مناكير نقمت عليه ووصفه الذهبي بانه صدوق , يغرب ((1494)) .وهـكـذا حـديـث سـبـرة الـجـهـنـي , لـم يـروه عـنـه سـوى ابنه الربيع , و من ثم لم يخرجه
الـبخاري , ((1495)) و انما اخرجه مسلم باسناده الى عبد الملك بن الربيع بن سبرة , عن ابيه عن
جـده قـال : امـرنـا رسـول اللّه (ص ) بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة , ثم لم نخرج منها حتى نهانا
عنها ((1496)) .كـمـا لـم يـخـرج مـسـلـم للربيع عن ابيه حديثا غيرحديث المتعة , و لم يات ذكره في غير هذا
الباب ((1497)) .الامر الذي يثير الريب بشان الربيع , و حديثه ذلك عن ابيه حديثا لم يروه عنه غيره اطلاقا؟ قال ابن قيم الجوزي ـ بعد تقسيمه للناس الى طائفتين بشان حديث المتعة , طائفة تقول : ان عمر هو
الذي حرمها و نهى عنهاـ قال : و لم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة ,
فـانـه مـن روايـة عبدالملك بن الربيع بن سبرة عن ابيه عن جده و قد تكلم فيه ابن معين , و لم ير
البخاري اخراج حديثه في صحيحه , مع شدة الحاجة اليه و كونه اصلا من اصول الاسلام , و لو صح
عنده لم يصبر عن اخراجه و الاحتجاج به ((1498)) .قـال ابـن حبان ـ في ترجمة عبد الملك هذا ـ : منكر الحديث جدا, يروي عن ابيه ما لم يتابع عليه
قال : و سئل يحيى بن معين عن احاديث عبد الملك عن ابيه عن جده , فقال : ضعاف ((1499)) .هذه حالة الاحاديث المزرية , و التي استندها القوم دليلا على التحريم فتدبر و اقض ما انت قاض .
محاورة مفيدة
و يتناسب هنا ان ننقل محاورة وقعت بين الشيخ ابي عبد اللّه المفيد, و شيخ من الاسماعيلية كان على مذهب الجماعة يعرف بابن لؤلؤ قال المفيد: حضرت دار بعض قواد الدولة , و كان بالحضرة شيخ منالاسماعيلية ,فسالني : ما الدليل على اباحة المتعة ؟.فـقـلت له : الدليل على ذلك قول اللّه عز و جل : (واحل لكم ماورا ذلكم ان تبتغوا باموالكم محصنين
غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن فريضة و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من
بعد الفريضة ان اللّه كان عليما حكيما) ((1500)) .فـاحـل جـل اسـمه نكاح المتعة بصريح لفظها, و بذكر اوصافها من الاجر عليها, و التراضي بعد
الفرض له , من الازدياد في الاجل و زيادة الاجر فيها.فـقـال : مـا انـكـرت ان تـكـون هـذه الايـة مـنسوخة بقوله : (و الذين هم لفروجهم حافظون الا
عـلـى ازواجـهـم او مـا مـلـكـت ايـمـانـهـم فـانـهـم غـير ملومين فمن ابتغى ورا ذلك فاولئك
هم العادون ) ((1501)) فحظر اللّه تعالى النكاح الا لزوجة او ملك يمين و اذا لم تكن المتعة زوجة
و لا ملك يمين , فقدسقط من احلها.فقلت له : قد اخطات في هذه المعارضة من وجهين :.احـدهما: انك ادعيت ان المستمتع بها ليست بزوجة , و مخالفك يدفعك عن ذلك , و يثبتها زوجة في
الحقيقة .والـثـانـي : ان سورة المؤمنون مكية , و سورة النسا مدنية , و المكي متقدم على المدني , فكيف يكون
ناسخا له وهو متاخر عنه , و هذه غفلة شديدة فقال : لو كانت المتعة زوجة لكانت ترث , و يقع بها الطلاق .فقلت له : و هذا ايضا غلط منك في الديانة , و ذلك ان الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بهاالطلاق من
حيث كانت زوجة فقط, و انما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية ((1502)) .والـدلـيل على ذلك ان الامة اذا كانت زوجة لم ترث و لم تورث ((1503)) و القاتلة لا ترث , و
الـذمـيـة لا تـرث و الامـة الـمـبـيـعة تبين بغير طلاق ((1504)) و الملاعنة ايضا تبين بغير
طـلاق ((1505)) و كـذلك المختلعة ((1506)) و المرتد عنهازوجها ((1507)) و المرضعة
قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الام , و الزوجة تبين بغيرطلاق ((1508)) .و كل ما عددناه زوجات في الحقيقة , فبطل ما توهمت فلم يات بشي .فـقـال صاحب الدارـ و هو رجل اعجمي , لا معرفة له بالفقه و انما يعرف الظواهرـ : انااسالك في
هذا الباب عن مسالة : هل تزوج رسول اللّه (ص ) متعة , او تزوج امير المؤمنين ؟ فلو كان في المتعة
ماتركاها فـقـلـت لـه : لـيـس كل ما لم يفعله رسول (ص ) كان محرما و ذلك ان رسول اللّه و الائمة (ع ) لم
يـتـزوجـوا الاما و لانكحوا الكتابيات و لا خالعوا و لم يفعلوا كثيرا من اشيا كانت مباحة و بعد ان
تبادلت مسائل من هذا القبيل ,قال الشيخ المفيد:.فـقـلـت لـه : ان امرنا مع هؤلا المتفقهة عجيب , و ذلك انهم مطبقون على تبديعنا في نكاح المتعة مع
اجـماعهم على ان رسول اللّه (ص ) قد كان اذن فيها, و انها عملت على عهده , و مع ظاهر الكتاب و
اجـمـاع آل مـحمد(ع ) على اباحتها, و الاتفاق على ان عمر حرمها في ايامه , مع اقراره بانها كانت
حلالا على عهد رسول اللّه (ص ).فلو كنا على ضلالة فيها لكنا في ذلك على شبهة , تمنع ما يعتقده المخالف فينا من الضلال و البراة منا
و فـيمن خالفنا من يقول في النكاح و غيره بضد القرآن و خلاف الاجماع و المنكر في الطباع ـ ثم
جـعـل يـعدد مواردمنها ((1509)) ـ ثم قال : و هم يتولى بعضهم بعضا و ليس ذلك الا لاختصاص
قولنا بل محمد(ع ) ((1510)) .ب ـ متعة الحج .تـنـقـسـم فريضة الحج الى تمتع و قران و افراد و الاول فرض من ناى عن مكة , و لم يكن اهله
حـاضري المسجدالحرام فيهل بالعمرة الى الحج , فاذا طاف و سعى قصر و خرج عن احرامه حتى
اذا كـان يوم التروية اهل بالحج و ذهب الى عرفات و كان له بين تحلله و احرامه هذا ان يتمتع بما
كان قد حرم عليه لاجل احرامه و من ذلك جات هذه التسمية .و لا زال يـعـمـل بـها المسلمون على مختلف مذاهبهم جريا مع نص الكتاب و سنة الرسول و عمل
الاصحاب غيران عمر حاول المنع منه , لما استهجنه من توجه الناس الى عرفات و رؤوسهم تقطر
ما اجتهادا مجردا في مقابلة النص الصريح .و قد عرفت تشديده بشان المتعتين , لكن تعليله لذلك يبدو اغرب .اخرج مسلم باسناده عن ابي موسى انه كان يفتي بالمتعة , فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك فانك لا
تدري ما احدث امير المؤمنين في النسك بعد, حتى لقيه بعد فساله ـ فقال عمر:.كـرهـت ان يـظـلـوا مـعـرسـيـن بـهـن فـي الاراك ((1511)) ثـم يـروحون في الحج تقطر
رؤوسهم ((1512)) .ولعلها بقية من عقائد قديمة ((1513)) وقع مثلها في حياة الرسول (ص ) مما اثار غضبه .فـقـد اخرج مسلم باسناده عن عطا: ان جماعة من صحابة النبي (ص ) اهلوا بالحج مفردا فقدم النبي
صـبـاح رابعة مضت من ذي الحجة فامرهم ان يحلوا و يصيبوا النسا قال عطا: لم يعزم عليهم و لكن
احـلـهـن لهم فقال بعضهم لبعض : ليس بيننا و بين عرفة الا خمس , فكيف يامرنا ان نفضي الى نسائنا
فناتي عرفة تقطر مذاكيرنا.فـبلغ ذلك النبي (ص ) فقام فيهم و قال ـ مستغربا هذا الفضول من الكلام ـ : قد علمتم اني اتقاكم للّه
و اصدقكم ,ابركم و لولا هديي لحللت كما تحلون و لو استقبلت من امري ما استدبرت لم اسق الهدى
فحلوا قال جابر:فحللنا, و سمعنا و اطعنا.و فـي روايـة : فـكبر ذلك علينا و ضاقت به صدرورنا و في اخرى : كيف نجعلها متعة و قد سمينا
الحج فقال (ص ) :افعلوا ما آمركم به ففعلوا ((1514)) .و فـي حديث طويل اخرجه مسلم باسناده الى الامام جعفر بن محمد الصادق (ع )عن ابيه عن جابر,
يـشرح حج رسول الل ه (ص ) حتى ينتهي الى قوله (ص ) : ((فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل و
لـيـجـعـلـهـا عمرة )) قال :فقام سراقة بن مالك بن جعشم , فقال : يا رسول اللّه , العامنا هذا ام لابد؟
فقال (ص ) : بل لابد ابد ((1515)) .قـال العلامة الاميني : و لم يكن نهي عمر عن المتعتين الا رايا محضا و اجتهادا مجردا تجاه النص ,
امـا مـتـعـة الحج فقد نهى عنها لما استهجنه من توجه الناس الى الحج و رؤوسهم تقطر ما لكن اللّه
سـبـحـانـه ابـصـر مـنه بالحال , ونبيه (ص ) كان يعلم ذلك حين شرع اباحة متعة الحج حكما باتا
ابديا ((1516)) .قـال ابن قيم : و منهم من يعد النهي رايا رآه عمر من عنده , لكراهته ان يظل الحاج معرسين بنسائهم
في ظل الاراك قال ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد, قال : بينما انا واقف
مع عمر بن الخطاب بعرفة عشى ة عرفة , فاذا هو برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب , فقال له
عـمـر: امـحـرم انـت ؟ قـال :نـعـم فقال عمر: ما هياتك بهياة محرم , انما المحرم الاشعث الاغبر
الاذفر ((1517)) قال : اني قدمت متمتعا و كان معي اهلي , انما احرمت اليوم فقال عمر ـ عند ذلك :
لا تـتـمـتـعـوا في هذه الايام , فاني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوابهن في الاراك ثم راحوا بهن
حجاجا قال ابن قيم : و هذا يبين ان هذا من عمر راي رآه ((1518)) .
مذاهب الفقها في حج التمتع
ذهـب الـفـقـهـا مـن الامـامـيـة الى افضلية حج التمتع على الافراد و القران و انه فرض من ناى عن مكة ((1519)) .وقـالـت الـشـافعية : بافضلية الافراد ثم التمتع ثم القران , ان كان قد اعتمر في عامه , لان تاخيرالعمرة عن عام الحج عندهم مكروه ((1520)) .وقالت المالكية : بافضلية الافراد ثم القرآن ثم التمتع ((1521)) .والحنابلة : افضلها التمتع ثم الافراد ثم القران ((1522)) .والحنفية : افضلها القران ثم التمتع ثم الافراد ((1523)) .والمذاهب الاربعة جميعا قائلون بالتخيير.
التاسع ـ حديث الرجعة
قال تعالى : (و يوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بياتنا فهم يوزعون ) ((1524)) .هـذه الايـة الـكـريـمة اظهر آية دلتنا على ثبوت الرجعة , و هي الحشرة الصغرى قبل الحشرة
الـكـبرى يوم القيامة حيث التعبير وقع في هذه الاية بحشر فوج من كل امة , اي جماعة منهم و ليس
كلهم اما الحشر الاكبرفهوالذي قال فيه تعالى : (و حشرناهم فلم نغادر منهم احدا) ((1525)) و
قد تكرر قوله تعالى : (و يوم نحشرهم جميعا) ((1526)) .قـال الامـام الصادق (ع ) : هذا في الرجعة فقيل له : ان القوم يزعمون انه يوم القيامة اللّه يـوم الـقـيامة من كل امة فوجا و يدع الباقين ؟ حشرناهم فلم نغادرمنهم احدا) ((1527)) .و مـسالة الرجعة , حسبما تعتقده الشيعة الامامية , و هي رجعة اموات الى الحياة قبل قيام الساعة , ثم
يموتون موتهم الثاني , ليست بدعا من القول الى جنب قدرة اللّه تعالى في الخلق , كما قص في كتابه من
قـصـة عـزيـر, و اصـحاب الكهف , و الذين خرجوا من ديارهم و هم الوف , و السبعين رجلا من
قوم موسى , و غير ذلك مما وقع في امم خلت , فلا بدع ان يقع في هذه الامة مثلها.ولعلمائنا الاعلام بهذا الشان دلائل و مسائل استقصوا فيها الكلام نذكر منها:.وللصدوق (ره ) في رسالة الاعتقاد بيان واف بشان اثبات الرجعة , استشهد بيات جا فيها ذكر الاحيا
لامـوات فـي هذه الحياة , فبعثهم اللّه احيا بعد ما اماتهم , فعاشوا زمانا ثم ماتوا موتهم الثاني , نظير ما
نـقـولـه في الرجعة ,يعود اقوام الى الحياة ويعيشون فترة ثم يموتون قبل قيام الساعة كل ذلك دليل
على امكان الرجعة و انها ليست بدعا من القول او يستنكر الى جنب قدرة اللّه تعالى في الخلق .والايات التي استشهد بها هي :.1 ـ قـولـه تـعالى : (الم تر الذين خرجوا من ديارهم و هم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم
احـيـاهم ) ((1528)) هؤلا قوم حزقيل ـ و يقال له ابن العجوز ((1529)) ـ فروا من القتال او
الـطـاعـون ,فـامـاتهم اللّه فخرج حزقيل في طلبهم فوجدهم موتى فدعا اللّه ان يعيد اليهم الحياة
فاحياهم اللّه فرجعوا الى الدنيا و سكنوا الدور و اكلوا الطعام و نكحوا النسا و مكثوا ما شا اللّه ثم
ماتوا بجالهم ((1530)) .2ـ قـولـه : (او كـالذي مر على قرية و هى خاوية على عروشها قال انى يحيي هذه اللّه بعد موتها
فاماته اللّه مائة عام ثم بعثه ـ الى قوله ـ و لنجعلك آية للناس ) ((1531)) هو عزير, وقيل : ارميا
و كلا هما مروى , الاول عن الامام ابي عبد اللّه و الثاني عن الامام ابي جعفر(ع ).وروي عـن علي (ع ) ان عزير خرج من اهله و امراته حامل , و له خمسون سنة ثم لما رجع و هو
على سنه الاولى وجد ابنه اكبر منه , ابن مائة سنة و هذا من آيات اللّه ((1532)) .3ـ و قـولـه تعالى : (و اذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فاخذتكم الصاعقة و انتم
تـنـظـرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) ((1533)) قال الطبرسي :اي ثم احييناكم
لاستكمال آجالكم .قـال : و اسـتـدل قوم من اصحابنا بهذه الاية على جواز الرجعة و قول القائل : لا تجوز الا في حياة
الـنـبـي لتكون دليلا على نبوته باطل , لانه عندنا بل عند اكثر الامة يجوز اظهار المعجزات على
ايدي الائمة و الاوليا و قال ابو القاسم البلخي : لا تجوز الرجعة مع الاعلام بها, لاستلزامه الاغرا
بـالـمعاصي اتكالا على التوبة عند الكرة وجوابه : ان الرجعة التي نقول بها ليست لجميع الناس فلا
اغرا, اذ لا قطع برجوع اى احد ((1534)) .4ـ و قوله تعالى ـ خطابا مع عيسى (ع ) ـ : (و اذ تخرج الموتى باذني ) ((1535)) قال الصدوق :
و جميع الموتى الذين احياهم عيسى المسيح باذن اللّه , عاشوا فترة ثم ماتوا بجالهم .5 ـ و اصـحـاب الـكـهـف (لـبـثـوا في كهفهم ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعا) ثم بعثهم اللّه قال
تعالى :(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدا, ثم بعثناهم لنعلم اى الحزبين احصى لما لبثوا امدا ـ
الـى قـولـه ـ و كـذلـك بـعـثـنـاهم ليتسالوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوالبثنا يوما او بعض
يوم ) ((1536)) .قـال الـصدوق : و حيث كانت الرجعة في الامم السالفة , فلا غرو ان يقع مثلها في هذه الامة , كما في
الحديث : يكون في هذه الامة ما وقع في الامم السالفة ((1537)) .6ـ و زاد ابـو عـبـد اللّه الـمـفـيـد الاسـتـدلال بـقوله تعالى : (قالوا ربنا امتنا اثنتين و احييتنا
اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل ) ((1538)) فهذا الاعتراف و الاستدعا كان يوم
الـقيامة والمراد بالحياتين و المماتين : الحياة قبل الرجعة و الحياة بعدها و كذا الموتتان قبل و بعد
الرجعة و ذلك لانهم ندموا على ما فرط منهم في تينك الحياتين , و معلوم ان لا عمل نافعا و لا تكليف
الا في الحياة الدنيا.و قد استوفى الكلام حول الاية بمناسبة المقام , حسبما ياتي عند نقل كلامه .7 ـ و هـكذا قوله تعالى : (انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا) ((1539)) حيث سئل
عـن هـذا الـنـصر, فاجاب من وجوه : و قال : و قد قالت الامامية : ان اللّه تعالى ينجز الوعد بالنصر
للاوليا قبل الاخرة عند قيام القائم و الكرة التي وعد بها المؤمنين في العاقبة ((1540)) .8 ـ و اسـتـدل الـصدوق ايضا بقوله تعالى : (واقسموا باللّه جهد ايمانهم لايبعث اللّه من يموت ,بلى
وعدا عليه حقا و لكن اكثر الناس لا يعلمون ) ((1541)) .قـال : يعني في الرجعة , و ذلك انه يقول : (ليبين لهم الذي يختلفون فيه ) ((1542)) و التبيين يكون
في الدنيا ((1543)) .9 ـ و ذكـر جـار اللّه الـزمخشري في حديث ذي القرنين عن علي امير المؤمنين (ع ), ساله ابن
الكوا: ما ذوالقرنين , املك ام نبي , فقال : ليس بملك و لا نبي و لكن كان عبدا صالحا, ضرب على قرنه
الايـمـن فـي طاعة اللّه فمات , ثم بعثه اللّه فضرب على قرنه الايسر فمات , فبعثه اللّه فسمي ذا
لقرنين , و فيكم مثله ((1544)) يعني نفسه (ع ).قـال الـسيد رضي الدين بن طاووس : قول مولانا علي (ع ) : ((وفيكم مثله )) اشارة الى ضرب ابن
مـلـجـم له , و انه يعود الى الدنيا بعد وفاته كما رجع ذو القرنين و هذا ابلغ من روايات الشيعة في
الرجعة ((1545)) .10ـ و روى الـشـيخ حسن بن سليمان في كتابه المحتضر حديث الائمة الاثني عشر, رواه سلمان
الـفـارسي عن رسول اللّه (ص ) ثم قال سلمان : فبكيت و قلت يا رسول اللّه , فانى لسلمان لادراكهم ؟
قال : يا سلمان انك مدركهم و امثالك و من تولاهم حقيقة المعرفة قال سلمان : فشكرت اللّه كثيرا, ثم
قـلـت : يـا رسـول اللّه , اني مؤجل الى عهدهم ؟ قال : يا سلمان , اقرا: ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم و
امددناكم باموال وبنين و جعلنكم اكثر نفيرا) ((1546)) .قال سلمان : قلت بعهد منك يا رسول الل ه ؟ قال : اي و كل من هو منا و مظلوم فينا, ثم ليحضرن ابليس
و جـنوده و كل من محض الايمان محضا و محض الكفر محضا حتى تؤخذ الاوتار و الثارات , و لا
يظلم ربك احداو نحن تاويل هذه الاية : (و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الا رض و نجعلهم
ائمة ونجعلهم الوارثين و نمكن لهم في الا رض ) ((1547)) .قال العلامة المجلسي : و رواه ابن عياش في المقتضب باسناده الى سلمان ايضا ((1548)) .قلت : و هذا عن تاويل الايتين و تفسير معاني القرآن الباطنة .قـال ابو علي الطبرسي : و استدل بهذه الاية ـ سورة النمل / 83 ـ على صحة الرجعة من ذهب الى
ذلك من الامامية بان قال : ان دخول ((من )) في الكلام يوجب التبعيض , فدل ذلك على ان اليوم المشار
الـيـه فـي الايـة يحشر فيه قوم دون قوم , و ليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه : (و
حشرناهم فلم نغادرمنهم احدا).قـال : و قـد تـظاهرت الاخبار عن ائمة الهدى من آل محمد(ص ) في ان اللّه تعالى سيعيد عند قيام
المهدي قوماممن تقدم موتهم من اوليائه و شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و يبتهجوا بظهور دولته , و
يعيد ايضا قوما من اعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من الخزي و الهوان .قـال : و لايـشـك عاقل ان هذا مقدور للّه تعالى غير مستحيل في نفسه و قد فعل اللّه ذلك في الامم
الخالية , و نطق به القرآن في عدة مواضع , مثل قصة عزير و غيره على ما فسرناه في موضعه .قـال : الا ان جماعة من الامامية تاولوا ما ورد من الاخبار في الرجعة , الى رجوع دولة الحق , دون
رجوع الاشخاص باحيا الاموات و اولوا الاخبار الواردة في ذلك , ما ظنوا ان الرجعة تنافي التكليف .قال : و ليس كذلك , لانه ليس فيها ما يلجئ الى فعل الواجب و الامتناع من القبيح , والتكليف يصح معها
كمايصح مع ظهور المعجزات الباهرة و الايات القاهرة .قـال : و لان الـرجعة لم تثبت بظواهر الاخبار ليتطرق اليها التاويل , و انما المعول في ذلك اجماع
الشيعة الامامية ,و ان كانت الاخبار تعضده ((1549)) .وللعلامة المجلسي كلام مسهب حول مسالة الرجعة , اورد اكثر من مئتي حديث عن مصادر معتبرة ,
ثم يقول : وكيف يشك مؤمن بحقية الائمة الاطهار, فيما تواتر عنهم في قريب من مئتي حديث صريح
رواهـا نيف و اربعون من الثقات العظام والعلما الاعلام , في ازيد من خمسين من مؤلفاتهم ثم ياخذ في
تـعـداد من الف في ذلك بالخصوص , او اورد احاديثه في كتابه من قدما اصحابنا و متاخريهم و ياخذ
بالاستشهاد بيات , و كذاروايات عن غير طرق اهل البيت , مما يمس مسالة الرجعة او تكون نظيرة
لها فراجع ((1550)) .و كان بين السيد اسماعيل بن محمد الحميري و القاضي سوار ((1551)) مناوشة و عدا على عهد
المنصورالعباسي فمما جرى بينهماـ فيما رواه الشيخ ابو عبد اللّه المفيد باسناده الى الحرث بن عبد
اللّه الـربعي ـ قال : كنت جالسا في مجلس المنصور, و هو بالجسر الاكبر, و سوار عنده , و السيد
ينشده :.ان الاله الذي لا شي يشبهه ـــــ آتاكم الملك للدنيا و للدين .آتاكم اللّه ملكا لا زوال له ـــــ حتى يقاد اليكم صاحب الصين .و صاحب الهند ماخوذ برمته ـــــ وصاحب الترك محبوس على هون .حتى اتى على القصيدة و المنصور مسرور.فـقـال سوار: هذا و اللّه يا امير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه , و اللّه ان القوم الذين يدين
بحبهم لغيركم ,و انه لينطوي على عداوتكم .فـقـال السيد: و الل ه انه لكاذب , و اننى في مديحك لصادق , و لكنه حمله الحسد, اذ رآك على هذه
الحال و ان انقطاعي و مودتي لكم اهل البيت لمعرق ((1552)) لي فيها عن ابوى , و ان هذا و قومه
لاعداؤكم في الجاهلية والاسلام , و قد انزل اللّه عز و جل في اهل بيت هذا (ان الذين ينادونك من
ورا الحجرات اكثرهم لا يعقلون ) ((1553)) .فقال المنصور: صدقت .فقال سوار: يا امير المؤمنين , انه يقول بالرجعة , و يتناول الشيخين .فـقال السيد: اما قوله : باني اقول بالرجعة , فان قولي في ذلك على ما قال اللّه تعالى :(ويوم نحشر من
كـل امـة فـوجـا مـمـن يكذب بياتنا فهم يوزعون ) ((1554)) و قد قال في آخر: (و حشرناهم
فـلـم نـغـادر منهم احدا) ((1555)) فعلمت ان هاهنا حشرين : احدهما عام و الاخر خاص و قال
سبحانه : (ربناامتنا اثنتين و احييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل ) ((1556))
و قال اللّه تعالى : (الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم و هم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم
احياهم ) ((1557)) و قال اللّه تعالى : (فاماته اللّه ماة عام ثم بعثه ) ((1558)) .فـهـذا كـتاب اللّه عز و جل و قد قال رسول اللّه (ص ): ((يحشر المتكبرون في صورة الذر يوم
الـقـيـامة )) و قال (ص ): ((لم يجر في بني اسرائيل شي الا و يكون في امتي مثله حتى المسخ و
الـخـسـف و الـقـذف )) و قـال حذيفة : ((واللّه ما ابعد ان يمسخ اللّه كثيرا من هذه الامة قردة و
خنازير)).فالرجعة التي نذهب اليها هي ما نطق به القرآن و جات به السنة و انني اعتقد ان اللّه تعالى يرد هذا
ـ يعني سوارا ـ الى الدنيا كلبا او قردا او خنزيرا او ذرة , فانه و اللّه متجبر متكبر كافر فضحك
المنصور ((1559)) .وقـال الـشـيخ ابو عبد اللّه المفيد, في جواب من ساله عن قول مولانا جعفر بن محمد الصادق (ع )
:((لـيـس مـنا من لم يقل بمتعتنا و لم يؤمن برجعتنا)) ا هي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمنين او
لغيرهم من الظلمة الجائرين يوم القيامة ؟.فـاجاب عن المتعة بما اسلفنا ثم قال : و اما قوله (ع ) : من لم يؤمن برجعتنا فليس منا فانما اراد بذلك
مـا اخـتصه من القول به في ان اللّه تعالى يحيي قوما من امة محمد(ص ) بعد موتهم قبل يوم القيامة و
هذا مذهب مختص به آل محمد, و قد اخبر اللّه عز و جل في ذكر الحشر الاكبر: (و حشرناهم
فـلم نغادر منهم احدا) و قال في حشر الرجعة قبل يوم القيامة : (و يوم نحشر من كل امة فوجا ممن
يكذب بياتنا فهم يوزعون ) فاخبر ان الحشر حشران : حشر عام و حشر خاص و قال سبحانه يخبر
عمن يحشر من الظالمين انه يقول في القيامة يوم الحشر: (ربنا امتنا اثنتين و احييتنا اثنتين فاعترفنا
بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل ).وللعامة في هذه الاية تاويل مردود,و هو: ان المعنى بقوله : ( امتنا اثنتين ) انه خلقهم امواتا ثم اماتهم
بعدالحياة ((1560)) .و هذا باطل لا يجري على لسان العرب , لان الفعل لا يدخل الا على ما كان بغير الصفة التي انطوى
الـلـفظ على معناها, و من خلقه اللّه ميتا لا يقال له : اماته , و انما يقال ذلك فيمن طرا عليه الموت بعد
الحياة ((1561)) , و لذلك لايقال : جعله اللّه ميتا الا بعد ما كان حيا و هذا بين .قـال : و قـد زعـم بعضهم ان المراد بقوله : ( امتنا اثنتين ) الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور
للمسائلة ,فتكون الاولى قبل الاحيا و الثانية بعده .و هـذا ايضا باطل من وجه آخر, و هو: ان الحياة للمسائلة ليست لتكليف فيندم الانسان على ما فاته
فـي حياته , و ندم القوم على ما فاتهم في حياتهم مرتين , يدل على انه لم يرد حياة المسائلة , لكنه اراد
حـياة الرجعة التي يكون لتكليفهم الندم على تفريطهم , فلم يفعلوا فيندعون يوم العرض على ما فاتهم
من ذلك ((1562)) .و سـئل الـسيد المرتضى علم الهدى عن حقيقة الرجعة , لان شذاذ الامامية يذهبون الى ان الرجعة
رجوع دولتهم في ايام القائم (ع ) من دون رجوع اجسامهم .فـاجـاب (قـدس سـره ) بـان الـذي تذهب الشيعة الامامية اليه : ان اللّه يعيد عند ظهور امام الزمان
الـمـهـدي (ع ) قـوماممن كان قد تقدم موته من شيعته , ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و مشاهدة
دولـته , و يعيد ايضا قوما من اعدائه لينتقم منهم , فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق و علو كلمة
اهله .و الدلالة على صحة هذا المذهب ان الذي ذهبوا اليه بما لا شبهة على عاقل في انه مقدور للّه تعالى
غير مستحيل في نفسه , فانا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة انكار من يراها مستحيلة غير
مقدورة .و اذا ثبت جواز الرجعة و دخولها تحت المقدور, فالطريق الى اثباتها اجماع الامامية على وقوعها,
فانهم لا يختلفون في ذلك , و اجماعهم قد بينا في مواضع من كتبنا انه حجة .و قـد بـينا ان الرجعة لا تنافي التكليف , و ان الدواعي مترددة معها, حيث لا يظن ظان ان تكليف من
يـعـاد باطل وذكرنا ان التكليف كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة و الايات القاهرة , فكذلك مع
الرجعة , لانه ليس في الجميع ملجئ الى فعل الواجب و الامتناع من فعل القبيح .فـامـا مـن تاول الرجعة من اصحابنا, على ان معناها رجوع الدولة و الامر و النهي , من دون رجوع
الاشخاص واحيا الاموات , فان قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة و بيان جوازها و انها
تـنـافـي الـتـكليف , عولواعلى هذا التاويل للاخبار الواردة بالرجعة و هذا منهم غير صحيح , لان
الرجعة لم تثبت بظواهر الاخبار المنقولة ,فيطرق التاويلات عليها, فكيف يثبت ما هو مقطوع على
صـحـتـه بـاخـبـار الاحـاد الـتـي لا تـوجـب الـعلم و انماالمعول في اثبات الرجعة على اجماع
الامامية ((1563)) .و قال الامام كاشف الغطاـ ردا على من زعم ان القول بالرجعة ركن من اركان التشيع ـ ((1564)) :
.((وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم , و لا انكارها بضار, و ان كانت ضرورية عندهم ,
و لـكن لا يناطالتشيع بها وجودا و عدما و ليست هي الا كبعض انبا الغيب , و حوادث المستقبل , و
اشراط الساعة مثل : نزول عيسى من السما, وظهور الدجال , و خروج السفياني و امثالها, من القضايا
الـشائعة عند المسلمين , و ما هي من الاسلام في شي , ليس انكارها خروجا منه , و لا الاعتراف بها
بذاته دخولا فيه و كذا حال الرجعة عند الشيعة .ثـم قـال : هـل ترى المتهوسين على الشيعة بحديث الرجعة قديما و حديثا, عرفوا معنى الرجعة و
الـمـراد بها عندمن يقول بها من الشيعة ؟ و اي غرابة و استحالة في العقول ان سيحيي اللّه سبحانه
جـمـاعـة مـن الـناس بعد موتهم ,و اي نكر في هذا بعد ان وقع مثله بنص الكتاب الكريم الم يسمع
المتهوسون قصة ابن العجوز التي قصها اللّه سبحانه بقوله : (الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم و
هم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم ) ((1565)) الم تمر عليهم كريمة قوله تعالى :
(و يوم نحشر من كل امة فوجا) ((1566)) , مع ان يوم القيامة تحشر فيه جميع الامم لا من كل امة
فوج .قـال : و حـديـث الطعن بالرجعة كان داب علما السنة من العصر الاول الى هذه العصور, فكان علما
الجرح والتعديل منهم اذا ذكروا بعض العظما من رواة الشيعة و محدثيهم و لم يجدوا مجالا للطعن
فـيـه لـوثـاقته و ورعه وامانته نبزوه بانه يقول بالرجعة فكانهم يقولون : يعبد صنما او يجعل للّه
شريكا و نادرة مؤمن الطاق مع ابي حنيفة معروفة و انا لا اريد ان اثبت ـ في مقامي هذا و لا غيره ـ
صحة القول بالرجعة , و ليس لها عندي من الاهتمام قدر صغير او كبير, و لكني اردت ان ادل (فجر
الاسلام ) على موضع غلطه و سؤتحامله )) ((1567)) .و قـال الـعـلامـة الـعـميد الشيخ محمد رضا المظفر: الذي تذهب اليه الامامية اخذا بما جا عن آل
الـبيت (ع ) ان اللّه تعالى يعيد قوما من الاموات الى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها, فيعز فريقا و
يذل فريقا آخر, و يدين المحقين من المبطلين , والمظلومين منهم من الظالمين , و ذلك عند قيام مهدي
آل محمد(ع ).و لا يـرجـع الا مـن عـلت درجته في الايمان او من بلغ الغاية من الفساد, ثم يصيرون بعد ذلك الى
الـموت , و من بعده الى النشور و ما يستحقونه من الثواب او العقاب , كما حكى اللّه تعالى في قرآنه
الـكريم , تمنى هؤلاالمرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع , فنالوا مقت اللّه ان يخرجوا ثالثا لعلهم
يـصـلـحـون : ( قـالـوا ربـنـا امـتـنااثنتين و احييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من
سبيل ) ((1568)) .نـعـم قـد جـا الـقرآن الكريم بوقوع الرجعة الى الدنيا, و تظافرت به الاخبار عن بيت العصمة و
الامـامـية باجمعها عليه الا قليلون منهم تاولوا ما ورد في الرجعة بان معناها رجوع الدولة و الامر
والنهي الى آل البيت بظهور الامام المنتظر, من دون رجوع اعيان الاشخاص و احيا الموتى .ثـم يتعرض للنقاش حول امكان الرجعة , و الروايات الواردة بشانها, و انها مما تواترت عن ائمة آل
البيت و لاموضع للتشنيع بها على الشيعة و اخيرا يقول :.وعلى كل حال فالرجعة ليست من الاصول التي يجب الاعتقاد بها و النظر فيها و انمااعتقادنا بها كان
تـبـعـا للاثار الصحيحة الواردة عن آل البيت (ع ) الذين ندين بعصمتهم من الكذب , و هي من الامور
الغيبية التي اخبروا عنها, و لا يمتنع وقوعها ((1569)) .و فـسـر الايـة (النمل / 83) من لا يعتقد بالرجعة بانه حشر ثان الى النار, بعد الحشر الاكبر من
القبور.قـالوا: و المراد بالفوج هم الزعما و قادة الضلال , يحشرون الى النار في مقدمة اتباعهم فيساق ابو
جـهـل و الوليدبن المغيرة و شعبة بن ربيعة بين يدي كفار مكة و هكذا يحشر قادة سائر الامم بين
ايديهم الى النار ((1570)) .قـال الـزمخشري : (فهم يوزعون ) اي يحبس اولهم على آخرهم حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار
قال : و هذه عبارة عن كثرة العدد و تباعد اطرافه , كما وصفت جنود سليمان بذلك ((1571)) .قال تعالى ـ : (و حشر لسليمان جنوده من الجن و الا نس و الطير فهم يوزعون ) ((1572)) .غـيـر ان الذين يحشرون الى النار هم اعدا اللّه جميعا و ليس فريق منهم قال تعالى : (و يوم يحشر
اعدااللّه الى النار فهم يوزعون ) ((1573)) قوله : يوزعون , اي يدفع بعضهم بعضا فيتدافعون الى
النار لكثرتهم وازدحامهم .اما تلك الاية فالحشر و التدافع كان بالفوج فحسب , و ليس كل اعدا اللّه والتفسير بالزعما و القادة
امام الاتباع و السفلة , تخرص بالغيب لا مستند له .
العاشر ـ مسالة البدا
البدا في التكوين كالنسخ في التشريع , امر واقع , و قد صرح به الكتاب و تواترت به الروايات عن اهل بيت العصمة .و هو كالنسخ , له معنى باطل و مستحيل على اللّه تعالى , و هو عبارة عن نشاة راي جديد هذا المعنىمستحيل على اللّه , و لا تصح نسبته اليه تعالى شانه .ولـه معنى آخر, هو معقول , عبارة عن ظهور امر بعد خفائه على الناس كان يعلم به اللّه منذ الازل ,
و قـدره كـذلك منذ البد, و لكن لمصلحة في التكليف اخفاه ثم ابداه لوقته كما في مسالة النسخ , كان
الامـد (امد التكليف )معلوما للّه و مقدرا من البد, سوى ان الناس حسبوا دوامه و استمراره استنادا
الى ظهور اللفظ في الدوام , ما لم يات ناسخ .و هـكـذا الاجل في مسالة البدا, له ظاهر يعلمه اولو البصائر في اسرار الوجود, وله واقع يعلمه
علام الغيوب فيبديه لوقته وفق حكمته .فـالبدا من البدو, اي الظهور, انما يحصل للناس , و كانت نسبته الى اللّه مجازا بالمناسبة , لانه الذي
يظهره لهم وتشبيه في التعبير, كانه بدا للّه و هو في الحقيقة ابدا منه تعالى .و اليك من دلائل الكتاب ما يدلك على هذه الحقيقة , مشفوعة بنبذ من كلمات الائمة الاطهار.1ـ قال تعالى : (لكل اجل كتاب , يمحو اللّه ما يشا و يثبت و عنده ام الكتاب ) ((1574)) .الاجـال مـقـدرة فـي الازل حـسـب استعدادات الاشيا و الاشخاص كل بحسب ذاته وطبعه , لولا
عروض الطوارئ المغيرة للاجال , و التي لا يعلمها سوى اللّه , و من ثم يمحو ما يشا و يثبت و عنده
ام الكتاب , اي العلم النهائي المكنون في اللوح المحفوظ.فعلمه تعالى التدبيري لاحوال الخلق علمان : علم مخزون لا يعلمه سوى اللّه , و هو المسمى باللوح
الـمـحفوظ وعلم علمه ملائكته و انبياه و سائر اوليائه , و هو الذي يصير فيه البدا, المعبر عنه
بلوح المحو و الاثبات .قال الامام الصادق (ع ) : ((ان للّه علمين , علم مكنون مخزون لا يعلمه الا هو, من ذلك يكون البدا و
علم علمه ملائكته و رسله و انبياه و نحن نعله )) ((1575)) .قـولـه : ((من ذلك يكون البدا)) اي منشا البدا هو ذلك العلم الازلي المخزون الذي لا يتغير فهناك
علم يكون منه البدا, و هو اللوح المحفوظ و علم يكون فيه البدا, و هو لوح المحو و الاثبات .قال (ع ) : ((من زعم ان اللّه عز و جل يبدو له في شي لم يعلمه امس , فابرؤوا منه )) ((1576))
و هذا هو معنى البداالباطل , المستحيل على اللّه سبحانه و تعالى .2 ـ و قال تعالى : (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا, و اجل مسمى عنده ) ((1577)) .فـهناك اجلان : اجل قضى و قدر حسب طبائع الاشيا و استعداداتها يعلمه من يعلم من اسرار طبيعة
الوجودحسبما علمه اللّه و فيه البدا, و اجل مسمى عنده في علمه المخزون الذي لا يتغير و يكون
منه البدا حسب تعبير الامام الصادق (ع ).و قد احتار الامام الرازي في تفسير هذه الاية و الاية الاولى قال في قوله تعالى : ((و اجل مسمى
عنده )) :اختلف المفسرون على وجوه :.الاول : ((قضى اجلا)): آجال الماضين , ((و اجل مسمى )) : آجال الباقين .الثاني : ان الاول اجل الموت , و الثاني اجل القيامة .الثالث : ان الاول اجل هذه الحياة , و الثاني اجل الحياة البرزخية .الرابع : القبض عند النوم , و القبض عند الموت .الخامس : مقدار ما انقضى من العمر, و مقدار ما بقي من العمر.السادس : و هو قول الحكما: احدهما الاجال الطبيعية , و الثاني الاجال الاخترامية ((1578)) .وقـال فـي قوله تعالى : (يمحو اللّه ما يشا و يثبت ): في هذه الاية قولان : القول الاول : انها عامة في
كل شي , فهو تعالى يزيد في الرزق و ينقص , و كذا في الاجل والسعادة و الشقا و الايمان و الكفر و
هو مذهب جماعة من السلف .القول الثاني : انها خاصة ببعض الاشقيا قال : و على هذا التقرير ففي الاية وجوه :.الاول : المحو و الاثبات , بنسخ حكم سابق و اثبات حكم لاحق .الثاني : المحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة و لا سيئة .الثالث : اثبات الاثم بالذنب و محوه بالتوبة .الرابع : يمحو ما يشا, اي يتوفى من جا اجله و يثبت من لم يجئ اجله فيبقيه .الخامس : يثبت في ابتدا السنة فاذا انتهت محاه .السادس : يمحو نور القمر و يثبت نور الشمس .