـعد, فقد تفرد ابن حبان بان اباصالح باذان لم يسمع عن ابن عباس كيف لم يسمع منه و هو معه في
زمرة على مع سائر اوليائه الكرام قـال ابـن سـعـد: ابـوصالح , و اسمه باذام , و يقال : باذان , مولى ام هانئ بنت ابي طالب ,و هو صاحب
الـتفسير الذي رواه عن ابن عباس , و رواه عنه الكلبي محمد ابن السائب , و ايضا سماك بن حرب و
اسماعيل بن ابي خالد ((777)) .و امـا مـحـمـد بن مروان بن عبد اللّه الكوفي , السدي الصغير, فقد روى عن جماعة من اهل العلم
كالاعمش ويحيى بن سعيد الانصاري و محمد بن السائب الكلبي و اضرابهم و روى عنه الكثير من
الاعـلام كـالاصمعي وهشام بن عبيد اللّه الرازي و يوسف بن عدى و امثالهم مما ينبؤك عن موضع
الرجل , و انه موضع الثقة من ائمة الحديث .و قـد ضـعفه كثير من اصحاب التراجم ((778)) على ديدنهم في التحامل على الكوفيين , على ما
اسـلفنا, سوى ان محمد بن اسماعيل البخاري لم يضعفه صريحا, اذ لم يجد الى ذلك سبيلا, و اكتفى
بـان لا يـكـتـب حـديـثه قال :محمد بن مروان الكوفي , صاحب الكلبي , سكتوا عنه , لا يكتب حديثه
البتة ((779)) و قال النسائي : متروك الحديث ((780)) .و قـد عـده ابـن شهر آشوب من اصحاب الامام محمد بن علي الباقر(ع ), قال : و محمد بن مروان
الـكـوفـي , مـن ولـدابـي الاسـود ((781)) , و لـعـله من جهة البنت و كذا عده الشيخ من رجال
الـبـاقـر(ع ) ((782)) , لـكن وصفه بالكلبي نسبة الى شيخه محمد بن السائب و في الكشي ـ في
تـرجمة معروف بن خربوذ ـ رواية عن محمد بن مروان ـ ولعله السدي ـ تدل على ملازمته للامام
الـصـادق (ع ) عـنـد مـا كـان يـقـدم عـلـيـه الـمـدينة , او عند ما كان الامام مبعدا الى الحيرة في
العراق ((783)) .و اما التفسير الذي يحمل عنوان ((تفسير ابن عباس )) باسم ((تنوير المقباس )) ((784)) , فقد
ذكـروا انـه من جمع الفيروزآبادي صاحب القاموس , لكنه بنفس الاسناد الذي وصفه السيوطي بانه
سلسلة الكذب حسب تعبيره .و اليك بعض الكلام عنه :.
تفسير ابن عباس
هـنـاك تـفاسير منسوبة الى ابن عباس , منها: ما رواه مجاهد بن جبر ذكره ابن النديم في الفهرست بروايتين :احداهما عن طريق حميد بن قيس , و الاخرى عن طريق ابي نجيح يسار الثقفي الكوفي ,تـوفـي سـنـة (131)يـرويـه عـنـه ابـنه ابويسار عبد اللّه بن ابي نجيح , و عنه ورقا بن عمر
اليشكري ((785)) .و هـذا الـطريق صححته الائمة و اعتمده ارباب الحديث و قد طبع اخيرا باهتمام مجمع البحوث
الاسلامية بباكستان سنة (1367)ه ق ((786)) , و قد مر شرحه في ترجمة مجاهد.الـثـانـي : تـفسير ابن عباس عن الصحابة , لابي احمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفى سنة
(332) و هـذا ذكره ابو العباس النجاشي , قال : الجلودي الازدي البصري ابو احمد شيخ البصرة
واخباريها, و كان من اصحاب ابي جعفر الباقر(ع ) و جلود: قرية في البحر, و قيل : بطن من الازد
قـال : و له كتب ذكرها الناس ـ وعدها اكثر من سبعين كتابا ـ و ذكر منها الكتب المتعلقة بابن عباس
مسندة عنه , منها: كتاب التنزيل عنه , و كتاب التفسير عنه , و كتاب تفسيره عن الصحابة ((787))
.الـثـالث : تفسير ابن عباس الموسوم ب ((تنوير المقباس )) من تفسير عبد اللّه بن عباس , في اربعة
اجـزا, من تاليف محمد بن يعقوب الفيروزآبادي صاحب القاموس (729 ـ 817) ((788)) و قد
طبع مكررا, و في هامش الدرالمنثور ايضا.والسند في اوله هكذا: اخبرنا عبد اللّه ـ الثقة ـ ابن المامون الهروي , قال : اخبرنا ابي , قال : اخبرنا
ابو عبد اللّه ,قال : اخبرنا ابوعبيد اللّه محمود بن محمد الرازي , قال : اخبرنا عمار بن عبد المجيد
الـهروي , قال : اخبرنا على بن اسحاق السمرقندي , عن محمد بن مروان , عن الكلبي , عن ابي صالح ,
عن ابن عباس ((789)) .غـيـر ان عـلـى بـن اسـحـاق بـن ابـراهـيم الحنظلي السمرقندي , قال ابن حجر: مات في شوال
سـنـة (237) ((790)) و امـامـحمد بن مروان السدي الصغير, فقد توفي سنة (186) و عليه
فيكون تحمله عنه في حال الصغرجدا ((791)) .و سـائر رجـال الـسـند مجهولون , كما لم يات تصريح باسم الجامع الذي يقول : ((اخبرناعبد اللّه
الـثـقـة )), هـل هـو الـفـيـروزآبـادي صاحب القاموس ام غيره ؟ و انما ذكره الحلبي في كشف
الظنون ((792)) وسار خلفه (سائر اصحاب التراجم ).و عـلـى اى تقدير فان هذا التفسير الموجود يعتبر مجهول السند و مجهول النسبة الى مؤلف خاص ,
فضلا عن مثل ابن عباس .هذا و لا سيما بعد ملاحظة متن التفسير, حيث لا يعدو ترجمة الفاظ القرآن ترجمة غيرمستندة و
مختصرة الى حد بعيد, مما يبعد كونه من تفسير حبر الامة و ترجمان القرآن .عـلى ان للكلبي , و كذا للسدي الصغير, تفسير جامع و موضع اعتبار لدى الائمة على ما اسلفنا, فلو
كانا هماالراويين لهذا التفسير لكان فيه شي من آثارهما, و على تلك المرتبة من الجلالة و الشان .كما ان الماثور من ابن عباس , على ما جمعه الطبري و غيره , لا يشبه شيئا من محتوى هذا التفسير
الـسـاذج جـدا,مثلا يقول : عن ابن عباس في قوله تعالى : (يا ايها الناس ) عام و قديكون خاصا (اتقوا
ربكم ) اطيعواربكم (الذي خلقكم ) بالتناسل ((793)) و هلم جرا.و الـذي يـبدو لنا من مراجعة هذا التفسير ان جامعه عمد الى تفسير القرآن تفسيرا ساذجا في حد
تـرجـمة بسيطة ,تسهيلا على عموم المراجعين , و هذا امر مطلوب و مرغوب فيه شرعا و لكنه
صدر كل سورة برواية عن ابن عباس , تيمنا و تبركا باسم ترجمان القرآن و لم يقصد ان كل ما ورد
فـي تـفسير السورة من تفسيره بالذات , الامرالذي اشتبه على الاكثر, فزعموه تفسيرا مستندا الى
ابن عباس في الجميع و هذا وهم اوهمه ظاهر التعبير,فليتنبه .
قيمة تفسير الصحابي
مـمـا يـجـدر الـتنبه له ان الدور الاول على عهد الرسالة , كان دور تربية و تعليم , و لا سيما بعد الـهـجـرة الـى الـمدينة ,كان النبى (ص ) قد ركز جل حياته على تربية اصحابه الاجلا و تعليمهمالاداب و الـمـعـارف , و الـسـنـن و الاحـكـام و لـيـجـعـل مـنـهم امة وسطا ليكونوا شهدا على
الناس ((794)) , فقد جا(ص ) ل (يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا
من قبل لفي ضلال مبين ) ((795)) .و لا شك انه (ص ) فعل ما كان من شانه ان يفعل و ربى من اصحابه ثلة من علما ورثوا علمه و حملوا
حكمته الى الملا من الناس .و اذا كـان الـقـرآن (تـبـيـانـا لـكل شى و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين ) ((796)) , و قد
بـلـغه النبى (ص ) الى الناس , فقد بين معالمه و ارشدهم الى معاني حكمه و معاني آياته , اذ كان عليه
الـبـيـان كـمـا كـان عـلـيـه الـبـلاغ (و انـزلـنـا الـيك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم و لعلهم
يتفكرون ) ((797)) .و هـل كـان دور النبى (ص ) في امته , و في اصحابه الخلص بالخصوص , سوى دور معلم و مرشد
حـكـيـم ؟ فـلقدكان (ص ) حريصا على تربيتهم و تعليمهم في جميع ابعاد الشريعة , و بيان مفاهيم
الاسلام .هذا من جهة , و من جهة اخرى , فان من صحابته الاخيار ـ ممن رضي اللّه عنهم و رضوا عنه ـ من
كان على وفرة من الذكا, طالبا مجدا في طلب العلم و الحكمة و الرشاد, مولعا بالسؤال و الازدياد من
معارف الاسلام , و كانواكثرة من ذوي النباهة و الفطنة و الاستعداد (رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه
عليه ) ((798)) , و استقاموا على الطريقة , فسقاهم ربهم (ما غدقا) ((799)) .و قد عرفت كلام ابن مسعود: ((كان الرجل منا اذا تعلم عشر آيات , لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن
و العمل بهن )) ((800)) .و هو اقدم نص تاريخي يدلنا على مبلغ اهتمام الصحابة بمعرفة معاني القرآن و اجتهادهم في العمل
باحكامه .و هذا الامام امير المؤمنين (ع ) يقول ـ بشان ماكان يصدر منه من عجائب احكام و غرائب اخبار ـ :
((و انـمـا هـوتعلم من ذي علم , علم علمه اللّه نبيه فعلمنيه , و دعا لي بان يعيه صدري , و تضطم
عليه جوانحي )) ((801)) .و هذا ابن عباس ـ تلميذه الموفق ـ كان من احرص الناس على تعلم العلم و معرفة الاحكام و الحلال
و الـحـرام مـن شـريـعة الاسلام و كان قد تدارك ـ لشدة حرصه في طلب العلم ـ ما فاته ايام حياة
النبى (ص ) لصغره ((802)) بمراجعة العلما من صحابته الكبار بعد وفاته (ص ), و قد كان النبي قد
دعا له : ((اللهم علمه التاويل وفقهه في الدين , و اجعله من اهل الايمان )) ((803)) .روى الحاكم في المستدرك بشان حرصه على طلب العلم : انه بعد وفاة الرسول (ص ) قال لرجل من
الانـصـار: هلم , فلنطلب العلم , فان اصحاب رسول اللّه (ص ) احيا فقال : عجبا لك ياابن عباس , ترى
الـناس يحتاجون اليك , و في الناس من اصحاب رسول اللّه من فيهم فاقبل ابن عباس يطلب العلم , قال :
ان كـان الـحـديـث لـيـبـلغني عن الرجل من اصحاب رسول اللّه (ص ) قد سمعه منه , فتيه فاجلس
بـبـابـه ,فتسفي الريح على وجهي , فيخرج الى فيقول : يا ابن عم رسول اللّه , ما جا بك , ما حاجتك ؟
فـاقـول : حـديـث بـلـغـني عنك ترويه عن رسول اللّه , فيقول : الا ارسلت الي ؟ آتيك ((804)) .و من ثم كان يسمى ((البحر)) لكثرة علمه و عن مجاهد: هو حبر الامة و عن ابن الحنفية : رباني
هذه الامة ((805)) ,الى غيرها من تعابير تنم عن مدى رفعته في درجات العلم .و قـد كـان يجلس للتفسير فيقع موضع اعجاب قال ابو وائل : حججت انا و صاحب لي , و ابن عباس
على الحج ,فجعل يقرا سورة النور و يفسرها فقال صاحبي : يا سبحان اللّه , ماذا يخرج من راس هذا
الـرجل , لو سمعت هذاالترك لاسلمت و في رواية عن شقيق : ما رايت و لا سمعت كلام رجل مثله ,
لـو سـمـعـتـه فـارس و الـروم لاسـلـمـت وقـال عـبد اللّه بن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن
عباس ((806)) .و اسلفنا حديث مسروق بن الاجدع : وجدت اصحاب محمد(ص ) كالاخاذ, فالاخاذة تكفي الراكب ,
و الاخـاذة تـكفي الراكبين , و الاخاذة تكفي الفئام من الناس و في لفظ آخر: لو نزل به اهل الارض
لاصدرهم ((807)) .كـنـايـة عـن انهم كانوا على درجات من العلم , كانوا يصدرون الناس عن روى كان مستقاه و مادته
الاولـى , هـو الـنـبـي الاكرم (ص ) هو رباهم و ادبهم فاحسن تاديبهم , و ان كانوا هم على تفاوت
في استعداد الاخذ و التلقي (انزل من السما ما فسالت اودية بقدرها) ((808)) .و بـعـد, فـاذ كـانت تلك حالة العلما من اصحاب رسول اللّه (ص ) لا يصدرون الناس الا عن مصدر
الـوحـي الامين ,و لا ينطقون الا عن لسانه الناطق بالحق المبين , فكيف ياترى مبلغ اعتبار ما يصدر
عن ثلة , هم حملة علم الرسول , و الحفظة على شريعته الامنا؟ نعم كان الشرط في الحجية و الاعتبار اولا: صحة الاسناد اليهم , و ثانيا: كونهم من الطراز الاعلى
و اذ قـد ثبت الشرطان , فلا محيص عن جواز الاخذ و صحة الاعتماد, و هذا لا شك فيه بعد الذي
نوهنا.انـمـا الـكلام في اعتبار ذلك حديثا مسندا و مرفوعا الى النبى (ص ), بالنظر الى كونه الاصل في
تربيتهم و تعليمهم ,او انه استنباط منهم , لمكان علمهم و سعة اطلاعهم فربما اخطاوا في الاجتهاد,
و ان كانت اصابتهم في الراي ارجح في النظر الصحيح .الامر الذي فصل القوم فيه , بين ما اذا كان للراي و النظر مدخل فيه , فهذا موقوف على الصحابي , لا
يـصـح اسناده الى النبى (ص ) و ما اذا لم يكن كذلك , مما لا سبيل الى العلم به الا عن طريق الوحي ,
فـهو حديث مرفوع الى النبى (ص ) لا محالة , و ذلك لموضع عدالة الصحابي و وثاقته في الدين فلا
يخبر عما لا طريق للحس اليه , الااذا كان قد اخبره ذو علم عليم صادق امين .و اليك بعض ما ذكره القوم بهذا الشان :.قـال الـعـلامـة الـطـبـاطـبـائي ـ عـنـد تفسير قوله تعالى : (و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما
نزل اليهم ) ((809)) ـ:.و فـي الايـة دلالة على حجية قول النبى (ص ) في بيان الايات القرآنية , و يلحق به بيان اهل بيته ,
لـحـديـث الـثـقلين المتواتر و غيره و اما سائر الامة من الصحابة او التابعين او العلما, فلا حجية
لبيانهم , لعدم شمول الاية و عدم نص معتمد عليه , يعطي حجية بيانهم على الاطلاق .قـال : هذا كله في نفس بيانهم المتلقى بالمشافهة و اما الخبر الحاكي له , فما كان منه بيانا متواترا او
مـحـفـوفا بقرينة قطعية و ما يلحق به , فهو حجة لكونه بيانهم و اما ما لم يكن متواترا و لا محفوفا
بالقرينة , فلا حجية فيه , لعدم احراز كونه بيانا لهم .قـال : و امـا قـولـه تعالى : (فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) ((810)) فانه ارشاد الى حكم
العقلابرجوع الجاهل الى العالم , من غير اختصاص بطائفة دون اخرى ((811)) .
هل الماثور من الصحابي حديث مسند؟
قـال الحاكم النيسابوري : ليعلم طالب هذا العلم ان تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل , عند الـشـيـخـين , حديث مسند, اي اذا انتهت سلسلة الرواية الى صحابي جليل , فان ذلك يكفي في اسنادالحديث الى رسول اللّه (ص ) و ان كان الصحابي لم يسنده اليه .ذكـر ذلك في موضعين من مستدركه ((812)) , و هو عام سوا اكان ذلك مما لا طريق الى معرفته
سـوى الـوحي ام لم يكن كذلك , و كان مما يمكن ان يراه الصحابي او شاهده بنفسه و من ثم كان هذا
الـكـلام عـلـى عـمومه و اطلاقه محل اشكال , لذلك رجع عنه في كتابه الذي وصفه لمعرفة علوم
الحديث .قـال هـناك : ان من الحديث ما يكون موقوفا على الصحابي , غير مرفوع الى النبى (ص ), كما اذا قال
الـصحابي : رايت رسول اللّه (ص ) يفعل كذا او يامر بكذا, او ان اصحابه كانوا يصنعون كذا, مثل ما
روي عـن الـمـغـيـرة بـن شعبة , قال : كان اصحاب رسول اللّه (ص ) يقرعون بابه بالاظافير قال
الـحـاكم :هذا حديث يتوهمه من ليس من اهل الصنعة مسندا, لذكر رسول اللّه (ص ), و ليس بمسند
فـانـه موقوف على صحابي , حكى عن اقرانه من الصحابة فعلا و هكذا اذا قال الصحابي : انه (ص )
كان يقول كذا, و كان يفعل كذا, وكان يامر بكذا و كذا.قـال : و مـن الـمـوقـوف مـا رويـنـاه عـن ابـي هـريـرة , فـي قـول اللّه ـ عز و جل ـ (لواحة
للبشر) ((813)) قال : تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة , فلا تترك لحما على عظم الا وضعت
على العراقيب .قال : و اشباه هذا من الموقوفات , تعد في تفسير الصحابة ((814)) .قـال : فـاما ما نقول في تفسير الصحابي , مسند, فانما نقوله في غير هذا النوع , كما في حديث جابر,
قـال : كـانـت الـيـهود تقول : من اتى امراته من دبرها في قبلها جا الولداحول , فانزل اللّه عز و جل
(نساوكم حرث لكم ) ((815)) قال : هذا الحديث و اشباهه مسندة عن آخرها, وليست بموقوفة ,
فـان الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل , فاخبر عن آية من القرآن انها نزلت في كذا و كذا,فانه
حديث مسند ((816)) .و هكذا قيد ابن الصلاح و النووي و غيرهما ذاك الاطلاق بما لا يرجع الى معرفة اسباب النزول
الـمشاهدة , ونحو ذلك مما يمكن معرفته للصحابة بالمشاهدة و العيان نعم اذا كان مما لا مجال للراي
فيه , مما يعود الى ماورا الحس من قبيل امر الاخرة و نحو ذلك , فان مثل ذلك حديث مسند, مرفوع
الـى الـنبى (ص ) نظرا لموضع عدالة الصحابة , و تنزيهه عن القول على اللّه بغير علم , و لا مستند
الى ركن وثيق .قـال الـنـووي ـ في التقريب ـ : و اما قول من قال : تفسير الصحابي مرفوع , فذاك في تفسير يتعلق
بسبب نزول آية او نحوه , و غير موقوف .قال السيوطي ـ في شرحه ـ : كقول جابر: كانت اليهود تقول : من اتى امراته من دبرهافي قبلها, جا
الـولد احول , فانزل اللّه تعالى : (نساؤكم حرث لكم ) رواه مسلم , او نحوه مما لا يمكن ان يؤخذ الا
عن النبى (ص ), و لا مدخل للراي فيه .قال : و كذا يقال في التابعي , الا ان المرفوع من جهته مرسل .قـال : ما خصص به المصنف كابن الصلاح و من تبعهما قول الحاكم , قد صرح به الحاكم في ((علوم
الحديث )), ثم ذكر حديث ابي هريرة في قوله تعالى : (لواحة للبشر) فالحاكم اطلق في المستدرك
و خصص في علوم الحديث , فاعتمد الناس تخصيصه و اظن ان ما حمله في المستدرك على التعميم
الـحرص على جمع الصحيح ,حتى اورد ما ليس من شروط المرفوع , و الا ففيه من الضرب الاول
الـجم الغفير على اني اقول : ليس ما ذكره عن ابي هريرة من الموقوف , لما تقدم من ان ما يتعلق بذكر
الاخرة و ما لا مدخل للراي فيه , من قبيل المرفوع ((817)) .